صلح الحديبية

مقالة مقبولة
خلل في الوصلات
دون صندوق معلومات
عدم مراعاة طريقة كتابة المراجع
خلل في أسلوب التعبير
من ويكي شيعة
الموقع الجغرافي لصلح الحديبية

صلح الحديبية معاهدة عُقدت بين مشركي قريش ورسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم في سنة 6 هـ في منطقة الحديبية، وقد وردت الإشارة لها في سورة الفتح.

وقع هذا الصلح بعد توجه المسلمين إلى مكة لأداء مناسك الحج فمنعتهم قريش من دخول مكة بعد أن أرسل لهم النبي الأكرم عثمان بن عفان ليخبرهم بمجئ المسلمين وسبب مجيئهم.

وصل خبر للمسلمين عن مقتل موفدهم لقريش فاجتمعوا حول النبي وبايعوه تحت الشجرة على الموت وسميت هذه البيعة بـ(بيعة الرضوان)، وبعد أن تبين كذب خبر قتل عثمان بن عفان جاء وفد من قريش لرسول الله (ص) ووقّعوا معه معاهدة نصت على بعض الأمور ومنها عقد هدنة لمدة عشر سنوات بين الطرفين.

لم يستمر صلح الحديبية كثيرا فقد نقضت قريش المعاهدة بعد عامين بمناصرتهم بني بكر بالسلاح وقتالهم معهم ضد خزاعة الذين كانوا من الداخلين في عقد رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم.

الموقع الجغرافي

الموقع الجغرافي لمنطقة الحديبية

الحُدَيْبِيَةُ وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بويع رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم، تحتها، وقيل: أنها سميت الحديبية بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع، وبين الحديبية ومكة مرحلة،[١] وبعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم.[٢]

الخلفية والأسباب

في شهر ذي القعدة في سنة 6 هـ رأى رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم في الرؤيا أنه دخل البيت الحرام وحلق رأسه ووقف في عرفات،[٣] وقد صدّق الله تعالى رؤيا نبيه بقوله: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذٰلِكَ فَتْحاً قَرِيباً.[٤]

بعد هذا الوعد الإلهي استنفر رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم أهل المدينة والعرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه، وكان يخشى أن يعرض له قريش بحرب أو يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثير من الأعراب، وخرج رسول اللَّهصلی الله عليه وآله وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحِق به من العرب، وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له،[٥] وقال الشيخ المفيد: كان‏ اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين عليه السلام كما كان إليه في المشاهد قبلها.[٦]

قبلها
غزوة بني المصطلق
غزوات الرسول
صلح الحديبية
بعدها
غزوة خيبر
عدد المسلمين

اختلف المؤرخون في عدد المسلمين الذين خرجوا مع النبي الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم إلى الحديبية، فقد قالوا: كان عددهم ألف وستمائة، ويقال: ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون رجلا.[٧]

الإحرام للحج

لما وصل المسلمون ذي الحُليفة قلَّد رسول اللَّهصلی الله عليه وآله وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وأحرم المسلمون بإحرامه، وبعث بين يديه رجلا له من خزاعة يخبره عن أخبار قريش.[٨]

الوصول للحديبية

سلك رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم بالمسلمين طريقا وعرا للوصول إلى مكة تجنبا لملاقاة قريش وقد شق ذلك على المسلمين، فوصلوا إلى أرض سهلة فقال رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم: قولوا نستغفر الله ونتوب إليه، فنزلوا في ذلك المكان وليس فيه ماء، فأجرى رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم الماء بالمعجزة بغرز سهم في بئر لم يكن فيها ماء فجاش بالرواء فشرب الناس منه.[٩]

توافد رسل قريش

لما استقر المسلمون في الحديبية أرسلت قريش عدة أشخاص للنبي الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم ليعرفوا سبب مجيئه لمكة فأخبرهم أنه لم يأتِ يُريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت معظما لحرمته، وكان أول القادمين بُديل بن ورقاء فرجع وأخبرهم فلم يُصدّقوه واتهموه، ومن ثم أرسلوا مكرز بن حفص بن الاخيف، أخا بني عامر بن لؤي، ثم أرسلوا الحُلَيس بن علقمة، أو ابن زبَّان، ثم أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي فأخبره النبيصلی الله عليه وآله وسلم بقصده من المسير، ولما رجع لقريش قال: يا معشر قريش، إني قد جئتُ كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني واللَّه ما رأيتُ ملكا في قومه قطُّ مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيتُ قوما لا يُسلمونه لشئ أبدا، فروا رأيكم.[١٠]

وذكر التاريخ أن قريشا بعثت أربعين أو خمسين رجلا بقيادة خالد بن الوليد وأمرتهم أن يُطيفوا بعسكر رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم ليُصيبوا لهم من أصحابه، فأمسك المسلمون بعض هؤلاء الرجال وأخذوهم للنبي الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر النبيصلی الله عليه وآله وسلم بالحجارة والنبل.[١١]

تشريع صلاة الخوف

لما دنا خالد بن الوليد والخيل التي معه حتى نظر إلى أصحاب رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم فصف خيله فيما بين رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم وبين القبلة، وأمر رسول الله عبد بن بشر فتقدم في خيله فقام بأزائه فصف أصحابه، فحانت صلاة الظهر فأذن بلال وأقام فاستقبل رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم القبلة وَصَفّ الناس خلفه يركع بهم ويسجد، ثم سلّم فقاموا على ما كانوا عليه من التعبئة، فقال خالد بن الوليد: قد كانوا على غرّةٍ، لو كنا حملنا عليهم لأصبنا منهم، ولكن تأتي الساعة صلاة هي أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم، فنزل جبريلعليه السلام بين الظهر والعصر بالآية 102 من سورة النساء، وصلى رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم صلاة العصر بصلاة الخوف، وهي أول صلاة خوف صلاها المسلمون.[١٢]

الموفد إلى قريش

أراد النبي الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم إرسال موفد إلى قريش فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه، فقال عمر : يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس في مكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، فأرسل عثمان بن عفان إلى قريش.[١٣]

بيعة الرضوان

روى المؤرخون: أنه وصل خبر للمسلمين بأن عثمان بن عفان - موفد رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم إلى قريش - قد قُتل فدعاصلی الله عليه وآله وسلم الناس للبيعة فبايعوهصلی الله عليه وآله وسلم على الموت تحت شجرة يقال لها سَمُرة، ثم أُبلغَ رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم أنّ الذي ذُكر في مقتل عثمان باطل.[١٤]

عقد الصلح

بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى النبيصلی الله عليه وآله وسلم ليُصالحه على أن يرجع عنهم عامه ذلك، فأقبل سهيل إلى النبيصلی الله عليه وآله وسلم وأطال معه الكلام وتراجعا، ثم جرى بينهم الصلح.[١٥]

بنود الصلح

دعا رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنينعليه السلام ليكتب بنود الصلح، فقال: اكتب باسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا نعرف هذا ولكن اكتب: باسمك اللهم، فكتبها، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمّد رسول اللَّه سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول اللَّه لم نقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال لعلي: امحُ رسول اللَّه. فقال: لا أمحوك أبدا. فأخذه رسول اللَّهصلی الله عليه وآله وسلم، فكتب موضع رسول اللَّه: محمد بن عبد اللَّه، وقال لعلي: لتبلين بمثلها، [١٦] اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال، وأنّ بيننا عيبة مكفوفة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنه من أتى محمدا منهم بغير إذن وليه رده محمد إليه. وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمدا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا من قابل في أصحابه فيقيم بها ثلاثا، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر: السيوف في القرب.[١٧]

المخالفين للصلح

ذكر التاريخ أنه بعد أن اتفقوا على الصلح ذهب عمر بن الخطاب لأبي بكر معترضا على عقد الصلح وقال له: علامَ نُعطي الدنية في ديننا؟! وذهب لرسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم وكلمّه بنفس الكلام، فأجابه رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم بقوله: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يُضيعني،[١٨] وروي عن أبي سعيد الخدري أنه جلس مع عمر بن الخطاب فذكر القضية، فقال: لقد دخلني يومئذ من الشك، وراجعت النبيصلی الله عليه وآله وسلم يومئذ مراجعة مارجعته مثلها قط.[١٩]

الرجوع إلى المدينة

بعد عقد الصلح نحر رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم الهدي وحلق رأسه وقد أخذ المسلمون شعره وأخذوا يتبركون به ويستشفون به من الأمراض، وحلق المسلمون وقصروا، وقال المؤرخون: إنَّ النبيصلی الله عليه وآله وسلم أقام في الحديبية بضعة عشر يوما، ويقال: عشرين ليلة.[٢٠]

فوائد الصلح

لقد ترتب على صلح الحديبية الكثير من الفوائد التي أصبحت فتحا بالنسبة للإسلام ومن هذه الفوائد: دخول الكثير من المشركين في الإسلام مثل: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، وكذلك ضعفت قوة قريش عندما انسحبت من ميدان الحرب وبذلك خف الضغط على المسلمين المتواجدين في مكة، وبعد هذا الصلح توجه النبي الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم إلى اليهود الذين كانوا يكيدون بالمسلمين بعد تحصنهم في خيبر فأفشل مخططاتهم بفتح خيبر، ولقد أعطت هذه الهدنة للمسلمين فرصة كبيرة لنشر الدعوة الإسلامية فقد تضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال.[٢١]

نقض قريش للصلح

لقد كان من ضمن بنود صلح الحديبية أن من أحب أن يدخل في عهد رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم وعقده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم، وبعدها أصاب بنو بكر من خزاعة رجلا بعد أن اقتتلوا معهم ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتلوا معهم بالليل مستخفين حتى أوصلوا خزاعة إلى الحرم، وبذلك نقضت قريش ما كان بينهم وبين رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم من العهد والميثاق فخرج المسلمون سنة 8 هـ إلى مكة فاتحين.[٢٢]

الآيات النازلة

قال الواقدي: وكان مما نزل في الحديبية ﴿إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فالفتح قريش وموادعتهم، فهو أعظم الفتح.[٢٣]

الهوامش

  1. المرحلة تساوي 24 كيلو متر.
  2. الحموي، معجم البلدان، ج 2، ص 229.
  3. الواقدي، المغازي، ج 2، 572.
  4. الفتح: 27.
  5. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، صص 308 - 309.
  6. المفيد، الإرشاد، ج 1، ص 119.
  7. الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج 3، ص 267.
  8. الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 1، ص 244.
  9. ابن كثير، البداية والنهاية، ج 6، ص 210.
  10. ابن كثير، البداية والنهاية، ج 6، صص 209 - 213.
  11. الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 631.
  12. الواقدي، المغازي، ج 2، صص 582 - 583.
  13. ابن العربي، العواصم من القواصم، ج 1، ص 101.
  14. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 2، ص 74.
  15. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 85.
  16. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 85.
  17. المقريزي، إمتاع الأسماع، ج 2، ص 295.
  18. السهيلي، الروض الأنف، ج 7، صص 65 - 66.
  19. الواقدي، المغازي، ج 2، ص 607.
  20. الواقدي، المغازي، ج 2، صص 615 - 616.
  21. المباركفوري، الرحيق المختوم، ص 318 - 319.
  22. الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، صص 43 - 44.
  23. الواقدي، المغازي، ج 2، ص 618.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 1، 1417 هـ/ 1997 م.
  • ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم، السعودية، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ط 1، 1419 هـ.
  • ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1410 هـ/ 1990 م.
  • ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، د.م، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط 1، 1418 هـ/ 1997 م.
  • ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، مصر، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ط 2، 1375 هـ/ 1955 م.
  • الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، المحقق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط 1، 1412 هـ/ 1992 م.
  • الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، بيروت - لبنان، الناشر: دار صادر، ط 2، 1995 م.
  • الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، د.م، الناشر: دار الغرب الإسلامي، ط 1، 2003 م.
  • الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، د.م، الناشر: دار التراث، ط 2، 1387 هـ.
  • المباركفوري، صفي الرحمن، الرحيق المختوم، د.م، دار الهلال، ط 1، د.ت.
  • المقريزي، أحمد بن علي، إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، المحقق: محمد عبد الحميد النميسي، بيروت - لبنان، الناشر: دار الكتب العلمية، ط 1، 1420 هـ/ 1999 م.
  • الواقدي، محمد بن عمر، المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، بيروت - لبنان، الناشر: دار الأعلمي، ط 3، 1409 هـ/ 1989 م.