فتح مكة من الحوادث المهمة في تاريخ الإسلام، التي حدثت في 8 رمضان، من العام الثامن للهجرة. بعد ما انتهكت قريش الهدنة التي كانت بينها وبين المسلمين في صلح الحديبية، وذلك بمساعدة قريش لقبيلة كنانة الذين قاموا بمهاجمة قبيلة خزاعة، فنقضت بذلك بنود صلح الحديبية فجهّز النبي (ص) جيشا مكونا من 10.000 مقاتل من المهاجرين والأنصار لفتح مكة، فدخلت قوات المسلمين من الجهات الأربع لـمكة حيث أنّهم لم يجدوا أي مقاومة و دخلوا مكة من دون أي قتال.
فتح مكة | |||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
| |||||||||||
المتحاربون | |||||||||||
عشرة آلاف رجل من المسلمين | استسلم رؤساء مكة قبل تجهيز الجيش | ||||||||||
القادة | |||||||||||
رسول الله (ص) | أبو سفيان | ||||||||||
الخسائر | |||||||||||
استطاع المسلمون أن يدخلوا مكة بدون حرب | استسلام رؤساء مكة، وأصدر الرسول العفو عن بعض الأشخاص، بإستثناء عدد قليل أباح رسول الله دمهم، ومن الذين أباح دمهم الرسول جاءوا طالبين العفو والصفح فعفا عنهم |
عندما دخل الرسول (ص) مكّة قام بالطواف حول البيت وتحطيم الأصنام التي كانت حولها، وقام أيضا بطمأنة الناس وأعطاهم العفو العام.
أسلم الكثير من الناس بعد هذا الفتح و بهذا سقطت المقاومة الجاهلية وانهار صرح الشرك وانتهت مقاطعة قريش للمسلمين.
مقدمات فتح مكة
يمكن القول بأنّ هناك حادثتان وقعتا قبل فتح مكّة أشبه ما يكونا بمقدمة للفتح، الأولى؛ صلح الحديبية، والثانية؛ نقض العهد الذي أُبرم بين النبي (ص) وقريش، في هذا الصلح، وهذان السببان شكّلا معا حصول الفتح.
قبلها غزوة خيبر |
غزوات الرسول فتح مكة |
بعدها غزوة حنين |
صلح الحديبية
إنّ الله أمر رسول الله (ص)، أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج، فلبّاه من المهاجرين والأنصار وغيرهم من القبائل ألف وأربعمائة رجل فيهم مئتا فارس. فخرج رسول الله من المدينة يوم الإثنين مستهل ذي القعدة سنة 6 للهجرة يريد العمرة، وساق معه الهدي سبعين بدنة، ولم يخرج بسلاح إلا سلاح المسافر - السيوف في القرب - فلما كان بذي الحليفة قلّد الهدي وأحرم هو وأصحابه منها، ليأمن الناس حربه، وليعلموا أنّه إنّما خرج زائرا، ومعظما له. ووصل الخبر إلى مكة، وقرّرت قريش صدّ النّبيّ (ص) ومنعه من الدخول، فخرجت خيلهم يقودها خالد بن الوليد؛ لمنع الرّسول وأصحابه من دخول مكة.[١]
موافقة قريش على الصلح
أرسلت قريش خمسة من المندوبين عنها للتفاوض مع النبيّ صلى الله عليه وآله، فقرّروا على أن نخلي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك وتنصرف عنّا. فأجابهم رسول اللّه صلى الله عليه وآله إلى ذلك...وقال صلى الله عليه وآله :... على أن المسلمين بمكة لا يؤذَون في إظهار إسلامهم، ولا يكرهون على تركه، ولا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الإسلام فقبلوا بذلك ورجعوا إلى قومهم يخبرونهم بما جرى.
ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: يا محمد، قد أجابت قريش إلى ما اشترطت عليهم من إظهار الإسلام وأن لا يكره أحد على دينه ولم يبق إلا الكتاب. فدعا رسول اللّه صلى الله عليه وآله بالقلم والدواة، ودعا علي بن أبي طالب عليه السلام وقال له: اكتب، فكتب علي عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم..." [٢] قال جابر: ما كنّا نعلم فتح مكة إلَّا يوم الحديبية وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكّن الإسلام في قلوبهم. [٣]
العودة إلى المدينة
ثم رحل رسول اللّه (ص) نحو المدينة فرجع إلى التنعيم ونزل تحت الشجرة. قال جابر: كنّا يوم الشجرة ألفاً وخمسمائة فأصابنا العطش، فاُتى رسول اللّه بماء في إناء صغير فوضع يده فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنّه العيون. قال: فشربنا وسقينا وكفانا ولو كنّا مائة ألف، فكيف بنا ونحن ألف وخمسمائة رجل؟ ورجع رسول اللّه إلى المدينة وأنزل اللّه تعالى عليه في الطريق سورة الفتح: (بسم اللّه الرحمن الرحيم إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً) إلى قوله سبحانه: (فوزاً عظيماً).[٤] قال الصادق (ع): فما انقضت تلك المدّة حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة.[٥]
نقض المشركين لصلح الحديبية
لمّا صالح رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله قريشا عام الحديبيّة كان في أشراطهم أنّه من أحبّ أن يدخل في عهد رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله دخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وكنانة في عقد قريش، وكان بين القبيلتين شر قديم، ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة، فأعانت قريش كنانة فأرسلوا مواليهم فوثبوا على خزاعة فقتلوا فيهم فجاءت خزاعة إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله فشكوا إليه ذلك وكان ذلك ممّا عجّل بفتح مكَّة فأحّل اللَّه لنبيّه قطع المدّة الَّتي بينه وبينهم وقد كان رسول الله صلَّى اللَّه عليه وآله قال للناس: كأنّكم بأبي سفيان قد جاء ليشدّ العقد ويزيد في المدّة...حتّى أتى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله فكلَّمه فقال: يا محمّد احقن دم قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدّة. فقال صلَّى اللَّه عليه واله: أغدرتم يا أبا سفيان قال: لا، قال: فنحن على ما كنّا عليه...[٦]
كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش
لمّا أراد النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة سأل الله جل اسمه إن يعمي أخباره على قريش ليدخلها بغتة، وبنى أمره على السر، فكتب حاطب بن أبي تلعة إلى أهل مكة يخبرهم بعزم رسول الله صلى الله عليه وآله على فتحها، وكان سبب ذلك أنّ حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة، وكانت عياله بمكة وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله فساروا إلى عيال حاطب وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب يسألوه عن خبر محمد، وهل يريد أن يغزو مكّة ؟ فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك فكتب إليهم حاطب إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله يريد ذلك، وأعطى الكتاب امرأة سوداء وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم، وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم سمّاهم لها من أهل مكّة، وأمرها أن تأخذ على غير الطريق فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك فاستدعى أمير المؤمنين وقال له: إنّ بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة كتاب يخبرهم فيه بخبرنا وقد كنت سألت الله عز وجل إن يعمي أخبارنا عليهم والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق فخذ سيفك وألحقها وانتزع الكتاب منها وخلها وسر بالكتاب إليّ. ثم استدعى الزبير بن العوام فقال له: امض إلى علي بن أبي طالب في هذا الوجه فمضيا وأخذا على غير الطريق فأدركا المرأة فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرته وحلفت إنه لا شئ معها فبكت فقال الزبير: ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا فارجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لنخبره ببراءة ساحتها فقال له أمير المؤمنين : يخبرنا رسول الله أنّ معها كتابا ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت أنّه لا كتاب معها!! ثمّ أخرج عليه السلام سيفه وتقدّم إليها فقال: أمّا والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنّك، ثمّ لأضربنّ عنقك، فقالت له: فاعرض بوجهك عنّي، فاعرض بوجهه عنها، فكشفت قناعها، وأخرجت الكتاب من عقيصتها ـ أي ضفيرتها ـ، فأخذه عليه السلام وسار به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. [٧]
خروج النبي (ص) من المدينة
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الجمعة حين صلى العصر لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 8 للهجرة، وقيل لعشر مضين من شهر رمضان، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وقيل: أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري. ويقال: ابن أم مكتوم. ودعا رئيس كل قوم فأمره أن يأتي قومه فيستنفرهم. قال الإمام الباقر : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة الفتح فصام وصام الناس حتى نزل كراع الغميم فأمر بـالإفطار فأفطر وأفطر الناس وصام قوم فسموا العصاة لأنهم صاموا. ثم سار ، حتّى نزل مر الظهران ومعه نحو من عشرة آلاف رجل، ونحو من أربعمائة فارس.[٨]
تعداد جيش النبي صلى الله عليه وآله
بعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى من حوله من العرب، فمنهم من وفاه بـالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق، وخرج صلى الله عليه وآله في عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار ومن انضمّ إليهم في الطريق من الأعراب، وجلّهم أسلم وغفّار ومُزينة وجهينة وأشجع وسليم... وكان المهاجرون سبعمائة، ومعهم ثلاثمائة فرس، والأنصار أربعة آلاف، ومعهم خمسمائة فرس، ومزينة ألف وثلاثة أنفار، وفيها مائة فرس، وأسلم أربعمائة ومعها ثلاثون فرساً، وجهينة ثمانمائة، وقيل ألف وأربعمائة، والباقي من سائر العرب؛ تميم وقيس وأسد وغيرهم. [٩]
إسلام أبي سفيان بن الحارث
خرج أبو سفيان بن حرب يتجسّس الأخبار ومعه حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وهو يقول لحكيم ما هذه النيران فقال خزاعة أحمشتها الحرب، فقال خزاعة: أقل وأذل وسمع صوته العباس بن عبد المطلب فناداه يا أبا حنظلة ( يعني به أبا سفيان ) فأجابه فقال له: يا أبا الفضل ما هذا الجمع قال: هذا رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه واله فأردفه على بغلته ولحقه عمر بن الخطَّاب وقال: الحمد للَّه الَّذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد فسبقه العبّاس إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله فقال: يا رسول اللَّه هذا أبو سفيان قد جاء ليسلم طائعا فقال له رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله: قل أشهد أنّ لا إله إلَّا اللَّه وأني محمد رسول اللَّه، فقال: أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، وجعل يمتنع من أن يقول وأنّك رسول اللَّه فصاح به العباس فقال. وفي نقل آخر أنّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و’له قال له: يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنّ لا إله إلَّا اللَّه فقال: بأبي أنت وأمّي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك واللَّه لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أحد فقال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول اللَّه فقال: بأبي أنت وأمّي أمّا هذه فإنّ في النفس منها شيئا، قال العبّاس: فقلت له ويحك اشهد بشهادة الحقّ قبل أن يضرب عنقك فتشهّد.[١٠]
دخول النبي صلى الله عليه وآله مكّة المكرّمة
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله الزبير بن العوام أن يدخل مكّة من أعلاها، فيغرز رايته بالحجون، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفل مكّة، ونهى عن القتال إلّا لمن قاتلهم، ودخل هو صلى الله عليه وآله من أعلى مكّة، وكانت الراية مع سعد بن عبادة. وقد غلظ سعد بن عبادة على القوم، وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم، فدخل وهو يقول:
اليومُ يومُ الملحمة ** اليوم تُسبى الحُرمة.
وهو يعني: إنّ هذا اليوم سوف نترك فيه أجسادكم أشلاء متقطّعة وتسبى حرمكم ونساؤكم. فسمعها العباس فقال للنبي صلى الله عليه وآله: أما تسمع يا رسول الله ما يقول سعد؟ وإنّي لا آمن أن يكون له في قريش صولة. فأمر النبيّ صلى الله عليه وآله عليّاً أن يأخذ الراية ويقول:
اليوم يوم المَرحَمة **اليوم تُحمى الحُرمة.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله مكّة على ناقته القصواء واضعاً رأسه الشريف على الرحل؛ تواضعاً لله تعالى، ثمّ قال: اللّهمّ أنّ العيش عيش الآخرة. فكان فتح من دون قتال، دون أن يحرك غمد، أو يشهر سيف، أو تجرّد قناة، فقط ( لا إله ألا الله ) سلاح أمضى من أي سلاح.. وتدخل مكّة إلى أحضان الإسلام. إنّها لحظة النصر التي أسست لإيمان سوف يبقى حتى قيام الساعة. محمد صلى الله عليه وآله في قلب مكّة، ومعه جيش من أولئك الحفاة الذين اضطهدوا أيّما اضطهاد. [١١]
خطبته صلى الله عليه وآله في فتح مكة
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وآله مكة يوم فتحها، فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست، فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ماذا تقولون وماذا تظنون ؟ قالوا: نظن خيراً و نقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت ! قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[١٢]ألا إنّ الله قد حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه للقبر والبيوت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إلا الإذخر.[١٣] ودخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله البيت وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: لا إله إلا الله أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده... ألا إن كل دم ومال ومأثرة كان في الجاهلية فإنه موضوع تحت قدمي، إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما، ألا إن مكة محرمة بتحريم الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة... ثم قال: ألا لبئس جيران النبي كنتم، لقد كذبتم وطردتم، وأخرجتم وفللتم، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني، فاذهبوا فأنتم الطلقاء.[١٤] فخرج القوم كأنما أنشروا من القبور، ودخلوا في الإسلام.
دخول النبي صلى الله عليه وآله إلى المسجد الحرام
أقبل صلى الله عليه وآله إلى الكعبة فاستلم الحجر الأسود، وطاف بالبيت على راحلته، وعلى الكعبة أصنام مشددة بالرصاص. وفي رواية حولها ثلاثمائة وستون صنماً، لكلّ حي من أحياء العرب صنم، فجعل كلّما يمرّ بصنمٍ منها يشير إليه بقضيب في يده، ويقول: ﴿جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾،[١٥] فما أشار لصنم من ناحية وجهه إلّا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلّا وقع لوجهه حتّى مرّ عليها كلّها، وكان أعظمها هُبل. فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك:
وفي الأصنام معتبر وعلم | لمن يرجو الثواب أو العقابا |
وكان المقام لاصقاً بالكعبة، فصلّى خلفه ركعتين، ثمّ أمر به فوضع في مكانه.[١٦] ثم أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يصلي في بيت الله ركعتين فأبى عثمان بن طلحة العبدي فتح باب البيت وقال: لو علمت أنك رسول الله لم أمنعك، فلوى الإمام علي بن أبي طالب يده وأخذ المفتاح من يده وفتح الباب، ودخل النبي صلى الله عليه وآله وصلّى ركعتين، فلما خرج أراد العباس من النبي صلى الله عليه وآله أن يعطيه مفتاح البيت، فنزلت آية: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾،[١٧] فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن يردّ المفتاح إلى عثمان ويُعتذر إليه فقال عثمان لعلي: يا علي أكرهت وآذيت ثم جئت برفق، فقال له علي: لقد أنزل الله في شأنك وتلى الآية، فأسلم عثمان.[١٨]
عفو النبي صلى الله عليه وآله عن أهل مكّة
أعلن النبي صلى الله عليه وآله عفوه العام عن قريش وعن أولئك الأعداء الذين حاربوه وأخرجوه من دياره، وخططوا لقتله. فخاطبهم بقلبه الكبير، وروحه الهادية، وخلقه العظيم، وهدفه الواسع لاستيعاب البشرية، بقوله: ما تظنون وما أنتم قائلون. قال سهيل : نظن خيرا ونقول خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. ثم صلى الله عليه وآله أصدر حكماً بإطلاق سراح أهل مكة جميعاً رغم ما صدر منهم إزاءه ثم قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن. ليفتح أمامهم أبواب التوبة ويهيّئ لهم الأجواء النفسية للتفاعل مع كلمة التوحيد، ومبادئ الهدى، وليشعرهم بعفو الإسلام وعظيم خلقه. وهكذا طوقهم رسول الله بالفضل والمن، وأطلق سراحهم، فحملوا اسم ( الطلقاء ) كما حملوا اسما آخر هو: (مسلمة الفتح).[١٩]
مبايعة قريش للنبي صلى الله عليه واله
وجلس رسول الله صلى الله عليه واله على الصفا وقيل في المسجد يبايع الناس الرجال والنساء فيبايع الرجال على الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وعلى السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ودخل الناس في دين الله أفواجا. ولما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء فكانت بيعته لهن على نحوين كان يوضع بين يديه إناء فيه ماء فإذا أخذ عليهن وأعطينه غمس يده في الإناء ثم أخرجها فغمسن النساء أيديهن فيه وبعد ذلك كان يبايعهن بالكلام وحده فهذا مما ساوى فيه الإسلام بين الرجال والنساء في الأمور العامة المهمة وهي البيعة فقرأ عليهن ما أنزل الله من شروط البيعة عليهن وقيل وضع على يده ثوبا فبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف لا يقتلن أولادهن بوأد ولا إسقاط ولا يأتين ببهتان يفترينه بكذب يكذبنه في مولود بين أيديهن وأرجلهن فلا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله أقام بمكة لمّا افتتحها خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين أي يقصر الصلاة لأنه لم ينو الإقامة وروى الطبري بسنده قال: أقام رسول الله ص بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة.[٢٠]
الهوامش
- ↑ النوري، مستدرك الوسائل، ج 9، ص 313؛ شرف الدين، النص والإجتهاد، ص 164.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 20، ص 352.
- ↑ الحائري الطهراني، تفسير مقتنيات الدرر، ج 10، ص 195.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج 20، ص 352.
- ↑ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 175.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 21، ص 100؛ الهاشمي الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 281.
- ↑ الأمين، أعيان الشيعة، ج 1، ص 275؛ الحائري، شجرة طوبى، ج 2، ص 301؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 21، ص 119ـ ـ 120؛ الهاشمي الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 281.
- ↑ الهاشمي الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 283؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 58؛ الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج 5، ص 212؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 2، ص 135؛ الطبري، المسترشد، ص 128؛ ابن طاووس، الطرائف، ص 233.
- ↑ الأمين، أعيان الشيعة، ج 1، ص 275.
- ↑ الهاشمي الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 281؛ الحويزي، تفسير نور الثقلين، ج 5، ص 691.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17، ص 019.
- ↑ يوسف: 92.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 225.
- ↑ الطبرسي، إعلام الورى، ج 1، ص 225؛ الطبرسي، مجمع البيان، ج 10، ص 472.
- ↑ الإسراء: 81.
- ↑ المقريزي، إمتاع الأسماع، ج 5، ص 72 ــ 73؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، ج 6، ص 176؛ الأمين، أعيان الشيعة، ج 1، ص 276 ــ 278.
- ↑ النساء: 58.
- ↑ ابن شهر آشوب، مناقب آ ل أبي طالب، ج 1، ص 404.
- ↑ خليفات، قراءة في المسار الأموي، ص 8 ــ 9.
- ↑ الأمين، أعيان الشيعة، ج 1، ص 276 ــ 278.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1410 هـ/ 1990 م.
- ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1376 هـ/ 1956 م.
- ابن طاووس، علي بن موسى، الطرائف، قم، مطبعة الخيام، 1399 هـ.
- الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1403 هـ/ 1983 م.
- الحائري الطهراني، مير علي، تفسير مقتنيات الدرر، تحقيق: محمد وحيد الطبسي الحائري، قم، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، ط 1، 1433 هـ/ 2012 م.
- الحائري، محمد مهدي، شجرة طوبى، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، ط 5، 1385 هـ.
- الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين، د.م، د.ن، د.ت.
- الصالحي الشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1414 هـ/ 1993 م.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، اعلام الورى بأعلام الهدى، د.م، د.ن، د.ت.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار المرتضى، ط 1، 1427 هـ/ 2006 م.
- الطبري، محمد بن جرير، المسترشد، قم، مؤسسة الثقافة الإسلامية، ط 1، 1415 هـ.
- العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1403 هـ/ 1983 م.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 ه.
- المقريزي، أحمد بن علي، إمتاع الأسماع، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1420 هـ/ 1999 م.
- النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1407 هـ.
- الهاشمي الخوئي، حبيب الله، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، طهران، المكتبة الإسلامية، د.ت.
- الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تحقيق: حسام الدين القدسي، القاهرة، مكتبة القدسي، 1414 هـ/ 1994 م.
- خليفات، مروان، قراءة في المسار الأموي، د.م، د.ن، د.ت.
- شرف الدين، عبد الحسين، النصّ والاجتهاد، قم، سيّد الشهداء ، 1404 هـ.