أصحاب الفيل، أو حادثة الفيل، هي حادثة متواترة ومعروفة عند العرب حتى إنهم جعلوها مبدأ لتاريخهم، حينما أراد قائداً حبشياً أن يعتدي على الكعبة المشرفة ويهدمها، ليمنع العرب من الحج إليها، فتوجه بجيش جرار إلى مكة، واستصحب معه فيَلة كثيرة زيادة في الإرهاب والتخويف، ولهذا اشتهروا بأصحاب الفيل، لكن ظهرت معجزة الله تعالى بحفظ بيته، بإرسال طير الأبابيل وقتلهم جميعاً. وقد خوطب النبي الأكرم في القرآن الكريم بهذه الحادثة في سورةٍ كاملة ومستقلة باسم سورة الفيل.
أصحاب الفيل في القرآن
ذكر القرآن الكريم هذه القصة، فأنزل الله تعالى سورةً كاملةً ومستقلةً بإسم سورة الفيل:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾*﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ﴾*﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ﴾*﴿تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾*﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾[١]
قصة أصحاب الفيل
نزل جماعة من أهل مكة بأرض الحبشة في تجارةٍ، فدخلوا في كنيسةٍ من كنائس النصارى، وأوقدوا بها ناراً يصطلون عليها، ويصنعون بها طعاماً لهم. ورحلوا ولم يُطفؤوها، فهبّت به ريح فأحرقت جميع ما في الكنيسة، فلما دخلوا قالوا: من فعل هذا؟ قالوا: كان بها تجار من عرب مكة، فأخبروا بذلك ملكهم، فقال: ما أحرق معبدنا إلا العرب، فغضب لذلك غضباً شديداً، وقال: لأُحرقنّ معبدهم، فأرسل وزيره أبرهة بن الصبّاح مع الجيوش، وأرسل معه الفيل؛ ليهدم البيت. [٢][٣]
سبب استهدافهم لهدم الكعبة
ورد في بعض المصادر أنّ السبب الذي جرّ أصحاب الفيل إلى مكة هو أمير الحبشة الذي بنى كنيسة باسم الملك ( القليس) وأراد أن يصرف إليها حج العرب ويمنع الناس من الذهاب إلى مكة، وبعدها خرجت رفقة من العرب وأشعلت ناراً، وكان في عمارة (القليس) خشب، فحملتها الريح إليها فأحرقتها، فحلف ليهدمنّ الكعبة.[٤] [٥]
موقف قريش وعبد المطلب
لما سمع أهل مكة أنه قد نزل بهم صاحب الفيل جمعوا أموالهم وأهليهم ودوابهم وهموا بالخروج من مكة هاربين من أصحاب الفيل، فلما نظر إليهم عبد المطلب قال لهم: يا قوم أيجمل منكم هذا الأمر وإنه لعار عليكم خروجكم عن كعبتكم قالوا له: إنّ الملك أقسم بمعبوده أن لا بد له من ذلك أن يهدم الكعبة ويرمي أحجارها في البحر ويذبح أطفالها ويرمل نساءها ويقتل رجالها، فاتركنا نخرج قبل أن يحل بنا الويل فقال لهم عبد المطلب: إنّ الكعبة لا يصلون إليها لأنّ لها مانعاً يمنعهم عنها وصاداً يصدهم عنها، فإن أنتم التجأتم إليها واعتصمتم بها فهو خير لكم، فلم تطمئن القلوب إلى كلامه وغلب عليهم الخوف والجزع وخرجوا هاربين يطلبون الشعاب ومنهم من طلب الجبال ومنهم من ركب البحر، فعند ذلك قالوا لعبد المطلب: ما يمنعك أن تهرب مع الناس قال أستحيي من الله أن أهرب عن بيته وحرمه، فو الله لا برحت من مكاني ولا نأيت عن بيت ربي حتى يحكم الله بما يشاء، ولم يبق يومئذ بمكة إلا عبد المطلب وأقاربه وهم غير آمنين على أنفسهم، فلما نظر عبد المطلب إلى الكعبة خالية وديارها خاوية قال: اللهم أنت أنيس المستوحشين.[٦]
موقف أبرهة مع عبد المطلب
لما أقبل صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة، مرّوا بإبل لعبد المطلب فاستاقوها، فتوجه عبد المطلب إلى الجيش، وقيل لأبرهة: إنّ هذا شريف قريش وهو رجل له عقل ومروءة، فأكرمه وأدناه، ثمّ قال لترجمانه: سله: ما حاجتك؟ فقال له: إنّ أصحابك مرّوا بإبل لي فاستاقوها، فأحببت أن تردّها لي، فتعجب من سؤاله إياه ردّ الإبل وقال: انت تتحدث عن إبلك ولا تذكر الكعبة وأنا قدمت لهدمها؟! فقال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل وللبيت ربّ يحميه.[٧][٨][٩]
وصف الطير والحجارة
- عن الإمام الصادق قال: أرسل الله على أهل الفيل طيراً مثل الخطاف أو نحوه، في منقاره حجر مثل العدسة، فكان يحاذي برأس الرجل فيرميه بالحجر، فيخرج من دبره، فلم تنزل بهم حتى أتت عليهم، قال: فأفلت رجل منهم فجعل يخبر الناس بالقصة، فبينما هو يخبرهم إذ أبصر طيراً منها فقال: مثل هذا هو منها، قال: فحاذى به فطرحه على رأسه فخرج من دبره.[١٠]
- عن ابن عباس قال: دعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداً عليها الطين، فلما حاذت بهم رمتهم، فما بقي أحد منهم إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه، قال: وكانت الطير نشأت من قبل البحر لها خراطيم الطيور ورؤوس السباع، لم تر قبل ذلك ولا بعده.[١١]
معجزة حفظ بيت الله
أرسل الله سبحانه طيوراً أبابيل تحمل معها حجارة من سجيل، فرمتهم بالحجارة، وبعث اللَّه ريحاً، فزادتها شدَة، فما وقع منها حجرٌ على رجُلٍ إِلا خرج من دُبُره، فقتلتهم وشتتت أشلائهم، وكان هذا من أعظم المعجزات في ذلك الزمان، أظهره اللَّه ليدل على وجوده، ووجوب معرفته.[١٢]
عام الفيل مبدأ للتاريخ
جعل العرب واقعة هجوم أبرهة علی الكعبة، مبدأ لتاريخهم. ولهذا السبب عدّوا السنة الأولى من حياة النبي الأكرم ضمن عام الفيل.[١٣][١٤]
وصلات خارجية
الهوامش
- ↑ سورة الفيل.
- ↑ القمي، سفينة البحار، ج 7، ص 180.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 15، ص 2.
- ↑ البكري، تاريخ الخميس، ج 1، ص 342.
- ↑ المجلسي، مرآة العقول، ج 5، ص 239.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 15، ص 2.
- ↑ الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 38.
- ↑ المسعودي، مروج الذهب، ج 2، ص 134.
- ↑ البكري، تاريخ الخميس، ج 1، ص 345.
- ↑ المجلسي، مرآة العقول، ج 5، ص 245.
- ↑ المجلسي، مرآة العقول، ج 5، ص 245.
- ↑ القمي، تفسير القمي، ج 2، ص 442.
- ↑ المجلسي، بحارالانوار، ج 65، ص، 230
- ↑ الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 99.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- البكري، حسين بن محمد، تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، بيروت - لبنان، الناشر: دار الكتب العلمية، ط1، 2009 م.
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، بيروت - لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1329 هـ.
- القمي، عباس، سفينة البحار ومدينة الحِكم والآثار، قم - إيران، الناشر: دار الأسوة، ط6، 1414 هـ.
- القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، قم - إيران، الناشر: دار الكتاب، ط3، 1404 هـ.
- المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي، مرآة العقول في شرح أخبار الرسول، المحقق والمصحح: السيد هاشم رسولي، طهران - إيران، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، ط2, 1404 هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت - لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، 1403 هـ.
- المسعودي، علي، مروج الذهب، بيروت - لبنان، الناشر: دار الفكر، 1425 هـ.