الغيبة الكبرى
الغيبة الكبرى هي المرحلة الثانية من غيبة الإمام المهدي (ع)، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة الشيعة الإمامية، والتي بدأت سنة 329 للهجرة واستمرت إلى يومنا هذا. كما استهلت هذه المرحلة من حيث انتهت الغيبة الصغرى، بعد وفاة آخر نائب للإمام (ع). ومن أهم ما يميّز الغيبة الكبرى عن سابقتها هو انعدام الارتباط بين الامام المهدي (عج) و شيعته. وعلى الشيعة في هذا العصر أن يراجعوا الفقهاء جامعي الشروط لحل مسائلهم الدينية.
النيابة العامة
بعد وفاة السفير الرابع سنة 329 هـ لم ينصب الإمام المهدي (عج) سفيراً وانتهت كل العلاقات المباشرة بالإمام المهدي (عج)، وهذا يعني ختم النيابة الخاصة من قبل الإمام (عج).
وبعد أن طالت غيبة الإمام الحجة (عج) ومن أجل سدّ الفراغ الحاصل بعد وفاة السفير الرابع، عمد علماء الشيعة إلى صبّ اهتمامهم على المسائل العقائدية، وبذلك تسنّموا موقع الزعامة والقيادة للطائفة الإمامية. وقد حازوا بالتدريج على عنوان النواب غير المباشرين (النواب العامّين) للإمام الغائب (عج) واهتموا في أثناء فترة الغيبة الكبرى بهداية الأمة الإسلامية وإرشادها صوب معالم الفقه الإسلامي.
أدلة النيابة العامة
لقد احتل علماء الإمامية موقعهم الجديد استناداً لأحاديث تبيّن دورهم في أثناء غيبة الإمام (عج). وسنعرض ذيلاً الأحاديث الرئيسية التي تؤيد مسؤولية الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى:
لقد أصدر الإمام الثاني عشر توقيعاً عن طريق السفير الثاني في جوابه لإسحاق بن يعقوب، وقد ورد فيه: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم».[١]
وفي حديث آخر يرويه الطبرسي عن الإمام الحادي عشر (ع) في بيانه لدور الفقهاء في عصر الغيبة جاء فيه: «وأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه».[٢]
وفي رواية أخرى للطبرسي أيضاً عن الإمام الهادي (ع): «لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا (ع) من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه والذابّين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب له ما بقي أحدٌ إلا ارتدّ عن دين الله ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عزّ وجل».[٣]
حدود فاعلية الفقهاء
لقد تركت الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر (ع) تحديات جدّية في مسألة الزعامة عند الشيعة الإمامية. وقد سمح هذا الوضع لفقهاء الشيعة بتطوير نشاطاتهم وفاعليتهم. وقد أجمعوا على أن الإمام الغائب سيبقى حيا – رغم طول غيبته – إلى أن يقوم بالسيف في الوقت الموعود.
وقد نظم هؤلاء رؤيتهم استنادا إلى حديث للإمام الصادق (ع) وجّهَه لأحد أتباعه وهو حازم بن حبيب قائلاً: «يا حازم إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية، إن جاءك من يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه».[٤]
بيد أنّ الفقهاء في الحقيقة يشعرون باحتياجهم إلى القيادة لتُصان جماعتهم من الانشعاب والتكتّل، وهم على علم بأنّ لا أحد يمكنه أداء هذه الوظيفة غيرهم.
فيجب على الفقهاء – كما جاء في روايات أئمة الشيعة الإمامية – أن يبذلوا جهدهم ليتكاملوا ويصبحوا مسلمين واقعيين ملتزمين، مطبّقين للشريعة النبوية بمفهومها الحقيقي في حياتهم اليومية وفي كل الشؤون الإجتماعية.
كما يجب عليهم أن يُقنعوا المسلمين بأن قائدهم الحقيقي هو الإمام الغائب المنتظر (عج) المعيّن من قبل الله سبحانه وقد استحق لقب المهدي لأن الله هداه وسيهدي هو بدوره البشرية إلى تحوّل سياسي واجتماعي ومعنوي. وعليه تقع على الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى وقبل ظهور الإمام الغائب (عج) المسؤولية السياسية في تبليغ التكاليف المذكورة وتنفيذ قوانين الشريعة وذلك للوصول إلى الأهداف التي حددها الأئمة المعصومون (ع).[٥]
خصوصيتان للفقهاء في هذه الفترة
بات واضحاً مما مرّ من الأحاديث المذكورة، ضرورة أن يتصف الفقهاء وقبل أن يصرّح الإمام (عج) بحقهم في النيابة العامة على الأمة بميزتين رئيسيتين: الأولى أن يكونوا مجتهدين وفقهاء في الأحكام الشرعية، والثانية، أن يكونوا حائزين على ملكة العدالة. وعندما تتوفر مثل هذه المزايا فلا مرجح للانتساب النسبي فليكن الفقيه من أي بيت كان، حسينيا أو غير ذلك. المهم هو استحقاقهم للنيابة العامة للإمام الحجة (عج).
الهوامش
المصادر والمراجع
- الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، تحقيق: عباد الله الطهراني وعلي أحمد ناصح، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، ط 1، 1411 هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403 هـ/ 1983 م.
- الطبرسي، أحمد بن علي بن أبي طالب، الأحتجاج، تحقيق: محمد باقر الموسوي، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1382 هـ/ 1966 م.