مسودة:ساب النبي

سابُّ النَّبيّ، أي مَن يتعرّض بالإهانة أو الشتم للنبيّ محمد، يُعدّ من الموضوعات الفقهية التي حُكم فيها بالقتل في الفقه الإسلامي. ويُعتبر هذا الحكم من الأحكام المعتمدة لدى فقهاء الشيعة وأهل السنّة، استناداً إلى الروايات المستفيضة وإجماع الفقهاء. وتُعَدّ فتوى الإمام الخميني بشأن سلمان رشدي من أبرز تطبيقات هذا الحكم.

وبحسب ما يراه بعض فقهاء الشيعة، فإنّ من يطّلع على صدور إساءة أو سبّ بحقّ النبيّ محمد، يمكنه قتل السابّ، دون حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي. ولا يُطبق حكم سبّ النبي في الفقه الشيعي في حالات مثل عدم قصد السابّ، أو التقية، أو عدم اختيار الشخص. وفي الفقه الشيعي، يُلحَق حكم سبّ سائر المقدسات، مثل الله والأئمة والسيدة الزهراء، بحكم سبّ النبي.

المفهوم والمكانة

سابُّ النَّبيّ، هو من يسبّ النبي محمد. وفقًا لبعض الدراسات، فإنّ عبارة سبُّ النبي لا تقتصر على السبّ اللفظي فحسب، بل تشمل كلَّ صور الإهانة والانتقاص، والسخرية من النبي. واعتبر المقدس الأردبيلي، أحد فقهاء القرن العاشر الهجري، أنّ التعبيرات «السَبّ»، و«الشَتْم»، و«النَيْل» في الروايات متساوية في المعنى، وأنّ جميعها تدخل ضمن إهانة النبي. في المقابل، يرى حسين علي منتظري، أحد فقهاء القرن الرابع عشر الهجري، أنّ سبّ النبي هو مجرد الشتم والسبّ، ولم يشمل بذلك الإهانات الأخرى.

وفي معظم المصادر الحديثية والفقهية لدى الشيعة، يُذكر سبُّ النبي ضمن قسم الحدود، وفي سياق مسائل حد القذف. وأما أهل السنة فعادةً يدرجونه تحت مسائل الارتداد ويعتبرون الشخص المرتكب مرتدًّا. كما جاء حكم سبّ النبي في المادة 262 من قانون العقوبات الإسلامي في إيران وفي الملاحظة الملحَقة بها.

وجاء حكم الإمام الخميني بإعدام سلمان رشدي بسبب تأليفه كتاب «الآيات الشيطانية»، ليصبح تنفيذ حكم سبّ النبيّ قضيةً ذات اهتمام عالمي. واعتبر البعض أنّه من أبرز التحديات التي تواجه هذا الحكم: تعارضه مع حرية التعبير.

الحكم الفقهي

يُعدّ السبّ للنبي محمد من الذنوب التي لها حد شرعي. وبالإضافة إلى حرمته، يُحكم على السابّ بالقتل. هذا الحكم مقبول لدى كلّ من الشيعة وأهل السنة.وبالسبّ للنبي، يصبح قتل السابّ واجبًا على من يسمع الإساءة. وقال الشهيد الثاني، من فقهاء القرن العاشر الهجري، إنّ هذا الحكم لا يُلغى حتى لو تاب السابّ.

مستند الحكم الفقهي

الأساس الشرعي لحكم سبّ النبي هو الروايات المستفيضة. وإجماع بعض فقهاء الشيعة، حيث رأوا أنّ مجرد عنوان «سبّ النبي» كافٍ لإثبات حكم القتل على السابّ، دون الحاجة إلى تحقيق، بينما اعتبر آخرون سبّ النبي من مسائل الارتداد، وعدّوا الحكم بقتل سابّ النبيّ من تطبيقات حكم الارتداد. كما يرى مقدس الأردبيلي أنّ وجوب احترام النبي من ضروريات الدين، ومن ينكر هذا الوجوب يكون مرتدًا.ويعتقد بعض الباحثين أنّ سبّ النبي يعتبر هجومًا على الإسلام والمذهب، فيجب قتل السابّ للدفاع عن الدين.

كيفية تنفيذ الحكم، والاستثناءات

بحسب صاحب الجواهر الفقيه الشيعي في القرن الثالث عشر، فإنّ الرأي المشهور في الفقه الشيعي هو أنّ تنفيذ حكم سبّ النبي لا يحتاج إلى إذن الإمام أو حاكم الشرع، وكل من يسمع السبّ يمكنه قتل السابّ. بينما يرى الشيخ المفيد أنّ تنفيذ هذا الحكم من اختصاص الحاكم الإسلامي. كما ذُكر أنّ قتل السابّ لا يكون واجباً إلا على مَن يأمن على نفسه وماله وعِرضه. ومع ذلك، يرى المقدس الأردبيلي من فقهاء الشيعة في القرن العاشر الهجري أنّ الشخص يمكنه قتل السابّ حتى لو لم يكن في أمان.

ورفض بعض الفقهاء تنفيذ الحكم في الحالات التالية:

• عدم قصد السبّ؛
• السبّ في حالة الغضب الشديد؛
• افتقاره إلى الاختيار؛
• حالة التقية أو الإكراه؛
• الجهل.

نماذج من سبّ النبي، والردود عليه

وفقًا لرواية عن الإمام محمد الباقر، أمر النبي بقتل رجل من قبيلة هذيل كان يسبّه، وقد نفّذ بعض الصحابة الأمر. وإنّ جميع المشركين عُفي عنهم عند فتح مكة إلا بعض الأشخاص، بما في ذلك امرأتان كانتا تستهزئان من النبي ويؤذيان سمعته، فأمر النبي بقتلهما.

وفي سبتمبر 1988م، نُشر كتاب الآيات الشيطانية، وهو رواية مهينة للنبي، وأصدر الإمام خميني فتوى قتل سلمان رشدي، مؤلف الكتاب. وأقام المسلمون احتجاجات ضد الكاتب والناشر في مختلف أنحاء العالم. وتعرض سلمان رشدي للطعن عام 2020م وأصيب في رقبته.

ونشرت أيضاً صحيفة دنماركية في 30 سبتمبر 2005م رسومًا كاريكاتيرية مهينة للنبي، فتسبب ذلك في مقاطعة المنتجات الدنماركية. وفي 2011م، نشر مجلة فرنسية رسومًا مسيئة للنبي فأدى ذلك إلى احتجاجات في دول عدة.

سب سائر المقدسات

المقالة الرئيسة: الإساءة للمقدسات

وفي المصادر الفقهيّة، جرى تطبيق حكم سابّ النبيّ، أو جرت مناقشته في الموارد الآتية:

• الله والملائكة؛
• الأئمة والسيدة الزهراء: يرى صاحب الجواهر أنّ حكم سبّ النبي ينطبق على الأئمة والسيدة الزهراء بالإجماع.
• الأنبياء الآخرون: يرى صاحب الرياض أنّ سبّ جميع الأنبياء يُعدّ سبّ النبي. ويلاحظ صاحب الجواهر أنّه مع أنّ السبّ للأنبياء الآخرين قد يُعدّ ارتدادًا، فإنّ تطبيقه ضمن حكم سبّ النبي الذي هو أشدّ، فيه إشكال.
• آمنة (أمّ النبي): اعتبر بعض الفقهاء سبّ آمنة، أم النبي، كسبّ النبي نفسه. ويذكر العلامة الحلي أنّ المساواة في الحكم تثبت فقط عند نسبة القذف إليها. أمّا صاحب الجواهر فيُجري الحكم إذا أدّى سبّ آمنة إلى سبّ النبيّ، وأمّا في غير هذه الصورة فيعدّ المسألةَ محلَّ إشكال.
• الأقرباء الآخرون للنبي والأئمة (أولاد الأئمة): وبحسب ما ذكره صاحب الجواهر، فإنّ سبَّ سائر أقرباء النبيّ لا يُلحَق بحكم سبّ النبيّ إلا إذا أدّى إلى سبّ النبيّ نفسه.

كتب حوله

• «رسالة في مسائل الصوم والسب‌ّ»، من تأليف حيدر علي بن الميرزا محمد بن الحسن الشيرواني.
• تحليل جرم سب‌النبي در فقه اسلامي وقوانين كيفري (تحليل جريمة سبّ النبي في الفقه الإسلامي والقوانين الجزائية)، بالفارسية من تأليف عبد الله بهمن بوري وحسن حقاني خواه، صدر عام 1397ش عن دار مجد للنشر.

المصادر والمراجع

{{محمد بن عبد الله }}