الإيمان بالموعود
الإيمان بالموعود يعني الاعتقاد بظهور منقذ يظهر في آخر الزمان من أجل نجاة وتخليص الناس من الظلم ويحقِّق السلام والعدل.
إنّ فكرة المنقذ والمنجي الموعود موجودة عند جميع الأقوام والملل المختلفة، لكن بأشكال وصور وثقافات مختلفة أيضًا، كما يتفق هذه الأقوام تقريبًا على أمرٍ واحدٍ وهو أنَّه سيأتي يوم من الأيام ويظهر المخلِّص الموعود، ويحرِّر النَّاس من الاستبداد ومن الحكام الظالمين، وبعد ذلك سوف يعيش الناس في بيئةٍ مليئة بالعدل والإنصاف. وفي الديانة الهنديَّة تراهم ينتظرون المخلّص الموعود، ويسمى عندهم باسم "فیشنو" أو "كالكي" وهو المظهر العاشر للآلهة، وأمَّا في الديانة البوذية يسمى الملخِّص الموعود عندهم "البوذيساتفا" أو "البوديساتفا"، وأمَّا في الديانة اليهودية تراهم ينتظرون "الماشيح"، وفي الديانة النصرانيَّة تراهم ينتظرون "فارقليط" وهو اسم يشير للنبي عيسى، وقد أعطى البشارة بعودته، وأمَّا في الإسلام فالمسملون يعتقدون بظهور "المهدي".
التعريف
الإيمان بالموعود ويعني الاعتقاد بشخصٍ مخلِّص في آخر الزمان يأتي لإنقاذ البشرية وتحريرهم ويُحِلّ السلام والعدالة بين البشر،[١] وهذه الحقيقة في الأصل موجودة عند مختلف الأقوام والأديان بأشكالٍ وثقافات مختلفة وبصور متعددة، لكن مع كل هذا الاختلاف الجميع يتَّفق على قدوم شخص منقذ للبشريَّة من الاستبداد وظلم الحكام، وسوف يحقِّق العدل والإنصاف بين البشر.[٢]
الإيمان بالموعود في المدارس الدينية
الإيمان بالموعود حقيقة تعرَّضت لها الأديان المختلفة وبأشكالٍ مختلفة ويشكّل الاعتقاد بالموجود الموعود إحدى العقائد الأساسية لدى هذه الأديان، وبحسب قول بعض المحقِّقين أنَّه قلَّما يوجد دين أو مذهب أو قوم من الأقوام لا تجد عندهم الإيمان بموجودٍ موعودٍ.[٣]
في الأديان الشرقية
- في الرؤية الهندوسيَّة: في الرؤية الهندوسيَّة المخلّص الموعود عندهم يسمى (كالكي)، وهو شخص سوف يظهر في آخر دورة زمانية من الدورات الأربع التي سوف يمرّ بها العالم،[٤] وبحسب التفكير الهندوسي أنّ العالم يمرّ بأربع دورات في الفساد والانحطاط، وفي الدورة الرابعة يصل العالم إلى نهاية العصر المظلم بحيث يسيطر الظلم والفساد على العالم كلِّه، وهذا العصر المظلم يسمى بالعصر (الكالي يوغا)، وفي هذا العصر تكون الحياة الاجتماعية والمعنوية أسوء ما يمكن أن تكون، وهذا المستوى عندما يصل العالم له، يكون هذا المستوى من الانحدار هو الذي يصنع للعالم أسباب التخلّص من الظلم فيما بعد.[٥]
وبحسب العقيدة الهندوسيًّة فإنَّ هذا العصر المظلم (كالكي يوغا) قد بدأ في 3102 سنة قبل ميلاد المسيح في 17 أو 18 من شهر فبراير عند منتصف الليل، ونحن الآن نعيش في هذا العصر، ولا يتم فيه العمل بالدين والعقيدة إلا بمقدار الربع، وثلاثة أرباع الدين العقيدة رميت بالنسيان، ومن خصائص هذا العصر أنَّ الناس يكونون عصاة، متمردين؛ ولأنَّ النَّاس في هذا العصر فقراء وحظُّهم سيء، استوجب هذا الأمر عدم فرصتهم في شيء، وكذلك ترى النّاس يركضون وراء الأشياء التَّافهة، وإذا أكلوا شيئًا أكلوا بجشع، واللصوص يحيطون بالمدينة التي يعيش فيها النَّاس.[٦] وبحسب الأديان والمدارس الفلسفيَّة الهنديَّة[٧] أنَّه في نهاية العصر المظلم في التجلي العاشر والأخير والذي يسمى (أوتار) والإله (فيشنو) أو يطلق عليه (كالكي) يأتي على شكل رجلٍ يمتطي حصانًا أبيض وفي يده سيف يلمع وسيبدِّد الظلام وتنعم الأمَم بالسلام وسيعيد الخلقة إلى طراوتها ونقاوتها.[٨]
- في الرؤية البوذيَّة: في الرؤية البوذيَّة فكرة المنجي الموعود بُيِّنت عن طريق مفهوم (مايتريا) وهي كلمة سنسكريتية، وتعني المحبّ والعطوف، حيث يعد المايتريا بوذا الخامس في هذه العقيدة،[٩] وهو آخر بوذا سيكون على وجه الأرض، وحتى الآن لم يأتي، لكن في يوم من الأيام سوف يأتي، وينجي بني الإنسان من الظلم والقهر، ويصوّر بوذا الخامس بصورة رجلٍ جالس، ومستعد للقيام، وهذه الصورة ترمز إلى استعداد بوذا الخامس إلى القيام للخلاص!
في الروايات البوذيَّة يوجد اختلاف حول ما جاء مما يبيِّن شخصية وكيفية ظهور المنجي الموعود، أو آخر بوذا الذي سوف يأتي من أجل أن يبشِّر النَّاس بتحريرهم، وينقذ النَّاس من دورة الحياة المستمرة، والاختلاف راجع إلى نشوء الانقسام الكبير لعد وفاة بوذا، فهناك مدرسة الهينايانا، وهناك مدرسة الماهيانا، في مدرسة الهينايانا التركيز الأكبر على المياتريا، وفي روايات هذا المذهب تلاحظ شخص باسم (شاكيا موني) وهو نفسه (غوتاما بوذا) المشهور بهذا الاسم، وهو بوذا والمياتريا الرابع الذي من بعده سوف يأتي بوذا الخامس المخلِّص والمحرِّر، ويعرف ببوذا الخامس، وفي بعض الروايات عند البوذيَّة أنَّ غوتاما بوذا هو بوذا السابع وليس الرابع، والبوديساتفا أو البوذاسف (Bodhesattava) سوف يظهر في المستقبل بعنوان كونه آخر بوذا من أجل تحرير وتخليص النَّاس.
هناك اختلاف حول سيرة وحياة المياتريا الذي سيكون آخر بوذا على وجه الأرض، ففي كتاب شريعة بالي (وهو المصدر الأصلي لمعلوماتنا الأوليَّة عن البوذيَّة) نلاحظ عدم اهتمام هذا المصدر بهذا الأمر وهو حياة المياتريا إلا في بعض مقاطع الكتاب مثل مقطع (چکه وتّی سیهه ناده) التي ذكرت اسمه، لكن في غير الكتب المقدسَّة البوذية يوجد أثران اختصَّا بالتعرّض لتفاصيل عقيدة المياتريا.
وفي ماهافانسا وهو سجل تاريخي مرتبط بتاريخ سريلانكا القديم، ذكر بوضوح التسلسل الزمني لقيام المياتريا فقد ورد فيه:
«ويبتدي انحطاط الإنسان التدريجي في التقليد البوذي مستمرًّا في عمر الإنسان، بحسب "ديغانيكايا" في عصر أول بوذا فيباسي الذي أظهر نفسه قبل 91 كابا، كان يعيش الإنسان 80000 سنة، وفي عصر ثاني بوذا سيخي (قبل 31 كابا) كان يعيش 70000 سنة، وهكذا دواليك، وأمَّا سابع بوذا وهو غوتاما فقد أظهر نفسه في دورة لا يعيش فيها الإنسان أكثر من 100 سنة، وهذا يعني أنَّ عمر الإنسان قد بلغ حدَّه الأدنى. ومع ذلك فالزمان غير محدودٍ في البوذيَّة، وهي في هذا تتفق مع الفكر الهندوكي، وهي تذهب إلى أنَّ "بوذي ساتوا" سوف يتجسَّد لكي يعلن إلى جميع الكائنات عن إنجيل السلام إلى أبد الآبدين»[١٠]
- في الرؤية الكونفشيوسية: وضع كونفوشيوس شعار العودة إلى العصر القديم لأولاد الملوك على رأس قائمة أفكاره الإصلاحية، وقد ارتبطت فضيلة وحكمة الملوك بفكر أتباع كونفوشيوس.[١١]
- في الرؤية الطَّاويَّة: في الساحة الثقافيَّة والدينية للصينيين تلعب الرؤية الطَّاويَّة الدور نفسه الذي تلعبه الرؤية الكونفشيوسية وغيرها من المدارس الفكريَّة، غاية ما في الأمر أنَّه في الرؤية الطَّاويَّة جذور فكرة المنجي الموعود أوضح من البقيَّة، فإذا لاحظنا متن كتاب (Shang-Ch'ing Too. Chon Lieh-Chi) سوف تجد أنَّ لي هونق (Li Hung) باعتباره المنجي الموعود سوف يظهر تحديدًا في سنة (392م).[١٢]
- في الرؤية الشنتويَّة: اليابان تشبه الصين من حيث تعدد الديانات والثقافات، ومن هنا تلاحظ أمرًا وهو أنَّ الرؤية الشنتويَّة مع الرؤية البوذيَّة اختلطا مع بعضهما بعض، وشكَّلا من هذا الخليط للأمّة اليابانية شيئًا يحمل آمالها ومخاوفها، وبالنتيجة صارت المحط النهائي لكل مذهب من المذاهب التي تؤمن بالمنجي الموجود، ومن أهم هذه المذاهب مذهب كورزو ميكو، والمؤسس لهذا المذهب شخص اسمه كافاته بونجيرو (1883-1814م)، وكذلك حركة تنريكيو التي كان حامل لوائها ناكاياما ميكي (1878-1798م).[١٣]
الإيمان بالموعود في الأديان الإبراهيمية
الزرادشتية
على خلاف بقيَّة الأديان التي عادةً تنتظر أن يكون المنجي الموعود عندهم شخصًا واحدًا، فإنَّ الزرادشتيَّة تنتظر ثلاثة أشخاص يكون كل واحدٍ منهم منجي موعود، والفترة الزمنيَّة بين ظهور كلّ واحد منهم ألف سنة.[١٤] في آخر الزمان بحسب الروايات الزرداشتية وبحسب اليشت التاسع عشر من مجموعة اليشتات سوف يولد من زرداشت ثلاثة أولاد، والاسم العام لهم هو سوشيانس، لكن هذا الاسم يطلق خصيصًا على الابن الأخير وآخر موعودٍ بينهم، وهو آخر من سيخلقه الإله أهورا مَزدا.
السوشيانت كلمة ترجع إلى جذر Sav,Su، وتعني الفائدة والمفيد، وعندما مراجعة الكلمة في كتاب ثقافة أسماء اوستا نلاحظ ورود الكلمة (Saoshyant) بطريق مختلفة ومتنوعة مثل: سوشیانس، سوشانس، سوسيوش، سيوسوش.[١٥]
هؤلاء الأبناء الثلاثة من زرداشت هم الموعودون بتخليص العالم من الفساد والظلم، وسوف يظهرون في آخر زمانٍ للعالم، وبمعدل ألف سنة بين كلٍّ واحدٍ منهم، وهؤلاء الثلاثة هم:[١٦]
1. أوخشيت إرتَه (Ukhsyat ereta) ومعنى الاسم هو حامي القانون المقدَّس (إعطاء الزرداشتية القوة وتثبيت الدين والعدالة)،[١٧] وفي زماننا الحالي يطلق على الابن الأول اسم هوشيدر أو أوشيدر، وفي بعض الكتب مثل بهلوي يسمى خورشيتدر أو أوشيتر، وأحيانًا يضاف إلى اسمه كلمة (بامي) فتصبح (هوشيدر بامي)، وهذا الإضافة تعني هوشيدر المتلألئ.
2. أوخْشيت نِمَه (Ukhsyat nemah) أو أوخشيت نِمَنْقه، ومعنى الاسم هو من يزرع الصلاة والدعاء، وفي زماننا الحالي يطلق عليه اسم (هوشيدر ماه)، لكن في كتب بهلوي يطلق عليه خورشيتماه أو أوشيتر ماه.
3. أستفَت إرتَه (Astvat ereta) وهو الشخص الذي سيكون مظهر القانون المقدَّس، وهذا هو نفسه السوشيانت الموعود بخلاص العالم في آخر ألفيَّة للعالم، وبالتالي هذا الابن الأخير هو المخلِّص الموعود في رؤية المزديسنا أو الزرداشتية.
هؤلاء الأبناء الثلاثة خلقوا من نطفة زرداشت، وبحسب ما ذكرته التقاليد الزرداشتيَّة فإنَّ الإله إيزد نيروسنق (neryosang) أخذ النطفة من زرداشت وجعلها عند ملاك الماء (ناهيد)، ثم قام الملك واحتفظ بالنطفة في بحيرة هامون.
في نهاية الألفيَّة الثانية عشر، فتاة بكر من عائلة بهروز استحمَّت في بحيرة هامون، وبعد الاستحمام حمَلَت، ومن هذه المرأة ولد سوشيانت، وهو آخر ما خلقه الإله أهورا مَزدا. مزديسنا سوف يوكل إلى سوشيانت أمانة حمل الرسالة مدة ثلاثين عامًا، وحينها سوف تقف الشمس في كبد السماء، وهذه علامة سوف يعرف الناس من خلالها ظهور السوشيانت الموعود، ويستبشر النَّاس بعالمٍ جديد، وبعد ظهور السوشيانت لن يكون هناك أهرمن ولا ديو الكاذب، وسوف يهزمهم سوشيانت، وفي زمن السوشيانت يقوم أتباعه الخالدين معه، ويثورون معه، ويصبحوا من جنوده، وحينئذٍ يعود الناس من الموت، ويصبح العالم عالمًا معنويًّا.[١٨]
اليهودية
هناك إشارات مكرَّرة في الكتاب المقدس اليهودي (العهد القديم) حول منجي يأتي في آخر الزمان،[١٩] وهذا الشخص الذي سوف يأتي من أجل تحقيق الحياة التي يتمنى الجميع إعادة بناءها من جديد؛ حتى يتحقق العالم الذي يرغبون فيه جميعًا، فيكون العالم نظيفًا وخالٍ عن الخباثات، بل العالم يكون فيه الإنسان قادرًا على الوصول إلى جميع أمنياته، ويكون مزدهرًا.
تقريبًا في جميع مقاطع المزامير يوجد إشارة بظهور المنجي الموعود في آخر الزمان، ومن ضمن النصوص يوجد نصّ يشير إلى أنَّ هناك وعد بانتصار الصالحين على جميع الأشرار، وبعد ذلك يتم تشكيل حكومة واحدة للعالم أجمع، ويصبح الناس أصحاب الأديان المختلفة على دينٍ واحدٍ:
«يدين شعبك بالعدل، ومساكينك بالحق، تحمل الجبال سلاما للشعب، والآكام بالبر، يقضي لمساكين الشعب، يخلص بني البائسين، ويسحق الظالم، يخشونك ما دامت الشمس، وقدام القمر إلى دور فدور، ينزل مثل المطر على الجزاز، ومثل الغيوث الذارفة على الأرض، يشرق في أيامه الصديق، وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر، ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض، أمامه تجثو أهل البرية، وأعداؤه يلحسون التراب، ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة. ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية، ويسجد له كل الملوك، كل الأمم تتعبد له؛ لأنَّه ينجي الفقير المستغيث، والمسكين إذ لا معين له، يشفق على المسكين والبائس، ويخلص أنفس الفقراء، من الظلم والخطف يفدي أنفسهم، ويكرم دمهم في عينيه، ويعيش ويعطيه من ذهب شبا. ويصلي لأجله دائما. اليوم كله يباركه، تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال، تتمايل مثل لبنان ثمرتها، ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض، يكون اسمه إلى الدهر، قدام الشمس يمتد اسمه، ويتباركون به، كل أمم الأرض يطوبونه، مبارك الرب الله إله إسرائيل، الصانع العجائب وحده.»[٢٠]
يعتقد اليهود أنَّ المنجي في آخر الزمان هو المسيح ويسمى بالماشيح أي الممسوح من الله الذي سوف يجعل العالم كما يريده النَّاس، فيه مستقبل مشرق.
أكثر علماء اليهود على هذه العقيدة، وهي أنَّ مسألة المنجي الموعود وهو المسيح الذي سوف يحسِّن الوضع في العالم ويصلحه، ويبعث على الهدوء والسكينة بين جميع النَّاس، ويؤمِّن رغبات واحتياجات النَّاس، كل ذلك كان جزء من الخطّة الإلهية منذ أول الخليقة، وبناء على هذه العقيدة يكون لزوم وجود المخلِّص الموعود -وهو ليس إلا المسيح- واردة في ذهن الله قبل خلق الكائنات.[٢١]
المنجي الموعود (المسيح) بحسب عقيدة جميع اليهود هو إنسانٌ حاله كحال بقيَّة النَّاس، لكنَّه يحظى بكونه مظهرًا للجبروت الإلهي، وسوف ينير العالم بنوره الذي هو انعكاسٌ للنُّور الإلهي.
وهناك من يعتقد أنَّ الماشيح هو داوود نفسه وليس المسيح،[٢٢] وبعض اليهود يرى أنَّ الماشيح ليس بالضرورة أن يكون داوود بل من عائلة داوود،[٢٣] وفريق آخر منهم يقول أنَّ الله في آخر الزمان سوف يرسل داوودًا آخرًا من أجل خلاص النَّاس.[٢٤]
المسيحية
المنجي بحسب عقيدة المسيحيِّين هو فارقليط، ومعنى الاسم هو المعزِّي والشفيع والمعين، لكن بملاحظة العهد الجديد المراد من آخر منجي هو عيسى المسيح نفسه، فهو عندهم مرة أخرى سوف يعود للحياة، وعندما يعود سوف ينجي الناس من كلِّ فسادٍ ومن كلِّ فتنةٍ:
«سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح: أنَّه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا، فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعا شهود لذلك.»[٢٥]
«هكذا المسيح أيضًا بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه.»[٢٦]
هناك نقطة مهمة يجب مهمة هنا، وهي أنَّ العهد الجديد أشار إلى منجي موعود آخر يأتي بعد عيسى المسيح، وعيسى المسيح نفسه وعد بقدومه، وهذا المعزِّي الآخر هو الذي سوف يطلبه المسيح من الله (الأب) لأمَّته، والله سوف يعطي المسيح والعالم هذا المنجي، وسوف يكون معه دائمًا، هذا المنجي الآخر العالم لا يراه ولا يعرفه عدا من يؤمن به:
«رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ.»[٢٧] وهذا المسيح ليس هو ذاك المسيح الذي تنتظره أُمَّة موسى واليهود، بل هو سوف يظهر بعد ذهاب عيسى المسيح، وسوف يهدي العالم كلِّه إلى جميع الحقائق، وسوف يرتبط العالم بالعدل والحكم العادل، وإذا تحدَّث فلن تراه يتكلَّم عن نفسه، بل دائمًا يتحدَّث عن عيسى المسيح، وعن الله
(الأب):
«لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ؛ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ، وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي، وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضًا، وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ؛ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ، إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ، وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ؛ لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ، ذَاكَ يُمَجِّدُنِي؛ لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ....»[٢٨]
الإسلام
كل الفرق الإسلامية تعتقد بظهور المنجي الموعود في آخر الزمان على الرغم من الخلاف في الخصوصيات الفردية للمنجي الموعود وكيفية ظهوره.
فيعتقد أهل السنة بأنَّ المنجي الموعود سوف يولد في المستقبل، وهو سوف يكون من نسل النبي الأكرم، وأمَّا الشِّيعة فمن عقائدهم الرئيسة أن المنجي الموعود حيّ وحاضر، ويذهب إلى هذا أيضا بعض علماء أهل السنة، وعلى كل حال الشيعة والسنة بسبب الأحاديث المتواترة عن النبي (ص) يتفقون على أصل الاعتقاد بالمنجي الموعود، ويعتقدون بذلك اعتقادًا راسخًا، فإذا جاء سوف يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.
يمكن مناقشة فكرة الإيمان بالمنجي بالموعود في الإسلام من خلال بعض آيات القرآن، والآيات، وهي على قسمين:
- القسم الأول: الآيات التي تدل بنفسها على الخلاص النوعي في المستقبل، ويمكن اعتبار موضوع المهدويّة إما من مصاديق موضوع هذه الآيات، أو تكون هي المصداق التامّ والكامل لموضوع هذه الآيات، والآيات هي: الآية 33 من سورة التوبة، والآية 28 من سورة الفتح، والآية 9 من سورة الصَّف، والآية 105 من سورة الأنبياء، والآية 55 من سورة النُّور، والآيتان 5 و6 من سورة القصص، كما أنّ عدد آيات هذا القسم ليس كثيرًا.
- القسم الثاني: الآيات التي ليس فيها دلالة في نفسها على المنجي الموعود، لكن فسِّرت على ظهور المنجي الموعود أو على ظهور شخص المهدي (ع) من خلال الروايات، وعدد هذا النوع من الآيات أكثر من عدد النوع الأول، وقد وردت مثل هذه الأحاديث المختلفة التي تتضمن هذه التفسيرات للآيات في المجاميع التفسيريَّة المختلفة.
وبعد الآيات القرآنية، المصدر المباشر الذي تطرق إلى قضية الموعود هي الأحاديث النبويّة، حيث أنها تحتوي على جميع ما يستلزم لتأسيس فكرة المنقذ الموعود لأيّ دين من الأديان، وهذه الأحاديث كثيرة جدًّا، وقدَّمت لنا بوضوح اسم المنجي ولقبه، وتشمل تفاصيل كثيرة حوله شخصيته في آخر الزمان، والأحداث التي تحصل قبل ظهوره وأثناء ظهوره، والنتائج التي سوف تترتب على قيامه، وقد تناول المسلمون هذه الروايات عبر الصدور يدًا بيد، وجيلًا بعد جيل، حتى ضبطت في الكتب ونقلت في المجاميع الحديثيَّة[٢٩]
وفي الروايات الشيعيَّة نلاحظ توصيفًا صريحًا للشخصيَّة الظاهرية والباطنيّة للمنجي الموعود في آخر الزمان، وبعيدة عن أي تعقيدٍ في العبارة، ومنها المروي عن الإمام الباقر:
- «فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين. ألا فمن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله».[٣٠]
الهوامش
- ↑ انظر: تونهای، موعودنامه، ص706.
- ↑ انظر: تونهای، موعودنامه، ص707 و 708؛ جمعی از نویسندگان، گونهشناسی اندیشه منجی موعود در ادیان، ص19.
- ↑ جمعی از نویسندگان، گونهشناسی اندیشه منجی موعود در ادیان، ص19.
- ↑ شایگان، داریوش، ادیان و مکتبهای فلسفی هند، 1: 281-284؛ جلالی نائینی، مهابهارت، ج1، ص20-22، 139، 353 وما بعد؛ ج3، ص55، 126-127، 257، 305؛ ایونس، ورنیکا، اساطیر هند، ترجمه باجلان فرخی، ص39-43.
- ↑ شایگان، داریوش، ادیان و مکتبهای فلسفی هند، ج1، ص282.
- ↑ ایونس، ورنیکا، اساطیر هند، ص41.
- ↑ ایونس، ورنیکا، اساطیر هند، ج1، ص274.
- ↑ الكتاب المقدس الهندوسي الأوبانيشاد، ج2، ص637
- ↑ ولفگانگ شومان، هانس، آیین بودا، ترجمه ع. پاشایی، ص121.
- ↑ إلياد، مرسيا، أسطورة العَوْد الأبدي، ص204-205؛ ولاحظ: موحدیان عطار، گونهشناسی اندیشه موعود در ادیان مختلف، ص118
- ↑ موحدیان عطار، گونهشناسی اندیشه موعود در ادیان مختلف»، ص132.
- ↑ موحدیان عطار، گونهشناسی اندیشه موعود در ادیان مختلف»، ص154.
- ↑ موحدیان عطار، گونهشناسی اندیشه موعود در ادیان مختلف»، ص126.
- ↑ مری بویس، تاریخ کیش زرتشت، ترجمه صنعتی زاده، ص391.
- ↑ پورداود، رسالة سوشیانس، ص8؛ فرهنگ نامهای اوستا، ج2، ص769؛ في فروردین یشت، البند 129.
- ↑ رسالة سوشیانس، ص14-16؛ يشتها، 2: 100-101؛ فرهنگ نامهای اوستا، 777:2.
- ↑ وندیداد، ج4، ص1757.
- ↑ یشتها، 101:2؛ وندیداد، ج4، 1757-1758.
- ↑ راجع: اشعیا، 1:11-10 و 65: 9-13 و 18-20؛ دانیال، 12: 1-5 و 10-13؛ حبقوق، 2: 3-5.
- ↑ سفر المزامير 72: 2-18؛كذلك انظر: سفر المزامير 37: 9-12، 17-18 و 96: 10-13.
- ↑ کهن، آبراهام، گنجینهای از تلمود، ص352.
- ↑ هوشع 3: 5
- ↑ سفر المزامير 18: 49-50؛ گرینستون، جولیوس، انتظار مسیحا در آیین یهود، ص65 و66؛ وللمزيد يمكن مراجعة: کهن، آبراهام، گنجینهای از تلمود، ص3-352.
- ↑ ارمیا، 9:30
- ↑ سفر أعمال الرسل 2: 31 و32.
- ↑ رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين، 28:9.
- ↑ إنجيل یوحنا، 17:14.
- ↑ إنجيل یوحنا، 16: 7-14.
- ↑ جمعی از نویسندگان، گونهشناسی اندیشه منجی موعود در ادیان، ص227.
- ↑ بورونی، علی، ماشیح، مسیحا، مهدی در ادیان ابراهیمی، انتشارات مرغ سلیمان، ص72.
المصادر والمراجع
- الكتب المقدسة الهندوسية: الأوبانيشاد.
- إلياد، مرسيا، أسطورة العَوْد الأبدي، ترجمه عن الفرنسيَّة: نهاد خياطة، دمشق - اوتوستراد المزة، طلاسدار، الطبعة الأولى، 1987م.
- اوشیدری، جهانگیر، دانشنامه مزدیسنا، نشر مرکز، 1371ش.
- ایونس، ورونیکا، اساطیر هند، ترجمه باجلان فرخی، انتشارات اساطیر، 1373ش.
- بورونی، علی، ماشیح، مسیحا، مهدی در ادیان ابراهیمی، انتشارت مرغ سلیمان، الطبعة الأولى، 1389ش.
- تونهای، مجتبی، موعودنامه: فرهنگ الفبایی مهدویت، قم، میراث ماندگار، الطبعة العاشرة، 1388ش.
- جلالی نائینی، مهابهارت، ناشر کتابخانه طهوری، 1359ش.
- مجموعة من الباحثين، گونهشناسی اندیشه منجی موعود در ادیان، قم، انتشارات دانشگاه ادیان و مذاهب، الطبعة الأولى، ۱۳۸۹ش.
- شایگان، داریوش، ادیان و مکتبهای فلسفی هند، انتشارات امیرکبیر، 1356ش.
- الكتاب المقدَّس.
- کهن، آبراهام، گنجینهای از تلمود، ترجمة امیر فریدون گرگانی، طبعة زیبا، 1350ش.
- گرینستون، جولیوس، انتظار مسیحا در آیین یهود ترجمه حسین توفیقی، انتشارات دانشگاه ادیان و مذاهب، الطبعة الثانية، 1387ش.
- مقالات تقی زاده، زیر نظر ایرج افشار، ج9 (مانی و دین او)، انتشارات شکوفان، 1356ش.
- موحدیان عطار، علی، «گونهشناسی اندیشه موعود در ادیان مختلف»، فصلنامه هفت آسمان، ش 12، شتاء 1380ش.
- ولفگانگ شومان، هانس، آیین بودا، ترجمه ع. پاشایی.