العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام

من ويكي شيعة
(بالتحويل من العباس الشهيد)
العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام
الاسمالعباس بن علي
الكنيةأبو الفضل
تاريخ الميلاد4 شعبان 26 هـ.
تاريخ الوفاة10 محرم 61 هـ.
مكان الميلادالمدينة
مكان الدفنكربلاء
مدة حياته34 سنة
الألقابقمر بني هاشم، وساقي عطاشى كربلاء، والكفيل
الأبالإمام علي (ع)
الأمأم البنين
الزوجلبابة
الأولادعبيد الله والفضل
العباس بن علي(ع) · زينب الكبرى · علي الأكبر · فاطمة المعصومة . السيدة نفيسة · السيد محمد · عبد العظيم الحسني · أحمد بن موسى · موسى المبرقع


العباس بن علي بن أبي طالب (26- 61 هـ) أمه أم البنين عليها السلام، وهو المعروف بـأبي الفضل، والملقّب بقمر بني هاشم. استشهد في وقعة عاشوراء سنة 61 هـ.

حظي العباس - من بين أبناء أئمة أهل البيت عليهم السلام - بمنزلة كبيرة في الوسط الشيعي، وأوردت مصادرهم الكثير من فضائله ومكرماته على لسان الأئمة (ع)، فكان هو في تعبيرهم نعم الأخ المواسي للحسين، صاحب المنزلة التي يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة، نافذ البصيرة، صُلب الإيمان، العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام.

كان العباس عليه السلام في واقعة كربلاء صاحب لواء أخيه الحسين عليه السلام، وقد كسر الحصار يومي السابع والعاشر من محرم بعد أن حُرِم المخيّم من شرب نهر الفرات، فتمكّن من جلب الماء لمعسكر الحسين في المحاولة الأولى، فلقّب بالسقّاء، واستشهد في طريق عودته من المحاولة الثانية، فقطعت يداه. ولمنزلته الرفيعة ومقامه السامي خصصوا يوم السابع من المحرم (وفي إيران يوم التاسع) لإحياء ذكراه وإقامة مراسم العزاء له.

النسب

العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام أمّه فاطمة أمّ البنين عليه السلام بنت حزام (حرام) بن خالد بن ربيعة بن الوحيد، وهو: عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، تزوجها أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، فسمّاها أم البنين.[١]

الكنى والألقاب

ايوان الذهب حرم العباس (ع)

يكنى بأبي الفضل وهي أشهر كناه.[٢] وعزى الكثير من العلماء والأدباء ذلك إلى ما اتسم به عليه السلام من فضائل كثيرة.[٣]

ويكنّى بأبي القاسم، ومن هنا حمل الباحثون والمحققون ما ورد في زيارة الأربعين عليه. قال جابر بن عبد الله الأنصاري: «السلام عليك يا أبا القاسم يا عباس بن علي».[٤]

ألقابه

لقب عليه السلام بمجموعة من الألقاب تحكي عظم شخصيته، منها:

  • قمر بني هاشم[٥]
  • باب الحوائج[٦]
  • العبد الصالح[٩]
  • السقّاء؛[١١] وذلك لما قام به من إقدام وبذله من تضحيات في جلب الماء إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام.

الطفولة والفتوة والشباب

حرم العباس (ع)

ولد العباس عليه السلام في الرابع من شعبان سنة 26 هـ في المدينة المنورة، فعاش في كنف أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وأخويه الحسن والحسين عليهما السلام ينهل من نمير علمهم ويرتوي من زلال رافدهم، ولم تكن كُلِّ البصائر في أبي الفضل عليه السلام اكتسابية، بل كان مجتبلاً من طينة القداسة التي مزيجها النور الإلهي، حتّى تكوّنت في صُلّب من هو مثال الحقّ، ذلك الذي لو كشف عنه الغطاء ما ازداد يقيناً، فلم يصل أبو الفضل عليه السلام إلى عالم الوجود إلاّ وهو معدن الذكاء والفطنة، وأُذن واعية للمعارف الإلهية، ومادة قابلة لصور الفضائل كُلّها، فاحتضنه حجر العلم والعمل، حجر اليقين والإيمان، وعادت أرومته الطيّبة هيكلاً للتوحيد، يغذّيه أبوه بالمعرفة، فتشرق عليه أنوار الملكوت، وأسرار اللاهوت، وتهبّ عليه نسمات الغيب، فيستنشق منها الحقائق.[١٢]

وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى سمّو مرتبة العباس عليه السلام العلمية بقوله: «إنّ ولدي العبّاس زق العلم زقاً».[١٣]

وقد رأت أُمّ البنين عليه السلام في بعض الأيام أنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام أجلس أبا الفضل عليه السلام على فخذه، وشمّر عن ساعديه، وقبلهما وبكى، فأدهشها الحال؛ لأنّها لم تكن تعهد صبيّاً بتلك الشمائل العلوية ينظر إليه أبوه ويبكي، من دون سبب، ولمّا أخبرها أمير المؤمنين عليه السلام على ما سيحدث لهذين اليدين من القطع في نصرة الحسين عليه السلام: «بكت وأعولت وشاركها مَن في الدار في الزفرة والحسرة، غير أنّ سيّد الأوصياء بشّرها بمكانة ولدها العزيز عند اللّه جلّ شأنه، وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب».[١٤]

مرحلة الفتوة والشباب

بذل أمير المؤمنين عليه السلام قصارى جهده في إعداد ولده وتربيته على المثل العليا والأخلاق النبيلة التي دعت إليها الشريعة المحمدية.[١٥] وقد لازم العباس بن علي (ع) أباه أمير المؤمنين عليه السلام طيلة أربع عشرة سنة يستضيئ بنور علمه،[١٦] وسار في ركابه إبّان خلافته،[١٧] ولم يتخلّف عن معركة صفين سنة 37 هـ مع حداثة سنّه، وقد أبلى فيها بلاءً حسناً.[١٨]

الحضور في صفين

إنّ معاوية لمّا نزل بجيشه على الفرات إبّان معركة صفين وجعلها في حيِّزه، وبعث عليها أبا الأعور السُّلمي يحميها ويمنعها. وبعث أمير المؤمنين عليه السلام صعصعة بن صوحان إلى معاوية، يسأله أن يخلِّي بين الناس والماء، فرجع صعصعة فأخبره عليه السلام بما كان من إصرار جيش الشام على منعهم الماء!.

فلمَّا سمع عليٌّ عليه السلام ذلك قال: «قاتلوهم على الماء»، فأرسل كتائب من عسكره، فتقاتلوا، واشتدَّ القتال، واستبسل أصحاب الإمام عليه السلام وفيهم الإمامين الحسن والحسين والعباس بن علي عليهم السلام، أشدَّ شجاعة، حتى خلَّوا بينهم وبين الماء، وصار في أيدي أصحاب عليٍّ عليه السلام.[١٩]

وممّا يروى: أنّه في بعض أيّام صفّين خرج من جيش أمير المؤمنين عليه السلام شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدّر عمره بالسبع عشر سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه ابن الشعثاء، فقال: إنّ أهل الشام يعدّونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكُلّما خرج أحد منهم قتله حتّى أتى عليهم، فساء ذلك ابن الشعثاء وأغضبه، ولمّا برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجّب أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من هذه البسالة التي لاتعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقرّه دعا أبوه أمير المؤمنين عليه السلام، وأزال النقاب عنه، فإذا هو قمر بني هاشم ولده العبّاس عليه السلام.[٢٠]

أسرته

تزوج العباس عليه السلام من لبّابة بنت عبيد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب، وأُمّها أُم حكيم جويرية بنت خالد بن قرظ الكنانية.[٢١] وهي التي أنجبت له الفضل وعبيد الله.[٢٢] واتفقّ أرباب النسب على انحصار نسل العبّاس ابن أمير المؤمنين عليهما السلام في ولده عبيد اللّه.[٢٣] ولعبيد الله ولدان هما عبد الله والحسن. وانحصر نسل عبيد اللّه في ولده الحسن الذي كان لأُم ولد، وعاش سبعاً وستّين سنة، وله خمسةأبناء، هم: الفضل، وحمزة، وإبراهيم، والعبّاس، وعبيد اللّه.

وأمّا الفضل فكان لسناً متكلّماً فصيحاً، شديد الدّين، عظيم الشجاعة، محتشماً عند الخلفاء، ويقال له: (ابن الهاشمية)؛ وأمّا حمزة وإبراهيم ويُعرف بـ (جردقة) فكانا من الفقهاء الأُدباء والزهّاد؛ وأمّا عبيد اللّه بن الحسن بن عبيد اللّه بن العبّاس السقاء عليه السلام، ففيه يقول محمّد بن يوسف الجعفري: «ما رأيت أحداً أهيب، ولا أهيأ، ولا أمرأ من عبيد اللّه بن الحسن، تولّى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما أيّام المأمون سنة 204 للهجرة؛ وأما العباس فقد عرف بالفصاحة والبلاغة والخطابة».[٢٤] وكُلّهم أعقبوا أبناء أجلّاّء فضلاء أُدباء، منهم محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله من كبار شخصيات القرن الثالث الهجري.[٢٥]

خصاله ومناقبه

مقام كف العباس عليه السلام في كربلاء

العباس في ركاب الإمام الحسن (ع)

لازم العباس بن علي عليه السلام ركاب أخيه الإمام الحسن عليه السلام، وسار تحت لوائه طيلة حياته، وبذل جهداً كبيراً في الدفاع عن أخيه الحسن عليه السلام ودرء خطر معاوية الذي ما برح محدقاً بالإمام عليه السلام، وقد عرف في فترة إمامة أخيه الحسن عليه السلام بباب حوائج الشيعة، حيث كان الواسطة في إيصال ما تجود به يد الإمام عليه السلام إلى الفقراء والمحتاجين ويرشد إلى داره عليه السلام الطالبين والمحتاجين.
ولمّا تمادى الأمويون بالشر، وظهرت خفايا نفوسهم المنطوية على الحقد والعداء لآل البيت، وأوعزوا إلى عملائهم برمي جنازة الإمام، فرموها برماحهم وسهامهم، أسرع أبو الفضل العبّاس عليه السلام إلى مناجزة الأمويين، وتمزيقهم، فمنعه أخوه الإمام الحسين عليه السلام من القيام بأي عمل امتثالاً لوصيّة أخيه الحسن عليه السلام.[٢٦]

ومن أفضل الشواهد الدالة على مدى ملازمته لأخيه الحسن عليه السلام ما شهد به الإمام الصادق عليه السلام في زيارته لعمّه العباس عليه السلام التي جاء فيها: «فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت، واحتسبت، وأعنت فنعم عقبى الدار ...».[٢٧]

العباس في كلمات السجاد (ع)

قد أثبت الإمام السجاد عليه السلام لعمه العباس عليه السلام منزلة كبرى لم ينلها غيره من الشهداء ساوى بها عمّه الطيار، فقال عليه السلام: «رحم اللّه عمّي العبّاس بن علي، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله اللّه عزّوجلّ جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، إنّ للعبّاس عند اللّه تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة».[٢٨]

العباس في كلمات الصادق (ع)

كان الإمام الصادق عليه السلام وهو العقل المبدع والمفكّر في الإسلام يشيد دوماً بعمّه العبّاس عليه السلام، ويثني ثناءً عاطراً ونديّاً على مواقفه البطولية يوم الطفّ، وكان مما قاله في حقّه: «كان عمّي العبّاس بن علي عليه السلام نافذ البصيرة، صُلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين عليه السلام، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً.... أشهد، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابّون عن أحبّائه».[٢٩]

العباس في كلمات المهدي (ع)

أدلى الإمام المصلح العظيم بقيّة الله في الأرض قائم آل محمد صلی الله عليه وآله وسلم بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس عليه السلام جاء فيها: «السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي..».[٣٠]

معرفته بإمام زمانه وانقياده له

عُرف العباس بن علي عليه السلام بوعيه العميق لنظرية الإمامة وطاعته المطلقة وانقياده التام لإمام زمانه، وهناك دلائل ومؤشرات تكشف عن هذه الخصوصية عنده عليه السلام، منها:

ورد في زيارته


أَشْهَدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَخيكَ فَنِعْمَ الاَْخُ الْمُواسي

  • ما جاء في الزيارة المروية عن الإمام الصادق عليه السلام: «.... المطيع لله ولرسوله ولأميرالمؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم».[٣١]

قالوا: «ما شأنك؟ وما تريد؟».

قال: «يا بني أُختي، أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين عليه السلام، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد».

فقال له العبّاس عليه السلام: «تبت يداك ولعن ما جئت به من أمانك يا عدو الله! أتامرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة عليه السلام، وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟! أتؤمننا وابن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم لا أمان له؟!».[٣٢]

العباس عليه السلام في واقعة كربلاء

السقاية

تحت ضريح العباس عليه السلام

في اليوم السابع من المحرّم حوصر سيّد الشهداء ومن معه، وسُدّ عنهم باب الورود، ونفذ ما عندهم من الماء، فعاد كُلّ منهم يعالج لهب الأوام، وبطبع الحال كانوا بين أنّة وحنّة، وتضوّر، ونشيج، ومتطلّب للماء إلى متحرّ ما يبلّ غلته، وكُلّ ذلك بعين «أبي علي» والغيارى من آله، والأكارم من صحبه، وما عسى أن يجدوا لهم وبينهم وبين الماء رماح مشرعة وبوارق مرهفة، في جمع كثيف يرأسهم عمرو بن الحجاج.[٣٣]

هناك وكَّلَ الحسين عليه السلام لهذه المهمة أخاه العبّاس عليه السلام، فأمره أن يستقي للحرائر والصبية، وضمّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وبعث معهم عشرين قربة، وتقدّم أمامهم نافع بن هلال الجملي، فمضوا غير مبالين، ثُمّ صاح نافع بأصحابه: إملأوا قربكم، وشدّ عليهم أصحاب ابن الحجّاج، فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض يقاتل، فجاؤوا بالماء وليس في القوم المناوئين من تحدّثه نفسه بالدنوّ منهم، فرقاً من ذلك البطل المغوار.[٣٤]

وقد تكرر ذلك منه عليه السلام يوم العاشر من المحرم حيث كسر الحصار المضروب على نهر العلقمي، واقتحم النهر إلاّ أنّه عليه السلام وفي طريق عودته واجه مقاومة من العدو، وأصيبت القربة وأريق ماؤها.

ممثل الحسين عليه السلام

القربة خلف حرم العباس عليه السلام

روى أرباب المقاتل أن عمر بن سعد نهض لحرب الحسين عليه السلام عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحرم ونادى «يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري»، فركب العسكر، وزحف نحو الحسين عليه السلام، فقال العبّاس عليه السلام: «يا أخي، أتاك القوم». فنهض عليه السلام، وأمر العبّاس عليه السلام بالرّكوب إليهم، وقال: «قل لهم مالكم وما بدا لكم؟» فأتاهم العبّاس عليه السلام في نحو من عشرين فارساً، فقال لهم: «ما بدا لكم، وما تُريدون ؟!» قالوا: «قد جاء أمر الأمير أن نَعْرض عليكم أن تنزلوا على حُكمه أو نناجزكم».

قال: «فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبدالله فأعرضَ عليه ما ذَكَرْتُم». فأقبل العبّاس عليه السلام إلى الحسين عليه السلام، فأخبره بما قال القوم، قال: «إرْجِعْ إليهم، فإن استطعتَ أَنْ تؤخّرهم وتدفعهم عنّا هذه العشيّة لعلّنا نُصلّي لربّنا اللّيلة وندعوه ونستغفره» فمضى العبّاس عليه السلام إلى القوم، وسألهم ذلك. فأمر ابن سعد مُناديه فنادى: «قد أجّلنا حسيناً وأصحابه يومهم وليلتهم».[٣٥]

الحفاظ على المخيم

مع أن العباس عليه السلام كان قد أخذ من القوم عهداً بتأجيل المعركة إلى الغد إلاّ أنّه بقي تلك الليلة يحرس الخيام، ويدور في وسطها.[٣٦] وقام زهير بن القين إلى العبّاس عليه السلام فحدّثه بحديث، قال فيه: «إنّ أباك أمير المؤمنين عليه السلام طلب من أخيه عقيل - وكان عارفاً بأنساب العرب وأخبارها - أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب، وذوو الشجاعة منهم، ليتزوّجها؛ فتلد غلاماً فارساً شجاعاً، ينصر الحسين عليه السلام بطفّ كربلاء، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم، فلا تقصّر عن نصرة أخيك وحماية إخوتك».

فغضب العبّاس عليه السلام، وقال: «يا زهير، تشجّعني هذا اليوم، فواللّه لأرينّك شيئاً ما رأيته».[٣٧]

صاحب اللواء

لمّا أصبح الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، وفرغ من عبادته عبأ أصحابه، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، فجعل على ميمنته زهير بن القين، وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر، ودفع اللواء إلى أخيه العباس بن علي عليه السلام، وثبت عليه السلام مع أهل بيته في القلب.[٣٨]

كسر حلقة الحصار

قال الطبري في معرض حديثه عن وقائع يوم عاشوراء: «فأمّا عمرو بن خالد الصيداوي، وجابر بن الحارث السلماني، وسعد مولى عمرو بن خالد، ومجمّع بن عبد اللّه العائذي، فإنّهم قاتلوا في أوّل القتال، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ عليه السلام فاستنقذهم».[٣٩]

حفر الآبار

روی القندوزي لما اشتدّ العطش قال الإمام الحسين عليه السلام لأخيه العباس عليه السلام: «اجمع أهل بيتك، واحفروا بئراً» ففعلوا ذلك، فوجدوا فيها صخرة، ثم حفروا أخرى، فوجدوها كذلك، ثم قال له: «امض إلى الفرات، وآتينا الماء»، فقال: «سمعاً وطاعة»، فضّم إليه الرجال، فمنعهم جيش عمر بن سعد، فحمل عليهم العباس عليه السلام، فقتل رجالاً من الأعداء حتى كشفهم عن المشرعة، ودفعهم عنها.[٤٠]

تقديم أخوته للقتال

لقد كان من نفوذ بصيرة العبّاس عليه السلام أنّه لم تقنعه هاتيك التضحية المشهودة منه، والجهاد البالغ حدّه، حتّى راقه أن يفوز بتجهيز المجاهدين في ذلك المأزق الحرج، والدعوة إلى السعادة الخالدة في رضوان اللّه الأكبر، وأن يحظى بأُجور الصابرين، على ما يَلمّ به من المصاب بفقد الأحبة، فدعا أُخوته من أُمه وأبيه وهم عبد اللّه، وجعفر، وعثمان وقال لهم: «تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله. فكانوا كما شاء ظنّه الحسن بهم، حيث لم يألوا جهداً في الذبّ عن قدس الدين، حتّى قضوا كراماً متلفّعين بدم الشهادة».[٤١]

مبارزة الشجعان

واجه العباس بن علي عليه السلام ثلاثة من فرسان القوم وشجعانهم، هم: مارد بن صُدَيف، الذي حمل على العباس عليه السلام برمحه، فأمسك به، وألقاه من ظهر فرسه، ثم قتله برمحه.[٤٢]

والثاني صفوان بن الأبطح المعروف بمهارته برمي النبال إلاّ أنّ العباس عليه السلام تمكّن منه، ولكنه تركه جريحاً، ولم يجهز عليه.

والثالث عبد الله بن عقبة الغنوي، الذي فرّ مذعوراً عن مبارزته بعد أن كان مصراً عليها.[٤٣]

استشهاده

مقام كف العباس عليه السلام في كربلاء

استشهد العباس يوم العاشر من المحرم سنة 61 هـ في كربلاء.[٤٤] واختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين في كيفية شهادته عليه السلام، فذهب الخوارزمي إلى القول: «فبرز العباس إلى الميدان، فحمل على الأعداء مرتجزاً، وبعد أن قتل وأصاب عدداً منهم سقط شهيداً، فجاءه الحسين عليه السلام، ووقف عليه، وهو يقول: الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي».[٤٥]

فيما قرر كل من ابن نما وابن طاووس شهادته بالصورة التالية: «لما اشتد العطش بالحسين عليه السلام ركب المسناة يريد الفرات والعباس عليه السلام أخوه بين يديه فاعترضه خيل ابن سعد... ثم اقتطعوا العباس عنه، وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه، فبكى الحسين عليه السلام لقتله بكاء شديداً».[٤٦]

فيما قررها ابن شهر آشوب بقوله: «وكان العباس عليه السلام السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام وهو أكبر الأخوان، مضى يطلب الماء، فحملوا عليه وحمل عليهم حتى ضعف بدنه، فكمن له حكيم بن طفيل الطائي السنبسي، فضربه على يمينه، فأخذ السيف بشماله».[٤٧]

حمل وهو يرتجز:

يا نفس لا تخشي من الكفار وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا ربّ حر النار

فضربه لعين بعمود من حديد فقتله.[٤٨]

وكان العباس عليه السلام آخر من استشهد مع الحسين عليه السلام، ولم يستشهد بعده إلاّ صبية من آل أبي طالب لم يبلغوا الحلم، ولم يقدروا على حمل السلاح.[٤٩]
استشهد العباس عليه السلام، وله من العمر 34 سنة.[٥٠]

ورد اسمه في زيارة الشهداء، وأشيد بمواقفه يوم عاشوراء، ولعن قتلته.[بحاجة لمصدر]

معرض الصور

الهوامش

  1. الأمين، أعيان الشيعة، ص 429. القمي، نفس المهموم، ص 285.
  2. ابن نما الحلي، مثير الأحزان، ص 254. أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبين، ص ‏89.
  3. ابن عنبة الحسيني، عمدة الطالب، ص ‏280.
  4. المجلسي، بحار الأنوار، ج 101، ص 330.
  5. أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص90. ابن نما الحلي، مثير الأحزان، ص 254.
  6. المقرم، العباس بن ‏علي(ع)، ص 30.
  7. المظفر، بطل العلقمي، ج 2، ص 108-109.
  8. المظفر، بطل العلقمي، ج 2، ص 108-109.
  9. ابن عنبة الحسني، عمدة الطالب، ص 124.
  10. ابن عنبة الحسني، عمدة الطالب، ص ‏280.
  11. محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج7، ص429. الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ج5، ص412-413. أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطاليبين، ص 117-118. ابن عنبة الحسني، عمدة الطالب، ص‏280.
  12. المُقرّم، كتاب العباس عليه السلام، ص 155.
  13. الهاشمي النجفي، ثمرات الأعواد، ج 10، ص 105. الناصري، مولد العباس بن‏ علي(ع)، ص 62.
  14. الحسني، قمر بني ‏هاشم، ص ‏19؛ الناصري، مولد العباس بن‏ علي(ع)، ص 60.
  15. الناصري، مولد العباس بن‏ علي(ع)، ص 60.
  16. الناصري، مولد العباس بن‏ علي(ع)، ص ‏63.
  17. المظفر، بطل العلقمي، ج 2، ص ‏6.
  18. الزنجاني، وسيلة الدارين، ص ‏269. الناصري، مولد العباس بن‏ علي (ع)، ص 64.
  19. الحائري المازندراني، معالي السبطين، ج 1، ص 437.
  20. المقرم، العباس (عليه ‏السلام)، ص153. البيرجندي، الكبريت الأحمر، ص 385.
  21. البخاري، السنن، ص 90.
  22. ابن صوفي، المجدي، ص 436.
  23. ابن صوفي،المجدي، ص436. ابن عنبه، عمدة الطالب، ص 328.
  24. ابن عنبه، عمدة الطالب، ص 281.
  25. أبي نصر، سر السلسلة العلوية، ص 90. ابن عنبه، عمدة الطالب، ص 281-282.
  26. لقماني، سبهسالار عشق، ص 47.
  27. ابن قولويه القمي، كامل الزيارات، ص 786.
  28. الصدوق، الخصال ، ج 1، ص 68.
  29. ابن عنبه، عمدة الطالب، ص 280. الأمين، أعيان الشيعة، ص 430.
  30. المظفر، بطل العلقمي، ج 2، ص 311.
  31. ابن قولويه القمي، كامل الزيارات، ص 786.
  32. ابن أعثم، الفتوح، ج5، ص94. الحائري، معالي السبطين، ج1، ص433. أبي مخنف، وقعة الطف، ص 219-220.
  33. المقرم، العباس عليه السلام، ص 250.
  34. الطبري، تاريخ‏ الطبري، ج5، ص412. سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص152. الأمين، أعيان الشيعة، ج 7، ص 430. أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل ‏الطالبيين، ص 78. ابن أعثم، الفتوح، ج 5، ص 92.
  35. المفيد، الإرشاد، ص 335. ابن شهر آشوب، مناقب آل‏ أبي ‏طالب، ج 4، ص 98. المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 391؛ الطبرسي، أعلام الورى، ج 1 ص 454-455. الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص416. الأمين، أعيان الشيعة، ج 7، ص 430.
  36. بحر العلوم، مقتل ‏الحسين(ع)، ص 314. معالي‏ السبطين، ج 1، ص 443.
  37. بحر العلوم، مقتل ‏الحسين(ع)، ص 314. البيرجندي، الكبريت الأحمر، ص 386؛ المظفر، بطل ‏العلقمي، ج 1، ص 97.
  38. الشيخ المفيد، الإرشاد، ص338. المجلسي، بحار الأنوار، ج 45، ص 4. ابن الجوزي، تذكرة ‏الخواص، ج 2، ص 161. الطبرسي، أعلام الورى، ج 1، ص 457. الدينوري، الأخبارالطوّال، ص 25.
  39. الطبري، تاريخ ‏الطبري، ج 5، ص 446. الكامل ‏في‏ التاريخ، ج 3، ص 293. الأمين، أعيان ‏الشيعة، ج 7، ص 430. الحائري المازندراني، معالي‏ السبطين، ج 1، ص 443.
  40. القندوزي، ينابيع ‏المودة، ج 2، ص 340.
  41. المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص38. أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل‏ الطالبيين، ص54. الطبرسي، أعلام الورى، ج 1، ص 466. المفيد، الإرشاد، ص 348. المقرم، العباس عليه السلام، ص 182.
  42. البيرجندي، الكبريت الأحمر، ص 387.
  43. البيرجندي، الكبريت الأحمر، ص 387.
  44. ابن نما الحلي، مثير الأحزان، ص 254. محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 7، ص 429.
  45. الخوارزمي، مقتل الحسين(ع)، ج 2، ص 34. المقرم، حادثه كربلا در مقتل مقرم، ص 262.
  46. السيد بن طاوس، اللهوف، ص 117-118. الحلي، مثير الأحزان، ص 257.
  47. المقرم، حادثه كربلا در مقتل مقرم، ص 262.
  48. ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 108.
  49. أبو مخنف، مقتل الحسين، ص 180. أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 89.
  50. ابن عنبه، عمدة الطالب في أنساب آل أبي ‌طالب، ص 280. الطبرسي، أعلام الورى بأعلام الهدى، ج 1، ص 395.

المصادر والمراجع

  • البروجردي، آقا حسين، منابع فقه شيعه (جامعة لأحاديث الشيعة )، انتشارات فرهنك سبز، طهران‏، 1386 هـ‏.
  • الحلي، جعفر بن محمد بن نما، مثير الأحزان، ترجمه: علي كرمي، نشر حاذق، قم، ط1، 1380هـ.
  • الناصري، مولد العباس بن‏ علي(ع)، د ن، د م، د ت.
  • ابن قولويه القمي، جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى، كامل الزيارات، ترجمة: محمد جواد ذهني طهراني، انتشارات بيام حق، طهران، ط2، 1377 هـ.
  • المُقرّم، السيّد عبد الرزّاق الموسوي، العباس عليه السلام، تحقيق: سماحة الشيخ محمّد الحسّون، سلسلة الكتب المؤلفة في أهل البيت عليهم السلام، إعداد مركز الأبحاث العقائدية، د م، د ت.
  • المقرم، عبد الرزاق الموسوي، حادثه كربلا درمقتل الـمقرم، ترجمة: محمد جواد مولائي نيا، انتشارات جلوه كمال، قم، ط3، 1387هـ.
  • أبي نصر، أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن،سر السلسلة العلوية، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، النجف، 1382 هـ/1963 م.
  • الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دارالتراث، بيروت، ط2، 1967م.
  • المظفر، الشيخ عبد الواحد، بطل العلقمي، د ن، د م، د ت.
  • الأمين، السيد محسن العاملي، أعيان الشيعة، د ن، د م، د ت.
  • ابن عنبة الحسني، جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، أنصاريان، قم، 1417 هـ.
  • البيرجندي، محمد باقر، الكبريت الأحمر، كتاب فروشي إسلامية، طهران، 1377 هـ.
  • سليمان بن ابراهيم القندوزي، ينابيع المودة، مکتبة بصيرتي، قم، ط8، 1385 هـ.
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، أعلام الورى بأعلام الهدى، موسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1417 هـ.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، الخصال، تحقيق: علي أكبرغفاري، موسسه الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1410 هـ/ 1990 م.
  • الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين، تحقيق: أحمد صقر، موسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1408 هـ/ 1987 م.
  • الخصائص العباسية.
  • السيد بن طاوس، رضي الدين، علي بن موسى بن جعفر، اللهوف، جهان، طهرا، 1348 ش.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، موسسة الوفاء، بيروت، 1403 هـ/ 1983 م.
  • المحدث القمي، عباس، نفس‏ المهموم، ترجمه: أبوالحسن الشعراني، الهجرة، د م، ط3، 1376 هـ.
  • بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضى، مقتل ‏الحسين(ع)، د ن، د م، د ت.
  • موسوعة كلمات الحسين (عليه ‌السلام).
  • الخوارزمي، الموفق بن أحمد، مقتل الحسين(ع)، تحقيق وتعليق: محمد السماوي، أنوار الهدى، قم، ط1، 1418 هـ.
  • الشيخ المفيد، محمَّد بن محمَّد بن النعمان بن عبد السَّلام الحارثي ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الناشر سعيد بن جبير، قم، ط1، 1428 هـ.
  • أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطف، د ن، د م، د ت.
  • أبي عنبة الأصغر، جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1421 هـ/ 2001 م.
  • سبط ابن الجوزي، يوسف بن عبد الله، تذكرة الخواص، تحقيق: حسين تقي زاده، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت، د م، ط1، 1426 هـ.
  • ابن شهر آشوب، أبوجعفر محمّد بن عليّ، مناقب آل أبي طالب، دار الاضواء، بيروت، د ت.
  • ابن أعثم الكوفي، أبو محمد أحمد، الفتوح، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1411 هـ/ 1991 م.
  • الحائري المازندراني، محمد مهدي، معالي السبطين، مؤسسة النعمان، بيروت، 1412 هـ/ 1992 م.
  • الدينوري، أبوحنيفه أحمد بن داوود، الأخبار الطوال، تحقيق: عبدالمنعم عامر مراجعة جمال الدين شيال، منشورات الرضي، قم، 1368 ش.
  • ابن شهرآشوب، أبو جعفر محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، علامه، قم، 1379 هـ.
  • لقماني، أحمد، سبهسالارعشق[زعيم جيش الحب]، د ن، د م، د ت.