إبليس

إِبليس، اسم جِنّ أو مَلَكٍ عصی أمر الله بأن يسجد للنبي آدم، فطُرد من رحمته تعالى، واعتبره أكثر المفسرين من الجن بينما اعتبره الآخرون من الملائكة.

بعد أن عصى إبليس الأمر بالسجود، لعنه الله تعالى بسبب ذلك، وطرده من رحمته، فطلب من الله أن يُمهله إلى يوم القيامة، لكن الله لم يُنظره إلا إلى الوقت المعلوم، وأقسم إبليس حینها أن يُغوي بني آدم بكل جهوده، لكن هذا الإغواء ليس إلا وساوسه لفعل السيئات ولا يمكنه أن يجبر أحداً على فعلها، ومصيره ومصير من اتبعه بحسب التعاليم الإسلامية إلى نار جهنم.

دراسة المفردة

هناك نظريتان حول الأصل اللغوي لمفردة "إبليس":

• الأولى: أنها عربية من أبلس، على وزن إفعيل، وأبلس تعني يَئِس، أو حَزن من شدة البأس، أو دَهِش وتحيّر، أو انكسر وحزن، أو سكت غمّا وحزنا، أو ندم.
• الثانية: أنها كلمة أجنبية دخلت في العربية.

الأسماء والألقاب والكنى

• الحارث.
• عزازيل.
• الرجيم.
• نائل.
• الباطل.
• الخنّاس.
• الأجدع.
• أبو مُرّة.
• أبو قِترة أو فترة.
• أبو لُبينَى (لبينى اسم بنت إبليس).
• أبو خلاف.
• أبو العيزار.
• أبو كُردوس.
• أبو دوجانة.
• أبوجان.

ورد في بعض الأحاديث أنّ اسم إبليس كان حارث (حَرَث)، ثم سمّي عزازيل أي عزيز الله؛ لطول عبادته، وبعد أن استكبر سمي إبليس، وبعد إبائه من السجود وطرده من رحمة الله دُعي بالشيطان. وسمي رجيما؛ لأنّ النبي إبراهيم رجمه في منى؛ أو لأن الملائكة رمته بالشهب السماوية.

وفي الكتاب المقدس تعابير عن إبليس، هي: ملاك الهاوية، ورئيس الشياطين، ورئيس سلطان الهواء، وكذاب، وأبو الكذاب، ورئيس العالم، وإله هذا الدهر.

العلاقة بين إبليس والشيطان

تكررت المفردة "إبليس" في القرآن الكريم "إحدى عشرة" مرة، كما ورد فيه "الشيطان" في سبعين موضعاً بصيغة المفرد وثماني عشرة مرة بصيغة الجمع.

يطلق العرب كلمة الشيطان على كل كائن متمرد مهما كان جنسه ونوعه: الجن أو الإنس أو الحيوان، وإبليس اسم علم للشيطان الذي وسوس لآدم، واستعمال الشيطان في إبليس غالب.

إبليس، جن أو ملك؟

هناك ثلاث نظريات في جنس إبليس:

إنه من الجن

ذهب جمع كثير من العلماء إلى أن إبليس من الجن، حیث قال الشيخ المفيد، إن الإمامية على هذا الرأي، كما قال الفخر الرازي إن المعتزلة ذهبوا إليه.

أقام هؤلاء العلماء أدلة على رأيهم، هي:

1. بعض الأحاديث
2. نص الآية: ﴿فَسجَدوا إِلاَّ إِبلیس کَانَ مِن الجِنِّ فَفَسقَ عَن أَمرِ رَبِّهِ﴾
3. أن إبليس اعترف بأنه خلق من نار والجن هو الذي خلق من النار.
4. أن إبليس استكبر وعصى أمر ربه فلا يمكن أن يكون من الملائكة؛ لأن الملائكة معصومون ولا يعصون أمر ربهم أبدا.

وجمعه مع الملائكة من أجل أن عددهم كان غالبا أو من أجل أنه كان مشغولاً بالعبادة معهم.

إنه من الملائكة

ذهب جمع من العلماء إلى أن إبليس من الملائكة، منهم الشيخ الطوسي. ونسب الآلوسي هذا الرأي إلى أكثر الصحابة والتابعين. وقال هؤلاء إن إبليس كان قبل عصيانه من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازناً على الجنان، وكان له سلطان سماء الدنيا، وكان له سلطان الأرض.

أقام القائلون بهذه النظرية أدلة، هي:

1. بعض الروايات.
2. ظاهر آيات مثل: "﴿وإِذ قُلنَا لِلملَائِکةِ اسجُدوا﴾"؛ فإنه لو لم يكن إبليس من الملائكة لما شمله أمر الله، وكان لإبليس ألا يسجد بهذه الذريعة.
3. استثناء إبليس من الملائكة في عدة من الآيات يدل على أنه كان منهم، وإلا يلزم أن يكون الاستثناء منقطعا وهو مجاز مخالف للظاهر. مع أنه يستلزم تخصيص العمومات وهو أكثر محذورا من القول بأن إبليس من الملائكة.

أجاب القائلون بهذه النظرية عن الاستدلال بالآية "﴿كان من الجنّ﴾ بأن الجن من أصناف الملائكة، ولعل منشأه حديث ابن عباس، الذي ذكر أن إبليس كان من قبيلة من الملائكة، كانت تسمى بالجن، ولم يخلق من نار السَّموم إلا هذه القبيلة من الملائكة، والوجه في تسميتهم بالجن أنهم كانوا خزنة الجنة وقيل سموا بذلك؛ لاختفائهم عن العيون. وأجابوا عن الاستدلال بعصمة الملائكة بأن المستفاد من آيات القرآن عصمة بعض الملائكة لا كلهم.

إنه ملك ممسوخ

ذهب البعض إلى أن إبليس كان قبل عصيانه من الملائكة، وبعد عصيانه مسخ وصار من الجن، وقال هؤلاء العلماء: معنى الآية: "﴿كان من الجن﴾ أنه صار من الجن. ومن الممكن أن كلام الزمخشري ناظر إلى هذه النظرية، ومن هنا فسرت الآية: "﴿فاخرجْ منها﴾" بالخروج من الخلق الأولي أي أن إبليس كان في خلقه الأولي أبيض فاسودّ، وكان جميلا فقبح، وكان نورانيا فأظلم.

قصة إبليس

عَنِ الصَّادِقِ : أُمِرَ إِبْلِیسُ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ، فَقَالَ یا رَبِّ وَعِزَّتِک، إِنْ أَعْفَیتَنِي مِنَ السُّجُودِ لآِدَمَ لَأَعْبُدَنَّک عِبَادَةً مَا عَبَدَک أَحَدٌ قَطُّ مِثْلَهَا، قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: إِنِّی أُحِبُّ أَنْ أُطَاعَ مِنْ حَیثُ أُرِیدُ.

---

المجلسي، بحار الأنوار، ج 60، ص 250.

لمّا خلق الله النبي آدم، أمر الملائكة بالسجود له، فسجدوا كلّهم إلا إبليس، أبى واستكبر، سأله الله عن السبب، فقال: إني خير منه؛ لأنك خلقتني من نار وخلقته من الطين، ومن هنا أهبطه الله من مقامه وطرده من رحمته ولعنه، وحينئذ التمس من الله الإمهال والإنظار إلى يوم البعث، لكن الله لم يُمهله إلا إلى الوقت المعلوم،فأقسم إبليس أن يغوي جميع عباد الله إلا المخلصين منهم، فتوعد الله أن يدخله ومن اتبعه في جهنم.

كفر إبليس

ورد في القرآن: ﴿وكان من الكافرين﴾، وهناك خلاف حول كفر إبليس من جهتين، أولا: نوع كفره، ثانيا: فترة كفره:

فأما بالنسبة إلى نوع كفره فقال بعض المفسرين: إن كفره كان ناشئا عن عناده؛ لأنه قال: ﴿لأقعُدَنَّ لَهم صِرَاطَك المُستقِیمَ﴾ و﴿لأغوينّهم﴾، وهذا إقرار منه على أنه كان عالما بالصراط المستقيم ودين الحق وكان يميز بين الهداية والغواية ومع ذلك لم يسلك طريق الهداية، وقال الآخرون: إن كفره كان ناشئا عن جهله؛ لأن اختيار الشقاء مع العلم بالضلالة أمر مستحيل.

وأما بالنسبة إلى فترة كفره فقال البعض: إن إبليس قبل الأمر بالسجود للنبي آدم كان كافرا، وكان طول عبادته عن رئاء ونفاق لا عن إيمان وإخلاص، وليكون متلونا بلون جماعة الملائكة، كما يستفاد ذلك من قوله ﴿لَم أَکنْ لِأَسجُدَ لِبشر خَلقتَهُ مِن صَلصال مِن حَمإ مَسنون﴾، ويؤكده ما طرحه على الملائكة في حواره المشهور معهم من الشبهات في حكمة الخلق وفائدة التكليف.

وقال الآخرون: إنه كان مؤمنا، فكفر بإبائه وامتناعه من السجود لآدم، ويطرح سؤال على هذا التفسير وهو: لماذا قال الله ﴿وكان من الكافرين﴾، بصيغة الماضي مع أنه كان مؤمنا؟ فتصدى هؤلاء للإجابة على هذا السؤال فقال بعضهم: لأن الله كان يعلم من الأزل إن إبليس سيكون من الكفار ومن هنا عبّر بالماضي فالكفر بالنسبة إلى علم الله ماض، وقال بعض آخر: إن "كان" استعملت بمعنى "صار" أي صار من الكافرين، وقال ثالث: إن التعبير ب"كان" بعد مضي زمن قليل أمر جائز ومتداول.

حكمة خلق إبليس وإمهاله

بعدما طرد إبليس من مقامه التمس من الله أن يُمهله إلى يوم القيامة، لكن الله أمهله إلى "الوقت المعلوم". وهذا ما ورد في هذه الآيات: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾، وفي بعض المصادر الحديثية ذكر أن إمهاله كان أجر عبادته الطويلة.

طرح في تفاسير الشيعة هذا السؤال: "لماذا خلق الله إبليس مع أنه كان يعرف إبليس وكان يعلم أنه كائن شرير؟ مضافا إلى ذلك، لماذا استجاب طلبه للإمهال؟ أجاب الملا صدرا بأن لخلق الشيطان حِكَماً مختلفة لكن لم يُحط بها إلا الله، واعتبر جوادي الآملي الفيلسوف و المفسر الشيعي المعاصر خلقه علامة على رحمة الله(تعالى) فإنه لو لم يكن إبليس لما كان هناك إغراء ولا وساوس ولا حرب أهلية داخل كيان الإنسان، ولولا ذلك لما وجد السالك إلي الله فرصة للجهاد الأكبر.

مصير إبليس

اختلفت الأحاديث في المراد من الوقت المعلوم الذي أمهل إبليس إلى حينه، حيث قال الله: ﴿فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾. فمن الأحاديث ما نقل أن الإمام المهدي سوف يطيح برأسه بعد ظهوره،ومنها ما ذكر أن زمن موت إبليس بين النفخة الأولى والثانية وهي صور إسرافيل ومنها ما ذكر أن إبليس سوف يقتل بيد النبي في زمن الرجعة. واعتقد العلامة المجلسي بعد نقل الأحاديث المختلفة أن إبليس سيحيى إلى قبل القيامة ويتحقق موته حين نفخ الصور.

ينتهي مصير إبليس ومن تبعه إلى النار؛ لما قال الله: ﴿قالَ اذهَبْ فمَن تَبِعك مِنهُم فَإِنَّ جَهنَّم جَزاؤُکُم جَزاءً مَوفوراً﴾. وهناك آيات تدل على أن إبليس بعد حكم الله وقضائه يوم القيامة يتبرأ من تبعته ويُحمّلهم مسئولية سيئاتهم: حيث يقول: "﴿ومَا کَانَ لِي عَلیکُم مِن سُلطن إلاَّ أَن دَعوتُکُم فَاستَجبتُم لِي فَلاَتَلومونِي ولوموا أَنفسَکُم﴾. وفي النهاية یجمعون ویطرح بعضهم على بعض ثم يُدخَلون النار: ﴿فَکُبکِبوا فیهَا هُم وَالغَاوُونَ وجُنودُ إِبلیسَ أَجمَعونَ﴾.

وصلات خارجية

• دائرة المعارف الإسلامية الكبرى