البناء على القبور

من ويكي شيعة
معتقدات الشيعة
‌معرفة الله
التوحيدالتوحيد الذاتيالتوحيد الصفاتيالتوحيد الأفعاليالتوحيد العبادي
الفروعالتوسلالشفاعةالتبرك
العدل
الحسن والقبحالبداءالجبر والتفويض
النبوة
عصمة الأنبياءالخاتمية نبي الإسلامعلم الغيبالإعجازعدم تحريف القرآنالوحي
الإمامة
الاعتقاداتالعصمةعصمة الأئمةالولاية التكوينيةعلم الغيبالغيبةالغيبة الصغرىالغيبة الكبرىإنتظار الفرجالظهورالرجعةالولايةالبراءةأفضلية أهل البيت(ع)
الأئمةالإمام علي عليه السلام

الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام موسى الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام

الإمام المهدي عج
المعاد
البرزخالقبرالنفخ في الصورالمعاد الجسمانيالحشرالصراطتطاير الكتبالميزانيوم القيامةالثوابالعقابالجنةالنارالتناسخ
مسائل متعلقة بالإمامة
أهل البيت المعصومون الأربعة عشرالتقية المرجعية الدينية


البناء على القبور، مصطلح يدل على تشييد أي مبنى أو ضريح على قبر الأموات، وهناك اختلاف بين الشيعة والسنة من جهة، والوهابية من جهة أخرى.

على مدى التاريخ لقد بنى أصحاب المذاهب الإسلامية وخاصة الشيعة مبان على قبر بعض كبارهم وعلمائهم وقاداتهم، ولهذا الأمر تاريخ عريق يبدأ من صدر الإسلام، وبحسب المصادر والروايات لم يلاقِ هذا الأمر أي اعتراض من قبل الصحابة والتابعين، ولكن يعتقد الوهابيين بأنّ تشييد البناء على القبور يهيء البيئة لعبادة تلك المزارات وبالتالي الشرك في عبادة الله.

المقصد من البناء على القبور

عندما تُطلق عبارة البناء على القبور في المصنّفات الفقهية الإسلاميّة، يراد بها معنيين:

  • الأول: هو إنشاء بُنيان و قِبَاب ذات جدران وأسقف شبيهة بالمنازل على القبر، وتسمى عند عموم المسلمين مقامات وأضرحة.
    • ويندرج تحت هذا المعنى، بناء المساجد على القبور.[١]
  • الثاني: هو البناء على القبر بحيث يكون مرتفع عن الأرض بمقدار ليس بالكثير، ويتم ذلك إمّا بالرخام أو الحجارة أو الإسمنت أو أي مادة أخرى يصلح معها صدق البناء، وهذا ما يصطلح عليه عندهم بالتجصيص والتطيين.

البناء على القبور في القرآن

وردت في القرآن الكريم آية متعلِّقة بمسألة البناء على القبور، وهي:

  • قوله تعالى ﴿فَقالُوا ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم قالَ الَّذينَ غَلَبوا عَلى أَمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا [٢]

موقف الشيعة من بناء القبور

أجمع علماء الشيعة على نفي حرمة البناء على القبور، سواءً كان البناء بمعنى تشييد القباب والغرف على القبر، أو بمعنى تَجْصِيصِه وتطيِينِه ووضع الرخام عليه، بحيث يرتفع عن الأرض بمقدار، إلاّ أنّ المشهور عندهم كراهة تجصيص وتطيين القبور إلاّ ابتداء على قَولٍ، وكذلك تجديدها خاصةً بعد اندراسها، وكرهوا أيضا تسنيمها والتظليل عليها، واستحبوا تسطيح القبر وتربيعه ورشّ الماء عليه .
وكذلك لا يَرَوْن بأسًا في بناء القباب والمقامات، وبالخصوص على قبور الأنبياء والأوصياءعليهم السلام والصالحين، لوضوح أنّه مصداق من مصاديق تعظيم شعائر الله عندهم، وفي ما يلي بعض كلمات علماء وفقهاء الشيعة:

  1. ابن جنيد: قال: ولا أحبّ أن يفصّص ولا يجصّص، لأنّ ذلك زينة ولا بأس بالبناء عليه وضرب الفسطاط لصونها ومن يزورها.[٣]
  2. الشيخ الطوسي: قال ما نصّه: تجصيص القبور والبناء عليه في المواضع المباحة مكروه إجماعًا،[٤] ثمّ قال بعد عدّة جمل: ويكره تجديد القبور بعد اندراسها، ولا بأس بتطيّنها ابتداء، والأفضل أن يترك عليه شيء من الحصى.[٥]
  3. ابن ادريس الحلّي: قال ما نصّه: ويكره تجصيص القبور، وتطيينها، والتظليل عليها، والمُقَامُ عندها، وتجديدها بعد اندراسها، ولا بأس بتطيينها ابتداء.[٦]
  4. العلاّمة الحلّي: قال ما نصّه: وعن جراح المدائني، عن الصادق عليه السلام قال: لا تبنوا على القبور ولا تصوّروا سقوف البيوت، فإنّ رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم كره ذلك.[٧]
  5. المحقّق الحلّي: قال ما نصّه: ويكره تجصيص القبور وتجديدها، لما روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام: «سألته عن البناء على القبور والجلوس عليه هل يصلح ؟ فقال عليه السلام: لا يصلح البناء عليه، ولا الجلوس، ولا تجصيصه، ولا تطيينه».[٨]
  6. الشهيد الأوّل: قال ما نصّه: المشهور كراهة البناء على القبر، واتّخاذه مسجدًا، وكذا يكره القعود على القبر.[٩]
  7. الإمام الخميني: قال ما نصّه: ومنها [ أي المستحبات ][١٠]: رفع القبر عن الأرض بمقدار أربع أصابع مضمومة أو مفرَّجة، ومنها: تربيع القبر، بمعنى تسطيحه وجعله ذا أربع زوايا قائمة، ويكره تسنيمه بل الأحوط تركه.[١١]
  • ثم قال أيضا: وأمّا المكروهات فهي أيضا أمور: ...ومنها: سدُّ القبر وتطيينه بغير ترابه، ومنها تجديد القبر بعد اندراسه، إلاّ قبور الأنبياء عليه السلام والأوصياء عليه السلام والصلحاء والعلماء.[١٢]

أدلّة الشيعة

استدلّ الشيعة على عدم حرمة البناء على القبور بأدلّة عديدة، منها ما هو قرآني ومنها ما هو روائي، وكذلك أيّدوا أدلّتهم بجملة من الشواهد والقرائن القوية، وكذلك ناقشوا ما زعمت الوهابية السلفية على أنّه دليل على حرمة البناء على القبور.

الأدلّة القرآنية

من الأدلة القرآنية التي استدلّ بها الشيعة على عدم حرمة البناء على مطلق القبور، واستحباب خصوص البناء على قبور الأنبياء عليهم السلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام وعباد الله الصالحين، قوله تعالى: ﴿فَقالُوا ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم قالَ الَّذينَ غَلَبوا عَلى أَمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا.[١٣]

وجه الاستدلال :

  • أولا :قالوا إنّ الآية متعلّقة بأصحاب الكهف، وهم تلك الفتية الذين آمنوا بربّهم وتركوا أهلهم حفاظًا على إيمانهم.
  • ثانيا: إنّ الآية تكشف عن اختلاف وقع بين المؤمنين المسلمين والمشركين الكافرين في ما يجب فعله بأصحاب الكهف بعد موتهم،[١٤] فقال: الذين لم يؤمنوا " ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم " أي ضعوا بنيانا على باب كهفهم ليسترهم، ربّهم أعلم بحالهم، وقال: الذين أمنوا واستضعفوا " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا " أي نحن سوف نتّخذ هذا المكان، مكانًا لعبادة الله والتقرب إليه من خلال التبرك بهذا المكان الذي وقعت فيه المعجزة.

أمّا مسألة أن الخلاف الذي وقع بين المؤمنين والمشركين، وأن القائلين باتخاذ المسجد على أهل الكهف هم خصوص المؤمنين، وأصحاب الرأي الثاني هو الكافرون، فهو مَشْهُورُ المفسرين من أهل السنّة، [١٥] وعليه فالشيعة، قالوا: لو كان البناء على القبور محرّمًا كما يدّعي البعض، لكان من باب الأولوية أن يشير المولى تعالى لحرمة هذا الفعل، بعد أن ذكر هذا الأمر على لسان المؤمنين، فسكوته يدلّل على تقريره وتجويزه للبناء على القبور، خاصة وأنّ مسألة البناء جاءت في مقام الاختلاف بين المؤمنين والكافرين، بل ذكره لما يُفهم منه الجواز على لسان المؤمنين المستضعفين فيه إشارة إلى أنّه استحب قول وفعل المؤمنين.

الأدلّةالروائية

وردت في مصنّفات الشيعة روايات كثيرة، في خصوص التأكيد على ثواب من يُعَمّر ويزور قبور الرسول الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام، وهذا قد أقرّه الشهيد الأوّل، حينما كان يناقش في أدلّة البناء على القبور، حيث قال: وبالأخبار الدّالة على تعظيم قبورهم عليهم السلام وعمارتها وأفضليّة الصلاة عندها، وهي كثيرة[١٦]، منها:

مؤيّدات وشواهد

ومن أبرز الشواهد والمؤيِّدات التي ساقها علماء الشيعة، وكذلك بعض فقهاء أهل السنّة، على جواز البناء على القبور، هو:

  1. قبر رسول الله محمد صلی الله عليه وآله وسلم، الواقع في مسجده الشريف، فيرون أنّ وجود قبر رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم والخليفتين الأول والثاني في داخل مسجد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم في المدينة، لهو كاشفٌ على أنّ المسلمين ومن زمن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم لم يكونوا يرون مانعًا أو محذورًا في البناء على القبور، لأنّه لو كان هناك محذورًا شرعيًا لما كان ليُدفن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم في مسجده الشريف، و لَأَوْصَى بعدم دفنه فيه.
  2. أنّ الأصل في الأشياء هو الإباحة "كل شيء حلال حتى تثبت حرمته"،بحاجة إلى مصدر وللحكم على أن الفعل الفلاني محرّمًا، نحتاج إلى دليل شرعي تام لنرفع أيدينا على الإباحة، وكل الروايات التي جاءت في خصوص البناء على القبور، غير تامة في حرمة البناء على القبور، بل كل ما يفهم منها هو الكراهة مخافة الوقوع في محضورات معينة، وهذه الكراهة هي ما فهمه السواد الأعظم من فقهاء المذاهب الإسلامية السنّية منها والشيعية.

مواقف المذاهب الأخرى

لم يبعد موقف المذاهب السنيّة الأربعة المعترف بها، عن موقف الشيعة في خصوص مسألة البناء على القبور، بل لا يكاد يخرج الخلاف في مجمله عن كونه خلافًا اجتهاديًا لا أكثر.

المذاهب الفقهية الأربعة

تفاوتت أراء المذاهب الأربعة السنية، في خصوص البناء على القبور، فكانت آراءهم في العموم كالآتي:

التجصيص: اتفقت المذاهب الأربعة على كراهته.[٢٠]

المالكية

ذهب المالكية إلى كراهة التطيين والتجصيص وبناء القباب على القبور، وهذا نص ما نقله ابن سحنون عن مالك:

  • قال مالك: أكره تجصيص القبور والبناء عليها، وهذه الحجارة التي يبنى عليها.[٢١]

وذكر الدسوقي في حاشيته ما نصه:

  • وقوله "يكره"[٢٢] دفنه بدار: إنّما كُره لأنّه لا يُؤمَن عليه أن يُنبَش مع انتقال المُلك،[٢٣] ونقل الشافعي عن مالك قائلا: أخبرنا مالك:
  • أنّ رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم قال: «قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقى دينان بأرض العرب»،[٢٤] ثم قال الشافعي:
  • وأكره هذا للسنّة والآثار، وأنّه كره، والله تعالى أعلم، أن يُعظم أحد من المسلمين، يعني: يتخذ قبره مسجدًا، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بَعدُ، فكره والله أعلم لئلا يوطأ فكره، والله أعلم، لأنّ مستودع الموتى من الأرض ليس بأنظف الأرض، وغيره من الأرض أنظف.[٢٥]

الشافعية

قالت الشافعية بكراهة البناء على القبور وتجصيصها واتخاذها مسجدًا، وهذا نص ما قاله الشافعي:

  • وأحب ألاّ يجصص، فإنّ ذلك يشبه الزينة والخيلاء، وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة.[٢٦]
  • وقال في موضع آخر: فإن كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في حياتهم أو ورثتهم بعدهم، لم يهدم شيء أن يبنى منها، وإنّما يُهدم إن هدم، ما لا يملكه أحد، فهدمه لئلاّ يحجر على النّاس موضع القبر، فلا يُدفن فيه أحد، فيضيق ذلك بالنّاس.[٢٧]
  • وقال في موضع آخر: وأكره أن يبنى على القبر مسجد، وأن يسوى أو يُصلّى عليه وهو غير مسوى، أو يُصلَي إليه، وإن صَلَى إليه أجزأه وقد أساء.[٢٨]

الحنفية

كره الحنفية تجصيص وتطيين القبر، وكذلك البناء عليه، وفي ما يلي نص ما ذكره الإمام الكاساني الحنفي :

  • قال الكاساني: ويكره تجصيص القبر وتطيينه، وكره أبو حنيفة البناء على القبر، وأن يُعلّم بعلامة، وكره أبو يوسف [٢٩] الكتابة عليه، ذكره الكرخي، لما روي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم أنّه قال: « لاَ تُجَصِّصُوا القُبُورَ وَلاَ تَبْنُوا عَلَيْهَا ولاَ تَقْعُدُوا ولاَ تَكْتُبُوا عَلَيْهَا »، ولأن ذلك من الزينة، ولا حاجة للميت إليها، ولأنّه تضييع المال بلا فائدة، فكان مكروهًا[٣٠]، انتهى .
  • وفي موضع آ خر قال: قال أبو حنيفة: ولابأس بزيارة القبور والدعاء للأموات إن كانوا مؤمنين، من غير وطء القبور، لقول النبي صلی الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي كُنتُ نَهَيتُكُم عَن زِيَارَةِ القُبُورِ، أَلاَ فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَة »، ولعمل الأمّة من لَدُن رسول اللّه صلی الله عليه وآله وسلم إلى يَومنَا هذا[٣١]، انتهى .

الحنبلية

ذهب الحنابلة لجواز التطيين القبر، بل قيل باستحبابه عند بعضهم [٣٢]، وكرهوا التجصيص عليه وكذلك البناء على القول المشهور عندهم، وقال بعضهم بجواز بناء القبة عليه أو بيت وحظيرة في ملكه[٣٣]، وكَره بعضهم بناء القبب الفاخرة على القبر[٣٤]، وحرّموا اتخاذ القبور مساجد، إلاّ أنّ بعضهم جوّز الدفن في البيت والقباب والحظائر كما عرفت، الذي لا يرى العرف فرقًا بينه وبين البناء على القبر .

وهذا نص ما قاله ابن قدامة :

  • ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنّما، ويرش عليه الماء، و لا بأس بتطيينه، ويكره تجصيصه والبناء والكتابة عليه والجلوس والوطء عليه والاتكاء إليه[٣٥]، انتهى .

ويقول ابن قدامة في كتاب الكافي، ما نصّه :

  • ويكره البناء على القبر، وتجصيصه، والكتاب (الكتابة) عليه: لقول جابر: نهى رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم أن يُجصّص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يقعد عليه، رواه مسلم، وزاد الترمذي: وأن يكتب عليها، وقال حديث حسن صحيح، ولأنّه من زينة الدّنيا، فلا حاجة للميّت إليه[٣٦]، انتهى.
  • ثمّ قال: ولا يجوز أن يبنى عليه مسجد، لقول النبي صلی الله عليه وآله وسلم « لعن الله اليهود اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، يُحذِّر مثل ما صنعوا، متّفق عليه[٣٧]، انتهى .

وقال فقيه الحنابلة، المرداوي، ما نصّه:

  • أمّا التجصيص: فمكروه بلا خلاف نعلمه، وكذا الكتابة عليه، وكذا تزويقه، وتخليقه، ونحوه، وهو بدعة. أمّا البناء عليه: فمكروه على الصحيح من المذهب، سواء لاصق البناء الأرض أم لا، وعليه أكثر الأصحاب. قال في الفروع: أطلقه أحمد، والأصحاب، انتهى.
  • ثمّ قال: وقال صاحب المستوعب، المجد، وابن تميم، وغيرهم: لا بأس بقبة، وبيت، وحظيرة في ملكه، انتهى.
  • ثم قال في موضع آخر: وقال في الوسيلة: ويكره البناء الفاخر كالقبة. قال: في الفروع: وظاهره لا بأس ببناء، وعنه منع البناء في وقف عام ........وقال: قال في الفصول: القبة والحظيرة والتربة، إن كان في ملكه فعل ما شاء، وإن كان في مسبلة كره للتضييق بلا فائدة، ويكون استعمالا للمسبلة فيما لم توضع له[٣٨]، انتهى .

المذهب الظاهري

ذهبت الظاهرية خلافًا لما ذهب إليه أئمة المذاهب السنيّة الأربعة المعترف بها عند أهل السنّة و الجماعة، فقد حرّموا البناء على القبور، وكذلك تجصيصه وزيادة شيء على ترابه، إلاّ أنّهم جوّزا بناء البيوت والقوائم على القبور، ونقش اسم الميت على حجر ووضعها عليه، وهذا نصّ ما قاله إمامهم الثاني " ابن حزم الأندلسي ":

  • ولا يحلّ أن يبنى القبر، ولا أن يجصص، ولا أن يزاد على ترابه شيء، ويهدم كل ذلك، فإن بني عليه بيت أو قائم لم يكره ذلك، وكذلك لو نقش اسمه في حجر لم نكره ذلك، [٣٩] انتهى.
  • ثم قال: قد أنذر صلی الله عليه وآله وسلم بموضع قبره بقوله « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة» واعلم أنّه في بيته بذلك، ولم ينكر صلی الله عليه وآله وسلم كون القبر في بيت، ولا نهى عن بناء قائم، وإنّما نهى عن بناء على القبر قبة فقط [٤٠]، انتهى .

الوهابية السلفية

صورة لابن باز مفتي السعودية
الهاشمي سحنوني السلفي (قيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية)

خالفت فرقة " الوهابية السلفية " السواد الأعظم من المذاهب الإسلامية في حكم البناء على القبور.

دعوى ابن تيمية الحرمة

وأوّلهم شيخهم ابن تيمية الحرّاني، فبعد أن عدّد جملة من المقامات منها ما هو للأنبياء عليهم السلام ومنها ما هو للصحابة وبعضها لأهل البيت عليهم السلام، قال :

  • وقد اتفق أئمة الإسلام على أنّه لا يشرع بناء هذه المشاهد التي على القبور ولا يشرع اتخاذها مساجد، ولا تشرع الصلاة عندها، ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة واعتكاف أو استغاثة وابتهال ونحو ذلك وكرهوا الصلاة عندها، ثمّ كثير منهم قال: الصلاة باطلة لأجل النهي عنها[٤١]، انتهى.
  • وفي موضع آخر قال: وقد اتّفق أئمة الدين على أنّه لا يشرع بناء المساجد على القبور، ولا أن تعلق عليها الستور[٤٢] .
  • ثمّ قال: ويجب هدم كل مسجد بني على قبر كائنًا من كان الميت، فإنّ ذلك من أكبر أسباب عبادة الأوثان [٤٣] .
ردّ الشيعة على دعوى ابن تيمية
  • أولا: أنّ دعوى اتفاق أئمة المسلمين، وكذلك دعوى اتفاق أئمة الدين - كما جاء في عباراته - هو قول غير صحيح، بل هي دعوى كاذبة، فأئمة الدين وأئمة المسلمين وخاصة السنّة أغلبهم اتفقوا على عكس ما ادّعاه ابن تيمية الحرّاني .
  • ثانيا: أنّ الحكم الذي وقع عليه الاتفاق بين أعلام المسلمين، وخاصة من أهل السنّة والجماعة، هو الكراهة لا الحرمة وعدم الجواز، فأين ما أفتى به أعلام المذاهب السنية من ادعاء ابن تيمية الحرّاني .

دعوى ابن قيم الجوزي الكراهة

وذكر تلميذه ابن قيم الجوزي كلام يخالف ما ادّعاه أستاذه ابن تيمية الحرّاني من جهة الحكم، فقال:

  • ولم يكن من هدْيه صلی الله عليه وآله وسلم، تعلية القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجر ولبِن، ولا تشييدُها، ولا تطيينها، ولا بناء القِباب عليها، فكلّ هذا بِدعة مكروهة، مخالفة لهديه صلی الله عليه وآله وسلم [٤٤].
ردّ الشيعة على دعوى ابن قيم الجوزي

دعوى ابن الحصين الحرمة

وكذلك قال أحد تلامذة ابن عبد الوهاب، وهو " عبد العزيز بن عبد الله الحصين[٤٥] " :

  • ووردت الأحاديث بحرمته، وهو عمارة القبور، وإلقاء الستور عليها، وتسريجها، وهذه كلّها كبائر كما قال: أهل العلم[٤٦] .
ردّ الشيعة على دعوى ابن الحصين

أولا: دعوى أنّ البناء على القبور محرّم، لا دليل عليه، بل الروايات التي وردت في المقام، أقصى ما تدل، تدلّ على الكراهة الغير مطلقة . ثانيا: أمّا دعوى أنّ البناء على القبور من الكبائر، فهي دعوى باطلة بل دعوى صريحة الكذب، ولا يوجد عليها لا نص من الله ولا من الرسول صلی الله عليه وآله وسلم، وكذلك لم يقل بها أحد من علماء المسلمين، وهذا القول يمكن عدّه من الأقوال الشاذة جدًّا، لعدم قول أحد بها من السلف.

الهوامش

  1. البكري الدمياطي، حاشية إعانة الطالبين، ج 2، ص 137.
  2. الكهف: 21.
  3. العلامة الحلي، مختلف الشيعة، ج 2 ص 315، كتاب الصلاة، في الدفن.
  4. الطوسي، المبسوط، ج 1، ص 187، في أحكام الجنائز.
  5. الطوسي، المبسوط، ج 1، ص 187، في أحكام الجنائز.
  6. ابن ادريس، السرائر، ج 1 ص 266، آخر باب غسل الأموات.
  7. العلامة الحلي، مختلف الشيعة، ج 2، ص 315، كتاب الصلاة، في الدفن.
  8. المحقق الحلي، المعتبر في شرح المختصر، ج 1، ص 304، كتاب الطهارة، باب الدفن، فصل المكروهات.
  9. الشهيد الأول، الذكرى، ج 1، ص 418، كتاب الصلاة، المقام الخامس في أحكام الميت، الحكم الخامس في الدفن، المطلب الثالث في التوابع، المبحث الأول في الأحكام.
  10. الإضافة من عندنا للتوضيح.
  11. الخميني، تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، أحكام الأموات، في الدفن، القول في مستحبّات الدفن ومكروهاته، ص 76.
  12. الخميني، تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، أحكام الأموات، في الدفن، القول في مستحبّات الدفن ومكروهاته، ص 77.
  13. الكهف: 21.
  14. الزمخشري، الكشاف، تفسير أية 21 من سورة الكهف، ص 615.
  15. الزمخشري، الكشاف، ص 615 سورة الكهف أية 21؛ الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 21، ص 106 سورة الكهف آية 21؛ ابن قيم الجوزي، تفسير زاد المسير، ص 845 سورة الكهف آية 21.
  16. الشهيد الأول، الذكرى، ج 1، ص 420، كتاب الصلاة، المقام الخامس في أحكام الميت، الحكم الخامس في الدفن، المطلب الثالث في التوابع، المبحث الأول في الأحكام.
  17. الطوسي، تهذيب الأحكام، ج 6، ص 22 كتاب المَزَارِ باب فضل زيارته، الحديث السابع.
  18. الموسوعة الفقهية الكويتية، ج 32، ص 250، حرف القاف، لفظة القبر، تحت عنوان تطيين القبر وتجصيصه والبناء عليه.
  19. الموسوعة الفقهية الكويتية، ج 32، ص 250، حرف القاف، لفظة القبر، تحت عنوان تطيين القبر وتجصيصه والبناء عليه.
  20. الموسوعة الفقهية الكويتية، ج 32، ص 250، حرف القاف، لفظة القبر، تحت عنوان تطيين القبر وتجصيصه والبناء عليه.
  21. ابن أنس، المدونة الكبرى، ج 1 ص 189، كتاب الجنائز، فصل تجصيص القبور.
  22. الإضافة من عندنا للتوضيح.
  23. الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ج 1، ص 424، فصل ذُكر فيه أحكام الجنائز.
  24. الشافعي كتاب الأم، ج 2، ص 633.
  25. الشافعي، كتاب الأم، ج 2، ص 633.
  26. الشافعي، كتاب الأم، ج 2، ص 631.
  27. الشافعي، كتاب الأم، ج 2، ص 631.
  28. الشافعي، كتاب الأم، ج 2، ص 632.
  29. أبو يوسف هو: القاضي يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وهو تلميذ أبو حنيفة النعماني
  30. بدائع الصانع في ترتيب الشرائع: ج 2 ص 359، كتاب الصلاة، فصل في سنّة الدفن
  31. بدائع الصانع في ترتيب الشرائع: ج 2 ص 359، كتاب الصلاة، فصل في سنّة الدفن
  32. الإنصاف: ج 2 ص 549، كتاب الجنائز
  33. الإنصاف: ج 2 ص 549، كتاب الجنائز
  34. الإنصاف: ج 2 ص 550، كتاب الجنائز
  35. المقنع: ج 1 ص 285، كتاب الجنائز، فصل في حمل الميت ودفنه
  36. الكافي لابن قدامة: ج 2 ص 68، كتاب الجنائز، باب حمل الجنازة ودفنها، فصل ويكره البناء على القبر .......
  37. الكافي لابن قدامة: ج 2، ص 69، كتاب الجنائز، باب حمل الجنازة ودفنها، فصل ويكره البناء على القبر ...
  38. الإنصاف: ج 2 ص549- 550، كتاب الجنائز
  39. كتاب المُحلّى: ج 5 ص 133، كتاب الجنائز، مسألو رقم 577
  40. كتاب المُحلّى: ج 5 ص 133، كتاب الجنائز، مسألو رقم 577
  41. مجموع الرسائل والمسائل: ج 1 ص 73
  42. مجموع الرسائل والمسائل: ج 1 ص 67
  43. مجموع الرسائل والمسائل: ج 1 ص 67
  44. زاد المعاد في هدي خير العباد: ج 1 ص 504-505
  45. هو من أحد تلاميذ محمد بن عبد الوهاب، وقد ولاّه عبد العزيز بن سعود القضاء، وتوفي سنة 1237 م .
  46. الدرر السنية في الأجوبة النجدية: ج 2 ص 188

المصادر والمراجع

المصادر الشيعية :

  • الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، الطبعة الثالثة، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، قم - إيران، 1428 هـ/ 2007 م.
  • الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، المبسوط في فقه الإمامية، طبعة، توزيع دار الكتاب الإسلامي، بيروت - لبنان، 1412 هـ/ 1992 م.
  • لابن ادريس الحلي، عبد الله بن محمد بن أحمد، السرائر، الطبعة الأولى، منشورات دليل ما ( دليلنا )، مطبعة نكَارش، قم - إيران، 1429 هـ.
  • العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف بن المطَهَّر الأسدي، مختلف الشيعة، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم - إيران .
  • المحقّق الحلّي، أبو القاسم جعفر بن الحسن، المعتبر في شرح المختصر، الطبعة الأولى، منشورات ذوي القربى، قم - إيران، 1434 هـ.
  • الشهيد الأول، محمد بن جمال الدين المكي العاملي، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الطبعة الأولى، مركز العلوم والثقافة الإسلامية، قم - إيران، 1430 هـ/ 2009 م.
  • الإمام الخميني، روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة، الطبعة الأولى، تحقيق ونشر، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم - إيران، 1421 هـ.

المصادر السنّية :

كتب سنية عامة:

  • الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر، تفسير الكشّاف، الطبعة الثالثة، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان-بيروت، 1430 هـ/ 2009 م.
  • الفخر الرازي، تفسير مفاتيح الغيب، الطبعة الأولى، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان-بيروت، 1401 هـ/ 1981 م.
  • الموسوعة الفقهية الكويتية، الطبعة الثانية، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية، الكويت، 1404 هـ/ 1983 م.

الكتب الفقهية المالكية :

  • الأصبحي، مالك بن أنس، برواية سحنون التّنوخي، المدونة الكبرى، طبعة قديمة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة السعودية.
  • الدّسوقي، شمس الدين محمد بن عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، طبعة قديمة لدار إحياء الكتب العربية لصاحباها عيسى البابي الحلبي وشركاه .

الكتب الفقهية الشافعية :

  • الشافعي، محمد بن إدريس، الأمّ، الطبعة الأولى، دار الوقاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة - القاهرة، 1422 هـ/ 2001 م.

الكتب الفقهية الحنفية :

  • الكاساني الحنفي، علاء الدين أبي بكر بن مسعود، بدائع الصانع في ترتيب الشرائع، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1424 هـ/ 2003 م.

الكتب الفقهية الحنبلية :

  • المرداوي الحنبلي، علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجّل أحمد بن حنبل، تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى والتي طبعت على نفقة الملك سعود بن عبد العزيز، 1375 هـ/ 1956 م.
  • المقدسي، عبد الله بن أحمد بن قدامة، المقنع في فقه امام السنّة أحمد بن حنبل الشيباني، مع حاشية لحفيد ابن عبد الوهاب، الطبعة الثالثة التي طبعت على نفقة حاكم قطر علي بن عبد الله الثاني، المطبعة السلفية ومكتبَتُها .
  • المقدسي، عبد الله بن أحمد بن قدامة، الكافي، الطبعة الأولى، دار هجر للطباعة والنشر والاعلان، الجيزة - مصر، 1417 هـ/ 1997 م.

الكتب الفقهية الظاهرية :

  • ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد، المُحلّى، الطبعة الأولى، ادارة الطباعة المنيرية لصاحبها محمد منير عبدة الدمشقي، القاهرة - مصر، 1347 هـ.

الكتب الوهابية السلفية :

  • لمجموعة شيوخ وهابية سلفية، مجموع الرسائل والمسائل النجدية، على نفقة الملك عبد العزيز بن سعود، الطبعة الأولى، مطبعة المنار، مصر، 1346 هـ/ 1928 م.
  • الجوزي، عبد الرحمن بن علي، تفسير زاد المسير، الطبعة الأولى، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان-بيروت، 1423 هـ/ 2002 م.
  • الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المعاد في هدي خير العباد، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1418 هـ/ 1998 م.
  • النجدي، عبد الرحمن بن محمد، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، الطبعة السادسة، 1417 هـ/ 1996 م.