برهان الصِّدِّيقِين هو البرهان الذي يثبت وجود الله تعالى انطلاقاً من الوجود نفسه وهو يختلف عن سائر البراهين اختلافاً جوهرياً. فإنّ سائر البراهين، يشترك في توسيط الخلق بين الإنسان والغيب. ولكنّ هذا البرهان لا واسطة فيه، وإنّما يتوجه - حسب تفاوت التقريرات- مباشرة إلى مطالعة الوجود- بما هو وجود- ليصل في النتيجة إلى أنّ هناك وجوداً واجباً، ينبع وجوده من ذاته. فلم ينطلق من ممكن الوجود إلى واجبه ومن الحادث إلى المبدأ القديم أو من الحركة إلى المحرك المنزه عنها، بل في هذا البرهان يكون الحق (الله) هو الحدّ الوسط في البرهان لا غير.[١]

علماً أنّ أول من اصطلح على هذا البرهان برهان الصديقين هو الشيخ ابن سينا.

تقريرات برهان الصديقين

قُرِّرَ برهان الصديقين بتقريرات كثيرة أوصلها الميرزا مهدي الآشتياني في تعليقته على شرح المنظومة للسبزواري[٢] الى تسعة عشر تقريراً مشيراً إلى أنّ الغالب منها متقاربة بعضها من البعض الآخر، ومن هنا سنشير إلى ثلاثة منها فقط.

تقرير ابن سينا

يمكن تلخيص ما قرره ابن سينا لبرهان الصديقين في الخطوات التالية:

  1. لا ريب أنّ وراء ذهننا، وتصوّراتنا وجوداً خارجياً وإنّ ما يتصوّره الإنسان من الصور الذهنية لها مصاديق خارجية ووجوداً عينياً على صعيد الخارج.
  2. الوجود في أي‏ مرتبة من المراتب لا يخلو إمّا أن يكون واجباً أو يكون ممكناً. أي يكون وجوده نابعاً من ذاته ونفسه، أو لا يكون كذلك بل يكون وجوده من غيره، ولا شق ثالث لهما.
  3. كل شي‏ء ليس وجوده من ذاته ومن نفسه، فإنّه محتاج في تحقّقه ووجوده إلى «علة» تمنحه الوجود. واحتياج الممكن إلى العلة من الأُمور البديهية.
  4. الممكنات لا يمكن أن توجد من سلسلة لا تنتهي من العلل والمعلولات، لأنّ ذلك يستلزم « التسلسل ». كما أنّه لا يمكن أن يؤثر كل من الممكنين في الآخر دون واسطة، أو مع الواسطة فيؤثر كل في الآخر، ويعطي كل واحد منها الوجود للآخر، لأنّ نتيجة ذلك هو«الدَور»، والدور والتسلسل من المحالات العقلية. فلا بد من انتهاء الممكن الى الواجب.[٣]

تقرير الملا صدرا

قرّر صدر المتألّهين برهان الصديقين بنحو آخر لا يحتاج إلى أية مقدمات كإبطال «الدور والتسلسل» ثم عد هذا البرهان أفضل البراهين لإثبات وجوده تعالى شأنه ، معتمداً على ثلاث مقدمات، هي:

  1. أصالة الوجود واعتبارية الماهية
  2. كون الوجود ذا مراتب مُشَكَّكَة
  3. إن ملاك احتياج المعلول إلى العلة هو كونه رابطاً وتعلّقياً بالنسبة إلى العلة. وبعبارة أخرى ضعف مرتبة وجوده، فما دام هناك أقلّ ضعف في موجود فهو بالضرورة معلول ومحتاج إلى موجود أعلى منه .

وخلاصة تقريره هو: إنّ مراتب الوجود – باستثناء أعلى مراتبه التي تتميز بالكمال اللامتناهي وعدم الاحتياج والاستقلال المطلق- هي عين الربط والتعلّق، ولم تكن تلك المرتبة العليا متحققة فإن سائر المراتب لا تتحقق أبداً، لأنه يلزم من فرض تحقق سائر المراتب دون تحقق تلك المرتبة العليا أن تكون المراتب المذكورة مستقلة وغير محتاجة إليها، بينما حيثية وجودها هي عين الربط والفقر والاحتياج.[٤]

تقرير العلامة الطباطبائي

لم يعتمد العلامة في تقريره للبرهان على أي مقدمة ومبدء تصديقي فلسفي(حتى أصالة الوجود). ومن هنا أكد على أن البحث لا ينبغي هنا أن يدور حول الواقع الخارجي – بعد التسليم بوجوده- هل هو الماهية أو الوجود؟ بل لابد من البحث أولا في أصل الواقع وهل يوجد واقع أم لا، كما يذهب الى ذلك السفسطائيون الذين أنكروا الواقع الخارجي.

ثم يذهب بعد بيان مستدل ومبسوط الى القول باستحالة فرض زوال الواقعية، ويقول : أصل الواقعية لايقبل الزوال ، وذلك لانه يلزم من فرض زوالها ثبوتها ، والشيء الذي يلزم من فرض زواله ثبوته يستحيل قهراً زواله ذاتاً ، وإذا استحال زواله ذاتاً ، يكون ثبوته وتحقق ذاته ضروريا ، والضرورة الذاتية فلسفياً تعني الضرورة الأزلية.

فالمتحصل أنّ في أصل الواقعية وجود واجب بالذت واحد (واجب الوجود بالذات) واقعي على نحو الضرورة الأزلية . فاذا نظرنا الى سائر الموجودات نجد كل واحد منها إما أن يكون مسبوقا بالعدم (الزوال) أو ملحقًا به . ويفهم من ذلك أن لا شيء منها هو الواقع المطلق والواجب بالذات بل الكل منها يتكئ على ذلك الواجب الأزلي.[٥]

ومن هنا لا تتوقف مسألة إثبات الواجب – حسب هذا التقرير- على أي مبدأ تصديقي فلسفي ويحق أن تكون هي أولى المسائل الفلسفية، هذا أولا ، وثانياً وفقا لهذا التقرير يكون أصل وجود الواجب أمراً بديهياً وليس نظرياً.

المباني القرآنية والحديثية لبرهان الصديقين

برهان الصديقين وإن طرح– تماما- بقالب فلسفي وعقلي إلا أنّه يكشف عن التناسق والانسجام بين البحث الفلسفي من جهة وبين القرآن والحديث وخاصة الأدعية المأثورة من جهة ثانية، ومن هنا ذهب الملا صدرا إلى القول بأنّ ما توصل إليه من تقرير لبرهان الصديقين وتحصيل مبانيه العقلية يُعدّ من الإلهامات الغيبية له، وهكذا نجد الكثير من التقريرات والشروح لهذا البرهان مزينة بمجموعة من آيات الذكر الحكيم والأحاديث المروية عن المعصومين ، منها:

  • قوله  : ﴿أَوَلَمْ يكفِ بِرَبِّكَ اَنَّهُ عَلى كلِّ شَيءٍ شَهيدٌ [٦]
  • وقوله  : «بِكَ عَرَفْتُكَ»؛[٧]
  • وقوله   : «يا مَنْ دَلَّ عَلى ذاتهِ بِذاتِه»[٨]؛
  • وقوله  : «كيفَ يسْتَدَلُّ عَلَيكَ بِماهُوَ في وُجودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيكَ. اَيكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتّى يكونَ هُوَالْمُظْهِرُ لَكَ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليلٍ يدُلُّ عَلَيكَ ...».[٩]

الهوامش

  1. صدر المتألهين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الأربعة، ج 6، ص 13.
  2. تعليقه بر شرح منظومة حكمت سبزواري، ص 488ـ 497.
  3. ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، ج 3، ص 18ـ 28.
  4. مصباح اليزدي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ج 2، ص 396.
  5. صدر المتألهين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة، ج 6، ص 14ـ 15، حاشية الطباطبائي.
  6. فُصِّلَت: 53.
  7. مفاتيح الجنان دعاء أبو حمزة الثمالي.
  8. مفاتيح الجنان، دعاء الصباح للإمام علي (ع)، ص 104.
  9. مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين   في يوم عرفة، ص 467.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • مهدي آشتياني ، تعليقه بر[تعليقه على] شرح منظومة حكمت [الـ] سبزواري ، طبعه عبد الجواد فلاطوري و مهدي محقق ، طهران 1367 ش.
  • ابن سينا، الاشارات والتنبيهات، مع شرح لِنصير الدين الطوسي و شرح الشرحِ لقطب الدين الرازي ، تهران 1403.
  • محمد بن ابراهيم صدر الدين الشيرازي ، الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة ، قم: 1387.
  • مصباح اليزدي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ج2 ص396، ترجمة عبد المنعم الخاقاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط 1، 1409هـ ق).
  • عباس القمي ، مفاتيح الجنان.