حلف الفضول، معاهدة انعقدت في الجاهلية بين عشائر من قريش بمكة للدفاع عن المظلومين، والمشاركون فيها هم بنو هاشم، وبنو المطلب من أبناء عبد مناف وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة، وبنو أسد بن عبد العزى بن قصي، وأشيد بهذا الحلف بعد الإسلام.

الزمان والمكان

عُقد هذا الحلف بعد رجوع قريش من حرب الفجار،[١] بأربعة أشهر، في شهر ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة.[٢] وقد دعيت "حرب الفجار" بهذا الاسم لأنها نشبت خلال الأشهر الحرم التي يحظر فيها القتال.[٣] وكان ذلك في دار عبد الله بن جدعان.[٤]

وجه التسمية

اختلفت الأقول في سبب تسمية حلف الفضول بهذا الاسم إلى ثلاثة:

1- سمي بحلف الفضول: لأنّ قريشاً قالت بعد إبرامه: هذا فضول من الحلف.[٥]

2- وقيل: لأنّ ثلاثة ممن اشتركوا فيه كانوا يُعرفون باسم الفضل، وهم: الفضل بن مشاعة، والفضل بن بضاعة، والفضل بن قضاعة، فسمي بذلك تغليباً لأسماء هؤلاء.[٦]

3- وقيل أيضاً: لأنهم تحالفوا على أن يردوا الفضول على أهلها.[٧]

المتحالفون

كان أصحاب هذا الحلف كلاً من: بني هاشم، وبني المطلب ابني عبد مناف، وبني أسد بن عبد العزى، وبني زهرة بن كلاب، وبني تيم بن مرة.[٨]

وقد حضر هذا الحلف رسول الله (ص) مع أعمامه، وكان عمره آنذاك عشرين عاماً،[٩] وقال بعد أن شرّفه الله بالرسالة: "لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النّعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت".[١٠]

أسباب حلف الفضول ونتائجه

دعا إلى هذا الحلف الزبير بن عبد المطلب؛ وذلك لأنّ رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل أحد أشراف قريش، فحبس عنه حقّه، فاستعدى عليه الزبيديّ أشراف قريش، فأبوا أن يعينوه على العاص بن وائل لمكانته، وانتهروه، واستغاث الزّبيديّ أهل مكة، واستعان بكلّ ذي مروءة. وقال:

يـــــا آل فِهر لمظلوم بــــــــــضاعتُهبِبطن مكة نـائي الــــــــــــدار والنفَر
ومُحرمٌ أشعثٌ لم يقض عُمرتَهيا للرِّجال وبين الحجر والحجَر
إن الحرام لِـــــــــــمن تمّت كرامتُهولا حـــــــرام لِثوب الــــفاجر القذر


وهاجت الغيرة في رجال من ذوي المروءة والفتوّة، فاجتمع بنو هاشم، وبنو المطلب ابنا عبد مناف، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان بدعوةٍ من الزبير بن عبد المطلب، فأعدّ لهم طعاماً، وتعاقدوا، وتعاهدوا بالله، ليكوننّ يداً واحدة مع المظلوم على الظالم، لكل الناس وإلى الأبد، حتى يؤدي إليه حقّه، فسمّت قريش ذلك الحلف «حلف الفضول» وقالوا:

"لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر".

ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيديّ، فدفعوها إليه.[١١]

حلف الفضول في الإسلام

بقي هذا الحلف يحظى بمكانة واحترام قويّين في المجتمع العربي والإسلامي، حتى أن الأجيال القادمة كانت ترى من واجبها الحفاظ عليه والعمل بموجبه، ويدل على هذا قضيةٌ وقعت في عهد إمارة "الوليد بن عتبة" الأموي -من قبل عمه معاوية- على المدينة.

فقد وقعت بين الإمام الحسين بن علي عليه السّلام وبين أمير المدينة منازعة في مالٍ متعلّق بالحسين عليه السّلام، ويبدو أن "الوليد" تحامل على الحسين في حقه لسلطانه، فقال له الإمامُ عليه السلام:

"أحلِفُ باللّه لتنصِفنّي مِن حقّي، أو لآخُذنّ سيفي، ثمّ لأقُومنّ في مسجد رسُول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ثمّ لأدعُونّ بِحلفِ الفضُول".[١٢]

فاستجاب للحسين فريقٌ من الناس منهم "عبد الله بن الزبير"، وكرّر هذه العبارة وأضاف قائلاً: "وأنا أحلِفُ باللّه لئن دعا به لآخُذنّ سيفي، ثُمَّ لأقُومنَّ معه حتى يُنصف مِن حقّهِ أو نمُوت جميعاً".

وبلغت كلمة الحسين عليه السّلام هذه إلى رجال آخرين كالمسورة بن مخرمة بن نوفل الزُهري" و"عبد الرحمن بن عثمان"، فقالا مثل ما قال "ابن الزبير"، فلما بلغ ذلك "الوليد بن عتبة" أنصف الحسين عليه السّلام من حقه حتى رضي.[١٣]

الهوامش

  1. الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، ج 1، ص 14.
  2. ابن كثير، السيرة النبوية، ص 258؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج 3، ص 456.
  3. القادياني، حياة محمد ورسالته، ص 60.
  4. الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، ج 1، ص 14؛ النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، ص 100؛ ابن كثير، السيرة النبوية، ص 258- 261؛ الحلبي، السيرة الحلبية، ج 1، ص 188.
  5. موقع "الموسوعة الإسلامية"، مقالة: شخصية النبي محمد مصدر عزٍ وفخر.
  6. ابن كثير، البداية والنهاية، ج3، ص459.
  7. الحلبي، السيرة الحلبية، ج 1، ص 191.
  8. الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، ج 1، ص 14. الجنيني، صحيح السيرة النبوية، ص 45. ابن كثير، السيرة النبوية، ص 259. الحلبي، السيرة الحلبية، ج 1، ص 188.
  9. النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، ص 100. القادياني، حياة محمد ورسالته، ص 60.
  10. ابن كثير، البداية والنهاية، ج 3، ص 456.
  11. الندوي، السيرة النبوية، ج 1، ص 174. الجنيني، صحيح السيرة النبوية، ص 45. القادياني، حياة محمد ورسالته، ص 60. ابن كثير، السيرة النبوية، ص 258- 261. ابن كثير، البداية والنهاية، ج 3، ص 457. الحلبي، السيرة الحلبية، ج 1، ص 189.
  12. الحلبي، السيرة الحلبية، ج 1، ص 192.
  13. الحلبي، السيرة الحلبية، ج 1، ص 192. ابن كثير، البداية والنهاية، ج 3، ص 461.

المصادر والمراجع

  • ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، البداية والنهاية، تحقيق: عبدالله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، د م، الطبعة الأولى، 2003م.
  • القادياني، محمد علي، حياة محمد ورسالته، ترجمة: منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1390هـ.
  • الندوي، علي أبو الحسن بن عبد الحي بن فخر الدين، السيرة النبوية، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الثانية عشر، 1425هـ.
  • ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1976م.
  • الحلبي، علي ابن إبراهيم بن أحمد، السيرة الحلبية، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1427هـ.
  • الجنيني، إبراهيم بن محمد بن حسين العلي الشبلي، صحيح السيرة النبوية، تقديم: عمر سليمان الأشقر، راجعه: همام سعيد، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى، 1995م.
  • النجار، محمد الطيب، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، دار الندوة الجديدة، بيروت، د ت.
  • الخضري، محمد بن عفيفي الباجوري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، المعروف بالشيخ ، دار الفيحاء، دمشق، الطبعة الثانية، 125هـ.
  • موقع "الموسوعة الإسلامية"، مقالة: شخصية النبي محمد مصدر عزٍ وفخر.