النفخ في الصور
النفخ في الصور وهو نهاية الدنيا وأول مرحلة من مراحل القيامة، حيث يأمر الله الملك إسرافيل أن ينفخ في الصور، و هذه هي النفخة الأولى، حيث تصعق جميع المخلوقات، إلا بعض الملائكة، ومن ثمَّ تأتي النفخة الثانية، لتجعلهم يُبعثون من جديد وتُقام القيامة.
ذكر القرآن الكريم ستة تعابير مختلفة تعبِّر عن هذه الواقعة وهي: الصيحة، والنقر في الناقور، والصاخَّة، والـقـارعـة، والزجرة، والراجفة والرادفة.
تعريفه
النًفخ بمعنى إخراج الهواء من الفمّ، ونفخ النافخ في المزمار أو القصب ونحوهما ليخرج صوتاً؛ والصُّور هو قرن الحيوان أو مايسمّى (بوق)،[١] وعن الطبرسي في مجمع البيان قال: هو جمع صورة، فإن الله يصور الخلق في القبور كما صورهم في أرحام الأمهات، ثم ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ وهم في أرحام أمهاتهم.[٢]
صرّح الكثير من العلماء بأنّه من الضرورى الإيمان بحصول النفخ في الصور، وأنّه من أشراط الساعة، وليس من الواجب الإيمان بكلّ التفاصيل المتعلِّقة به.[٣] قال العلامة المجلسي: «وأمّا الصور فيجب الإيمان به على ما ورد فى النصوص الصريحة، وتأويله بأنّه جمع للصورة...»[٤]
النفخ في الصور في القرآن
وردت مسألة النفخ في الصور في العديد من آيات الكتاب العزيز، منها:
- قوله تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً﴾.[٥]
- قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً﴾.[٦]
- قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾.[٧]
- قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾.[٨]
- قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ* قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾.[٩]
- قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾،[١٠] إلى غيرها من الآيات الكريمة، التي ورد فيها ذكر النفخ فى الصور.
لم يتعرّض القرآن الكريم إلى بيان حقيقة النفخ في الصور، وأوكل بيان هذه الحقيقة إلى الروايات التي أشارت بالتفصيل إلى حقيقة النفخ وما يجرى على الناس في حينها، والحوادث التي تقع عند حصوله.
النفخ في الصور في الروايات
- عن ثوير بن أبي فاختة، قال: سُئل الإمام علي بن الحسين عن النفختين في الصور كم بينهما؟ فقال: ما شاء الله، قال السائل: فأخبرني يا ابن رسول الله كيف ينفخ فيه؟ فقال: أمَّا النفخة الأولى، فإنَّ الله يأمر إسرافيل فيهبط إلى الأرض ومعه الصّور، وللصّور رأس واحد وطرفان، وبين رأس كلِّ طرف منهما إلى الآخر مثل ما بين السماء والأرض، فإِذا رأت الملائكة إسرافيل قد هبط إلى الأرض ومعه الصور، قالوا: قد أذن الله في موت أهل الأرض، وفي موت أهل السماء.
قال: فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس، وهو مستقبل الكعبة، فإذا رآه أهل الأرض قالوا: قد أذن الله تعالى في موت أهل الأرض، فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطّرف الذي يلي الأرض، فلا يبقى في الأرض ذو روح إلاّ صعق ومات، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي أهل السماوات، فلا يبقى في السماوات ذو روح إلا صعق ومات إلا إسرافيل.
قال: فيقول الله لإسرافيل: يا إسرافيل مُتْ، فيموت إسرافيل، فيمكثون في ذلك ما شاء الله، ثم يأمر السماوات فتمور، ويأمر الجبال فتسير، وهو قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً﴾.[١١]
من الموت إلى القيامة | |
---|---|
الاحتضار • سكرات الموت • قبض الروح • تشييع الجنازة • غسل الميت • صلاة الميت • الكفن • الدفن • تلقين الميت • ضغطة القبر • صلاة ليلة الدفن • سؤال القبر • عذاب القبر • زيارة القبور • التوسل بالموتى • البرزخ • النفخ في الصور • يوم القيامة • مواقف القيامة • الميزان • الشفاعة • الصراط • الجنة • النار | |
مواضيع ذات صلة | |
المعاد • عزرائيل • البدن البرزخي • الحياة البرزخية • تجسم الأعمال • الخلود | |
قال: فينفخ الجبار نفختة في الصور، فيخروج الصوت من أحد الطرفين الذي يلي السماوات، فلا يبقى في السماوات أحد إلا حيى وقام كما كان، ويعود حملة العرش، وتحضر الجنة والنار، وتحشر الخلائق للحساب.[١٢]
- عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله قال: إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحاً، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللّحوم.
وقال: أتى جبرائيل رسول الله، فأخذ بيده وأخرجه إلى البقيع، فانتهى به إلى قبر، فصوّت بصاحبه فقال: قم بإذن الله فخرج منه رجل أبيض الرّأس واللّحية يمسح التراب عن رأسه، وهو يقول: الحمد لله والله أكبر، فقال جبرائيل: عُد بإذن الله تعالى، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر، فقال: قم بإذن الله، فخرج منه رجلٌ مسودّ الوجه، وهو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه، ثمّ قال له جبرائيل: عُد إلى ما كنت فيه بإذن الله فقال: يا محمد هكذا يُحشرون يوم القيامة فالمؤمنون يقولون هذا القول، وهؤلاء يقولون ما ترى.[١٣]
مراحله
ويُنفخ في الصور نفختان:
- النفخة الأولى، وتسمى: نفخة الصعق والإماتة،[١٤] وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ﴾،[١٥] وبسماع هذه النفخة يموت كلُّ من في السموات والأرض إلاَّ من شاء الله أن يبقيه، وتأتي هذه الصيحة على حين غفلة من الناس وانشغال بالدنيا، كما قال تعالى: ﴿مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾.[١٦]
- النفخة الثانية، هي نفخة البعث والإحياء،[١٧] وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾،[١٨] وهي صيحةٌ توقظ الأموات ممّا هم فيه، ثم يحشرون بعدها إلى أرض المحشر، وهذه النفخة هي المقصودة بقوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾.[١٩]
الفاصلة بين النفختين
لقد ذكرت بعض الروايات أن الفاصلة بين النفختين أربعون سنة، وفي البعض الآخر أربعمائة سنة،[٢٠] ولا يعلم إن هذه السنوات من سنين الدنيا أو الآخرة، ولكن بعض المتكلمين ذكروا أن يوم القيامة لايبقى أثر للزمان، لأن أحكام ذلك العالم تختلف عن أحكام هذا العالم، لذلك لم يطرحوا في بحوثهم الفاصلة بين النفختين.[٢١]
الملك المأمور بنفخة الصور
ورد فـي الأحاديث أنَّ هذا الملك هو إسرافيل، فعن الإمام السجاد قال: إنَّ اللّه يأمر إسرافيل فيهبط إلى الأرض ومعه صُوْر، ومـا كـون نـفـخـة الموت والحياة بيده، إلاَّ دليل على عظمة منزلة هذا المَلك.[٢٢]
أسماء أخرى للنفخ
ذكر القرآن الكريم ستة تعابير مختلفة تعبِّر عن هذه الواقعة، وهي:
- الصيحة: وهي بمعنى رفع الصوت، وأصله تشقيق الصوت، من قولهم إنصاح الخشب أو الثوب إذا انشقَّ فسُمع منه صوت، وصيحَ الثوبُ كذلك، ومن ثمَّ أطلقت هذه الكلمة على جميع الأصوات العالية، قال تعالى: ﴿مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾.[٢٣]
- النقر في الناقور: النقر في الأصل يعني طرق شيء، والـمـنـقار: هي وسيلة الطرق، ومن هنا يكون الطرق ملازماً للصوت، وتأتي هذه الكلمة أحياناً بمعنى إيجاد الصوت أو سببه،[٢٤] وهو هنا النفخ في الصور، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾.[٢٥]
- الصاخَّة: وهي مشتقة من مادة (صخ) هو الصوت الشديد الذي ينبعث من أصحاب النطق،[٢٦] قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّة * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه*ِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾.[٢٧]
- الـقـارعـة: مـن مادة (قرع) على وزن (فرع) وفي الأصل بمعنى الطرق الشديد الذي ينبعث منه صوت عال ومنها (المقرعة)،[٢٨] قال الله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ﴾.[٢٩]
- الزجرة: وهي فـي الأصل: الـصـيحة من قولك: زجر الراعي الإبل أو الغنم، إذا صاح عليها فريعت لصوته قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّمَا هِى زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ﴾.[٣٠] وهذه التعابير كلُّها استخدمها القرآن الكريم للحديث عن نفخة الإماتة والإحياء، وقد يراد في بعضها النفخة الأولى،أي نفخة الإماتة، وقد يراد النفخة الثانية أو نفخة الإحياء.
- الراجفة والرادفة: الراجفة: وهي صيحة عظيمة فيها تردد واضطراب، كالرعد إذا تمخض، والرادفة: كلّ شيء تبع شيئاً آخر فقد ردفه، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾.[٣١]
الهوامش
- ↑ السبحاني، مفاهيم القرآن، ج 8، ص 212.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 6، ص 299.
- ↑ الحيدري، المعاد، ج 1، ص 236.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص 336.
- ↑ الكهف: 99.
- ↑ طه: 102.
- ↑ المؤمنون: 101.
- ↑ النمل: 87.
- ↑ يس: 51 ــ 53.
- ↑ الزمر: 68.
- ↑ الطور: 9 ــ 10.
- ↑ الطبسي، التراث العقائدي، ص 265ــ266.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 7، ص 39.
- ↑ السبحاني، مفاهيم القرآن، ج 8، ص 207.
- ↑ الزمر: 68.
- ↑ يس: 49 ــ 50.
- ↑ السبحاني، مفاهيم القرآن، ج 8، ص 207.
- ↑ الزمر: 68.
- ↑ يس: 51.
- ↑ الطبرسي، الأحتجاج، ج 2، ص 86.
- ↑ رستمی و آل بویه، سیری در اسرار فرشتگان، ص 254.
- ↑ الطباطبائي، حياة مابعد الموت، ص 157.
- ↑ يس: 49 ــ 50.
- ↑ الأصفهاني، المفردات، ص 526.
- ↑ المدثر: 8 ــ 10.
- ↑ الأصفهاني، المفردات، ص 285.
- ↑ عبس: 33 ــ 36.
- ↑ الراغب الأصفهاني، المفردات، ص 417.
- ↑ الرعد: 31.
- ↑ الصافات: 19.
- ↑ النازعات: 6 - 7.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الحيدري، كمال، المعاد رؤية قرآنية، قم، دار فراقد، ط2، 1433هـ/ 2012م.
- الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1428هـ/ 2008م.
- السبحاني، جعفر، مفاهيم القرآن، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1431 هـ/ 2010 م.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار المرتضى، ط1، 1427هـ/ 2006م.
- الطبرسي، أحمد بن علي، الأحتجاج، قم، الشريف الرضي، ط1، 1422هـ.
- الطبسي، محمد جواد، التراث العقائدي لعلي بن إبراهيم القمي، قم، انتشارات زائر، ط1، 1389ش.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1403هـ/ 1983م.
- الطباطبائي، محمد حسين، حياة مابعد الموت، مراجعة وتعليق: السيد علي القصير، كربلاء، العتبة الحسينية المقدسة، ط1، 1429هـ/ 2008م.