يوم عاشوراء، هو اليوم العاشر من شهر محرم الحرام. ومن أهمّ أحداثه مصرع الإمام الحسين (عليه السلام) وصحبه على يد جيش عمر بن سعد في وقعة كربلاء سنة 61 للهجرة. وقد أوجدت هذه الحادثة استنكاراً منقطع النظير على مرّ الأيام والقرون؛ فاتخذه الشيعة وأتباع أهل البيت يوم حزن وعزاء وبكاء، كما اتخذه بنو أمية يوم عيد لهم.
ويستمدّ إقامة المآتم ومجالس العزاء على الحسين جذوره من السنة النبوية وسنة أهل البيت عليهم السلام؛ حيث شرّعت لتلك الشخصية من البكاء والجزع ما لم تشرّع لغيره، فكان أن جرت العادة بإقامة الشعائر الحسينية في مختلف الأشكال والصور من بداية شهر محرم إلى اليوم العاشر، أو الثالث عشر (يوم دفن أجساد الشهداء)، أو حتى نهاية شهر صفر.
وتعظيماً لهذا اليوم أعلنت بعض البلاد الإسلامية كـالعراق، وإيران، وأفغانستان، وباكستان هذا اليوم عطلة رسمية.
عاشوراء لغة واصطلاحاً
عاشوراء: يوم سُمّي في الإسلام ولم يُعرف في الجاهلية، وليس في كلام العرب فاعولاء ممدوداً إلاّ عاشوراء.[١] وهو اليوم العاشر من المحرم.[٢]
وفي الاصطلاح هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن علي بن أبي طالب في الطفّ مع أهل بيته وأصحابه. وكان تاريخ يوم عاشوراء يوم الجمعة العاشر من شهر المحرم سنة 61 هـ. [٣] [٤]
موقف بني أمية
لبس بنو أميّة، لقتل الحسين في عاشوراء ما تجدّد، وتزيّنوا، واكتحلوا، وعيّدوا، وأقاموا الولائم والضيافات، وأطعموا الحلاوى والطّيّبات؛ وجرى الرسم في العامّة على ذلك أيّام ملكهم، وبقي فيهم بعد زواله عنهم.
موقف الشيعة
وأمّا الشيعة، فإنّهم ينوحون في عاشوراء، ويبكون أسفاً لقتل سيّد الشهداء فيه؛ ويظهرون ذلك في كل المدن والبلاد؛ ويزورون فيه حرم الإمام الحسين(ع) بـكربلاء، ولذلك كره فيه فعل العامّة، من تجديد الأواني والأثاث.
أعمال يوم عاشوراء
للزيارة في يوم عاشوراء فضل عظيم، وقد وردت فيها روايات عديدة منها:
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زار الحسين بن علي عليهما السلام يوم عاشوراء وجبت له الجنة.[٥]
- وعن أبي جعفر عليه السلام قال: من زار الحسين بن علي عليهما السلام في يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده باكيا لقي الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كل غزوة وحجة وعمرة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله ومع الأئمة الراشدين .[٦]
- وأيضاً عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: من زار الحسين يوم عاشوراء وبات عنده كان كمن استشهد بين يديه. [٧]
- وكذلك روى زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زار قبر الحسين بن علي عليه السلام في يوم عاشوراء عارفا بحقه كان كمن زار الله في عرشه.[٨]
- المبيت عند قبره(ع)
روى جابر الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من بات عند قبر الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء لقي الله تعالى يوم القيامة ملطخاً بدمه كأنما قتل معه في عرصة كربلاء، وقال: من زار الحسين يوم عاشوراء، وبات عنده كان كمن استشهد بين يديه .[٩]
- الصيام
وردت روايات كثيرة حول صيام هذا اليوم عند الفريقين، وهذا بعض ما ورد في مصادر مدرسة أهل البيت(ع):
- سُئل الإمام الباقر عليه السلام (ع) عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: صَوْمٌ مَتْرُوكٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْمَتْرُوكُ بِدْعَةٌ قَالَ: نَجَبَةُ. فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ (ع) عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَنِي بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ صَوْمُ يَوْمٍ مَا نَزَلَ بِهِ كِتَابٌ ولَا جَرَتْ بِهِ سُنَّةٌ إِلَّا سُنَّةُ آلِ زِيَادٍ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا. [١٠]
- وسئل الإمام الصادق عن صيامه، فقال: من صامه كان حظه حظ ابن مرجانة وآل زياد. قيل: ما حظهم؟ قال النار. وقال المفيد: ومن صام يوم عاشوراء على ما يعتقد فيه الناصبة من الفضل في صيامه لبركته وسعادته فقد أثم، ومن صامه للحزن بمصاب رسول الله صلى الله عليه وآله، والجزع لما حل بعترته عليهم السلام، فقد أصاب وأجر.[١١]
- ورد في مصباح المجتهد لـلشيخ الطوسي أنّه: "يستحب صيام هذا العشر فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام والشراب إلى بعد العصر، ثم يتناول شيئاً من التربة". [١٢]
- سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وزُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (ع) عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: كَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ. [١٣]
وهناك روايات وردت في كتب العامة مخالفة لهذه الروايات، ومتناقضة مع نفسها، من هذه الروايات :
- عَنْ عَائِشَةَ - رض- عنها قَالَتْ: کَانَ يوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيشٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَکَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَکَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَکَهُ.[١٤]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أغُّوبُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ. فَرَأَى الْيهُودَ تَصُومُ يوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: "مَا هَذَا". قَالُوا هَذَا یَوْمٌ صَالِحٌ. هَذَا يوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِیلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ. فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْکُمْ. فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيامِهِ. [١٥]
- عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رض - عنهما قَالَ: صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِکَ. وَکَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يصُومُهُ، إِلاَّ أَنْ يوَافِقَ صَوْمَهُ.[١٦]
- وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء وكان لا يصومه.[١٧]
- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بـالنصارى"[١٨]
فبناء على ما تقدم من الروايات الواردة في كتب الفريقين حول قضية صيام يوم عاشوراء هو عدم صدورها عن النبي الأعظم (ص)، بل يشدد على أنّ مثل هذه الروايات كما يبدو منها هي صياغة بني أمية التي بارتكاب هذه الجريمة في حق آل الرسول تريد أن تبرر موقفها وتشوش الرأي العام في المجتمع الإسلامي آنذاك حتى يومنا هذا، وما هي إلاّ تعتيم إعلامي علّها تمحو تلك الوصمة التي اتسمت بهم من عار إلى يوم الدين.
إقامة العزاء الحسيني
إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا، وَأَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وأَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ والْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ. فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ؛ فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ.
الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 19.
لإقامة العزاء الحسيني في هذا اليوم صور وأشكال مختلفة تعظيماً وإحياء لما جرى على أهل البيت(ع)، وتأسياً لما ورد في هذا المقام من الإشعار بخطورة الحدث والحثّ على البكاء والنحيب والجزع في كتب الأحاديث والروايات:
- مصادر سنّية
من جملة ما ورد في ذلك:
- قال الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام: قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا شرحبيل بن مدرك عن عبد الله بن نجى عن أبيه أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نینوى وهو سائر إلى صفين، فنادى اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت وما ذاك؟ قال دخلت على النبي (ص) وعیناه تفیضان، فقال قام من عندي جبريل فحدثني أن الحسين يُقتل بشط الفرات، وقال هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت نعم، فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا. وروى نحوه ابن سعد عن المدائني عن يحيى بن زكريا... وقال عماره بن زاذان حدثنا ثابت عن أنس قال استأذن ملك القطر على النبي في يوم أم سلمة، فقال یا أم سلمة، احفظي علينا الباب لا یدخل علینا أحد. فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين، فاقتحم الباب ودخل فجعل يتوثب على ظهر النبي، فجعل النبي يلثمه، فقال الملك أتحبّه؟ قال نعم، قال فإن أمتك ستقتله! إن شئت أريتك المكان الذي یقتل فيه. قال نعم، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر! قال ثابت فكنا نقول إنها كربلاء. وقال إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق وقال خالد بن مخلد واللفظ له: حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي كلاهما عن هاشم بن هاشم الزهري عن عبد الله بن زمعة قال أخبرتني أم سلمة أن رسول الله اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر، ثم اضطجع ثم استيقظ وهو خاثر دون المرة الأولى، ثم رقد ثم استیقظ وفی يده تربة حمراء وهو يقبّلها.[١٩]
- عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني رأيت حلماً منكراً الليلة.
- قال: ما هو؟
- قالت: إنّه شديد.
- قال: ما هو؟
- قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت، ووضعت في حجري
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت خيراً. تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً، فيكون في حجرك.
فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي ما لك ؟ قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت: هذا ؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء.[٢٠]
- مصادر شيعيّة
من جملة ما ورد في ذلك:
- لما أخبر النبي ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين، وما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة بكاء شديداً، وقالت : يا أبت متى يكون ذلك؟ قال : في زمان خال مني ومنك ومن علي، فاشتدّ بكاؤها وقالت : يا أبت فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي: يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي، رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة... يا فاطمة، كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكة مستبشرة. [٢١]
- عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال: كان علي بن الحسين (ع) يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي(ع) دمعة حتى تسيل على خده بوّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا، فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.[٢٢]
- عن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (ع)، فإنّه فيه مأجور.[٢٣]
- عن معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق (ع): كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين(ع).[٢٤]
- عن أبي عمارة المنشد، قال: ما ذكر الحسين بن علي(ع) عند أبي عبد الله جعفر بن محمد(ع) في يوم قط فرؤى أبو عبد الله(ع) في ذلك اليوم متبسماً إلى الليل.[٢٥]
- ومنها خبر معاوية بن وهب: استأذنت على أبي عبد الله الصادق (ع)، فقيل لي: ادخل. فدخلت، فوجدته في مصلاه في بيته، فجلست حتـّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، وهو يقول: يا من خصّنا بالكرامة - إلى أن قال: اغفر لي ولإخواني ولزوّار قبر أبي عبد الله الحسين - إلى أن قال: وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمةً لنا، وارحم تلك القلوب التي جَزَعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا...[٢٦]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِى عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم في الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ أَوْ يَتَتَبَّع ُفِيهَا شَيْئاً قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا. قَالَ: "دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ". قَالَ عَمَّارٌ: فَحَفِظْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَوَجَدْنَاهُ قُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.[٢٧]
- عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله(ع) قال: قال الحسين(ع): أنا قتيل العبرة. قتلت مكروباً، وحقيق علي أن لا يأتيني مكروب قط إلاّ رده الله، وأقلبه إلى أهله مسروراً.[٢٨]
- قال الرضا (ع) :”يا بن شبيب !.. إن كنت باكيا لشيء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (ع)؛ فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا، ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعثٌ غبْرٌ إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين. [٢٩]
وهنالك روايات أخرى تشير على هذا المعنى، فمنها:
وبناءًا على الروايات والأخبار الواردة وما شاكلها في هذا المجال، قامت الشعائر، وتطورت على مرّ العصور، وصار الناس بشتى المذاهب والاتجاهات يحيون هذا اليوم، فمن ذلك:
قراءة المقتل
من المراسيم التي يقيمها الشيعة في هذا اليوم الحزين والأليم هو قراءة أحداث ما جرى على الإمام الحسين حسب ما تحدث عنها كتب المقاتل بالأخص مقتل يحيى بن لوط والذي عرف بـمقتل أبي مخنف أو المقاتل المعروفة كمقتل السيد عبد الرزاق المقرم و.... فبرز في هذه الساحة الشيخ عبد الزهراء الكعبي بصوته الشجي حيث صار أسوة في ذلك للآخرين. وظل شريطه الصوتي بمناسبة اليوم العاشر والأربعين تبث في الكثير من الإذاعات والفضائيات، كما صار الحسينيات والمواكب الحسينية في أرجاء العالم تقرأ المقتل بطريقته، ولأمر أول مرة بث ذلك في إذاعة بغداد صبيحة يوم عاشوراء عام 1379 هـ، وقد أذيع في نفس العام مرتين صباحاً ومساءً لأن أربعة عشر ألف طلب برقي وهاتفي انهالت على وزير الثقافة والإرشاد ودار الإذاعة طالبة تكرار إذاعته.[٣٠]
التشابيه
- نوع من الاستعراض يجريه بعض الأشخاص في ساحة أو منصّة أمام أنظار الناس، ويؤدون فيه دور أبطال كربلاء بثياب خاصة وبالمعدات الحربية كالرمح والسيف والدرع والخنجر والقربة والحصان، ترافقها أصوات الطبل والبوق، والناي، والسنج، والدمّام، ويمثّلون مشاهد مستقاة من وقائع الطف حسبما ورد في كتب المقاتل.[٣١]
وهي المسماة بالفارسية التعزية، وكما هو معروف أنّ دائرة التعزية هي أوسع حيث تندرج تحتها مراسيم التشابيه، وقد أطلق هذا المصطلح أي التشابيه في بعض البلدان الشيعية كإيران بالتعزية.
- وهذه المراسيم كانت متعارفة في إيران منذ عهد ناصر الدين شاه. وإذا كان ثمة شيء من هذا القبيل في العهود السابقة، فهو قد ازدهر في عهد ناصر الدين شاه، وظهر في تلك الفترة قرّاء مراثي بارعون. [٣٢]
- فالشعائر الحسينية كالتطبير، والضرب بالسلاسل، والتشابيه و… الخ كانت منذ القديم موضع اختلاف بين العلماء والأتباع والمقلّدين، وكثر الاستفتاء والإفتاء في جوازه أو عدمه، وهذه الشعائر ليس لها أساس ديني من الوجهة الشرعية، وإنما تجري وفقا لما يكنّه الشيعة من محبة لأبي عبدالله الحسين عليه السلام، والعلماء يجيزونها في حالة عدم ضررها، بينما لا يجيزها عدد آخر من الفقهاء بسبب تأثيراتها السلبية على أفكار الآخرين، وما توجبه من وهن المذهب، وتلعب الظروف الزمانية دورها أيضاً في هذا المجال.[٣٣]
اللطم (اللدم)
وهو من أقدم الشعائر التي مارستها الشيعة لإظهار حالة التفجّع والحزن لمصيبة سيد الشهداء الحسين ومصائب الأئمة المعصومين (عليهم السلام). إذ يجتمع حشد من الموالين في مكان مقدس كالمسجد أو الحسينية أو بعض الأوقاف فيجردون نصف أبدانهم ويبدأون بِلَدم(اللدم، أي: الضرب) الصدور ولطم الخدود وضرب الرؤوس بأساليب منسقة حزينة. ولتنسيق الضربات التي ينهالون بها على صدورهم يصعد شاعر أو حافظ للشعر، وينشد قصائد منظمة بأسلوب خاص تذكّر اللاطمين بمصائب أهل البيت (عليهم السلام)، وتحافظ نبراتها على وحدة الضرب، وهم يتجاوبون مع الراثي في ترديد بعض الأبيات الشعرية. والضرب باليد يكون على الجانب الأيسر من الصدر أي فوق منطقة القلب، واللطم هو أحد أهم وسائل إظهار الجزع على المعصومين (عليهم السلام) وأكثرها انتشاراً.[٣٤]
السلاسل
من الشعائر التي يقيمها مُحِبّو أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً هو موكب السلاسل الذي يتكون بتجمع عدد غفير من الناس في مركز معين يقيمون فيه مأتماً على الإمام الحسين (عليه السلام)، ثم يجردون ظهورهم - بلبس خاص من القماش الأسود الذي فصّل خصيصاً لهذا الغرض- ويقبضون بأيديهم مقابض حزمة من السلاسل الرقيقة، فيضربون أكتافهم بها بأسلوب رتيب ينظمه قرع الطبول والصنوج بطور حربي عنيف، وينطلقون من مركز تجمعهم، ويسيرون عبر الشوارع إلى مكان مقدس ينفضون فيه وهم يهزجون في كل ذلك بأناشيد حزينة أو يهتفون: (مظلوم .. حسين شهيد عطشان .. ياحسين).[٣٥]
- التطبير
من جملة التقاليد الشائعة في بعض المدن والبلدان الشيعية، ويمارسه بعض الأشخاص حزناً على مصيبة أبي عبد الله عليه السلام وتأسياً بجرح واستشهاد الحسين عليه السلام وشهداء كربلاء، وإعلاناً للاستعداد لبذل الدماء والتضحية على طريق الإمام الحسين عليه السلام . ففي الصباح المبكر من يوم العاشر من المحرم يرتدي بعض الأشخاص رداءًا أبيضاً طويلاً أشبه ما يكون بالكفن، ويخرجون جماعة ويضربون على رؤوسهم بسيوف قصيرة، فتسيل الدماء من الرؤوس على الوجوه وعلى الثياب البيضاء، والبعض من الناس ينذر أنّه إذا تحققت رغبته أن "يطبّر"، وبعض الناس ينذر عن الأطفال الصغار، فيضربون على رؤوسهم بالمدي حتى تسيل الدماء من رؤوسهم .[٣٦]
كربلاء في يوم عاشوراء
كلما عاد شهر محرم الحرام عادت معه ذكرى أبي الشهداء وشهيد الاباء أبي عبد الله الحسين . عادت حافلة بالعَبرة والعِبرة، وعادت الذكرى للحادثة الدامية فما من بقعة من بقاع الأرض وفيها شيعة لأهل البيت، إلاّ أقيمت ذكرى الحسين ، وانتصب منبر الحسين وعزاء الحسين . أمّا كربلاء ـ بلد الحسين ومحل استشهاده ومصرعه ـ فإنّها تلبس الحداد، وتتجلبب بالسواد، وتحمل شارات الحزن فلا تجد مكاناً ولا محلاً ولا مخزناً ولا مسجداً إلاّ وعليه شعار الحسين. ويجتمع الناس وتغص كربلاء بالوفاد من جميع الأقطار الإسلامية، فليس هناك منظر أعظم من ذلك المنظر في اللوعة والتفجع. وتتوالى المواكب والاجتماعات، فكل موكب يمثل بلداً من البلدان يحمل شعاره، ويردد أناشيد الحزن والعزاء. تمر المواكب ومنها موكب النجف الأشرف وهو أضخم موكب يكون ليلة عاشوراء مجلل بالوقار اذ يتقدمه علماء الدين بعمائمهم وشعاراتهم الدينية ويتوسطهم علم الحسين قد كتب عليه:
وتملكك الروعة عندما تشاهد الصحن وروعته وقد كتبت آيات من القرآن على جوانبه بخطوط بارزة تُقرأ جلية بالرغم من ارتفاع جدران الصحن حوالي ١٥ متر، وأول ما تشاهده في وسط الصحن هو الإيوان الذهبي بجدرانه الذهبية المشعة وأبواب الحرم الحسيني الذهبية وقد كتب عليها بالذهب الخالص :
وهي قصيدة من أروع الشعر لشاعر العرب ـ اليوم ـ الأستاذ محمد مهدي الجواهري، وقصيدة الشاعر الكبير المرحوم السيد حيدر الحلي ومنها :
يوم عاشوراء في مرآة الشعر والأدب
- كان دخول ملحمة كربلاء إلى ساحة الشعر والأدب من جملة أسباب بقائها وديمومتها؛ وذلك لأنّ قالب الشعر النافذ يوصل بين القلوب وبين حادثة عاشوراء، ويجعل القلوب والمشاعر أكثر التصاقاً بتلك الواقعة. هناك صلة متبادلة بين الشعر وعاشوراء وكل منهما مدين للآخر بالبروز والبقاء.[٣٨]
فهذا غيض من فيض مما قيل في حق هذا اليوم الذي ظل دويه يخترق الدهور والعصور:
الأحداث
الهوامش
- ↑ ابن دريد، جمهرة اللغة، ج2، ص 727.
- ↑ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 4، ص 326.
- ↑ أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبين، ص 84.
- ↑ محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 578.
- ↑ الشيخ الطوسي، تهديب الأحكام، ج 6، ص 52.
- ↑ الشيخ الطوسي، مصباح المجتهد، ص 72.
- ↑ الشيخ المفيد، المزار، ص 51.
- ↑ النوري، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 292.
- ↑ ابن طاوس، إقبال الأعمال، ص 588.
- ↑ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج 4، ص 146.
- ↑ الشيخ المفيد، المقنعة، ص 377.
- ↑ الشيخ الطوسي، مصباح المجتهد، ص 72.
- ↑ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 85.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 2، ص 250.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 2، ص 251.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 2، ص 226.
- ↑ مسند أبي يعلى الموصلي، ج 2، ص 371.
- ↑ الترمذي، سنن الترمذي، ج 4، ص 160.
- ↑ تاريخ الإسلام، ج 5، ص 102.
- ↑ الحاكم النيسابوري، المستدرك النيسابوري، ج 3، ص 177.
- ↑ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 292 - 293.
- ↑ علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، ج 2، ص 291.
- ↑ ابن قولويه القمي، كامل الزيارت، ص100.
- ↑ أمالي الطوسي، ص 162، ح 20.
- ↑ ابن قولويه القمي، كامل الزيارت، ص 101.
- ↑ الكافي، ج 4، ص 582، باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام
- ↑ وفضلاً عن مسند الإمام أحمد بن حنبل، البيهقي: دلائل النبوة، ج 6، ص 471.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 14، ص 507.
- ↑ الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 192.
- ↑ http://m-alhassanain.com
- ↑ جواد محدثي، موسوعة عاشوراء، ص 95 .
- ↑ يحيى آرين بور، از صبا تا نيما، ج 1، ص 323.
- ↑ جواد محدثي، موسوعة عاشوراء، ج 1، ص 93.
- ↑ المكتبة الشاملة:احسان فضلي، فلسفة الشعائر الحسينية.
- ↑ المكتبة الشاملة:احسان فضلي، فلسفة الشعائر الحسينية.
- ↑ جواد محدثي، موسوعة عاشوراء، ج 1، ص 93.
- ↑ جواد شبر، أدب الطف، ص 38-40.
- ↑ جواد محدثي، موسوعة عاشوراء، ص 298.
- ↑ موسوعة الشعر العربي، ديوان أبو المحاسن الكربلائي، ص 9.
- ↑ موسوعة الشعر العربي، ديوان الجزار، ص 33.
- ↑ الشريف الرضي، ديوانه، ج 2، ص 169.
- ↑ موسوعة الشعر العربي، ديوان الشريف المرتضى، ص 869.
- ↑ موسوعة الشعر العربي، ديوان صفي الدين، ص 491.
- ↑ موسوعة الشعر العربي، ديوان الأعسم النجفي، ص 10.
- ↑ موسوعة الشعر العربي، ديوان مصطفي لطفي المنفلوطي، ص 31.
- ↑ موسوعة الشعر العربي، ديوان مهدي الطالقاني، ص 27.
- ↑ موسوعة الشعر العربي، ديوان هادي كاشف الغطاء، ص 87.
- ↑ قائمة شهداء وجرحى حادث التدافع بكربلاء
- ↑ عشرات الشهداء والجرحى بانفجار يستهدف موكب عزاء للامام الحسين (ع)
- ↑ نيجيريا.. 3 شهداء و12 مصابا في هجوم استهدف مراسم إحياء عاشوراء
المصادر والمراجع
- ابن دريد، محمد بن الحسن، جمهرة اللغة، المحقق: رمزي منير بعلبكي، بيروت، دار العلم للملايين، 1987م.
- ابن طاوس، علي بن موسى، إقبال الأعمال، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية،1367هـ.ش.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، بيروت، دار الفكر، 1979م .
- ابن مطهر الحلي،الحسن بن يوسف، تذكرة الفقهاء، تحقيق: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، قم، الناشر: مؤسسة آل البيت (ع)،الناشر: مؤسسة آل البيت (ع)، الطبعة الأولى، 1415هـ.
- أبو ريحان البيروني، محمد بن أحمد، الآثار الباقية عن القرون الخالية، طهران، منشورات الميراث المكتوب، الطبعة الأولى، 1422هـ.
- أبو يعلي الموصلي، أحمد بن علي، مسند أبي يعلي الموصلي، تحقيق: حسين سليم، دمشق، دار المأمون للتراث، الطبعة الثانية، دون تاريخ.
- البخاري، محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، اسطنبول، دار الطباعة العامرة، 1981م.
- الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق: عبد الرحمان محمد عثمان، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية،1983م.
- الحاكم النيسابوري، أبو عبدالله، المستدرك على الصحيحين، إشراف: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، بيروت، دار المعرفة، دون تاريخ.
- الشريف الرضي، محمد بن الحسين، ديوان الشريف الرضي، بيروت، دار جيل، الطبعة الأولى، 1415.
- الشيخ الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، قم، ناشر مؤسسة البعثة، الطبعة الأولى، 1417.
- الشيخ الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، قم، انتشارات جامعة المدرسين، 1413هـ.
- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1365هـ.ش.
- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المجتهد، بيروت، الناشر مؤسسة فقه الشيعة، الطبعة الأولى، 1411هـ.
- الشيخ المفيد، محمد بن محمد، المقنعة،تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410هـ.
- الكليني، محمد بن يعقوب الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365هـ. ش.
- المكتبة الشاملة: احسان فضلي، فلسفة الشعائر الحسينية.
- النوري، ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، قم، مؤسسة آل البيت(ع)، الطبعة الأولى، 1408هـ.
- شبر، جواد، أدب الطف أو شعراء الحسين(ع)، النجف الأشرف، دار المرتضى، 1409هـ.
- محدثي، جواد، موسوعة عاشوراء، ترجمة: خليل العصامي، بيروت، دار الرسول الأكرم(ص)، الطبعة الأولى، 1418هـ.
- موسوعة الشعر العربي، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، الإصدار الأول، 2009م.
- موسوعة الشعر العربي، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، الإصدار الأول، 2009م.