المسجد الأقصی

من ويكي شيعة
المسجد الأقصى

المسجد الأقصى، هو أحد مساجد مدينة القدس وأول قبلة للمسلمين. جاء في الروايات أنّ النبيصلی الله عليه وآله وسلم أُسري منه إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج، كما جاء ذكره في القرآن الكريم من الآية الأولى لسورة الإسراء.

شهد المسجد الأقصى مراحل بناء وترميم في فترات مختلفة، أبرزها كان في عهد عبد الملك بن مروان.

يُقدّس المسلمون المسجد الأقصى، كما يعتقد اليهود أنّ بقايا معبد سليمان يقع تحت المسجد الأقصى؛ لذا يحاول أغلب اليهود هدمه وإحياء هيكل سليمان مكانه، وعلى هذا الأساس تمنع القوات الإسرائيلية المسلمين من دخول المسجد.

أعلنت جمهورية إيران الإسلامية إحياء يوم القدس العالمي، وذلك في آخر یوم جمعة من شهر رمضان في کل عام، لتنبیه الأمة وتحذیرها من خطر إسرائیل، والذي انطلق في عهد الإمام الخميني من أجل قیام الأمة بواجب الجهاد ولتحریر القدس.

موقعه وتسميته

الأقصى في اللغة بمعنى الأبعد، كما يُقال: قَصَا المكان‏ قُصُوّاً: بعُدَ، فهو قَاصٍ‏. وبلاد قَاصِيَةٌ بعيدة. والناحية الْقُصْوَى‏: البعيدة،[١] والمسجد الأقصى: بمعنى المسجد الأبعد، وسُمي الأقصى للبعد بينه وما بين المسجد الحرام، أي: عن أهل مكة، ويقع داخل البلدة القديمة بالقدس في فلسطين. وتسمية المسجد الأقصى مأخوذة من أول آية من سورة الإسراء في القرآن الكريم.[٢] وقيل في تسميـته الأقصى لأنه أبعد المساجد التي تُزار، ويُبتغى بها الأجر من المسجد الحرام، وقيل لأنه ليس وراءه موضع عبادة، وقيل لبُعده عن الأقذار والخبائث. والمسجد الأقصى هو كامل المنطقة المحاطة بالسور واسم لكل ما هو داخل سور المسجد الأقصى الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة المسوّرة.[٣]

المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد وهو ما دار عليه السور، وفيه الأبواب والساحات الواسعة، والجامع وقبة الصخرة والمصلى المرواني والأروقة والقباب والمصاطب وأسبلة الماء وغيرها من المعالم، وعلى أسواره المآذن، وما تبقى فهو في منزلة ساحة المسجد، وتبلغ مساحته: 140900 متراً مربعاً.[٤]

كما للمسجد الأقصى عدّة تسميات، أشهرها: بيت المَقدِس وهو الاسم الذي كان متعارفاً عليه قبل أن يُطلق عليه اسم المسجد الأقصى في القرآن الكريم، وهذا الاسم هو المستَخدَم في مُعظم أحاديث النبيصلی الله عليه وآله وسلم، مثل ما قاله يوم الإسراء والمعراج: «حتى أتينا بيت المقدس، فربطت البراق، فدخلت المسجد».[٥]

رسم توضيحي لحدود المسجد الأقصى

فضيلته

الصخرة التي عرج منها النبي إلى السماء

كان لمسجد الأقصى في عهد النبيصلی الله عليه وآله وسلم أهميّة خاصة، إذ كان القبلة الأولى للمسلمين بعد هجرة النبيصلی الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة عام 1 هـ، فقد كان المسلمون يتوجّهون إلى المسجد الأقصى في صلواتهم، ومكثوا على ذلك مدة 16 شهراً. كما ورد في الأخبار: «لما قدِم النبيصلی الله عليه وآله وسلم المدينة صلّى نحوَ بيت المقدس ستة عَشرَ شهراً أو سبعة عَشرَ شهراً، وكان يُحبُ أن يُوَجّه إلى الكعبة، فأنزل اللّه تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [٦][٧][٨]

وكان المسجد الأقصى وجهة النبي صلی الله عليه وآله وسلم في الرحلة المعجزة المعروفة باسم الإسراء والمعراج، إذ يؤمن المسلمون أنّ النبيصلی الله عليه وآله وسلم خرج من المسجد الحرام بصحبة المَلَك جبريل راكباً دابّة البراق، فنزل في المسجد الأقصى وربط البُراق بحلقة باب المسجد عند حائط البراق، وصلّى بجميع الأنبياء إماماً، ثم عُرج به من الصخرة المشرّفة إلى فوق سبع سماوات.[٩]

ذُكر اسم المسجد صريحاً في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.[١٠]

كذلك جاء ذكره في الأحاديث والروايات أنه أحد المساجد الثلاثة التي لا يجوز شدّ الرحال إلى مسجدٍ إلا إليها، كما ورد عن النبيصلی الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد: مسجدِ الحرام، ومسجدِ الأقصى، ومسجدي هذا(مسجد النبي)».[١١]

تاريخه

ورد في أحاديث النبي صلی الله عليه وآله وسلم بأنّ بناءه كان بعد بناء الكعبة حين سُئل النبيّصلی الله عليه وآله وسلم عن أوّل مسجد وضع‏، فقال: المسجد الحرام، ثمّ بيت المقدس.[١٢] وقد اختلف المؤرخون في مسألة الباني الأول للمسجد الأقصى على عدة أقوال: أنهم الملائكة، أو النبي آدم أبو البشر، أو ابنه شيث، أو سام بن نوح، أو النبي إبراهيم.[١٣] وقيل: بناه النبي إسحاقعليه السلام بعد وفاة ابيه إبراهيم عليه السلام، كذلك ورد أنه قد تُرك المسجد الأقصى قرابة ألف عام مُندثراً - من عهد إبراهيم إلى عهد داوود وسليمان - ثم جاء داوود عليه السلام فبناه، ثم أعاد بناءه مرةً أخرى سليمان عليه السلام.[١٤]

جاء في الأخبار أنّ عبد الملك بن مروان قد بنى قبة الصخرة، وأنه قصد في عنايته هذه هو لصرف أهل الشام عن الذهاب لزيارة الكعبة والحج إلى بيت الله الحرام؛ كي لا يلتقوا بعبد الله بن الزبير الذي خرج على عبد الملك، واعتصم بمكة، وبايعه أهل العراق والشام.[١٥] وقيل: من بنى قبة الصخرة هو ابنه الوليد، وقد تكون البداية في زمن عبد الملك وتم البناء في زمن الوليد.[١٦]

صفات البناء

يقع البناء الذي يُسمّى بالمسجد الأقصى في القسم الجنوبي من ساحة الحرم الشريف، فالزاوية الشمالية الغربية تبعد عن سور باب المغاربة نحو سبعين متراً، وطول المسجد ثمانون متراً، وعرضه خمسة وخمسون متراً، عدا ما أٌضيف إليه من بناءٍ، وللمسجد عشرة أبواب والبناء قائم على خمسة وأربعين عموداً، وفوق الأعمدة قناطر يربط بعضها ببعض أخشاب ضخمة مستطيلة، كما أنّ للمسجد أيضاً محراب قائم على أعمدة من المرمر، كما وله مآذن وهي مئذنة باب المغاربة، ومئذنة باب السلسلة، ومئذنة باب الغوانمة، ومئذنة الأسباط، وكذلك للمسجد رواق كبير به قبة فوق الجزء الأوسط.[١٧]

مراحل بناءه

مرّ المسجد الأقصى بالعديد من التجديدات والترميمات على مختلف العصور، وكان أول من اهتم ببناءه هو عبد الملك بن مروان وهو من الخلفاء الأمويين، ثم تبعه من بعده الخلفاء الأمويين،[١٨] والعباسيين والفاطميون والعثمانيون.[١٩]

ورد في كتب التاريخ أنّ أبا جعفر المنصور زار بيت المقدس سنة 154 هـ، وطلب أهلها منه ترميم ما أصاب المسجد من خراب بسبب الزلزال الذي أصاب البلاء سنة 130 هـ، فأمر بنزع الصفائح الذهبية والفضية التي كانت ملبسة على الأبواب لعدم توفر المال لديه لتنفق على تعمير المسجد الأقصى. كذلك عندما زاره الخليفة المهدي سنة 163 هـ، طلب أهل بيت المقدس تعمير ما خرب منه بسبب الزلزال الذي اصاب البلاد بعد ترميم المنصور له، فأعاد بناءه.[٢٠]

في عام 1099م 583 هـ، استولى الصليبيون على القدس وبنوا كنيسة في أحد أجزاء المسجد الأقصى، وفي عام 589 هــ، استطاع صلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره في معركة حطين من استعادة القدس، وأعاد بناءها.[٢١]

محاولات تهويد القدس

يعتقد المسلمون أنّ بيت المقدس وما حوله إنما هو أرض مقدسة لا يمكن التفريط بها لما يتمتع بقدسية من كونه أولى القبلتين ومسرى النبيصلی الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى التراث الديني الممتد عبر التاريخ، [٢٢] ويعتقد اليهود أنّ بقايا معبد سليمان تقع تحت المسجد الأقصى، لذلك يحاول بعضهم هدم المسجد الأقصى وإحياء معبد سليمان.[٢٣]

اعتدت الصهاينة بالاعتداءات المتكرّرة على مدينة القدس ومسجدها الأقصى ضمن مخطط يستهدف تهويد مدينة القدس، بمعنى: تهجير الفلسطينيين والعرب من سكانها، وجعل من بقيَ منهم أقلية بين أغلبية يهودية.[٢٤] قد کانت قمة استنهاض الإمام الخميني للأمة من أجل قیامها بواجب الجهاد ولتحریر القدس وفلسطین هو إعلان "يوم القدس العالمي" في آخر یوم جمعة من شهر رمضان في کل عام، لتنبیه الأمة وتحذیرها من خطر إسرائیل، ولتحضیر الأمة الإسلامیة کلها للیوم الذي سیتم فیه تحریر القدس وکل فلسطین. يقول الإمام: إن یوم القدس یوم عالمي، ولیس یوماً یخص القدس فقط، بل هو یوم مواجهة المستضعفین للمستکبرین.[٢٥]

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. الطريحي، فخر الدين بن محمد، مجمع البحرين،ج ‏1، ص 341.
  2. الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 13، ص 7.
  3. مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية.
  4. شراب، محمد، ملف الأقصى: تاريخ المسجد الأقصى، ص 4.
  5. البحراني، البرهان في تفسير القرآن، ج 6، ص 6.
  6. سورة البقرة: 144
  7. الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 258.
  8. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 4، ص 100-101.
  9. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 36.
  10. الإسراء: 1.
  11. محمد الریشهري، حكم النّبيّ الأعظم، ج 6، ص 376.
  12. المازندراني، شرح فروع الكافي، ج‏ 4، ص 413.
  13. العسقلاني، فتح الباري، ج 6، ص 402.
  14. البار، محمد علي، القدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ، صص 99-107.
  15. شبير، محمد عثمان، بيت المقدس وما حوله، ص 89-91.
  16. شراب، محمد، ملف الأقصى: تاريخ المسجد الأقصى، ص 5.
  17. شراب، محمد، ملف الأقصى: تاريخ المسجد الأقصى، صص 4- 6.
  18. جودة، عماد، ملف الأقصى: عمارة المسجد الأقصى عبر التاريخ، صص 7- 9.
  19. البار، محمد علي، القدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ، ص 163.
  20. شبير، محمد عثمان، بيت المقدس وما حوله، ص 93.
  21. البار، محمد علي، القدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ، ص 164-175.
  22. عويس، عبد الحليم، ملف الأقصى: مكانة بيت المقدس في الإسلام، ص 22.
  23. السوّاح، فراس، تاريخ أورشليم، صص 15-83.
  24. أبو حلبية، أحمد يوسف، ملف الأقصى: المخاطر التي تهدد المسجد الأقصى، ص 26.
  25. کلمته بتاریخ 16/ 7/ 1979م

المصادر والمراجع

  • ابن الأثير، عزّ الدين، الكامل في التاريخ، بيروت-لبنان، مؤسسة الأعلمي، ط 1، 1432 هـ.
  • البار، محمد علي، القدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ، د. ن، د.م، ط2، 2013 م.
  • البحراني، هاشم، البرهان في تفسير القرآن، بيروت - لبنان، مؤسسة الأعلمي، ط 2 ، 1427 هـ.
  • الرازي، فخر الدين محمد، التفسير الكبير، بيروت- لبنان، دار الكتب العلمية، ط 4. 1434 هـ.
  • الريشهري، محمد، حكم النبي الأعظم، قم-ايران، دار الحديث، ط 1، د.ت.
  • السوّاح، فراس، تاريخ أورشليم والبحث عن مملكة اليهود، دار علاء الدين، دمشق - سوريا، ط 3، 2003 م.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم-ايران، دار المجتبى، ط 1، 1430 هـ.
  • الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، بيروت-لبنان، دار احياء التراث العربي، ط 1، 1329 هـ.
  • العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مصر، مكتبة مصر،ةط 1، 1421 هـ.
  • المازندراني، محمد هادي، شرح فروع الكافي، قم-ايران، دار الحديث، ط 1، 1429 هـ.
  • شبير، محمد عثمان، بيت المقدس وما حوله، دار النفائس، عمان - الأردن، ط 1، 1423 هـ.
  • مجموعة مقالات، مجلة ملف الأقصى، العدد 4: موقع مسلم أونلاين.
  • مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية.