الخلود

الخلود في التعاليم الإسلامية هو الحياة الأبدية في الآخرة، وهو عقيدة مشتركة بين جميع الأديان السماوية. وقد صرحت بالخلود عدة آيات من القرآن الكريم، وعدد من الأحاديث الإسلامية.

وبحسب هذه العقيدة فإن جميع أهل الجنة سيبقون في الجنة إلى الأبد، ولكن لن يبقى في جهنم إلا طائفة ممن يدخلون النار.

هناك إجماع بين علماء المسلمين على خلود الكفار في النار. يرى المعتزلة أن الفاسقين أيضًا سيبقون في جهنم إلى الأبد، ولكن يرى الشيعة أن العذاب الأبدي مختص بالكافرين.

وقد ذكر بعض الفلاسفة والعرفاء المسلمين إن الخلود في جهنم يتنافى مع رحمة الله والعدالة الإلهية، ورأوا أن الخلود يعني إما زمنا طويلا جدا، أو أن أهل النار لن يعذبوا بعد مدة.

ومن ناحية أخرى، فقد بيّن علماء وفلاسفة مسلمون آخرون مباحث الخلود بالاعتماد على تجرد الروح وثباتها وخلودها.

مكانة وأهمية بحث الخلود

الخلود بمعنى البقاء إلى الأبد، والبقاء الطويل. إن خلود الإنسان وحياته ما بعد الموت من تعاليم الإسلام، والعديد من الديانات الأخرى، بما فيها اليهودية والمسيحية.

وبحسب جوادي الآملي الفيلسوف والمفسر الشيعي، فإن علماء المسلمين شيعة وسنة، يقبلون الخلود، بل إن بعضهم يعتبره من ضروريات الدين. وذكر أن الأدلة الأربعة، أي القرآن، والحديث، والعقل، والإجماع، تؤيد مسألة الخلود. وهناك أقلية مثل جهم بن صفوان، وبعض أتباعه لم يؤمنوا بالخلود والحياة الأبدية؛ لأنهم يؤمنون بفناء النار والجنة.

مكانة الخلود في النصوص الدينية

وقد وردت الكلمات المرادفة للخلود من حيث اللفظ والمعنى 85 مرة في القرآن، من إجمالي استخدامات الخلود في القرآن، باستثناء حالات قليلة، مثل «شَجَرَةِ الْخُلْدِ»، و«أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ...»، تتعلق حول الخلود في الجنة والنار.

الموضوع الرئيسي لبعض الأحاديث هو خلود أهل الجنة والنار. من جملتها ما ورد عن رسول الله أنه لما يدخل أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، يقوم مؤذن بين الجمعين فينادي يا أهل الجنة ويا أهل النار أنه لا موت بعد الآن، وأينما كنتم أنتم خالدون.

خلود وبقاء السماء والأرض

ومن المسائل الخلافية بين المفسرين تفسير الآيتين 107 و108 من سورة هود، حول أهل النار والجنة، حيث ورد بعد عبارة «خَالِدِينَ فِيهَا» هذه العبارة: «مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ» فظاهر هاتين الآيتين إن بقاء أهل الجنة والنار مشروط ببقاء السماء والأرض ومشيئة الله تعالى.

لقد فهم أمثال ابن قيم الجوزي، ومحمد رشيد رضا، أن خلود أهل النار يعتمد على المشيئة الإلهية؛ أي إذا شاء الله تعالى نجوا من النار. وقد فسر آخرون الآية على أساس الجنة والنار البرزخية.

وبالاستفادة من آيات أخرى من القرآن، ذكر العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان أن سماء وأرض القيامة تختلف عن سماء وأرض هذا العالم، وأن سماء وأرض الآخرة خالدة. لذلك لا يوجد تناقض ويبقى الخلود في محله.

الخلود في الجنة

لم يشك أحد في خلود أهل الجنة. باستثناء جهم بن صفوان وبعض أتباعه، ولا يوجد هناك معارضة أخرى في هذا المجال. وكلام جهم أيضًا يرجع إلى اعتقاده بفناء الجنة والنار. في أبدية الجنة ونعمها، تم الاعتماد على آيات كثيرة مثل الآية 119 من سورة المائدة، والآية 33 من سورة الواقعة، والآية 108 من سورة هود.

وبحسب جوادي الآملي، فإن الفرق بين من في الجنة ومن في النار، هو أن كل أهل الجنة يخلدون فيها، ولكن ليس كل أهل النار يخلدون فيها، بل إن بعض أهل النار سيخرج منها. ولأنَّ الله تعالى وعد أهل الجنة بالخلود، ومن المحال أن يخلف الله تعالى وعده.

الخلود في جهنم

المقالة الرئيسة: الخلود في النار

يوجد أكثر من أربعين آية من القرآن الكريم تتحدث عن خلود الإنسان في جهنم. وفي بعض الآيات، مثل الآية 169 من سورة النساء، والآية 65 من الأحزاب، والآية 23 من سورة الجن، والتي تتحدث عن الكفار والظالمين والعاصين لله ورسوله، حيث ورد فيها بعد عبارة «خَالِدِينَ فِيهَا» عبارة «أَبَدًا». بشكل عام، هؤلاء الأشخاص أو المجموعات مهددون في القرآن بالخلود في النار: الكفار، والمشركون، والمنافقون.

وقد وردت أحاديث كثيرة عن الخلوة في جهنم، وذكر العلامة الطباطبائي إن عدد الروايات الواردة عن أهل البيت حول أصل الخلود في العذاب قد وصل إلى حد الاستفاضة.

يعتقد معظم المتكلمين المسلمين بخلود الكفار في جهنم. ويرى أمثال الجاحظ، وعبد الله بن حسن العنبري أن الخلود في العذاب خاصة بالكافر المعاند؛ أي أنه من اجتهد ولم تنكشف له أدلة الحق ولم يسلم، فهو معذور ولا يخلد في عذاب جهنم.

وذهب المعتزلة إلى أن الفاسق وإن لم يكن كافرا ولا مؤمنا، وكانت منزلة بين المنزلتين، فإنه مخلد في نار جهنم. من ناحية أخرى، يرى متكلمي الشيعة أن الخلود في النار مختص بالكافرين، وأن الفاسق لا يُخلد في النار، وكلمة الخلود في آيات مثل الآية 14 من سورة النساء تعني المكوث لمدة طويلة، أو أنها مختصة بالكافرين. وبحسب التفتازاني كان للأشاعرة نفس هذا الرأي.

مخالفة العذاب الأبدي

ومن بين علماء المسلمين، هناك مجموعة من المفكرين ذوي الميول العرفانية والفلسفية يخالفون أصل الخلود في العذاب، منهم: محيي الدين بن عربي، وعبد الرزاق الكاشي، وداوود القيصري، والملا صدرا في بعض مؤلفاته الفلسفية. ولقد ذكر الملا صدرا أن الذين يقولون بالعذاب الأبدي لا يعلمون أن رحمة الله العامة والواسعة تصل إلى كل شيء.

ولكن ذكر في كتاب العرشية، أن عذاب جهنم دائم، وفي الأسفار ذكر أن خلود الكفار في النار إنما هو لفساد عقائدهم؛ لأن فساد الاعتقاد يؤدي إلى فساد ذات الروح، ويؤدي في النهاية إلى هلاكها، على عكس الفساد في العمل الذي من المحتمل رفعه.

وقد ذكر في نقد ابن عربي وبعض أتباعه، أن هذا الرأي لا يتوافق مع سياق آيات القرآن في العذاب والخلود في النار، وهو مخالف لإجماع أهل الإسلام.

الخلود ومعرفة النفس

يرتبط خلود وبقاء النفس أو روح الإنسان ارتباطًا كاملًا بمباحث الخلود والحياة بعد الموت. يذكر جوادي الآملي أن ما يمكن أن يحل جميع الأسئلة المتعلقة بمباحث الخلود هو الاعتماد على تجرد الروح وثباتها وخلودها.

حاول الفلاسفة وعلماء الدين وفي عدة طرق تبيين مسألة الخلود:

وقد ذكر جمهور المتكلمين المسلمين والشيعة أن بقاء الإنسان من خلال عودة الروح إلى البدن. بما أن هناك مجموعة اعتبرت الإنسان هو فقط هذا البدن، فقد سعوا إلى تبيين الخلود عن طريق إعادة المعدوم، أي إمكانية إعادة الشخص الذي فنى بدنه.

وفسر فريق آخر الخلود بالبدن المثالي أو البدن اللطيف. وهذا البدن له أوجه تشابه واختلاف مع البدن المادي، وهذه الاختلافات تجعله يستمر بعد موت البدن المادي. إن الاعتقاد بالتناسخ هو أيضًا أحد الطرق التي لجأت إليها بعض الأديان وبعض المفكرين المسلمين لتوضيح مسألة الخلود.