مصحف فاطمة عليها السلام، كتابٌ يحتوي على ما سمعته السيدة فاطمة من رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم أو من جبرئيل عليه السلام، وفيه ذكر لحوادثَ تجري عليها وعلى ذريتها، وبهذا لا يكون المصحف بمعنى القرآن ولا يكون دالّاً على بديلٍ أو مثيلٍ للقرآن الكريم. هذا المعتقد عند الشيعة حول مصحف فاطمة عليها السلام يستندون فيه إلى روايات وأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام.

وأورد أهل السنة إشكالات كثيرة على هذا المعتقد هي في نظر الشيعة ناتجة عن خلط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي لكلمة مصحف، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ اعتراض أهل السنة ناشئ عن عدم تقبل فكرة أنّ الملائكة يمكن أن تتنزل على غير النبي صلى الله عليه وآله بغير الوحي .

معنى المصحف

في نظرة سريعة على المعنى اللغوي لكلمة مصحف، يتبيّن الفرق بين تسمية كتاب فاطمة بالمصحف، وبين تسمية القرآن الكريم بالمصحف أيضاً؛ فنرى أهل اللغة يقولون ما يلي:

قال الفيومي: الصَّحِيفَةُ قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه... والجمع صُحًف بضمتين وصحائف... والمصحف بضم الميم أشهر من كسرها. وفي أقرب الموارد: المصحف اسم مفعول ... وحقيقتها مجمع الصحف أو ما جمع منها بين دفتي الكتاب المشدود.[١]

وقال الراغب: المصحف ما جعل جامعا للصحف المكتوبة وجمعه مصاحف، والتصحيف قراءةُ المصحف.[٢]

فالذي يظهر من اللغة: أنّ المصحف هو ما جمُعت فيه الصُحف وليس هذا اللفظ -من حيث الوضع اللغوي- خاص بالقرآن الكريم.

مصحف فاطمة وما يحتويه

بناء على ما ورد في الروايات،[٣] نجد أنّ المصحف يحتوي على:

  • أضعاف ما في القرآن الكريم، من دون أن تصرّح الروايات أنّ هل هذه الأضعاف هي من حيث الكم أو النوع؛ نعم يمكننا تخصيصها بالكم من خلال القرائن الأخرى.
  • أخبار وحوادث مستقبلية
  • وصية فاطمة الزهراء عليها السلام
  • الإخبار بأسماء الأئمة من ذرية فاطمة السلام عليها السلام
  • الإخبار بما يجري عليها وعلى ذريّتها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله
  • ذكر أسماء شيعتهم وأسماء أعدائهم إلى يوم القيامة

مصحف فاطمة في الأحاديث والروايات

وردت روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام توضّح لنا ماهو هذا المصحف، ولعل هذا الكم من الروايات إنّما هو من باب الرد على ما قد يَقال من أنّ تسمية هذا الكتاب بالمصحف إنما هي في قبال القرآن الكريم، وقد بانَ خلافه من المعنى اللغوي.

  • عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله   قال: «إنَّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها، و يُطيب نفسَها، ويُخبرها عن أبيها ومكانِه، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذرِّيتِها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليه السلام».[٤]
  • عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله   يقول: «تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام»، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: «إن الله تعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شئ من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون».[٥]
  • في حديث طويل عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام: «...وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم قال: إنه لعلم وما هو بذاك... الحديث».[٦]
  • عن الحسين ابن أبي العلاء قال: سمعت أبي عبد الله السلام يقول: «إن عندي الجفر الأبيض» ، قال: قلت: فأي شئ فيه؟ قال : «زبور داود ، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش... الحديث».[٧]

وهناك روايات أخرى أحصاها العلامة المجلسي رحمه الله.[٨]

وقد جاء في الروايات أنّ هذا المصحف كان موجوداً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، فعن محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر أو الصادق   قال فيها: «...وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله اُنزل عليها، إملاء رسول الله وخط علي عليه السلام ».[٩]

وفي رواية أنّ جبرئيل عليه السلام كان يأتيها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، ويملي عليها ما يكون من الحوادث، وكان علي   يكتب ذلك لها.[١٠]

ومما يعتقده الشيعة أيضاً أن المصحف هذا علامة من علامات الإمام المعصوم عليه السلام، ففي رواية عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: «للإمام علامات» إلى أن يقول ويكون عنده مصحف فاطمة  ».[١١]

وعن حماد بن عثمان قال: حدثني أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «ما مات أبو جعفر عليه السلام حتى قبض مصحف فاطمة عليها السلام»[١٢]

ويعتقد الشيعة أيضاً أنه مما توارثه الأئمة وهو الآن عند الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه.

الهوامش

  1. الفيومي، المصباح المنير، ص174.
  2. الراغب الأصفهاني، مفردات القرآن، ص285، مادة صَحَفَ
  3. الكليني، الكافي، ج1، ص592ــ596.
  4. الكليني، الكافي، ج1، ص599، ح5.
  5. الكليني، الكافي، ج1، ص596، ح2.
  6. الكليني، الكافي، ج1، ص592، ح1.
  7. الكليني، الكافي، ج1، ص597، ح3.
  8. المجلسي، بحار الأنوار، ج26، ص18، أبواب علومهم وما عندهم من الكتب.
  9. الصفار، بصائر الدرجات، ص176، ح14.
  10. الكليني، الكافي، ج1، ص599، ح5.
  11. الصدوق، الخصال، ص528 أبواب الثلاثين، ح1؛ الصدوق، معاني الأخبار، ص103 باب معنى الإمام المبين، ح4.
  12. الصفار، بصائر الدرجات، ص178، ح23.

المصادر والمراجع

  • الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1428 هـ.
  • الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، الخصال، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 هـ.
  • الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، معاني الأخبار، بيروت، دار المعرفة، 1399 هـ.
  • الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، طهران، مؤسسة الاعلمي، 1404 هـ.
  • الفيومي، أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير، بيروت، المكتبة العصرية، 1435 هـ.
  • الكليني، محمد بن یعقوب، الكافي، قم، دار الحديث، ط 1، 1387 ش.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، داراحیاء التراث العربي، ط 3، 1403 هـ.

مواضيع ذات صلة