الكافر والكفر
الإسلام |
![]() |
الأعلام
|
الأعياد و المناسبات
|
الكافر والكفر، مصطلحان فقهيان وكلاميان وردا بلفظيهما في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بمعاني متعددة ومختلفة.
والكافر كلمة مشتقة من الكفر، ومعناه شرعاً: هو كل من ينكر الألوهية أو التوحيد أو النبوة أو ضرورةً من ضروريات الدين مع الإلتفات إلى كونه ضرورياً بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الإسلام.
وللكفر أقسام مختلفة ذكرها المتكلمون وأصحاب المعاجم مثل: كفر الانكار وكفر الجحود وكفر العناد وكفر النفاق.
كما أن للكفر درجات ومراتب، فهنالك الكفر الحقيقي المخرج من الملة، وهنالك الكفر غير المخرج من الملة (الخفي).
وتعد مسألة البحث عن أحكام الكافر من المسائل الفقهية المهمة حيث أنّ الكثير من المسائل الشرعية تترتب آثارها بعد فرض حصول عنوان الكفر أو الإسلام الشرعيين، كالإرث والزواج والأطعمة والأشربة والحدود والديات والجهاد والقضاء والولاية وغير ذلك.
تعريف الكافر والكفر
الكافر والکفر لغة
مفردة الکافر مشتقة من الكُفْرِ، والكُفْرُ (بالضمّ) لغةً: له في أصل معناه عدة معانٍ، منها: السَّتْر والتَّغْطِية، ولذا وصْفُ الليل بالكافِرِ لِسَترِهِ الأشخاص، وَسمي الزَّارع كافراً لستْرِه البذْر في الأَرض، قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾.[١]
واستعير هذا اللفظ لمعنى الكافر؛ لأنه غطّى وستر نداء فطرته بالوحدانية،' إذ سمي الكافر كافراً؛ لأنَّه مغطى على قلبه، ولم يدخل الإيمان قلبه، وهو ما ينسجم مع المعنى اللغويّ للكُفْرُ، وهو التَّغْطِية والإخفاء.[٢]
كما أن مفردة الكفر والكافر هي من الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم والسنة الشريفة بمعاني مختلفة ومتفاوتة من قبيل الجُحُود والرد، كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾.[٣] أو نكران النعمة، وهو ضِدُّ الشكر، كأن يقال: (فلان كَفَرَ النعمة)، إذا سترها ولم يشكرها، كما في قوله تعالى:﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾.[٤] أو التبرؤ والبراءة كما حكى الله تعالى عن تبرء الكافرين بعضهم من بعض يوم القيامة في قوله: ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.[٥]
الكافر والكفر اصطلاحاً
وأمَّا التعريف الاصطلاحي للكافر فلم يخرج عن الدلالة اللغوية كثيرا ً، إذ سمي الكافر كافراً، لأنَّه مغطى على قلبه، ولم يدخل الإيمان قلبه.
وعرف السيد المرتضى الكفر بقوله: (عبارة عما يستحق به دوام العقاب وكثيره، ولحقت بفاعله أحكام شرعية).[٦]
والمراد بالكافر شرعاً: من كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورةً من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضرورياً بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة.[٧]
أنواع الكفر
وينقسم الكفر بحسب درجته إلى نوعين:
كفر أكبر مخرج من الملة (الكفر الحقيقي)
ويمكن تقسيمه إلى أربعة أقسام أساسية، وبيانها كالآتي:
1- كُفْر الإنكار (التكذيب): وهو أن يكفُر بقَلبه ولسانه، ولا يعرف ما يُذكر له من التوحيد، ولا يقرّ به كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾.[٨]
سمّاهم سبحانه وتعالى كافرين بسبب أنهم كذبوا بآيات الله تعالى، وكذّبوا رسول الله {صل} لما جاءهم كما كذب الكفار السابقين رسلهم؛ قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾.[٩]
وكُفْر الإنكار يتحقق بإنكار وجود الله تعالى، أي الإلحاد (الزندقة)، ويمثله قول الماديين ومن شاكلهم من القائلين بالمصادفة والطبيعة في تفسير كيفية نشوء العالم والمخلوقات، وقد ذكر القرآن مقولتهم بقوله تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾.[١٠]
2- كُفْر الجُحُود: والجحود عموماً هو إنكار الحق مع العلم بثبوته، قال الجوهري: «الجحود: الإنكار مع العلم». [١١]
ومعناه: أن يؤمن الكافر بما جاء به النبي (ص) بقلبه وينكره بلسانه. وهو أشد أنواع الكفر؛ لأن فيه مبارزة لله تعالى عن علم وإصرار، وذلك بأن يكون عنده معرفة للحق في قلبه ويقين به، لكنه يجحده ظاهراً ، وعلى هذا غالب الكفار، كما قال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾[١٢]، وقال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِين﴾.[١٣] فأخبر أنهم استيقنتها أنفسهم، ولكن جحدوها من أجل الظلم والعلو على الناس ، أو لأجل طمع في رئاسة أو غير ذلك فهذا يسمى كفر الجُحُود.
3- كفر المعانَدَة والاستكبار: وهو أن يعرف الله بقلبه ويُقِرّ بلسانه، ولا يدين به حسداً وبغياً. ومن مصاديقه كفر إبليس (لع)، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.[١٤]
4- كُفْر النِفاق: وهو أن يعترف بلسانه ولا يقِرّ بقلبه.[١٥] بأن يظهر الإسلام بلسانه، ويبطن الكفر بقلبه نتيجة مصالح مجتمعية. قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾.[١٦]
وهذا يُتعامل معه بناءاً على كونه مسلما ظاهریاْ بغض النظر عن واقعه وباطنه.
كفر أصغر لا يخرج من الملة (الكفر الخفي)
وأمّا الكفر الأصغر، فيؤول إلى جُحُود النِعمَة الإلهية، وهذا الصنف من الكفر لا يندرج ضمن أصناف الكفر الحقيقية؛ بل ضمن الكفر الأصغر (الخفي) ويقابله الشكر، فالإنسان إمَّا شاكر للنعمة، أو كافر بها، غير قائم بحقها، قال تعالى واصفاً حال الإنسان: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.[١٧] وإطلاق الشرع لفظ الكفر عليه من باب تعظيم حرمته في النفوس.
ولكُفْر النِعْمَة مصاديق عديدة من قبيل عدم الأقرار بنعمة الله تعالى، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.[١٨] أو قوله عز وجل حكاية عن النبي سليمان (ع): ﴿... لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾،[١٩] وغيرهما من الآيات الشريفة.
كما يندرج ضمن كفران النعمة الكفر العملي بارتكاب المعاصي الكبيرة والصغيرة، أو حتى ترك بعض الفرائض؛ فيما إذا كان مقراً بما جاء به الرسول (ص)، لأن امتثال أمر الله شكر لنعمته، ومثاله كفر تارك فريضة الحج، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.[٢٠]
حقيقة الكفر
حقيقة الكفر عند متكلمي المسلمين (الكفر العقائدي)
اختلفت آراء متكلمي المسلمين في بيان حقيقة مصطلح (الكفر)، وفي تحديد دائرته سعةً وضيقاً.
فهنالك من يرى أنّ العمل جزء من الإيمان و الإسلام، ومن أخلّ به خرج عن دائرة الإسلام، خلافاً للمرجئة الذين أخّروا العمل واكتفوا بالإيمان القلبي أو اللساني.
وفي مقابل إفراط أولئك وتفريط هؤلاء ذهب جمهور المسلمين عامة إلى قول وسط يرى أنّ الإيمان والإسلام متقومان بالتصديق القلبي والإقرار اللساني، وهذا ما ذهب إليه الشيعة الإمامية أيضا، قال السيد المرتضى: «والكفر عندنا لا يكون إلا من أفعال القلوب دون أفعال الجوارح، كما أن الإيمان لا يكون إلا بالقلب»،[٢١] فالإسلام هو الاعتقاد، والاعتقاد تصديق قلبي كالتصديق الحاصل للإنسان بأنه موجود.[٢٢]
وأمَّا العمل فهو مظهر من مظاهر الإيمان وكاشف عنه لا مقوم من مقوّماته، دون أن يعني ذلك أنّ التصديق القلبي الذي لا يترافق مع العمل كافٍ في النجاة من المحاسبة الأخروية، وإنما هو كافٍ في خروج الإنسان من عهدة الكفر.
كما اختلفت آراء متكلمي المسلمين في نوع التقابل بين واقع الإيمان والكفر، فمنهم من يرى أن الكفر نقيض الإيمان، والكافر نقيض المؤمن،[٢٣] باعتبار أن الكفر هو عدم الإيمان، فيكون الإنسان إمَّا كافراً، وإمَّا مؤمناً.
وهنالك من يرى أن مفهوم الإيمان والكفر في واقعهما هما مفهومان متضايفان، فعندما نذكر أحدهما يتداعى الثاني إلى ذهننا.[٢٤]
فإن بنينا على أن المقابلة بينهما هي مقابلة النقيضين فهذا معناه أنه لا يعقل تخلل الواسطة بين الكفر والإيمان، غاية ما في الأمر أنّ حقيقة الكفر على القول بالتناقض- هو عدم التصديق، أعم من أن يكون هناك تكذيب جحود أو لم يكن.
وأمَّا إذا كانت المقابلة بين الكفر والإيمان هي مقابلة التضاد أو مقابلة الملكة وعدمها أو التضايف اللذين تتخللهم الواسطة فحينذاك تتخلل الواسطة بين الكفر والإيمان، وتكون حقيقة الكفر هو التكذيب والجحود معاً.
وهذا التحقيق له ثمرة في مثل الشاك الذي لا تصديق عنده ولا تكذيب، وفي مثل من لم تبلغه دعوة الإسلام في زمن الفترة، وفي مثل الفاحص ابتداءاً عن الأديان. وفي مثل القاصر عن الوصول إلى الحق.
فهؤلاء وأشباههم، هم وبناءً على القول بالتناقض محشورون في زمرة الكافرين في مقابل المؤمنين لعدم التصديق، وعلى القول بالتضاد أو تقابل الملكة وعدمها أو تقابل التضايف هم لا من هؤلاء ولا من هؤلاء.
ولعل الرأي الأرجح والأقرب إلى الواقع الفكري والاجتماعي هو الرأي القائل إنّ ثمة حالة وسطى بين المسلم والكافر، أي إن المقابلة بين الإيمان والكفر ليست مقابلة النقيضين اللذين لا ثالث لهما، وإنما هي مقابلة الضدين، أو مقابلة الملكة وعدمها أو التضايف، فيكون بينهما ثالث.
وقد اعترف بهذا الأمر - أي ثبوت الواسطة بين الإسلام والكفر - الفقيه الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 هـ) مدعياً دلالة الأخبار المستفيضة على ذلك عند ذكره لمسألة الشك التي تعتري الإنسان الباحث عن الحقيقة عند التفتيش عن العقيدة الحقة، ويرى أن حالة الشك هذه لا تتنافى مع الإيمان، بل إنّه قد يقود إليه في الأعم الأغلب.[٢٥]
وبذلك يمكن تصنيف الإنسان من الناحية الاعتقادية أو الواقعية إلى صنفين رئيسين، هما:
العالِم بالمفاهيم والأصول الاعتقادية، والجاهل بها، والعالِم إمَّا مؤمن بما وصل إليه علمُه، أو ليس مؤمناً، والجاهل بها إمَّا أن يكون عدم إيمانه جُحوداً وتمرّداً، أو لعدم قناعته بالدّين رغم بذل الجهد وإخلاص النيّة في سبيل الوصول إلى قناعة، وعلى هذا الصعيد، فالأقسام ثلاثة مؤمن، وجاحد، وغير مقتنع.[٢٦]
حقيقة الكفر عند فقهاء المسلمين (الكفر الفقهي)
اتفق أكثر الفقهاء على أن الكفر بالاصطلاح الفقهي يُطلق على منكر الإلوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورة من ضروريات الدين مع الالتفات إلى ضرورته، معلّلين ذلك بكون هذا الإنكار يرجع في حقيقته إلى إنكار وتكذيب نفس الرسالة[٢٧].
وبعبارة أخرى يوجد جانبان لتحقق الكفر بالاصطلاح الفقهي عند الفقهاء بشكل عام وهما:
أولاً- إنكار أصل من أصول الدّين الأساسية، كالتوحيد، أو نبوة النبي محمَّد (ص)، أو المعاد على قول.
ثانياً- إنكار ما هو معلوم من الدّين الإسلامي بالضرورة (مع الالتفات إلى ضروريّته)، مثل إنكار وجوب الصلاة أو الصوم أو حرمة الربا أو شرب الخمر.
كما إن المراد بالضرورة الدينية في كلمات الفقهاء هو الذي يرادف البديهي والقطعي واليقين بالاصطلاح المنطقي، أو ما كان واضحاً عند علماء الإسلام بحيث لا يصحّ الاختلاف والتقليد فيه بعد تصوره.[٢٨]
ولذا إذا كان منكر الضرورة ملتفتاً إلى أن إنكاره لتلك الضرورة الدّينية یلزم منه إنكار نبوة النبي محمَّد (ص) ورسالته أو جحودها فإنه يكون بذلك غير مسلم بلا شك؛ لأن ملاك الكفر والخروج من الإسلام هو الإنكار الصريح للرسالة أو الالتفات إلى وجود الملازمة، لا مجرد وجود تلك الملازمة.
أقسام الكفار
ويمكن تقسيم جماعات الكفار الأصليين من حيث موقفهم من دولة أو أمة الإسلام، سواء أكانوا من أهل الكتاب، أو ممَّن لهم شبهة كتاب، أو ممّن ليس لهم كتاب أصلاً إلى قسمين أساسيين.[٢٩]
المعاهَدون
وهم أهل العهود والمواثيق مع المسلمين، وهؤلاء توفى لهم عهودهم، ويعطون حقهم من البر والقسط والصلة. وقد عظم الله تعالى أمر العهد ولزوم الوفاء به في عدّة مواضع من كتابه المبين قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾.[٣٠]
وهؤلاء المعاهَدون ثلاث أصناف رئيسية:[٣١]
أ- أهل الذمة: وهم من لهم عهد دائم ومؤبد مع المسلمين من الكفّار الذين قبلوا الخضوع لحكم المسلمين، أو التبعية لدار الإسلام بموجب عقد الذمّة، وقد خصهم الفقهاء بأهل الكتاب، ومن له شبهة كتاب.
وهم أكثر أصناف الكفّار حقوقاً في الدولة الإسلامية، وعند المسلمين، كاليهود والنصارى، والمجوس، وأُلحق بهم غيرهم كالصابئة عند بعض الفقهاء المعاصرين[٣٢] والقدماء.[٣٣]
وهم الكفّار الحربيون الذين بينهم وبين دولة الإسلام إمَّا عهد هدنة: وهو الاتفاق على إيقاف الحرب لمدة معلومة، وإمَّا معاهدة مطلقة: وهو الاتفاق على إيقاف الحرب لمدة غير معلومة.
ج- أهل الأمان: وهم قسمان:
1- المستأمِنون: وهم كل من يتمتعون بأمان المسلمين دولة أو أمة أو جماعات أو أفراد، وسواء أكان الاستئمان ابتدائيا من المسلمين أو تلبية لطلبهم وكان أمانهم تعاهدا (أي ذو طرفين)، وذلك طبقاً للقاعدة القانونية الإسلامية القاضية بأن المسلمين (يسعى بذمّتهم أدناهم).[٣٤]
حيث يُعطون عقداً مؤقتاً للبقاء في دار الإسلام لغرض شرعي، كسماع كلام الله، أو غيره من تجارة، أو سفارة أو طلب علم وغيرهما. ويعدون بحسب لغة العصر أجانب.
2- مُؤمَّنون (بتشديد الميم): وهم من كان أمانهم بتعهد إيقاعي (أي ذو طرف واحد)، ولو من أدنى المسلمين وبلا فرق بين وقوعه بعهد شرعي أو عادي، بل وتكفي شبهة الأمان كما هو مبسوط في مصادر الفقه الإسلامي.[٣٥] وفَرْقُه عن سابقه أنه تعهد (من طرف واحد)، وأنه ابتدائياً دائماً من طرف المسلمين.
غير المعاهدين
وهما صنفان في الجملة:
أ- الحربيون (الأعداء): وهم الذين في حالة حرب مع المسلمين، أو عداء معلن يهدد بالحرب، ولهم أحكامهم التي تنظم العلاقة بهم حتى في حالة الحرب.
وهؤلاء الكفار الحربيون قد يكونوا من الكفار الأصليين، وهم الذين لا عهد لهم ولا ذمة، أو من المرتدين عن الإسلام: وهم الجماعات التي خرجت عن الإسلام سواء ولدوا على فطرة الإسلام أو أسلموا عن كفر.
ب- المتاركون: وهم الذين يلتزمون الحياد أو الاعتزال، كما في لغة القرآن دون معاهدة مكتوبة، ومثالهم الجماعات الكافرة التي لا تربطها بالمسلمين علاقة من نوع ما أما لبعد المسافة مثلاً، أو أنهم لا يمارسون عدواناً على المسلمين، لا بالفعل، ولا بالقوة والإمكان والاستعداد، كأهل الحبشة في صدر الإسلام، قال تعالى: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾.[٣٦]
الهوامش
- ↑ سورة الحديد: 20.
- ↑ الزَّبيدي، محمَّد الحسيني: تاج العروس من جواهر القاموس، ج 14، ص 54.
- ↑ سورة البقرة: 89.
- ↑ سورة البقرة: ا152.
- ↑ سورة العنكبوت: 25.
- ↑ السید مرتضی، علي بن الحسین، الذخیرة فی علم الکلام، ص 534.
- ↑ اليزدي، السيد كاظم، العروة الوثقى، ج 1، ص 67.
- ↑ سورة العنكبوت: 69.
- ↑ سورة الشعراء: 105.
- ↑ سورة المؤمنون: 37.
- ↑ الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية، ج 2، ص 451.
- ↑ الأنعام: 33.
- ↑ النمل: 14.
- ↑ سورة البقرة: 34.
- ↑ .الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، ج 7، ص 450.
- ↑ سورة البقرة: 8.
- ↑ سورة الإنسان: 3.
- ↑ سورة إبراهيم: 7.
- ↑ سورة النمل: 40.
- ↑ سورة آل عمران: 97.
- ↑ السید المرتضی، الذخیرة فی علم الکلام، ص 534.
- ↑ الترحيني، الإحكام في علم الكلام، ص 7.
- ↑ ابن منظور: لسان العرب، مادة (شرك)، ج 10، ص 450.
- ↑ السبحاني: الشيخ جعفر: جذور ظاهرة التكفير والدوافع وراء عقد مؤتمر آراء علماء الإسلام، العقلانية الدينية – الجاهلية المعاصرة، ص 4.
- ↑ الأنصاري، فرائد الأصول، ج 1، ص 572.
- ↑ الخشن، حسين، هل الجنة للمسلمين وحدهم؟ قراءة في مفهوم الخلاص الأخرويّ، ص 74، بتصرف.
- ↑ اليزدي، السيد كاظم، العروة الوثقى، ج 1، ص 67.
- ↑ الهمداني، الشيخ رضا محمَّد بن هادي: مصباح الفقيه، ج 1، ص 13- 14.
- ↑ ابن القيم: أحكام أهل الذمة ج 2، ص 873.
- ↑ سورة الأسراء: 34.
- ↑ شمس الدّين، محمَّد مهدي: المجتمع جتماع السياسي الإسلامي، محاولة تأصيل فقهي وتاريخي، ص 132، بتصرف.
- ↑ يُنظر: الخامنئي: السيد علي الحسيني: الصابئة: حكمهم الشرعي، وحقيقتهم الدّينية.
- ↑ .يُنظر: للعلامة الحلي (726هـ)، مُختلف الشيعة، ج 4، المسألة (58)، ص 431.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 11، باب 15، جهاد العدو، ح 1. ص
- ↑ فاضل المالكي: البراءة والسلام في القانون الدولي، ص 24 .
- ↑ سورة النساء: 90.
المراجع والمصادر
- القرآن الكريم.
- ابن القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، أحكام أهل الذمة، الدمام، رمادي للنشر- المؤتمن للتوزيع، ، ط 1، 1418 هـ/ 1997 م.
- ابن منظور، محمَّد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار إحياء التراث، ط 1، 1408 هـ/ 1988 م.
- الأنصاري، مرتضى بن محمد أمين، فرائد الاصول، قم، الناشر: سماء قلم، ط 2، 1430 هـ.
- الترحيني، محمَّد حسين، الإحكام في علم الكلام، بيروت، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط 1، 1993 م.
- الجوهري، إسماعيل بن حماد، تاج اللغة وصحاح العربية، د.م، د.ن، د.ت.
- الحرّ العاملي، محمَّد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم، مؤسّسة آل البيتِ (ع) لإحياء التُّراثِ، ط 1، 1409 هـ.
- الحلّي، الحسن بن يوسف بن المطهر، مُختلفُ الشيعة في أحكام الشريعة، د.م، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، مطبعة: مكتبة الإعلام الإسلامي، ط 1، 1415 هـ.
- الخامنئي، السيِّد علي، الصابئة: حُكمهم الشرعي، حقيقتهم الدّينية، بيروت، دار الغدير، ط 1، 1419 هـ/ 1999 م.
- الخشن، حسين، هل الجنة للمسلمين وحدهم؟ قراءة في مفهوم الخلاص الأخروي، بيروت، المركز الإسلامي الثقافي، ط 1، 1432 هـ/ 2011 م.
- الزبيدي، محمَّد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي شيري، قم، دار الفكر للنشر والطباعة، ط 1، 1414 هـ.
- المرتضی، علي بن الحسین، الذخیرة فی علم الکلام، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، ط 1، 2012 م.
- الهمداني، رضا محمَّد بن هادي، مصباح الفقيه، تحقيق: محمَّد باقر وزملائه، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1416 هـ.
- اليزدي، كاظم، العروة الوثقى، بيروت، دار الإرشاد، ط 1، د.ت.
- رفيعي، محمّد حسين، العقلانية الدينية – الجاهلية المعاصرة، قم، مهرجان المصطفى العالمي للقرآن والحديث، قم، 2015 م.
- شمس الدّين، محمَّد مهدي، المجتمع السياسي الإسلامي محاولة تأصيل فقهي وتاريخي، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط 1، 1412 هـ/ 1992م.