مسجد الضرار
مسجد الضِرار، هو بناءٌ شيَّده المنافقون في المدينة المنوّرة، فأمر النبيّ
بهدمه. وقد نزلت الآيتان 107 و108 من سورة التوبة بشأن بناء هذا المسجد، وسمي بـ"ضرار" بناء على هاتين الآيتين.
شُيِّد هذا البناء بغرض إثارة الفرقة بين المؤمنين، واتّخاذه قاعدةً للمنافقين؛ غير أنّ مؤسسيه كانوا يَدّعون أنّهم أقاموه لِأجل المرضى والعاجزين الذين لا يقدرون على الحضور في مسجد قباء.
مقدّمة موجزة
ذُكر اسم مسجد الضرار في القرآن، فبحسب ما ورد في الآية 107 من سورة التوبة، فإنّ هذا المسجد قد شُيّد لغرض نشر الكفر، وإيجاد الفرقة والاختلاف بين المؤمنين، وليكون قاعدةً ضدّ النبي
،[١] لكن بُناته كانوا يَدّعون أنّهم أقاموه للمرضى والمُبتَلين الذين لا يقدرون على حضور مسجد قباء.[٢] وجاء في الآية أنّ هذا المسجد كان مُقرَّراً أن يكون قاعدةً لنشاطات المنافقين ضدّ رسول الله
.[٣]
بُناة المسجد
قام ببناء مسجد الضرار جماعة من المنافقين في المدينة ومن قبيلة بني غنم بن عوف.[٤] وروي أنّهم كانوا خمسة عشر رجلاً،[٥] وقال آخرون: كانوا اثني عشر رجلاً، وكان قائدهم مُجَمِّع بن جارية.[٦]
وورد أنّ المحرض الرئيس لبناء مسجد الضرار كان رجلاً يُدعى أبا عامر من أشراف الأوس، وهو والد حنظلة من أصحاب النبي.[٧] وقد مال إلى الرهبانية في الجاهلية، واشتهر بـأبي عامر الراهب. وبعد الإسلام خالف قومه فاختار الكفر، وجادل النبي
، ثم توجّه إلى مكة حيث أعان المشركين في قتال المسلمين، فسمّاه النبي فاسقاً. وبعد فتح مكة رحل إلى الطائف ثم إلى الشام حيث اعتنق النصارنية، وتوفّي هناك في السنة العاشرة للهجرة.[٨]
الدافع
قام المنافقون ببناء مسجدٍ كي لا يُصلّوا جماعة في مسجد قباء.[٩] وكان دافعهم الحسد تجاه قبيلة بني عمرو بن عوف؛ إذ كانوا قد بنوا مسجد قباء في المدينة عند قدوم النبي
، وقد صلّى فيه النبي.[١٠] وبحسب ما ذكره جعفر السبحاني، فإنّ المنافقين، في غياب النبي
، اختاروا موضعاً، وأسرعوا في تشييده تحت اسم "مسجد". وحين عاد النبي
إلى المدينة، طلبوا منه أن يفتتح هذا المكان بصلاته فيه.[١١]
وبحسب ما ورد في بعض المصادر فإنّ أبا عامر، الذي عُدّ المسبب الرئيس لبناء مسجد الضرار،[١٢] بعث رسالةً إلى أنصاره في المدينة يُخبرهم بأنّه سيأتي قريباً مع جيشٍ من قِبَل هرقل، إمبراطور الروم، ليُخرج النبي(ص) وأصحابه من المدينة. وطلب من أنصاره أن يُعِدّوا له موضعاً لنشاطاته المستقبلية، وأن يجمعوا السلاح والرجال.[١٣]
موقع المسجد
كان هذا المسجد في جزءٍ من دار خذام بن خالد،[١٤] وذُكر أنّه كان في دار وديعة بن خُذام.[١٥] وأورد ابن هشام أنّ خذام بن خالد كان من المنافقين ومن قبيلة بني عمرو بن عوف.[١٦]
نزول الآية
بعد بناء مسجد الضرار، جاء بُناته إلى النبي
، وطلبوا منه أن يُصلّي فيه لافتتاحه ونيل البركة بدعائه.[١٧] لكنّ النبي
كان متوجّهاً إلى غزوة تبوك فأخّر الأمر إلى حين عودته.[١٨] وعندما رجع من تبوك، وبلغ موضعاً يُسمّى "ذو أوان" (أو "آروان") قريباً من المدينة، نزلت الآيتان 107 و108 من سورة التوبة؛ ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾.[١٩]
أمر الهدم
بعد نزول الآية 107 من سورة التوبة، أمر النبي مالك بن دُخْشُم ومَعْن بن عَدي[٢٠] (أو أخاه عاصم بن عدي،[٢١] وقيل: جماعةً منهم وحشي[٢٢] قاتل حمزة بن عبد المطلب) أن يهدموا المسجد، ويحرقوه، فهدموه، وسوَّوه بالأرض.[٢٣] ثم صار موضعه -وبأمر النبي
- مكاناً لإلقاء القمامة والجيفة.[٢٤]
وبحسب الواقدي، فإنّ أبا لبابة الأنصاري بنى بيتاً من خشب المسجد المهدوم. وقيل إنّه لم يُولَد فيه مولود، ولا وقع فيه حمام، ولا آوى إليه طير، ولا حُفِر فيه جحر، بل كان يخرج منه الدخان.[٢٥] وقد رجّح الحلبي أنّ بناء هذا البيت كان بعد أن أمر النبي
أن يكون الموضع مَرمى للقمامة والجيَف.[٢٦]
الهوامش
- ↑ انظر: الطباطبائي، الميزان، 1417هـ، ج9، ص389-390.
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص173؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج2، ص110.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، 1417هـ، ج9، ص389-390.
- ↑ ابن شُبّة، تاريخ المدينة المنوّرة، 1410هـ، ج1، ص51-52؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص329-330؛ الحلبي، السيرة الحلبية، ج3، ص203.
- ↑ الواقدي، كتاب المغازي، 1966م، ج3، ص1047.
- ↑ انظر: ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص174؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 1413هـ، ج2، ص300.
- ↑ الواقدي، كتاب المغازي، 1966م، ج3، ص1046، 1049، 1073؛ الحلبي، السيرة الحلبية، ج3، ص203.
- ↑ الواقدي، كتاب المغازي، 1966م، ج1، ص205-206، ج2، ص441؛ ابن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص234-235؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص330؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص140.
- ↑ ابن شُبّة، تاريخ المدينة المنوّرة، 1410هـ، ج1، ص51-52؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص329-330؛ الحلبي، السيرة الحلبية، ج3، ص203.
- ↑ ابن شُبّة، تاريخ المدينة المنوّرة، 1410هـ، ج1، ص51-52؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص329-330؛ الحلبي، السيرة الحلبية، ج3، ص203.
- ↑ السبحاني، فروغ أبديت، 1385ش، ص883.
- ↑ الواقدي، كتاب المغازي، 1966م، ج3، ص1046، 1049، 1073؛ الحلبي، السيرة الحلبية، ج3، ص203.
- ↑ الحلبي، السيرة الحلبية، ج3، ص203؛ الحسني، سيرة المصطفى، ص638.
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص174؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص277.
- ↑ البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص277.
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص174.
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص173؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج2، ص110.
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص174.
- ↑ السيوطي، الدر المنثور، 1404هـ، ج3، ص277.
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص173-174.
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص173-174؛ الواقدي، كتاب المغازي، 1966م، ج3، ص1046.
- ↑ الحلبي الشافعي، السيرة الحلبية، ج3، ص202-203.
- ↑ الواقدي، كتاب المغازي، 1966م، ج3، ص1046؛ ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص173-174؛ الحلبي الشافعي، السيرة الحلبية، ج3، ص202-203.
- ↑ الحلبي الشافعي، الناشر: دار الكتب العلمية، ج3، ص203.
- ↑ الواقدي، كتاب المغازي، 1966م، ج3، ص1047؛ الحلبي الشافعي، السيرة الحلبية، ج3، ص203.
- ↑ الحلبي الشافعي، السيرة الحلبية، ج3، ص203.
المصادر والمراجع
- ابن سيّد الناس، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، تحقيق: محمد عيد خطراوي ومحيي الدين مستو، المدينة المنوّرة، 1413هـ/1992م.
- ابن شُبّة النميري، تاريخ المدينة المنوّرة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، أفست قم، 1410هـ/1386ش.
- ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الإبياري وعبد الحفيظ الشلبي.
- البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: محمود فردوس العظم، دمشق، 1997-2000م.
- البلاذري، أحمد بن يحيى، كتاب جمل من أنساب الأشراف (ج1)، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، بيروت، دار الفكر، 1417هـ/1996م.
- الحسني، هاشم معروف، سيرة المصطفى، بيروت، 1406هـ/1986م.
- الحلبي الشافعي، أبو الفرج، السيرة الحلبية، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت.
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، بيروت.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، دفتر انتشارات إسلامي، 1417هـ.
- الواقدي، محمد بن عمر، كتاب المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، القاهرة، 1966م.
- السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404هـ.