الأشاعرة

من ويكي شيعة

الأشاعرة واحدة من المذاهب الكلامية الإسلامية والتي يتبع نتاجاتها الفكرية أكثر أهل السنة في هذا الزمان. ومؤسس المذهب الأشعري هو أبو الحسن الأشعري، وقضى الأشعري أغلب عمره في مذهب الإعتزال، ولكن في أواخر عمره ترك هذا المذهب وأسس مذهباً جديداً سمي بإسمه فيما بعد. وقد أراد الأشعري من تأسيسه لهذا المذهب أن يسلك طريقاً وسطاً بين الفكر الإعتزالي الذي يجنح الى العقل جنوحا مفرطا ومذهب أهل الحديث الذين لم يعطوا للعقل أي أهمية تذكر.فرأى أن أراء أهل الحديث تحتاج الى الإستدلال العقلي، فحاول أن يقدم إستدلالات تدعم أرائهم وإن خالفهم في بعض الأراء. إلا أنه إتبع منهجهم في الوصول الى المعرفة من خلال الإعتماد على النص وتقديمه على العقل، ولكنه خالفهم في أنه يستعين بالعقل على دعم آرائه.

المؤسس

أسس هذا المذهب الكلامي أبو الحسن الأشعري المولود في البصرة سنة 260 هـ والمتوفي في بغداد سنة 324 هـ؛ولهذا يسمى المذهب بإسمه. وقد كان أبو الحسن معتزلي في بداية أمره،وعاش ملازما لزوج أمه شيخ المعتزلة في زمانه أبي علي الجبائي، فعنه أخذ الإعتزال حتى تبحر فيه وصار من أئمته ودعاته .

وكان يبحث في الأمور الإعتقادية معتمدا على البحث العقلي المعتدل، أي مابين العقل الإفراطي الذي يتبعه المعتزلة والفكر التسطيحي لأهل الحديث. والنتيجة التي توصل اليها الأشعري: إن أراء أهل الحديث هي الصحيحة ولكنها يجب ان تبين من خلال الأدلة العقلية، ولهذا حاول أن يرفع الإشكالات الواردة على أراء أهل الحديث. ومن أشهر علماء الأشاعرة: القاضي أبو بكر الراقلاني، وعبدالقاهر البغدادي، وإمام الحرمين الجويني، وأبو حامد الغزالي ت 505 هـ، والفخر الرٌازي ت 606 هـ، وعضدالدين الأيجي، وسعدالدين التفتازاني. أمٌا أهم كتبهم فهي:الشامل في أصول الدين للجويني، وشرح المواقف للسيد شريف الدين الجرجاني، وشرح المقاصد وشرح العقائد النسفية للتفتازاني، والتفسير الكبير للفخر الرازي.

تحوله من الاعتزال

يجمع المؤرخون لحياة أبي الحسن الأشعري على التحول الأول في حياته، وهو خروجه من مذهب الاعتزال ونبذه له .

فيذكر إبن عساكر وغيره أن أبا الحسن الأشعري اعتزل الناس مدة خمسة عشر يوما، وتفرغ في بيته للبحث والمطالعة، ثم خرج إلى الناس في المسجد الجامع، وأخبرهم أنه إنخلع مما كان يعتقده، كما ينخلع من ثوبه، ثم خلع ثوبا كان عليه ورمى بكتبه الجديدة للناس.

ومع اتفاق الباحثين على رجوعه عن مذهب الاعتزال، إلا أنهم اختلفوا في تحديد سبب ذلك الرجوع، فقيل إن سبب رجوعه ما رآه في مذهب المعتزلة من عجز ظاهر في بعض جوانبه، فقد كان دائم السؤال لأساتذته عما أشكل عليه من مذهبهم، ومما يروى في ذلك أن رجلا دخل على أبي علي الجبائي وفي حضرته أبو الحسن الأشعري، فقال الرجل لأبي علي: هل يجوز أن يسمى الله عاقلا ؟ فقال الجبائي: لا ، لأن العقل مشتق من العقال، وهو المنع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق، فاعترض الأشعري على جواب أبي علي قائلا : لو كان قياسك المذكور صحيحا، لامتنع إطلاق اسم الحكيم على الله، لأنه مشتق من حَكَمَةِ اللجام، وهي حديدة تمنع الدابة من الخروج، وذكر شواهد من الشعر على ذلك، فلم يقل أبو علي الجبائي شيئا، إلا أنه قال للأشعري، فَلِمَ منعت أنت أن يسمى الله عاقلا، وأجزت أن يسمى حكيما ؟ فقال : لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته ".

ومما يذكر أيضا في سبب رجوعه عن مذهب الاعتزال مع ما سبق، رؤيا رأى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال الأشعري : " وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله أن يهديني الصراط المستقيم، ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: عليك بسنتي، قال : فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت من القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا "[١]و يقول الدكتور عبدالرحمن المحمود :إن هذه القصة ينتهي إسنادها إلى بعض الأصحاب من غير تحديد".

ولو صحت هذه القصة لكانت نصا في بيان سبب رجوعه، إلا أنه من الملاحظ من خلال مناظرات أبي الحسن الأشعري للمعتزلة أنه بدأت تتشكل عنده رؤية خاصة به في بعض المسائل وهو ما زال منضويا في عباءة المعتزلة، ولعل الرؤيا التي رآها هي التي وضعت حدا لإنهاء تلك الحيرة، ورسمت له طريقا للإنتقال الى مذهب الاعتزال .

واختلف الباحثون كذلك حول المذهب الذي تحول إليه أبو الحسن الأشعري، فقيل تحول إلى مذهب الكلابية وعنه إلى مذهب أهل الحديث وهذا قول جمع من العلماء، وقيل تحول إلى مذهب الكلابية وبقي عليه، وكانت له آراء مستقلة توسط فيها بين المعتزلة والمثبتة نشأ عنها المذهب الأشعري وهو قول الأشعرية .

ويعتمد أصحاب القول الأول - القائلين بتحوله إلى الكلابية ومنها إلى مذهب أهل الحديث - على ما كتبه الأشعري في الإبانة، ويقولون إنها من آخر كتبه، وفيها نصَّ على أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

إلا أن المقارنة الدقيقة بين ما كتبه في الإبانة ومذهب الكلابية لا تظهر كبير فرق بين المذهبين، فما قال به الكلابية قال به الأشعري، كإثبات الصفات الخبرية كالوجه واليدين وغيرهما، وما نفاه الكلابية نفاه الأشعري كنفيه قيام الأفعال الاختيارية بالله سبحانه، حيث ذهب إلى أن صفة الإرادة صفة أزلية قديمة، لا تتجدد لفعله ولا لإنشائه .

وكذلك قال: - في غير الإبانة - إن الكلام صفة ذات، وأنكر على من قال إن الله تكلم بالقرآن.

أما إنتسابه لمذهب الإمام أحمد فلا يمكن أن ينسب إليه بمجرد الإنتساب، مع أن أقواله وأراءه تخالف ما قال به أحمد، فأحمد بن حنبل لم يقل بنفي اتصاف الله بالأفعال الاختيارية كالنزول والمجيء .

أما قوله بإثبات الإستواء والعلو فهو أيضا مذهب إبن كلاب، وعليه فلا ينقض هذا الإستشهاد قول من قال بأنه تحول عن الاعتزال إلى الكلابية وبقي عليها .

فهذه نبذة عن حياة الرجل الفكرية وهي توضح أهمية البحث والمطالعة، ومناقشة المرء لما عنده مما نشأ عليه.

أصول عقائدهم

إن أهم الأصول الإعتقادية للأشاعرة هي:

  1. عدم إتحاد الصفات الإلاهية بذات الله، أي إن صفاته غير ذاته.
  2. عموميٌة الإرادة الإلاهية والقضاء والقدر الإلاهيين لكل الأمور ومن ضمنها أفعال الإنسان، أي إن الإنسان ليس خالق لعمله،بل إن أعماله مكتسبة.
  3. إن حسن وقبح الأفعال ليس ذاتيا، بل إن الحسن والقبح شرعيا، إي ماحرمه الشرع فهو قبيح وما لم يحرمه فهو حسن، لا أن ما كان قبيحا فقد حرمه الشرع وما كان حسنا أحله.
  4. إن الله يرى بالعين الباصرة في يوم القيامة.
  5. إن كلام الله قديم وليس حادث.
  6. قبول الأوصاف الخبرية لله بدون تشبيه الله بالمخلوقات وبدون تعيين الكيفية.

عقائد الأشاعرة المتأخرين

  • تقديم العقل على النقل: وهو منهج يقوم على افتراض التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية، ما يستدعي ضرورة تقديم أحدهما، فصاغ الأشاعرة للتعامل مع هذا التعارض الموهوم قانونا قدموا بموجبه العقل، وجعلوه الحكم على أدلة الشرع، بدعوى أن العقل شاهد للشرع بالتصديق، فإذا قدمنا النقل عليه فقد طعنا في صدق وصحة شهادة العقل، مما يعود على عموم الشرع بالنقض والإبطال .
  • نفيهم أن تقوم بالله أمور تتعلق بقدرته ومشيئته: أي نفي ما يتعلق بالله من الصفات الاختيارية التي تقوم بذاته،كالاستواء والنزول والمجيء والكلام والرضا والغضب، فنفوا كلام الله ورضاه وغضبه باعتبارها صفة من صفاته، وادعوا أن نسبة هذه الصفات لله تستلزم القول بأن الله يطرأ عليه التغير والتحول، وذلك من صفات المخلوقات.
  • إثبات سبع صفات لله عز وجل وتأويل أو تفويض غيرها، فالصفات التي يثبتونها هي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام النفسي، أما غير هذه الصفات فهم يتأولونها كتأولهم صفة الرضا بإرادة العقاب، وصفة الرحمة بإرادة الثواب، واستواء الله على العرش بقهره له واستيلائه عليه، إلى آخر تأويلاتهم لصفات الله.
  • حصرهم الإيمان في التصديق القلبي: فالإنسان – وفق مذهبهم - إذا صدق بقلبه، ولو لم ينطق بالشهادتين عمره، ولم يعمل بجوارحه أيا من الأعمال الصالحة، فهو مؤمن ناج يوم القيامة، يقول الإيجي في المواقف بعد أن ذكر معنى الإيمان في اللغة : " وأما في الشرع ..

الفرق بين متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم

لعل من الواضح لدى دارسي المذهب الأشعري أن ثمة تباين ظاهر بين ما كان عليه متقدموا الأشاعرة في بعض المسائل، وبين ما استقر عليه الرأي عند المتأخرين منهم في تلك المسائل، وهو ما يؤدي بنا إلى القول بأن الأشاعرة المتأخرين لم يكونوا متبعين تماما لأبي الحسن الأشعري وإنما خالفوه في مسائل من الأهمية بمكان، حتى قال بعضهم :

لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء لقال أخبرهم بأني مما يقولونه براء

ويمكن التمثيل لهذه المسائل بمثالين:

المثال الأول: القول في الصفات الخبرية كصفة الوجه واليدين والعينين، فقد كان رأي أبي الحسن في هذه الصفات موافقا لرأي الكلابية الذين يثبتون هذه الصفات لله عز وجل، وقد نص أبو الحسن على إثباتها في بعض كتبه [٢] وفي رسالته لأهل الثغر [٣] في حين ذهب متأخروا الأشعرية إلى تأويل تلك الصفات، يقول الإيجي[٤] في صفة اليد : " الخامسة اليد : قال تعالى : { يد الله فوق أيديهم } { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } فأثبت الشيخ صفتين ثبوتيتين زائدتين وعليه السلف وإليه يميل القاضي في بعض كتبه، وقال الأكثر إنها مجاز عن القدرة فإنه شائع، وخلقته بيدي أي بقدرة كاملة ".

المثال الثاني: صفة العلو والاستواء حيث أثبت الأشعري صفة علو الله واستوائه على عرشه،[٥]إن قيل ما تقولون في الإستواء ؟ قيل له : نقول : إن الله عز وجل يستوى على عرشه استواء يليق به .. كما قال: { الرحمن على العرش استوى }[٦]وقال في مقالات الإسلاميين[٧] جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله .. وأن الله سبحانه على عرشه، كما قال: { الرحمن على العرش استوى }[٨] بل إنه رحمه الله رد على من أوّل استواءه سبحانه بالقهر ، فقال:[٩] وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية إن معنى قول الله تعالى: { الرحمن على العرش استوى }[١٠]أنه استولى وملك وقهر وأن الله تعالى في كل مكان وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه كما قال أهل الحق وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، ولو كان هذا كما ذكروه، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة لأن الله تعالى قادر على كل شيء " فهذا كان رأي الأشعري، أما متأخروا الأشاعرة، فيقول الإيجي:[١١] الصفة الثالثة : الإستواء لما وصف تعالى بالإستواء في قوله تعالى: { الرحمن على العرش استوى }[١٢] اختلف الأصحاب فيه، فقال الأكثرون: هو الاستيلاء ويعود الاستواء حينئذ إلى صفة القدرة، قال الشاعر:

                     قد استوى عمرو على العراق                    من غير سيف ودم مهراق

أي استولى .. وقيل هو أي الاستواء ههنا القصد فيعود إلى صفة الإرادة نحو قوله تعالى { ثم استوى إلى السماء } أي قصد إليها وهو بعيد " فهذان مثالان يوضحان الفرق بين ما كان عليه الأشعري نفسه، وبين ما استقر عليه الرأي عند متأخري الأشاعرة.

تاريخ الأشاعرة

لم يكن مذهب الأشعري محل قبول عند أهل السنة في أول الأمر، ولكن مع التدريج وبمرور الزمن أخذت أفكار الأشعري تتغلغل في الأوساط الفكرية لأهل السنة.وأول شخصية من طراز علمي عالي إعتنق أراء الأشعري هو أبو بكر الباقلاني (ت403هـ)، وحاول شرح وتبسيط آراء الأشعري في كتابيه الإبانة واللمع. وعلى يد الباقلاني أصبحت آراء الأشعري أكثر إنسجاما من الناحية الكلامية.

ولكن التطور الأهم في المسيرة التاريخية للفكر الأشعري فقد حصل على يد إمام الحرمين الجويني(ت478هـ)، وبعد تأسيس المدرسة النظامية في نيشابور من قبل الخواجة نظام الملك في سنة 450 هـ إنتدب نظام الملك الجويني للتدريس في هذه المدرسة.وعلى نحو ثلاثين سنة كان الجويني يروج المذهب الأشعري، وقد إستطاع أن يجلب أنظار الكثرين من أهل السنة لما له من المكانة والإحترام في العالم الإسلامي فقد كان شيخ الإسلام وإمام الحرميين مكة المكرمة والمدينة المنورة، حتى أصبح المذهب الأشعري المذهب الرسمي لأهل السنة. لقد أعطى الجويني للفكر الأشعري صبغة عقلية مع الكثرة في الإستدلال.

أما الإمام أبوحامد الغزالي(505) فهو أحد تلامذة الجويني فقد حاول أن يثبت أراء الأشاعرة ويفسرها من خلال العرفان والتصوف، ويعد كتابه إحياء علوم الدين من أهم الكتب في هذا المجال إذ يعد موسوعة فكرية مابين التصوف والتسنن.

ومع ظهور الفخر الرازي(ت606هـ)أصبح الفكر الأشعري ذو صبغة فلسفية، فقد حاول الفخر الرازي ومن أجل تثبيت المذهب الأشعري والدفاع عنه قام بإنتقاد آراء إبن سينا وحاول دحض مبانيه. ويقسم السبكي تلامذة وأصحاب الأشعري الى خمسة طبقات:[١٣]

الطبقة الأولى:التلامذة المباشرون للأشعري وهم:1.إبن مجاهد البصري،2.أبوالحسن الباهلي،3.أبو الحسين البنداري،4.أبو بكر القفال الشاشي.

الطبقة الثانية:1.أبو بكر الباقلاني،2.أبو إسحاق الإسفراييني.

الطبقة الثالثة:أبو أحمد الجويني(والد أبو المعالي الجويني)

الطبقة الرابعة:1إمام الحرمين الجويني،2.أبو القاسم القشيري النيشابوري(الصوفي المعروف).

الطبقة الخامسة:1.أبو حامد الغزالي،2.أبو نصر بن أبي القاسم القشيري(صاحب رسالة المعروف في التصوف) ويضيف إبن عساكر الفخر الرازي وغيره من الأشاعرة في الطبقة السادسة والسابعة[١٤]

كبار علماء الأشاعرة

يزخر المذهب الأشعري بأئمة أعلام، هم الذي رسخوا المذهب وقووا دعائمه، وقعَّدوا له القواعد، ووضعوا له المقدمات، ونشروا آراءه، ودافعوا عنه ضد خصومه.وكما هو معلوم أن أبو الحسن الأشعري هو أول من أسس قواعد المذهب الأشعري

  • القاضي أبو بكر الباقلاني

هو القاضي أبو بكر محمد بن طيب الباقلاني، ولد في البصرة سنة 403 هـ ، وتوفي في بغداد.[١٥] كان الباقلاني يتمذهب المذهب المالكي في الفقه،[١٦] وقد درس الكلام عند إثنين من تلامذة الأشعري وهما: إبن مجاهد، والباهلي.[١٧]

ومن أهم الأعمال التي قام بها الباقلاني هي: وضع البيان المنطقي للأدلة والمباني الأشعرية. وحاول تقريب طريقة تفكير الأشعري الى طريقة تفكير المعتزلة من خلال الإعتماد على العقل؛ لأن الباقلاني كان يعتقد:بأن المسائل الإعتقادية (كل المسائل الإعتقادية)الصحيحة لا تكون إلا من خلال الإعتماد على العقل، إذ إن القضايا المنطقية والمسائل الفلسفية داخلة في إثبات الأمور الإعتقادية.[١٨]

  • عبدالقاهر البغدادي

أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر البغدادي المتوفى سنة 479هـ، وكان قد درس عند أبو إسحاق الإسفراييني.[١٩]إجتهد في نشر أراء الأشعري وشرح أفكاره في بغداد بإعتبار إن عقيدة الأشعري هي عقيدة أهل السنة.وكان يقول إن مذهب الأشعري هو مذهب الصحابة والتابعين. ويعتقد إن أول متكلم من أهل السنة هو علي بن أبي طالب حين حاجج الخوارج كما في مسألة الوعد والوعيد،كما إنه ناظر القدرية في مسألة المشيئة والإستطاعة.[٢٠]

  • إمام الحرمين الجويني

هو أبو المعالي عبدالملك بن عبدالله الجويني ولد سنة419هـ في جوين من توابع نيشابور، المشهور بإمام الحرمين. والسبب في تسميته بإمام الحرمين هو هجرته من خراسان بسبب الإختلافات الموجودة فيها آنذاك الى الحجاز وإقامته في مكة المكرمة والمدينة المنورة لمدة أربع سنوات من سنة447-451هـ. ولكنه بعد تأسيس المدرسة النظاميٌة في نيشابور من قبل نظام الملك عاد الى نيشابور وبقي يعطي الدروس في المدرسة النظامية الى آخر عمره، وقد عيٌن خلال هذه الفترة مسؤلا للأوقاف، وزعيما للشافعية، وكانت وفاته في نيشابور سنة 481هـ.[٢١]

يعد الجويني شارح لأفكار العلماءالكبار من الأشاعرة، وأهم كتبه هي:

1.نهاية المطالب في دراية المذاهب(كتاب فقهي،من الكتب الدرسية على المذهب الشافعي).

2.الشامل في أصول الدين.

3.الإرشاد الى قواطع الأدلة في أصول الإعتقاد.

  • أبو حامد الغزالي

هو محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المعروف بالغزالي المتولد في طوس سنة 450هـ. وهو أحد تلاميذ الجويني في نيشابور.

ثم رحل الى بغداد ودخل المدرسة النظامية فيها سنة484هـ وبقي فيها الى سنة 488هـ، ثم سافر الى الشام، والحجاز، وبيت المقدس. ثم عاد الى خراسان في سنة 499هـ ، ودخل المدرسة النظامية في نيشابور ولكن لأجل التدريس هذه المرٌة. توفي الغزالي في طوس سنة 505 هـ.

مرٌ الغزالي بمرحلة من الشك إستمرت لمدة عشرة سنوات إنتهت به الى التصوف والعرفان، حيث أصبح يعتقد إن أفضل طريق لمعرفة الحقائق هو التصوف. وبعد ذلك قام بتأليف كتاب إحياء علوم الدين.يعد الغزالي واحد من الشخصيات المهمة والمؤثرة في العالم الإسلامي والتمدن الإسلامي.

للغزالي أكثر من خمسين تأليف أهمها:

1.إحياء علوم الدين(أشهر وأهم كتاب للغزالي).

2.مقاصد الفلاسفة.

3.تهافت الفلاسفة.

4.المنقذ من الضلال.

5.كيمياء السعادة.

6.فضائح الباطنية.

7.قواعد العقائد.

  • الفخر الرازي

هو أبو عبدالله محمد بن عمر الرازي المتولد في هرات سنة 543هـ.درس الفقه الشافعي عند والده، و كمال الدين السمناني، ودرس الفلسفة والكلام وأصول الفقه عند مجدالدين الجيلي(أستاذ شيخ الإشراق السهروردي). للفخر الرازي أسفار كثيرة، وله مجادلات ومناظرات ، ومباحثات مع فرق مختلفة.يعرف بإمام المشككين لكثرة التشكيكات والشبهات التي كان يثيرها. توفي الفخر الرازي في هرات سنة 606 هـ.

رغم إن الرازي يعتنق أفكار المذهب الأشعري إلا إنه يختلف عنهم من جهة ترجيح العقل ولذا يقدم العقل على النص في حالة التعارض.

أما أهم كتب الرازي فهي:

1.التفسير الكبير(أو مفاتيح الغيب) وهو أهم مؤلفات الفخر الرازي.

2.الأربعين في أصول الدين.

3.المطالب العالية.

4.معالم أصول الدين.

5.الحكمة المشرقية.

6.المباحث المشرقية.

  • عضد الدين الأيجي

عبدالرحمان بن أحمد الأيجي الشيرازي الملقب بالقاضي عضدالدين، المتولد سنة 680هـ. في منطقة أيج من توابع شيراز، والمتوفى سنة 756 هـ.

يقترب الأيجي من الرازي من جهة النزعة الفلسفية التي يتمتع بها، ولكنه يختف عنه من جهة أنه يغلب عليه الكلام.لقد نظٌم الأيجي الفكر الأشعري وأعطاه شكله النهائي، وبعد الأيجي حلٌ الإنحطاط بالفكر الأشعري وأصبح الأشاعرة من بعده مابين شارح للأفكار المتقدمة، أو محشي على الكتب.

أما اهم مؤلفات الأيجي فهو كتاب المواقف، فهو كتاب كلامي لكنه يحتوي على الكثير من المباحث الفلسفية، والمنطقية، [٢٢] ولهذا الكتاب شروح كثيرة أشهرها شرح المواقف للشريف الجرجاني.

  • سعد الدين التفتازاني

هو مسعود بن عمر سعدالدين التفتازاني المتولد في خراسان سنة712هـ. درس العلوم العقلية عند قطب الدين الرازي(تلميذ العلامة الحلي) والقاضي عضد الدين الأيجي.كان من ابرز علماء خراسان. توفي في سمرقند سنة791 هـ.[٢٣]

وأهم آثار التفتازاني هي: 1.شرح المقاصد. 2.شرح العقائد النسفية.

  • السيد مير شريف الجرجاني

ولد السيد مير شريف الجرجاني في قرية تاكو إسترابآد، وتوفي سنة 816 هـ في شيراز. يعد الجرجاني من المتكلميين المرموقين للأشاعرة، فهو أفضل من التفتازاني من جهة الدقة. كما إن كتابه شرح مواقف الأيجي من أشهر المتون عند الأشاعرة. والجرجاني من تلامذة قطب الدين الرازي ومن أساتذة المحقق الدواني وكلاهما من المتكلميين الشيعة.

  • علاء الدين القوشجي

علاء الدين علي بن محمد السمرقندي ت879هـ. المعروف بالملا علي القوشجي من فقهاء [٢٤] ومن متكلمي الأشاعرة الكبار، ويعد شرحه لكتاب تجريد الإعتقاد للخواجة نصير الدين الطوسي من المصادر العقائدية لأراء الأشاعرة.

الأراء النظرية للأشاعرة

مكانة العقل

واحدةمن المسألة الضرورية عند الأشاعرة هي الإستفادة من العقل في تأيد الشرع ، ولا يعد هذا المر ضلالة، ولكن لايمكن الإستفادةمن العقل بدون التقيد بالنص، إذ في حالة مخالفة النص للعقل فالمقدم عندهم النص، ويرون أن العقل لابد أن يكون تابعا للنص. ولكن الأشاعرة لم يتقيدوا بهذه النظرية مطلقا {إن العقل مؤيد للنقل فقط} إذ تراهم في بعض الأحيان يعتمدون على العقل في إستدلالاتهم، وعلى النقل تارة أخرى.[٢٥] إن حركة أبوالحسن الأشعري من جهة أنها بدأت بالدعوة الى الإبتعاد عن العقل والتأويل، ولكن الميراث العقلي في آثار الأشعري له تأثير كبير في المجتمع الإسلامي من جهة أخرى. وبالرجوع الى كبار علماء الأشاعرة الذين جاءوا من بعد الأشعري كالباقلاني والجويني والغزالي والفخر الرازي فإن النزعة العقلية واضحة في كتاباتهم.

معرفة الله

للأشاعرة أراء خاصة في معرفة الله تفردوا بها عن المذاهب الإسلامية الأخرى:

  • في مسألة إثبات وجود الله يعتمدون في البداية على البراهين النقلية، ولكنهم في نهاية الأمر يشابهون العدلية في الإستفادة من المناهج الثلاثة النقلية والعقلية والقلبية من أجل إثبات وجود الله.
  • في مسألة معرفة ذات الله يعتقد أكثر الأشاعرة بإمكان معرفة الذات الإلاهية، وخالفهم في هذا الجويني والغزالي.
  • يعتقدالأشاعرة بالصفات التشبيهية لله كاليد والساق والوجه، ولكنهم يقولون يد لا كالأيدي ووجه لا كالوجوه وساق لا كالسيقان!! ولكن هذه التأويلات لاتخرجهم من تشبيه الله بخلقه.
  • من المعلوم أن المعتزلة والشيعة يذهبون الى حدوث القرآن، بينما يذهب الحنابلة والحشوية الى قدم أصوات القرآن وحروفه وتعصبوا في هذه المسألة حتى قالوا بقدم جلد القرآن(الغلاف)!!. أمٌا الأشاعرة فإنهم يقسمون كلام الله الى لفظي حادث ونفسي قديم.
  • يعتقد الأشاعرة برؤية الله يوم القيامة من خلال العين الباصرة. وهو خلاف المعتزلة والشيعة.
  • إعتقد الأشاعرة في أول أمرهم أن الصفات الإلاهية زائدة على الذات، ولكن الأشاعرة المتأخرين والماتردية يرون ان صفاته ليس عين ذات الله ولاغير ذاته. بينما يرى المعتزلة نيابة الذات الإلاهية عن الصفات. ويرى الفلاسفة والمتكلمين الشيعة: ان صفاته عين ذاته.
  • في مسألة الخلق يقول الأشاعرة بالحدوث الزماني للعالم ماسوى الله هذا أولا، وينفون أيٌ واسطة في الخلق فالله القادر الذي ليس لقدرته مثيل خلق الموجودات المادية والمجردة مباشرة.

الحسن والقبح العقليين

ينكر الأشاعرة وبشكل صريح الحسن والقبح العقليين حالهم حال أهل الحديث والحنابلة، ودليلهم هو إن العقل عاجز عن إدراك الأصلح من غير الأصلح والحسن من القبيح، كما إنهم يعتقدون أن القول بالحسن والقبح العقليين مستلزم لتحديد المشيئة، والإرادة الإلهيتين. ومن أجل الحفاظ على إطلاق المشيئة الإلهية والإرادة قال الأشاعرة: إن كل شيء حسنه الشرع(الله) فهو حسن وكل شيء رفضه الشرع(الله) فهو قبيح. أما غيرهم من المسلمين كالمعتزلة والشيعة إن هناك أشياء بنفسها حسنة أو بنفسها قبيحة والعقل هو الحاكم بهذه الأشياء قبل الشرع بل حتى مع عدم مجيء الشرع. ورتب الأشاعرة على هذه االنظرية نتائج خطيرة منها:إمكان التكليف بما لايطاق؛لأنه إذا أمر الله به فهو عمل حسن، ويمكن أن يدخل الله المؤمن يوم القيامة النار ولايكون قبيحا لأن القبيح ما لم يفعله الله أما إذا فعله فهو عمل حسن. كما يمكن أن يدخل الله الكافر يوم القيامة الى الجنة؛ لأن إذا فعل الله هذا الفعل فسوف يكون هذا الفعل حسنا.[٢٦]

الأفعال الإرادية (نظرية الكسب)

إن نظرية الكسب عبارة عن الإجابة عن السؤال التالي: هل الإنسان مختار في أفعاله التي يقوم بها كل يوم أم هو مجبر عليها؟ وبعبارة اخرى: هل الإنسان هو الذي يخلق أفعاله بإرادته أم هي مخلوقة من الله وليس للإنسان أي دخل فيها إنما هو مجرد أداة تتحقق من خلاله هذه الأفعال؟ وقد ذهب المعتزلة الى أن أفعال الإنسان إرادية وليس لله دخل فيها(التفويض)، وذهب «أهل الظاهر» وهم من أهل السنة الى أن أفعال الإنسان مخلوقة لله(الجبر). أما الأشاعرة فيقولون بنظرية الكسب ولكن إختلفت كلماتهم بتفسير هذه النظرية فيرى أبو الحسن الأشعري: إن الكسب بمعنى إقتران قدرة الله والإنسان أي ليس للإنسان أيٌ تأثير في وجود أفعاله إنما هو محل لفعل الله فقط، ولهذا السبب جرت عادة الله أن يحقق الفعل الإرادي للإنسان.[٢٧] أما التفتازاني: إن الله خالق الأفعال الإرادية للإنسان، والإنسان كاسب هذه الأعمال بحيث إذا إستطاع الإنسان أن يخلق افعاله لأستطاع أن يخلق أفعال أخرى.[٢٨] أما الباقلاني فيقول في شرح هذه النظرية:إن ذات العمل من خلق الله ولكن حسن وردائة العمل معلولان لإستطاعة الإنسان.[٢٩]

الهوامش

  1. التبيين، ص: 38-39
  2. الإبانة، ص 51-58.
  3. ص 72-73.
  4. ج3،ص:145
  5. الإبانة، ج 1، ص 105.
  6. طه: 5.
  7. مقالات الإسلاميين، ج 1، ص 290.
  8. طه: 5
  9. الإبانة، ج 1، ص 108.
  10. طه:5
  11. المواقف ج 3، ص 150-151.
  12. طه: 5.
  13. السبكي طبقات الشافعية، ج 2، ص 255.
  14. .إبن عساكر، تبيين الكذب المفترى، ص 258.
  15. إبن عساكر تبين الكذب المفترى، ص 221.
  16. عبد الرحمن بدوي، تاريخ الفكر الكلامي في الإسلام ج 1، ص 621.
  17. إبن عساكر، تبين الكذب المفترى، ص 217.
  18. جلال محمد موسى، نشأة الأشعرية وتطورها، ص 320.
  19. السبكي، طبقات الشافعية ج 3، ص 238.
  20. أحمد محمود صبحي، في علم الكلام ج 2، ص 722.
  21. عبدالرحمن بدوي، تاريخ الفكر الكلامي في الإسلام ج 1، ص 733.
  22. أحمد محمود صبحي، في علم الكلام، ج 2، ص 357.
  23. جلال الدين السيوطي، بغية الوعاة، ج 2، ص 265.
  24. الحنابلة
  25. لأجل الإطلاع أكثر راجع أبوالحسن الأشعري : رسالة إستحسان الخوض في علم الكلام
  26. عبدالكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ص 101-102\ علي القوشجي، شرح تجريد الإعتقاد، ص 373-374\ فخر الدين الرازي، البراهين، ج 1، ص 264-247.
  27. الأشعري، اللمع، ص 42.
  28. عمر التفتازاني، شرح المقاصد ج 2، ص 127.
  29. العلامة الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد، ص 239-240.

المصادر والمراجع

  • إبن عساكر، علي، تبيين الكذب المفترى، بيروت، د.ن، 1404 هـ/ 1984 م.
  • أحمد محمود صبحي، في علم الكلام، دار النهضة العربية، بيروت، 1411 هـ.
  • أبوالحسن الأشعري، اللمع، بيروت 1980 م.
  • أبوالحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين، 1980.
  • السبكي، عبد الوهاب بن علي، طبقات الشافعية، دار إحياء الكتب العربية،بيروت.
  • الشهرستاني، عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق محمد الگيلاني،بيروت 1395هـ-1975م.
  • عبد الرحمن بدوي، تاريخ الفكر الكلامي في الإسلام.
  • العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد، قم ، مكتبة المصطفوي.
  • الفخر الرازي، محمد، البراهين،تحقيق محمد باقر السبزواري، طهران 1341هـ.ش.
  • القوشجي، علي، شرح تجريد الإعتقاد، الطبعة الحجرية.
  • التفتازاني، سعد الدين،شرح المقاصد، طبعة حجرية، إسطنبول 1305هـ.
  • الشريف الجرجاني، شرح المواقف، تحقيق محمد بدرالدين النعساني، القاهرة1325هـ-1907م.
  • الجويني، لمع الأدلة، تحقيق فوقية حسين محمود،القاهرة1385هـ-1965م.
  • جلال محمد موسى، نشأة الأشعرية وتطورها، دار الكتاب اللبناني، بيروت1982م.

وصلات خارجية