رزية يوم الخميس

مقالة مرشحة للجودة
من ويكي شيعة

رزية يوم الخميس، حادثة وقعت قُبيل رحيل رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم يوم الخميس، والتي سمّاها ابن عباس "رزية الخميس" أي "مصيبة يوم الخميس" عندما طلب النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم دواة وقرطاساً؛ ليكتب للأمة كتاباً لن تضل بعده أبداً. فأبى ذلك عمر بن الخطاب بمقولته الشهيرة (إنَّ الرجل ليهجُر)، فاختلف الحاضرون في المجلس، فمنهم من قبل باستجابة ما يطلبه النبي صلی الله عليه وآله وسلم، ومنهم من وافق عمر على رأيه، فطردهم رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم من محضره.

قال علماء الشيعة: إنَّ النبيصلی الله عليه وآله وسلم أراد كتابة كتاب يؤكّد فيه على خلافة الإمام علي عليه السلام من بعده، وأنّ هذا الحدث مصيبة كبرى كما سماها ابن عباس، وذكر علماء أهل السنة عدة تبريرات لقول عمر بن الخطاب حول النبي.

شرح الحادثة

ذكرت المصادر الروائية والتاريخية إنَّ النبي (ص) في يوم 25 صفر سنة 11 هـ عندما كان مريضا وفي أخريات أيام حياته طلب قلم ودواة لكي يكتب كتابا يكون حافظا وواقيا للمسلمين من الانحراف والضلال من بعده،[ملاحظة ١]ولكن خالف أحد الحاضرين وصية النبي (ص) وقال: إنَّ نبي الله ليهجر،[ملاحظة ٢]فوقع الخلاف بين الأصحاب الذين كانوا عند النبي (ص)، ولما رأى النبي (ص) الخلاف طردهم من عنده وأمرهم بالخروج، ذكرت أكثر المصادر أنَّ الذي عارض كتابة النبي (ص) للكتاب هو عمر بن الخطاب،[١] ولم تصرح بعض المصادر باسمه.[٢]

يرى علماء الشيعة أنَّ النبي (ص) أراد أن يؤكد بحديث الدواة خلافة علي بن أبي طالب (ع) من بعده، ولكن بعض الحاضرين عرف بهذا الأمر فعارضه ومنعه، وهذا ما دار في الحديث بين ابن عباس وعمر بن الخطاب، حيث قال عمر بن الخطاب لابن عباس: يا ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين، قال: لكنّي أدري. قال: ما هو، يا أمير المؤمنين؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة، فتُجْحفوا الناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت، ووفقت، فأصابت.[٣]

سبب انصراف النبي (ص) عن الكتابة

ذكر بعض علماء الشيعة أنَّ سبب ترك النبي (ص) لكتابة وصيته بعد حادثة رزية الخميس لعدم الفائدة لهذه الوصية فلو كتب وصيته لقيل أنه كتبها أثناء فترة هجرانه وهذيانه.[٤]

مصادرها

وردت حادثة رزية يوم الخميس وما جرى فيها في الكثير من المصادر الإسلامية عند الشيعة وأهل السنة مثل: صحيح البخاري،[٥] صحيح مسلم،[٦] مسند أحمد بن حنبل،[٧] سنن البيهقي،[٨] طبقات ابن سعد[٩] من كتب أهل السنة، أما في كتب الشيعة: الإرشاد،[١٠] أوائل المقالات،[١١] غيبة النعماني،[١٢] ومناقب ابن شهر آشوب.[١٣]

الموقف منها

تعددت المواقف حول رزية يوم الخميس وما جرى فيها وتباينت بين المسلمين، وهي:

موقف الشيعة

كتاب النفيس في بيان رزية الخميس للشيخ عبد الله دشتي

اعتبر علماء الشيعة أنَّ ما جرى يوم رزية الخميس مصيبة كبرى إذ مُنع رسول الله (ص) من كتابة كتاب يمنع المسلمين من الضلال من بعده،[١٤] وقد نقلت بعض مصادر أهل السنة هذا المعنى عن ابن عباس حيث اعتبر ما وقع مصيبة كبرى؛ ولذلك سماها رزية يوم الخميس.[١٥]

لقد ذكر السيد شرف الدين في كتابه المراجعات عدة إشكالات ترد على عمر بن الخطاب إذا لاحظنا بعض الآيات القرآنية، والإشكالات هي:

  1. مخالفة أمر رسول الله (ص) ومعصيته.
  2. إظهار أنَّ عمر بن الخطاب أعرف من رسول الله (ص) بالقرآن وآياته.
  3. إتهام النبي (ص) بالهجر والهذيان.[١٦]

من وجهة نظر الشيعة فإنَّ عمر بن الخطاب قد خالف بعض آيات القرآن الكريم، ومنها:

  • ﴿وَمَا آتَاکمُ الرَّ‌سُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکمْ عَنْهُ فَانتَهُوا.[١٧]
  • ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُکمْ وَمَا غَوَیٰ*وَمَا ینطِقُ عَنِ الْهَوَیٰ*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْی یوحَیٰ.[١٨]

ولذلك قال السيد عبد الحسين شرف الدين أنَّ عبارة (قد غلب علیه الوجع) هو تصرف من محدثي أهل السنة في مفردات الحديث من أجل تخفيف قباحة العبارة الواردة في أصل الحديث.[١٩]

موقف أهل السنة

ذكر علماء أهل السنة عدة توجيهات لما جرى يوم رزية الخميس:

  • قال بعضهم أنَّ رواية رزية الخميس ضعيفة السند وغير معتبرة على الرغم من ورودها في صحيحي البخاري ومسلم.[٢٠]
  • إنَّ قول (هجر) إنما صدر من قائله بسبب حالة الذهول التي أصابته بسبب الحادث العظيم لفقد النبي (ص).[٢١]
  • إنَّ كلام عمر كان على نحو الاستفهام الاستنكاري أي أنَّ النبي (ص) لا يهجر.[٢٢]
  • إنَّ كلام عمر في الرجوع إلى القرآن والاكتفاء به وعدم الحاجة لوصية النبي (ص) كان دليلا على دقة نظره.[٢٣]
  • في بعض النقول لم يحدد شخص واسم القائل لعبارة (إنَّ النبي يهجر) وما شابهها، بل نُقلت بصورة جمعية.[٢٤]
  • لعل النبي (ص) حين أمرهم بإحضار الدواة والبياض لم يكن قاصداً لكتابة شيء من الأشياء، وإنما أراد اختبارهم لا غير، فهدى الله عمر لذلك دون غيره من الصحابة، فمنعهم من إحضارهما.
  • إنّ الأمر لم يكن أمر عزيمة، بل كان أمر مشورة، وكانوا يراجعونه (ص) في بعض تلك الأوامر وكان عمر صاحب إلهام من الله، وقد أراد التخفيف عن النبي (ص) إشفاقاً عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض والوجع، وقد رأى - عمر - أن ترك إحضار الدواة والبياض أولى.
  • ربما خشي - عمر - أن يكتب النبي (ص) أمورا يعجز عنها الناس، فيستحقون العقوبة بسبب ذلك، لأنها تكون منصوصة لا سبيل إلى الاجتهاد فيها.
  • لعل - عمر - خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب، لكونه في حال المرض، فيصير سبباً للفتنة.[٢٥]

الهوامش

  1. البخاري، صحیح البخاري، ج 1، ص 37، ج 4، ص 66، ج 5، ص 137 - 138، ج 7، ص 9؛ النيسابوري، صحیح مسلم، ج 5، ص 75 - 76؛ ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، ص 242 - 245.
  2. ابن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج 2، ص 45؛ البیهقي، السنن الکبری، ج 9، ص 207.
  3. السبحاني، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، ج‌ 1، ص 469‌.
  4. شرف الدین، المراجعات، ص 527.
  5. البخاري، صحیح البخاري، ج 1، ص 37، ج 4، ص 66، ج 5، ص 137 - 138، ج 7، ص 9.
  6. النيسابوري، صحیح مسلم، ج 5، ص 75 - 76.
  7. ابن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج 2، ص 45.
  8. البیهقي، السنن الکبری، ج 9، ص 207.
  9. ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، ص 242 - 245.
  10. المفید، الإرشاد، ج 1، ص 184.
  11. المفید، اوائل المقالات، ص 406.
  12. النعماني، الغیبة، ص 81 - 82.
  13. ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 236.
  14. الجوهري، مقتضب الأثر، ص 3.
  15. البخاري، صحیح البخاري، ج 5، ص 137 - 138؛ النيسابوري، صحیح مسلم، ج 5، ص 76.
  16. شرف الدین، المراجعات، ص 526.
  17. الحشر: 7.
  18. النجم: 2 - 5.
  19. شرف الدین، المراجعات، ص 520 - 521.
  20. ابن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة الرسالة، ج 2، ص 105.
  21. القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ج 4، ص 560.
  22. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج 8، ص 133.
  23. البيهقي، دلائل النبوة، ج 7، ص 183.
  24. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 320.
  25. شرف الدين، الاجتهاد في مقابل النص، ص 156-159.

الملاحظات

  1. نقلت المصادر هذا النص بعدة عبائر، ومنها:
    • ائتوني بدواة وکتف أکتب لکم کتابا لا تضلّوا بعده أبدا. (المفید، الإرشاد، ج 1، ص 184؛ البخاري، صحیح البخاري، ج 4، ص 66؛ النيسابوري، صحیح مسلم، ج 5، ص 76.)
    • هلُمّ اکتب لکم کتابا لا تضلون بعده. (النيسابوري، صحیح مسلم، ج 5، ص 76.)
    • ائتوني بدواة وصحیفة أکتب لکم کتابا لا تضلوا بعده أبدا. (ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، ص 242.)
  2. ذكرت المصادر عدة عبائر للكلمة التي قالها عمر بن الخطاب، ومنها:
    • فقالوا: أتراه يهجر؟ (البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 562.)
    • غلبه الوجع. (ابن كثير، البداية والنهاية، ج 4، ص 451.)
    • إنَّ نبي الله لیهجر. (ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، ص 187.)
    • إنَّ رسول الله یهجر. (النيسابوري، صحیح مسلم، ج 5، ص 76.)
    • إنَّ الرجل لیهجر. (ابن تیمیة، منهاج السنة، ج 6، ص 19.)
    • أهجر رسول الله؟ (ابن تیمیة، منهاج السنة، ج 6، ص 24.)
    • ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه؟ (البخاري، صحیح البخاري، ج 4، ص 9؛ النووي، صحیح مسلم بشرح النووي، ج 11، ص 93.)
    • إنَّ النّبي قد غلب علیه (غلبه) الوجع وعندکم القرآن حسبنا کتاب الله. (البخاري، صحیح البخاري، ج 4، ص 9، ج 7، ص 120؛ النووي، صحیح مسلم بشرح النووي، ج 11، ص 90.)

المصادر والمراجع

  • ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، بيروت، دار الكتب، 1457 هـ.
  • ابن تیمیة، أحمد بن عبد الحلیم، منهاج السنة النبویة، المحقق: محمد رشاد سالم، الریاض، جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامیة، 1406 هـ.
  • ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، 1379 هـ.
  • ابن حنبل، أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، المحقق: محمد عبد القادر عطا، بیروت، دار الکتب العلمیة، 2008 م.
  • ابن حنبل، أحمد بن محمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، د.م، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421 هـ/ 2001 م.
  • ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الکبری، بيروت، دار صادر، د.ت.
  • ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، قم، علامه، د.ت.
  • ابن كثير، إسماعيل بن شهاب، البداية والنهاية، بيروت، الرياض، مكتبة المعرف، مكتبة النصر، ط 1، 1966 م.
  • البخاري، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاري، بیروت، دار الطوق النجاة، 1422 هـ.
  • البخاري، محمد بن إسماعیل، صحیح البخاري، بیروت، دار الفکر، 1401 هـ.
  • البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1394 هـ.
  • البیهقي، أحمد بن الحسین، السنن الکبری، بیروت، دار الفکر، د.ت.
  • البيهقي، أحمد بن الحسين، دلائل النبوة، علق عليه: الدكتور عبد المعطي قلعجي، بيروت، دار الكتب العلمية - دار الريان للتراث، ط 1، 1408 هـ/ 1988 م.
  • الجوهري، أحمد بن محمد، مقتضب الاثر في نص الأئمة اثني عشر، المحقق: لطف الله الصافي، قم، مکتبة الطباطبائي، د.ت.
  • السبحاني، جعفر، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، قم، مؤسسة الإمام الصادق (ع)، ط 1، 1423 ه‍ .
  • القرطبي، أحمد بن عمر، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، حققه وعلق عليه وقدم له: محيي الدين ديب ميستو - أحمد محمد السيد - يوسف علي بديوي - محمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دمشق - بيروت - دار الكلم الطيب، دمشق - بيروت، ط 1، 1417 هـ/ 1996 م.
  • المفید، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد،‌ قم، الموتمر العالمي لألفیة الشیخ المفید، 1372 ش.
  • المفید، محمد بن محمد، أوائل المقالات، المحقق: إبراهیم الأنصاري الزنجاني، قم، الموتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید، د.ت.
  • النعماني، محمد بن إبراهیم، الغیبة، طهران، مکتبة الصدوق، 1399 هـ.
  • النووي، یحیی بن شرف، صحیح مسلم بشرح النووي، بیروت، دار الکتاب العربي، 1407 هـ.
  • النیسابوري، مسلم بن الحجاج، الجامع الصحیح (صحیح مسلم)، بیروت، دارالفکر، د.ت.
  • شرف الدین، عبد الحسین، المراجعات، قم، المجمع العالمی لأهل البیتعليهم السلام، د.ت.
  • شرف الدين، عبد الحسين، الاجتهاد في مقابل النص، د.م، تحقيق وتعليق: أبو مجتبى، د.ن، د.ت.