العدل الإلهي

من ويكي شيعة
(بالتحويل من العدل (الكلام))

العدل هو الإعتقاد بأنّ الله لا يفعل القبيح ولا يدع ما هو حسن بالضرورة ويتبنّى هذا الإعتقاد على توفّر معرفة الحسن والقبح للعقل البشري، فمن منطلق هذه المعرفة؛ العدل عبارة عن الإتزان والإستقامة، وإعطاء الآخرين حقوقهم، وإفاضة الفيض عليهم بحسب ظرفياتهم و كفاءاتهم. فالإعتقاد بثبوت صفة العدل لله تعالى يتبنى على المعرفة العقلانية التي اسلفناها في المقال.

أخذت هذه العقيدة مساحة شاسعة من المنظومة الفكرية في عالم الإسلام واشبعت بحثا وتحليلا من جانب علماء المذاهب الإسلامية. فقد تبنّتها "العدلية" _ ومنهم الإمامية_ بناءاً على قولهم بالحسن والقبح العقليين، ولم تنحاز اليها الأشاعرة بناءاً على قولهم بالحسن والقبح الشرعيين. وخصّت الشيعة الإمامية العدالة كأصل من أصول المذهب.

ومن خلال دراسة الآيات القرآنية الشريفة المتعلقة بالعدل يظهر للعدل الإلهي ثلاثة معان، وهي: العدل التكويني، والعدل التشريعي، والعدل الجزائي.

تعريف العدل

  • لغةً: العَدْل: ما قام في النفوس أَنه مُسْتقيم، وهو ضِدُّ الجَوْر. عَدَل الحاكِمُ في الحكم يَعْدِلُ عَدْلًا وهو عادِلٌ من قوم عُدُولٍ.[١]
  • اصطلاحاً: هو تنزيه الله تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب. [٢]

تاريخ بحث مسألة العدل الإلهي

يرجع البحث في مسائل العدل الإلهي إلى العصور القديمة، منذ أن بدأ الإنسان بالبحث عن الله ، والسؤال عن صفاته وكيفيّة إدارته وتدبيره للعالم، فعندما رأى الإنسان ما يحدث في العالم من شرور، دارت في ذهنه أسئلة كثيرة حول تفسير هذه الحوادث، وأسبابها ومدى صحة نسبتها إلى الله، وإذا كان الله هو المسبب لهذه الحوادث، فهل هذا یتعارض مع عدله و یتنافی مع اختیار الانسان ؟ والمصادر التاريخية تُشير إلى أن أقدم نصّ دينيّ أشار إلى مسألة العدل - في إطار الجبر والاختيار ومسألة الشرور – هو ما ورد في كتاب (الريج ويدا – سمهتا)،[٣] واستمر البحث في مسألة العدل الإلهي في الحضارات اللاحقة كالفكر اليوناني، إلى أن وصل البحث إلى الفكر الإسلامي .[٤]

الآراء حول العدل

اتفق المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم على أن الله سبحانه عادل لا يجور، غير أنهم يختلفون في تحديد معنى العدل، نتيجة اختلافهم حول الحسن والقبح العقليَّين والشرعيَّين

العدل والحسن والقبح العقليين

اسلفنا في المقال أنّ العدل الحكيم هو الّذي لا يفعل القبيح ولا يُخلُّ بالحسن، والتصديق بثبوت هذه الصفة للباري تعالى مبنيٌّ على القول بالتحسين والتقبيح العقليين، فإنّ مفاد تلك المسألة: أنّ هناك أفعالاً يدرك العقل كونها حسنة أو قبيحة، ويدرك أنّ الغنيّ بالذّات منزّه عن الاتصاف بالقبيح وفعل ما لا ينبغي، ومن هنا يلزمنا البحث عن تلك المسألة على ضوء العقل والكتاب العزيز فنقول: ذهبت العدلية إلى أنّ هناك أفعالاً يدرك العقل من صميم ذاته. ومكانة هذا النمط من التقييم وعملية عنونة الأفعال بعنواني الحسن والقبح، هو فيما يوجب مدح الفاعل و ذمّه عند العقل: و ذلك بملاحظة الفعل من حيث إنّه مناسب لكمال وجودي للموجود العاقل المختار أو نقصان له، فيستقلّ العقل بحسنه ووجوب فعله، أو قبحه ووجوب تركه وهذا كما إذا لاحظ العقل جزاء الإحسان بالإحسان، فيحكم بحسنه وجزاء الإحسان بالإساءة فيحكم بقبحه، فالعقل في حكمه هذا لا يلاحظ سوى أنّ بعض الأفعال كمال للموجود الحيّ المختار وبعضها الآخر نقص له، فيحكم بحسن الأوّل وقبح الثاني.[٥]

فالإمامية والمعتزلة أجمعت على أن العدل له مفهوم واحد اتفق عليه قاطبة العقلاء، يمكن لهم ادراكه وتحديده. وأما الأشاعرة فهم وإن وصفوا الله سبحانه بالعدل، لكنهم لا يحددون العدل، بمفهوم واضح، بل يوكلون ذلك إلى فعل الله سبحانه، وأن كل ما صدر منه فهو عدل، وكل ما نهى عنه فهو ظلم.[٦]

أقسام العدل

من خلال تلاوة الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بمبحث العدل، يتجلى للعدل الإلهي ثلاثة مظاهر وأقسام، وهي:

  • العدل التكويني

ويُسمّى العدل في الخلق وتدبير العالم، ومعناه: أنّ الله سبحانه وتعالى خلق جميع الكائنات وأعطاها كل ما هي مستعدّة له، وجعلها بشكل يتناسب مع الهدف الذي خلقها من أجله، وهيأ لها جميع الظروف والوسائل التي تحتاجها في حياتها.[٧]

وقد دلت عليه جملة من الآيات القرانية الكريمة مثل:

  1. قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى.[٨]
  2. قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.[٩]
  3. قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى.[١٠]
  4. قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ.[١١]
  • العدل التشريعي

وهو أن الله تعالى لا يُهمل تكليفاً فيه كمال الإنسان وسعادته، وبه قوام حياته المادّية والمعنوية والدنيوية والأخرويّة، كما أنه لا يُكلف نفساً فوق طاقتها، وقد أشار الله إلى هذا النوع من العدل في جملة من آياته، كما في:

  1. قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.[١٢]
  2. قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ.[١٣]
  3. قوله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ،[١٤] وغيرها من الآيات.
  • العدل الجزائي

أي أنّ الله لا يساوي بين المؤمن والكافر في مقام الجزاء، بل يجزي كل إنسان بما كسب، فيجزي المحسن بالإحسان والثواب، والمسيء بالعقاب، كما أنه تعالى لا يعاقب عبداً على مخالفة التكاليف إلا بعد الإبلاغ، وقد أشار الباري سبحانه إلى هذا النوع من العادل في آيات كثيرة، منها:

  1. قوله تعالى: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ،[١٥] أي: إنّ عملهم لا يضيع، وأجرهم لا يتخلف، فهم في أمن من الظلم بنسيان أجرهم أو بترك إعطائه أو بنقصه أو تغييره، كما أنهم في أمن من أن لا يحفظ أعمالهم أو تُنسى بعد الحفظ أو تتغير بوجه من وجوه التغير.[١٦]
  2. قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ،[١٧] أي: لا يُنقص من إحسان محسن ولا يُزاد في إساءة مسيء.[١٨]

أدلة العدل

عندما تنتفي أسباب الظلم عن الله تعالى؛ تثبت عدالته بكافة أقسامها, فأسباب الظلم يُمكن أن تكون إحدى الحالات التالية:

  1. الجهل بالمخلوق واستحقاقه بالتالي الجهل بحقوقه.
  2. الحاجة والفقر.
  3. الانتقام والحسد والضغينة.
  4. العناد والأنانية الناجمة عن العقد والأمراض النفسية.

وكل هذه الاسباب ناتجة عن حالة واحدة وهي "الشعور بالنقص والفراغ"، ونظراً لإثبات عدم وجود النقص في الذات الإلهية بالأدلة العقليّة، تثبت بالتالي العدالة الإلهيّة. [١٩]

العدل ومشكلة الشرّ

مشكلة الشر هي مسألة وقعت نتيحة ملاحظة وجود الشّر من جهة، ووجود إله كليّ القدرة والخير والعلم. فبما أنّ الله عادل ولا يفعل القبيح ولا يترك الحسن، لماذا نرى الكثير من الشرور کالزلازل والأوجاع والموت ونحوها، والاختلافات بين الناس كالسّواد والبياض والبلادة والذكاء؟

جوابه: أجيب عن السؤال المذكور بجوابين:

  • الأول: إجمالي

أن نحكم بأن هذه الأمور لا تخلو من الحكمة والمصلحة، وإلاّ لم تصدر من الحكيم المتعال، وكل ما فعله الله وصدر منه يبتني على الحكمة والصلاح؛ فإنما وجود الشر القليل بتبعه الخير الكثير".[٢٠]

  • الثاني: الأجوبة التفصيلية

يوجد عدة أجوبة تفصيلية، ومنها:

1. إنَّ الشرور لا تطلق حقيقة إلا على الأمور المعدومة، كموت زيد بعد وجوده، أو عدم الشجرة بعد وجودها، أو على عدم كمال الوجود ممن له شأنية ذلك الكمال، كعدم الثمر من الشجر القابل له.[٢١]

2.إنَّ للشرور منافع وفوائد كثيرة مهمة فقد حُكي عن أرسطو أن كثيراً من الشرور مقدمة لحصول الخيرات والكمالات الجديدة، فبإحساس الألم يندفع المتألم إلى علاج الأمراض على سبيل المثال. كما أن البلايا والآفات والعاهات، كثيراً ما تصلح لإعداد الكمالات المعنوية كالتوجه إلى الله، بحيث لو لم تكن تلك الأمور موجودة لما أمكن الوصول إلى هذه الكمالات المعنوية. [٢٢]

3.أنّ الاختلافات من جهة الأنواع والأوصاف كالسواد والبياض أو البلادة والذكاء، لا تنافي العدل؛ لأن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، ولا حق للشيء قبل خلقته، إذ كل ما أعطاه الله تعالى للأشياء، هو فضل لا حقّ، والاختلاف فيه لا يكون ظلماً.[٢٣]

4.أنّ علة النقص قد تكون من جهة تزاحم الأسباب في عالم المادة لأن بعض الشرور هي من لوازم العالم المادي الدنيوي.[٢٤]

انظر ايضاً

الهوامش

  1. لسان العرب؛ ج‌11، ص: 430
  2. المفيد، النكت الاعتقادية، ص 32.
  3. كتاب الريج ويدا - شمهنا: هو من أهم الكتب الهندوسية، يرجع تاريخه إلى "٢000" سنة ق.م، ويشتمل على "1017" أنشودة دينية وضعت ليتضرع بها أتباعها بين يدي الآلهة، أو يتغنون بها عند الآلهة عندما يقدّمون لها القرابين. انظر: مقارنة الأديان، أديان الهند الکبری، دکتور أحمد شلبي، ج 4، ص 40 - 41.
  4. المطهري، العدل الإلهي، ص20 - 21.
  5. محاضرات في الإلهيات، السبحاني التبريزي، جعفر،ص 164
  6. الشيخ جعفر السبحاني، مفاهيم القرآن (العدل والإمامة)ِ ج 10، ص 8.
  7. الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ص11.
  8. طه: 50.
  9. ال عمران: 18.
  10. الأعلى: 2 - 3.
  11. الانفطار: 6 - 7.
  12. الحديد: 25.
  13. النحل: 90.
  14. الأعراف: 29.
  15. المؤمنون: 62.
  16. الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 15، ص 43.
  17. الأنبياء: 47.
  18. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج 11، ص 294.
  19. الشيرازي، أصول العقائد، ص156.
  20. الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 13، ص 201.
  21. الخرازي، بداية المعارف الإلهية، ج 1، ص 126.
  22. الخرازي، بداية المعارف الإلهية، ج 1، ص 134.
  23. الحويزي، تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 419.
  24. المجلسي، بحار الأنوار، ج 3، ص 149.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن منظور الأنصاري، محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب، الناشر: دار صادر - بيروت، ط 3، 1414 هـ.
  • الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين، تحقيق: السيد هاشم رسولي محلاتي، ‏قم - إيران، الناشر: انتشارات اسماعيليان‏، ط 10، 1415 هـ.
  • الخرازي، محسن، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط 10، 1433 هـ.
  • السبحاني، جعفر، مفاهيم القرآن (العدل والإمامة)، مؤسسة الإمام الصادق (ع)، الجزء الأول عام 1393 هـ -الجزء العاشر عام 1420 هـ.
  • الشيرازي، رضي، أصول العقائد، بيروت - لبنان، دار الرسول الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم، ط 1، 1425 هـ - 2004 م.
  • الطباطبائي، محمد حسين، القرآن في الإسلام، تعريب: أحمد الحسيني، د.م، د.ن، د.ت.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم - إيران، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، د.ت.
  • القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1405 هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت - لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط 2، 1403 هـ.
  • المطهري، مرتضى، العدل الإلهي، دار الإرشاد، بيروت - لبنان، ط 2، 1436 هـ /2015 م.
  • المفيد، محمد بن محمد، النكت الاعقائدية، ضمن مصنفات الشيخ المفيد ج 10، د.م، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ط 1، 1413 هـ.
  • شلبي، أحمد، مقارنة الأديان (أديان الهند الكبرى)، مصر، مكتبة النهضة المصرية، ط 3، 1972 م.