أهل الكتاب

أهل الكتاب يُطلق على غير المسلمين الذين لديهم كتاب سماوي. يرى العلماء المسلمون أنّ اليهود والمسيحيين والزرادشتيين من أهل الكتاب. وفي الدراسات التاريخية ورد الحديث عن تواصل وحوار النبي مع أهل الكتاب، وقيل إنّ النبي كان يجيب عن أسئلتهم وأحيانًا يجادل علماءهم. كما كان يعقد معهم عهودًا للصلح ليعيشوا بسلام إلى جانب المسلمين.

وردت في الفقه الإسلامي أحكام متعدّدة حول أهل الكتاب؛ منها: أنّهم في دار الإسلام إمّا أن يُسلموا أو يدفعوا الجزية، وإلا فإنّ الجهاد معهم واجب. كما لا يجوز الزواج الدائم والمؤقت للمسلمة منهم، وكذلك الزواج الدائم للمسلم منهم. وبناء على فتوى أغلب الفقهاء، فإنّ أهل الكتاب نجس، وذبائحهم غير حلال.

من هم أهل الكتاب؟

أهل الكتاب مصطلح شرعي وفقهي للكفار (غير المسلمين) الذين لديهم كتاب سماوي. عرّف فقهاء الشيعة اليهود، والمسيحيين، والزرادشتيين بأنّهم مصاديق لهذا المصطلح. وقال الشيخ الطوسي إنّ أحكام الكفار من أهل الكتاب لا تجري على الصابئة بالإجماع، وإلحاقهم بأهل الكتاب يحتاج إلى دليل؛ غير أنّ بعض الفقهاء مثل السيد أبو القاسم الخوئي والسيد علي الخامنئي عدّوهم من أهل الكتاب.

وُضع مصطلح «أهل الكتاب» مقابل مصطلح «أهل القبلة» الذي يُطلق على أتباع النبي محمد والقرآن. وفقاً لـأحمد باكتچي، الباحث الشيعي، فإنّ أقلية أهل الكتاب عند ظهور الإسلام كانت في مقابل الأغلبية من الأُمّيّين. وكان الأمّيون عادة من عبدة الأوثان في شبه الجزيرة العربية، لا يعرفون القراءة والكتابة، ولم يكن لديهم كتاب ديني.

أوصاف القرآن لأهل الكتاب

من التعابير العامة التي استعملها القرآن عن أهل الكتاب هي: «أهل الكتاب»، و«الذين كفروا»، و«الذين آتيناهم الكتاب» و«الذين أوتوا الكتاب». وقيل إنّ القرآن تناول موضوع أهل الكتاب في آيات كثيرة. فمدح بعضهم لصفات مثل الإيمان، والأمانة والصدق، وذمّ آخرين، وذكر حقد وعداوة بعضهم ضد المسلمين. كما عرض أسباب انحراف هذه الجماعات، مثل سوء الفهم للدين، وتحريف الكتاب، والحسد ونقض العهد.

تعامل النبي(ص) مع أهل الكتاب

ذكر بعض المفسرين الشيعة أنّ النبي(ص) لم يكن له حوار ديني ولا مواجهة عسكرية مع أهل الكتاب ما دام في مكة، إذ لم يكن لهم وجود فيها. وقد درس بعض الباحثين مسار تعامل النبي(ص) مع أهل الكتاب على مراحل بهدف الدعوة إلى الإسلام. في هذه الدعوة كان النبي يستعمل الأساليب الثقافية التشجيعية وكذلك المناظرة. وكان يجيب عن أسئلة علمائهم، ويطعن في معتقداتهم الباطلة، ويؤكد الرسالة الحقيقية لـأنبيائهم، وتدور دعوته حول العقائد المشتركة معهم.

أبرم النبي عهود صلح مع أهل الكتاب للتعايش السلمي مع المسلمين وللوقاية من الأعداء. وقال السيد أبو القاسم الخوئي من مراجع تقليد الشيعة إنّ القتال مع أهل الكتاب لم يقع إلا في ثلاث حالات: شروعهم بالحرب، وإثارتهم للفتنة، وعدم دفع الجزية. ووفق الروايات، كان النبي(ص) يوصي قادة الجيوش أن يدعوا أهل الكتاب قبل الحرب إلى الإسلام، فإن رفضوا، فإلى دفع الجزية وشروطها. واعتبر المؤرخون أنّ أسباب غزوات مثل الخندق وخيبر تعود إلى تآمر اليهود ودعمهم المالي ضد المسلمين.

أحكام فقهية

بيّن فقهاء الشيعة في أبواب فقهية مختلفة أحكامًا مرتبطة بأهل الكتاب، منها:

• يُخيَّر أهل الكتاب في دار الإسلام من قِبل الحاكم الإسلامي بين قبول الإسلام أو قبول شروط الكافر الذمي ودفع الجزية. فإن رفضوا الأمرين، وكان الظروف متوفّرة، فالجهاد معهم واجب.
• بحسب السيد أبو القاسم الخوئي فإنّ المشهور بين فقهاء الشيعة أنّ أهل الكتاب نجس، غير أنّ بعض الفقهاء المتقدمين وبعض المحققين المتأخرين أفتوا بطهارة الكافر الكتابي.
• بحسب فقه الإمامية وأهل السنة يجب على الدولة الإسلامية أخذ الجزية من أهل الكتاب مقابل إقامتهم في بلاد الإسلام وحمايتهم من اعتداء الآخرين. ويُعتبر أهل الكتاب، مع شروط الكافر الذمي ودفع الجزية، من رعايا الدولة الإسلامية رسميًا، وتتحمل الحكومة الإسلامية حمايتهم وأمنهم، ولهم حقوق قانونية.
• ميّز فقهاء الشيعة بين الزواج المؤقت والدائم للرجل المسلم مع المرأة الكتابية، فأجازوا المؤقت وحرّموا الدائم. واعتبر المحقق الحلي والفيض الكاشاني هذا الحكم رأيًا مشهورًا عند الإمامية. غير أنّ المشهور بين القدماء كان حرمة الزواج من أهل الكتاب مطلقًا. كما اتفق الفقه الشيعي والسني على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم، حتى لو كان كتابيًا.
• ذكر الشيخ البهائي أنّ أكثر فقهاء الشيعة مثل الشيخ الطوسي، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى والشهيد الأول حرّموا أكل لحم ما يذبحه أهل الكتاب، حتى لو ذكروا اسم الله عند الذبح، ووافقهم الإمام الخميني الرأي. وقال الشيخ البهائي إنّ قلّة من الفقهاء أجازوا ذبائح أهل الكتاب.
• رأى فقهاء مثل العلامة الحلي وصاحب الرياض أنّ دخول أهل الكتاب المسجد غير جائز، وقال العلامة إنه لا يحق لأيّ مسلم أن يأذن لهم بالدخول.
• دفن الكافر الكتابي وغير الكتابي في المقبرة الإسلامية غير جائز.

أهل الكتاب في دستور البلدان الإسلامية

اهتمت دساتير البلدان الإسلامية بالمذاهب الدينية وحقوق أتباعها، ومنهم أهل الكتاب. فعلى سبيل المثال تنص المادة الثالثة عشرة من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنّ الإيرانيين من الزرادشتيين واليهود والمسيحيين هم الأقليّات الدينية الوحيدة المعترف بها، ولهم الحرّية في شؤونهم الشخصية ومراسمهم الدينية ضمن حدود القانون، وفقًا لشرائعهم. كما ضمن الدستور العراقي كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والإيزديين، والصابئة المندائيين. وجاء في الدستور اللبناني أنّ الدولة تكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام.

دراسات خاصة

صدر كتاب «أحكام أهل الكتاب في الإسلام» لعلي سعيدي الشاهرودي سنة 1384ش عن منشورات مجمع الذخائر الإسلامية. تناول هذا الكتاب موضوع أهل الكتاب ودرس أحكامهم في ثلاثة فصول. كما كتب منصور قاسمي مقالة بعنوان «العلاقة مع أهل الكتاب وكيفية التعامل معهم من وجهة نظر القرآن والحديث»، رسم فيها إطار العلاقة مع أهل الكتاب وبعض أحكامهم بالاستناد إلى الروايات والآيات. كما صدر كتاب «أهل الكتاب في القرآن الكريم: دراسة معجميّة في السياقات والمفاهيم اللفظية» لعبد الرحمن مرعي عام ۲۰۰۹ عن دار اليقين.

مقالات ذات صلة

• الكافر الذمي
• الجزية
• حقوق الأقليات الدينية