التكفير (تكفير أهل القبلة)؛ اصطلاح بمعنى تكفير المسلم القائل بالشهادتين والمتوجه إلى القبلة في صلاته. والمقصود به في علم الفقه والكلام نسبة الكفر إليه ظلماً وجوراً. والتكفير حكم شرعي، له أسبابه وضوابطه وله شروطه وموانعه شأنه كسائر الأحكام الشرعية. ولذا هو لا يثبت إلا بالأدلة الشرعية.
تعود جذور ظاهرة التكفير مع بدأ حروب الردة عندما رفض جمع من قبائل العرب تولي أبي بكر الخلافة في سقيفة بني ساعدة ورفضهم دفع الزكاة له، وتمتد إلى بعض الأحداث السياسية في التاريخ الإسلامي اللاحقة كحرب صفين وغيرها، والتي كانت سبباً لنشوء ظاهرة تكفير أهل القبلة.
وفي التاريخ الإسلامي ما يحتذى به دليلاً ومثالاً في كيفية تعامل المسلمين مع المسلم المخالف المكفِّر لهم، ويتجسد ذلك بموقف علي (ع) من الخوارج (أول فرقة تكفيرية دموية في التاريخ الإسلامي)، فالخوارج لم يكفرهم عليٌّ(ع) برغم تكفيرهم له وأصحابه، بل ولم يشرع بقتالهم حتى سفكوا الدَم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتَلهم لدفع ظُلمهم وبغيهم، لا لأنّهم كفّار؛ إذ ليس كلُّ مخطئٍ أو مبتدعٍ أوضالٍّ يكون كافراً. ويتم علاج ومكافحة ظاهرة تكفير أهل القبلة فكرياً من خلال نقد أدلتهم وحججهم. وعملياً من خلال القيام بتحريم وتجريم تكفير المسلمين والعمل على مواجهة التكفيريين ممن لم ينفع معهم أسلوب الحوار والنصح والدعوة ويتم ذلك من خلال استخدام القوة العسكرية.
التكفير لغة واصطلاحاً
لغة، اشتق مصدر التكفير من فعل كفر ويكفّر (بالتضعيف). وهو على وزن تفعيل بمعنى ستر الشيء وتغطيته، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزرّاع لستره البذر في الأرض.[١]
أما اصطلاحاً، فيطلق التكفير على كل من: جحود الدين والكفران في النعمة.[٢] يقال: كفّر فلان فلاناً تكفيراً، أي: نسبه إلى الكفر، كما يقال: لا تُكفِّر أحداً من أهل قبلتك؛ أي: لاتنسُبهم إلى الكفر؛ أي: لاتدعُهم كفّاراً، ولاتجعلهم كفّاراً بقولك وزعمك. [٣]
ويمكن أن نحصي للفظة التكفير أربعة معاني اصطلاحية أثنان منهما فقهيان والآخران كلاميان.
الأول- التكفير في الصلاة بمعنى وضع اليد اليمنى على الشمال، أي ما يقابل إرسال اليدين في الصلاة، ويطلق عليه "التكتف.[٤]
الثاني- التكفير بمعنى اعطاء الكفارة، وسُميت بالکفَّاراتٌ؛ لأنّها تُکَفِّرُ الذنوبَ؛ أي تَسْتُرها. ويكون التكفير إما بـاعطاء الكفّارات المحدّدة شرعاً في مورد بعض الذنوب الخاصّة، ككفّارتي الإفطار المتعمد في شهر رمضان، وكفّارة الظهار وغيرهما. أو اعطاء الكفارة بسبب إرتكاب بعض الأخطاء العبادية كما في بعض الكفارات الواجبة في الحج.[٥]
الثالث- التكفير بـ الاستغفار، والتوبة واجتناب الكبائر، وغيرهما من المكفّرات.[٦] والتكفير هنا يقابل الاحباط؛ أي: ستر الذنوب وتغطيتها بواسطة بعض الأعمال الحسنة. قال تعالى: ﴿لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾[٧].أي: سترناها حتی تصیر كأن لم تکن.[٨]
الرابع- التکفیر بمعنى إصدار حكم على شخصٍ أو جماعة بالكفر. إما حقيقةً وتبيناً، وإما ظلماً وجوراً. ونسبة أحد من أهل القبله إلی الکفر هو المقصود في هذه المقالة.
جذوره التاريخية
ظاهرة التكفير ظاهرة قديمة في تاريخنا العربي والإسلامي، فقد بدءت بتكفير المشركين والمنافقين في عهد رسول الله(ص)، وتكفير مانعي الزكاة والمرتدين في عهد أبي بكر، وتنامت هذه الظاهرة مع ظهور الفرق الكلامية، ولاسيما فرقة الخوارج، وقد كان تكفيرهم ذا طابع سياسي أكثر مما كان ذا طابعاً دينياً؛ لأنه يتعلق بقضية الإمامة والخلافة.[٩]
ولم تصبح مسألة التكفير ظاهرة منتشرة وخطيرة على العالم بأسره وذات أسس فكرية واضحة المعالم إلاَّ في العقد الأخير من القرن المنصرم. فالتكفير ظاهرة موجودة في كل الفرق والمذاهب الدينية المختلفة، وعلى الصعيد الإسلامي يُعد الاتجاه السلفي أو (أهل الحديث) أو (الوهابية)، هم أكثر الفرق إفراطاً في التكفير ابتداءً من القرون الأولى إلى العصر الحالي، ولذلك فإنّ ظاهرة تكفير أهل القبلة من المسلمين ليست بدعة حادثة، بل هي سنّة سلفية قديمة. [١٠]
وباعتبار أنّ معظم التيارات التكفيرية الإسلامية قد خرجت من رحم المذهب السلفي فإنّ دراسة ظاهرة التكفير وتياراتها من دون معرفة الفكر السلفي وأصوله النظرية أمر غير ممكن. ومن جهة أخرى فإن جميع الأفكار السلفية مرتبطة ارتباط تام وعضوي بآراء وأفكار ابن تيمية(ت 728هـ).[بحاجة لمصدر]
فالعامل الأساسي لبروز الفكر ظاهرة تكفير المسلمين في عصرنا الحاضر هو ليس الفكر المتطرف لفرقة الخوارج كما يحاول بعض الوهابيين اليوم تسويقه من خلال إعلان البراءة منهم؛ بل هي آراء وأفكار ابن تيمية بالدرجة الأساس باعتباره هو الملهم الفكري الأول للجماعات السلفية وقادتها عموماً أمثال: محمَّد بن عبد الوهاب (ت1207هـ)، والآراء والفتاوى التي أصدرها بعض قادة السلفيةالمتأخرين كـسيد قطب (ت ١٩٦٦م) ، وعبد الأعلى المودودي(ت 1388هـ)، ونظرائهم.[بحاجة لمصدر]
هذا التراث الديني التكفيري لابن تيمية هو الذي تستند إليه اليوم أغلب الجماعات التكفيرية الحالية لتبرير سلوكها الإرهابي، ولهذا نجدهم لا يستندون فقط إلى ما ورد في النصوص المقدسة من الكتاب والسنة، وإنما يستندون قبل ذلك وبعده إلى من يعتبرونهم سلفاً وتراثا فكرياً لهم.[بحاجة لمصدر]
أسباب نشوئه وانتشاره
عندما نراجع الواقع المعاصر لظاهرة التکفیر نجد أن هنالك أسبابا عدیدة دینیة ونفسيةوسیاسیة وثقافیة واقتصادية ساهمت فی إنبعاثها من جدید نذکر أهمها:
- الاتجاه الظاهري فی فهم النصوص الدینیة
ترتکز معارف الاسلام واحکامه علی النصوص الدینیة کتابا وسنة وعلماء المسلمین بشتی مذاهبهم ومشاربهم یستندون إلی القرآن والسنة فی استنباط أحکامهم ؛ ففهم الکتاب والسنة یشکل الأساس فی تبیین الأحکام ومعرفة مراد الباري عزوجل ، إلا أن العلماء یختلفون فی کیفیة فهم النص فمنهم اكتفی بظاهر الآیات غیر مبالی بأخواتها وسیاقها ومدالیلها ،والأخر یشترط ذلك ويتحرى المقاصد والمداليل والقرائن ، فالمنحی الأول کان الزلة الأولی للخروج عن الفهم الصحیح والدخول فی وادي الفهم الخاطئ للاآات القرانیة. فالتیار المتطرف الاسلامی یتمسك بظاهر الآیات الداعیة للجهاد والحرب وایات التوحید والمشكلة الأساسية في فهمهم التكفيري اعتمادهم على آية أو رواية واحدة وترك ما سواها .[١١] وكان أحمد بن حنبل من أسس لذلك وغلا في الجمود على ظاهر النص الديني مدبرا للسياقات والمقاصد ، وقد أحدث هذا النهج من بعده تطرفا شديدا في فهم النصوص الدينية كان السبب في كثير من الويلات والمصائب التي مرت ولا تزال تمر على المسلمين .
- الغلو فی الدین
الغلو هو الزیادة عن الحد وشرعا هو مجاوزة الحد المطلوب شرعا من العبد الی ما هو أبعد منه حیث لا یکتفی بما أراده الشرع، بل یری أن ما طلبه الشارع قلیل ولا یکفي فیغالي ویزید من عنده علی ما أمر به الشارع اعتقادا منه أن هذا محبوب لدی الله تعالی وهو التطرف والتشدد بعینه. ففی عصرنا الحاضر نری أن قراءة المتشددین للدین عمت جمیع مجالات الحیاة واعتبروا فهم غیرهم بدعة فأراقوا دماء إخوانهم واستحلوا أموالهم فمن مغالاتهم غلوهم في التوحید فیقول محمد بن عبد الوهاب إن التوحید لا بد أن یکون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من ذلك لم یکن الرجل مسلماً. [١٢]
وهذا يعني التكفير الوهابي بالمعاصي. [١٣] وكذلك ما نقرأه في كتاب معالم في الطريق لسيد قطب حيث يرى أن الشهادة بأن لا اله الا الله لا تتحقق ولا يكون لها وجودا حقيقيا ولا اعتبارا ولا يقال لقائلها مسلما إلا في صورتها الكاملة وهي اعتقادا في الضمير وشريعة في واقع الحياة. [١٤] وکفروا غیرهم ممن لایؤمن بتوحیدهم. [١٥] وغالوا فی الأحکام ورموا غیرهم بالبدعة حتی أصبحت أغلب ما یقوم به المسلمون من أعمال ومناسك وشعائر وتقالید بدعة فی رأیهم ويرى حسن فرحان المالكي أن الفوضى التكفيرية هي نتيجة طبيعية وحتمية من نتاج منهج محمد عبد الوهاب [١٦] المتطرف والمغالي في الدين وهذا التطرف والمغالاة فی الدین کان له الدور الاساس فی تکفیر الاخرین والغلظلة والخشونة فی التعامل مع غیر نحلتهم وهذا حالهم فی عصرنا الحاضر ومن اثار التشدد والغلو فی الدین هو سوء الظن والاتهام للغیر فأصبح عندهم الاتهام وسوء الظن الأساس فی التعامل مما أدی إلی طريق مسدود في التفاهم مع غیرهم . ولعلنا نستطیع أن نعتبر ابن تیمیة سید المغالین فی الدین وإمام التطرف الدیني والذی ورثته منه الوهابیة والسلفیة المعاصرة ، فغالی فی التوحید وفی التمسك بالصحابة وخاصة فی فریضة الامر بالمعروف والنهی عن المنکر، ومنع زيارة النبي والأولياء والتوسل بهم إلا أن التشدد الوهابي المعاصر فاق الغلو التيموي، ومن وجهة نظر المعتدلين من الوهابيين أن هذا الغلو المفرط كان ردة فعل لاشتداد الخصومة بين الوهابية ومعارضيها ، فتحمس الوهابيون في الرد وغالوا في الذم. [١٧]
- التقلید الأعمی وضعف البصیرة.
التقلید الاعمی وضعف البصیرة هما العاملان الأساسيان لکثیر من الازمات والعصبيات السالفة والحاضرة. ولا يزال التقلید الأعمی هو السد المنیع أمام قبول دعوات الأنبیاء (علیهم السلام). ولقد عانوا (ع) جراء ذ`لك أشد المعانات وهذا ما نشهده فی عصرنا الحاضر حیث بقیت الوهابیة تتبع اقوال بعض العلماء المتطرفین من دون نظر وتدقیق وقبلوا کلامهم وکانه نص منزل ، واتبعهم کثیر من الشباب الذین جعلوا التقلید الاعمی منهجا فی حیاتهم لیتخلصوا من عناء التدبر والتتبع للتبصر فی الدین، والتاریخ یعید نفسه حیث کان التقلید الاعمی مانعا لاتباع الدین والآن أصبح مانعا لتطوره وفهمه فهما صحيحا. [١٨]
- الاضطهاد السیاسي
إن التطرف والتشدد یعشعش فی الأجواء المضطهدة کردة فعل للضغط والاستبعاد والحرمان من حریة التعبیر وممارسة ترویج الافکار وإرسائها ، فنری بعض العلماء ینحون منحی التطرف فی قراءة النص الدینی واستخدام الخطاب المتشدد فی بیانه وهذا ما حصل أيضا لبعض الذین اجبرتهم سیاسیة التهمیش أن یفسروا الآیات القرآنیة تفسیرا ثوریا متشددا یوحي إلی التکفیر ورفض الغیر .
ملاك التكفير الصحيح
التكفير هو تشريع له أسبابه وشروطه وضوابطه،كما أن له موانعه وآثاره، وهو في حقيقته حكم رادع لصون الأمة من الانحراف والانزلاق، ولكن في عصرنا الحاضر عُرّيً التكفير من ضوابطه وموانعه وأصبح سلاحاً لنيل المطامع والمصالح وحربة طُعنً بها الإسلام طعنةً مبرحة أخذت تنال منه يوماً بعد يوم. [١٩] والعلة أو ملاك التكفير الصحيح هو الكفر بالاصطلاح الفقهي لا الكفر لغة ولا الكفر العملي. فالكفر الفقهي هو ما يهم الباحث؛ لأنه هو الناظر إلى كيفية تعاطي وتعامل المسلم مع غير المسلم وفق القوانين والتشريعات الإسلامية؛ وهو الذي يكون موضوعاً لإثبات بعض الأحكام الفقهية للمتصف بهاذين العنوانين (الكفر والإسلام) والتي من أهمها حكم التكفير، وغيرها من الأحكام.
والكفر بالمعنى الفقهي يشمل:
أولاً- إنكار أصل من أصول الدّين الأساسية، كالتوحيد، أو نبوة النبي محمَّد (ص). فمجرد إنكار هذين الاصلين موجب للخروج من حظيرة الإيمان والدخول في حظيرة الكفر. وهذا الأمر من البديهيات وتؤيده الشواهد والأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة. [٢٠]
ثانياً- إنكار ما هو معلوم من الدّين الإسلامي بالضرورة (مع الالتفات إلى ضروريّته)، مثل إنكار المعاد، أو وجوب الصلاة.[٢١]
وقد وقع خلاف بين الفقهاء المسلمين في اشتراط أركان أخرى لتحقّق الإسلام من زاوية فقهية غير التوحيد والنبوة، من قبيل إضافة الإيمان بأصل المعاد أو الإمامة أو العدل وغيرهما. ولكن فقهاء المسلمين اتفقوا في الجملة على أنّ الإيمان بالتوحيد والنبوة كافٍ في اكتساب الهوية الإسلامية، وأنّ إنكار أصل من الأصول الدينية الأساسية مخرج عن الدين والملة. وأما بقية الأصول الأخرى فحكمها حكم منكر الضرورة الدينية، وهو أنّ إنكارها لا يشكّل في حد ذاته سبباً مستقلاً للكفر، وإنما يوجب الكفر والارتداد عن الإسلام إذا استلزم تكذيب النبي (ص) وإنكار رسالته. فيعود الأمر إلى إنكار الأصلين الأساسيين (التوحيد والنبوّة)، وأن ملاك الكفر والخروج من الإسلام هو الإنكار الصريح أو الالتفات إلى الملازمة، لا مجرد وجود تلك الملازمة. [٢٢] واستدل لذلك بالسيرة القولية والفعلية لرسول الله (ص) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) - مضافاً إلى الآيات القرآنية الواردة في هذا الشأن.
حرمته
أجمع فقهاء المسلمين إلا من شذ منهم على عدم جواز تكفير من نطق بالشهادتين، والتكفير حكم شرعي، له أسبابه وضوابطه وله شروطه وموانعه شأنه شأن سائر الأحكام الشرعية. والحكم الشرعي لا يثبت إلا بالأدلة الشرعية.
وان تكفير أهل القبلة مرفوض كتاباً وسنة. قال تعالى في كتابه الكريم: (يا أيّها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا). [٢٣] وقد ورد في السنة الشريفة من الأحاديث والمواقف الدالة على النهي الشديد عن تكفير أهل القبلة وأهل الشهادتين وقتالهم، نذكر جملة منها :
1- قال النبي (صلى الله عليه وآله) : (لا تكفّروا أهل ملتكم وإن عملوا الكبائر).
2- وقال (صلى الله عليه وآله) : (لا تكفّروا أحداً من أهل القبلة بذنب وإن عملوا الكبائر). نقول: نعم ان الكبائر توجب العقاب لا الكفر .
3- وقال (صلى الله عليه وآله) : (بني الاسلام على خصال : شهادة ان لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاقرار بما جاء من عند الله , والجهاد ماض منذ بعث رسله إلى آخر عصابة تكون من المسلمين ... فلا تكفّروهم بذنب ولا تشهدوا عليهم بشرك) .
4- وقال (صلى الله عليه وآله) : ( بني الإسلام على ثلاث ... أهل لا إله إلا الله لا تكفّروهم بذنب ولا تشهدوا عليهم بشرك) .
5- عن ابن عمر : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) .
6- وعن أبي ذر : أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : (لا يرمي رجل رجلاً بالفسق أو الكفر إلا أرتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك) .
7- وقال (صلى الله عليه وآله) : (من كفّر أخاه فقد باء بها أحدهما).
8- وقال (صلى الله عليه وآله) : (إيّما رجل مسلم كفّر رجلاً مسلماً فإن كان كافراً وإلا كان هو الكافر) .
9- وقال (صلى الله عليه وآله) : ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله) .
10- - وقال (صلى الله عليه وآله) : (كفّوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفّروهم بذنب، فمن أكفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب) .
هذه الأحاديث مبثوثة في (جامع الأصول : 1 و 10 و 11)، كما أنّها مجموعة بأسرها في (كنز العمال/ للمتقي الهندي : ج 10).
وفي التاريخ الإسلامي ما يحتذى به دليلاً ومثالاً في كيفية تعامل المسلمين مع المسلم المخالف المكفِّر لهم، ويتجسد ذلك بموقف علي (ع) من الخوارج (أول فرقة تكفيرية دموية في التاريخ الإسلامي)، فالخوارج لم يكفرهم عليٌّ(ع) برغم تكفيرهم له وأصحابه، بل ولم يشرع بقتالهم حتى سفكوا الدَم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتَلهم لدفع ظُلمهم وبغيهم، لا لأنّهم كفّار؛ إذ ليس كلُّ مخطئٍ أو مبتدعٍ أو ضالٍّ يكون كافراً.
طرق معالجته
هنالك بصورة عامة أسلوبان في معالجة ظاهرة تكفير أهل القبلة:
العلاج النظري
ويتم تحقيقه من خلال:
أولاً- إثراء البحث الكلامي، وتعميقه أسوة بالبحث الفقهي، وهذا يتم من خلال:
أ- فتح باب الاجتهاد الكلامي: وهو يُسهم في إيجاد مناخ يقبل التنوع، وحرية الرأي، كما أنه يسهم في تجاوز السطحية في فهم الدّين، نتيجة الجهل بأبعاده ومقاصده، وتجاوز كل التأثيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدخيلة على البحث الكلامي.
ب- اعتماد منهج متجرّد عن أيّ مؤثِّراتٍ سياسية أو اجتماعيَّة أو تراثيَّة تحاول أن تُسقِطَ خلفياتها وتأثيراتها على النصِّ لتُمارس تجاهه فعل الهيمنة بما يَحرِفه عن دلالاته ومعانيه التي أرادها الله تعالى. ولعل أهمها بحسب المنهجية السلفية سلطة آراء السلف الصالح على الفهم الديني.
ولذا لابد من الخروج عن سلطتي السلف والمشهور الفكريتين، وهذا لا يعني بالضرورة أهمال التراث الديني والتجارب السابقة بقدر ما يعني أن هنالك فرقاً شاسعاً بين قراءة دينية مقلدة ومتابعة بشكل حرفي لأسلافها في تعاملها مع التراث الديني وبين قراءة اجتهادية ناقدة ومنفتحة بشكل موضوعي على تجارب السابقين النافعة.
نعم الانطلاق من الواقع الثقافيّ، والاجتماعيّ والتُّراثيّ وغيرها يُغنِي في إنبات الأسئلة ذات الصِّلَة، ولكن شرط أن يبقى الواقع محكوماً للنصِّ وليبقَى النصُّ هو الحاكم للواقع والأساس في فهمه. ثمَّ يجب أن يكون فهمنا للنصِّ الديني فهماً شموليَّاً غير تجزيئيّ وموضوعي غير أفرادي، وهذا ما يَستدعي أن نُشبِعَ فكرنا وعقولنا بمعاني النصِّ ومضامينه حتَّى تتشكَّل لدينا قاعدةٍ صلبة ومنيعة من الفهم الدِّيني تؤهِّلَنا لممارسةِ ذلك العمل النقديّ تِجَاه التُّراث والثقافة بهدف تفكيك كافّة الألغام التي زُرِعَت وتُزرع فيهما.
ج- تحديد أصول الاستنباط العقدي (قواعد الإثبات العقدي)، وتدوينها، وتبويبها في إطار علم خاص أسوة بعلم أصول الفقه؛ لأن بقاء القواعد الكلامية مبثوثة ضمن علم الكلام التقليدي معناه عدم نضج علم الكلام الذي يخدم العملية الاجتهادية الكلامية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن وجود مثل هذا العلم واعتماد قواعد صحيحة ومنضبطة فيه من شأنه أن يحد من التخبط الكلامي، والتعامل الملتبس مع بعض وسائل وطرق الاستدلال الكلامي، كما نجد ذلك في الخلط الحاصل بين وسائل الإثبات العقدي، وبين وسائل الإثبات الفقهي مع أن البون شاسع جداً بين العلمين في الموضوع، والوظيفة، والغرض، كما في قضية الأخذ بخبر الواحد وهذا ما أدى إلى ظهور كثير من المشهورات الدّينية التي لا أصل لها، والتي ترتب عليها أحكام وآثار خطيرة قد تصل إلى حد تكفير منكرها، وتجويز قتله.
د- البحث عن أصول معرفية جديدة لتخطي الأطر الموجودة للكلام التقليدي الذي انغلق على النص، والمذهب، ومصادره الروائية، وأدوات المنطق الأرسطي. هذا الانغلاق أدى إلى الحيلولة دون الاستفادة من وسائل الإثبات الأخرى من قبيل الواقع، والتاريخ، والتجارب الإنسانية، والتراث الكلامي الأصيل، ومعطيات العلم القطعية.
ثانياً- تحديد الأصول والثوابت العقدية الأساسية، والتي تمثل البديهيات العقدية، مثل: الإيمان بالله، ووحدانيته، ورسله، واليوم الآخر، وعدَّها هي الأساس في تحديد مفهوم الكفر والإسلام، وهي قليلة جداً بالمقارنة مع القضايا العقدية التفصيلية، والتي يكون مجال الاجتهاد فيها أوسع، ولا يضر الاختلاف فيها المسلمين في وحدتهم وتماسكهم.
ثالثاً- العودة إلى كتاب الله وسنَّة رسوله الثابتة ليكونا المصدر الأساس المُعتَمَد عليهما في مجال الفتوى، وليكونا المعيار والميزان الذي يوزن بهما أيّ إنتاجٍ معرفيّ أو أيّ تراثٍ وثقافةٍ. فالتكفير حكم شرعي حاله حال أي حكم شرعي آخر والحكم الشرعي لا يثبت إلا بالأدلة الشرعية.
ولقد اعتمد فقهاء الماضي على الرواية والفتوى واعتمد فقهاء التطرف المعاصرين كثيراً على الرواية والفتوى، ومن هنا فإن المعالجة تتطلب اعتماد مفاهيم القرآن الكريم ومصطلحاته المتعلقة بتحديد عنوان المسلم والكافر الرائجة عند النـزول، بدلاً من المعاني التوليدية لألفاظ القرآن الكريم والمحدثة الناشئة في العصور المتأخرة عن القرآن، سيما في عصور المذاهب، لاسيما لفظي الإيمان والكفر والشرك، والارتداد وآثارها؛ لأن إطلاق تلك العناوين على حدث فيما بعد لا في زمن الرسول، فليس حقيقيةً شرعيّة في تلك الأزمنة، فإن المعاني المقصودة عند النـزول هي التي يجب التعبد بها شرعاً عند ممارسة الاستنباط، وتحديد المفاهيم، وإثبات الأحكام الشرعية لموضوعاتها. [٢٤] والعمل على غربلة التراث الروائي الإسلامي من الأحاديث المكذوبة والموضوعة والتي يتّخذها التكفيريون درعاً يتحصنون به أو مبرراً لأفعالهم. وعدم الاكتفاء بالغربلة لوحدها، بل لابد من ترشيد التراث الروائي من خلال الضابط القرآني وهذا يتم من خلال العودة إلى القرآن وجعله الحكم والفيصل في التراث بشكل عام وفي الرواية والفتوى بشكل خاص.
العلاج العملي
ويعني علاج ظاهرة التكفير وثقافته من خلال علاج أسبابه ومبرراته الفكرية عملياً، وأهم تلك الخطوات العملية:
1- العمل على تحريم وتجريم تكفير من أقر بالشهادتين أو من لم ينكر الشهادتين، ولم ينكر ما ثبت من ضروريات الدين الإسلامي المتفق عليها.
2- يجب أن يُعمَد إلى التُّراث التكفيريّ الرائج لدى التيارات التكفيرية السلفية وبعض علماء التكفير البارزين لديهم بهدف تشريحه وتفكيكه ونقده، ومحاولة تعريته من أي نظرةٍ قداسويَّة تهدف إلى جعله متعالياً على النقد، إذ إنَّ هذا التُّراث تشكَّل في معظمِه متأثِّراً بظروف وأجواء ومعطيَات غير صحيَّة، سياسيَّة أو غير سياسيَّة، وبخلفيَّات ثقافيَّة لا يُمكن الإدِّعاء بكونها خاليةً تماماً من شوائب غير إسلاميَّة، وهو ما أدَّى إلى إنتاج تُّراثٍ مشوَّه وهجينٍ في العديد من أفكاره ومضامينه، والتي منها قضيَّة التكفير لعموم المسلمين المخالفين أو الكثير منهم. ولذلك لا يُمكن علاج ظاهرة التكفير المُنفَلِت، ما لم يُعمَد إلى تحليل وتعطيل ذلك التُّراث التكفيريّ وتفكيك ألغامه، التي ما فتئِت تنفجر بين المسلمين فِتَناً وقتلاً للنفس التي حرَّم الله تعالى.
3- القيام بتنميةٍ ثقافيَّة واجتماعيَّةٍ وسياسيةشاملة تنقل العديد من المجتمعات والأفراد إلى العصر الذي يَعيشون، بما يجعلهم أقدر على فهم واقعهم المُعاش ومتطلَّباتِه وعلاقاتِه وتحوّلاته وجميع إشكاليَّاته، وبما يجعلهم أقدر على فهم الآخر الدّيني أو المذهبيّ كما يُعبِّر هذا الآخر عن تُصوِّره نفسه لا كما تصفه المصنَّفات التُّراثيَّة أو الحملات الدعائية والإعلامية المغرضة، وهذا ما يُسعِفهم أيضاً على فهم الدِّين بشكلٍ أفضل لتقوم علاقة جدليَّة بين فهمٍ أفضل للواقع وفهمٍ أصحَّ للدِّين تجعل أداء تلك المجتمعات أو الجماعات أقرب إلى مرامي الدّين، لذا لا بدَّ من تنميةٍ شاملةٍتعليميَّة وتربوية تُساعد على انتشال البعض من ظُلمات التاريخ، ليعيشَ حاضره وواقعه بملابساته المختلفه.
4- العمل على نشر ثقافة الإسلام المحمدي الأصيل، فعلاج ظاهرة التكفير ومواجهتها عملياً لا يتم فقط من خلال العمل على هدم الأسس والمرتكزات التي يعتمدها الفكر التكفيري وجماعاته المختلفة ومنع انتشارها بين أفراد المجتمع، بل لابد من التفكير في إشاعة البديل الفكري الصحيح والذي يمثل الضد النوعي من خلال نشر ثقافة الإسلام المحمدي الأصيل، وتثقيف الأمة على مبادئ الإسلام الحقيقية كالتراحم والتسامح والتعايش والإخاء والمحبة واحترام رأي الآخر وغرس ثقافة الرفق في النفوس والابتعاد عن العنف والتطرف والارهاب، وأن يكون الخطاب الديني والسياسي موجهاً للعقل والقلب وروح الإنسان مبتعداً عن إثارة الفتن والعصبيات فإنها حواضن التكفير والبغضاء والأحقاد. ورحم الله الشاعر حين قال:
قد ابتلينا بـــ (إمام) ذكر الله وسبح فهو كالجزار فينا يذكر الله ويذبح
5- العمل على مواجهة التكفيريين ممن لم ينفع معهم أسلوب الحوار والنصح والدعوة ويتم ذلك من خلال استخدام القوة العسكرية.
الهوامش
- ↑ الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مادة (كَفَرَ)، ص 714.
- ↑ الراغب الأصفهاني، ص 714.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، مادة (كَفَرَ)، ج 12، ص 120 .
- ↑ ابن ادريس، السرائر، ج 1، ص 237 - 243.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، مادة (كَفَرَ)، ج 12، ص 122.
- ↑ الحلي، الجامع للشرائع، ص 48.
- ↑ سورة المائدة: 65.
- ↑ ابن منظور، ج 12، ص 122.
- ↑ حمداوي، جميل، الحركات الإسلامية وسلاح التكفير، مجلة الكلمة الطيبة، ص 88.
- ↑ أبو لحية، نور الدين، أسس البناء الفكري للجماعات الإرهابية بين الاتجاهات السلفية والحركية، ص 2.
- ↑ حسن فرحان المالكي، ص 78 .
- ↑ حسن فرحان المالكي، داعية وليس نبياً، ص 77.
- ↑ حسن فرحان المالكي، داعية وليس نبياً، ص 77.
- ↑ سيد قطب، معالم في الطريق،
- ↑ المالكي، حسن فرحان، داعية وليس نبياً. ص 79.
- ↑ المالكي، داعية وليس نبياً. ص 63.
- ↑ المالكي، داعية وليس نبياً. ص 15.
- ↑ نور الموسوي، كاظم راضي خضر، ظاهرة التکفير الجذور والأسباب، ص 16.
- ↑ نور الموسوي، كاظم راضي خضر، ظاهرة التکفير الجذور والأسباب، ص 2.
- ↑ الخشن، حسين، العقل الإسلامي بين سياط التكفير وسبات التفكير، ص 17.
- ↑ الطباطبائي اليزدي، محمد كاظم: العروة الوثقى، ج 1، كتاب الطهارة، مبحث النجاسات، ص 143 - 144 .
- ↑ زادة، محمَّد واعظ، الوحدة الإسلامية عناصرها وموانعها، مجلة رسالة التقريب، ج 15، ص 168.
- ↑ سورة النساء، ص 94.
- ↑ رشيد رضا: تفسير المنار، ج 1، ص 21.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- ابن منظور، محمَّد بن مكرم، لسان العرب، بيروت -لبنان، دار إحياء التراث، ط 1، 1408 هـ.
- ابن إدريس الحلي، محمد بن منصور، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417 هـ.
- ابو لحية، نور الدين، أسس البناء الفكري للجماعات الإرهابيةبين الاتجاهات السلفية والحركية.
- المتقي الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، (ط. الرسالة)، المحقق: صفوت السقا - بكري الحياني، بيروت، الناشر: مؤسسة الرسالة.
- الحلّي، يحيى بن سعيد، الجامع للشرائع، قم - إيران، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، 1405 هـ .
- الخشن، حسين، العقل الإسلامي بين سياط التكفير وسبات التفكير، بيروت، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، 2006 م.
- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمَّد، المفردات في غريب القرآن، المحقق: صفوان عدنان الداودي، ط1، دمشق - بيروت، دار القلم- الدار الشامية، 1412 هـ.
- الطباطبائي اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المقدّسة، ط 1، 1417 هـ.
- الكاساني الحنفي، علي الدين أبو بكر، بدائع الصنائع، باكستان، المكتبة الحبيبية، 1409 هـ .
- رشيد رضا، محمد، تفسير المنار، المكتبة الوقفية، 1366 هـ - 1947 م.
- زراقط، محمد حسن، نصاب الكفر والإيمان، مجلة الكلمة الطيبة، مجلة فصليةمحكمة، بيروت، العدد 18، 2014 م.
- محمَّد واعظ زادة، الوحدة الإسلامية عناصرها وموانعها، مجلة رسالة التقريب.
- نور الموسوي، كاظم راضي خضر، ظاهرة التکفير الجذور والأسباب، جامعة المصطفى العالمية، قم المقدسة، kalnoor@yahoo.com.
- مجلة الكلمة الطيبة، مجلة فصلية محكمة، جامعة المصطفى العالمية،بيروت، العدد 28، السنة18، 1435 هـ.