انتقل إلى المحتوى

حديث شد الرحال

من ويكي شيعة
حديث شد الرحال
الموضوعفضيلة مسجد النبي، والمسجد الحرام ومسجد الأقصى، أو حرمة السفر بقصد الزيارة
القائلرسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم
مصادر السنةصحيح البخاري وصحيح مسلم
أحاديث مشهورة
حديث الثقلين . حديث الكساء . حديث المنزلة . حديث سلسلة الذهب . حديث الولاية . حديث الاثني عشر خليفة . حديث مدينة العلم


حديث شَدّ الرِّحال، رواية نبوية تتعلق بفضل المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ويختلف الشيعة وسائر أهل السنّة عن الوهابيين في معناها. فبحسب فهم الوهابيين، فإنّ السفر إلى أي مكان غير هذه المساجد الثلاثة، حتى بقصد زيارة قبر النبيصلی الله عليه وآله وسلم، يعدّ حرامًا وبدعة، بينما يرى علماء الشيعة وأكثر علماء أهل السنة أن هذا الرأي مخالف لسنّة النبيصلی الله عليه وآله وسلم والصحابة. وبناءً على ذلك، فإنّ معنى الحديث عند الشيعة وغالبية أهل السنة هو أنّ هذه المساجد الثلاثة أفضل من سائر المساجد؛ ولهذا يُستحب السفر إليها، غير أنّ الحديث لا علاقة له بالأسفار التي تُقصد لأغراض أخرى كـزيارة أو تجارة ونحو ذلك.

وقد ورد هذا الحديث في المصادر الموثقة لأهل السنة. وفي المصادر الشيعية أيضًا وردت رواية مشابهة عن الإمام عليعليه السلام ذُكر فيها مسجد الكوفة بدل المسجد الأقصى. وقد تناولت كتب متعددة هذا الحديث وموضوع زيارة قبر النبي، منها كتاب شدّ الرحال إلى زيارة النبي وآلهصلی الله عليه وآله وسلم من تأليف الشيخ جعفر السبحاني.

المكانة والأهمية

حديث شدّ الرحال حديث نبوي يُستند إليه في الفكر الوهابي على تحريم السفر بقصد زيارة قبر النبيصلی الله عليه وآله وسلم.[١] ويُعدّ هذا الحديث من القضايا الجدلية بين الشيعة والوهابية،[٢] وقد ورد في مصادر موثقة عند أهل السنة مثل صحيح البخاري[٣] وصحيح مسلم.[٤]

النبي صلی الله عليه وآله وسلم:
«لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»



صحيح البخاري، ج2، ص60.

كما وردت أحاديث أخرى في مصادر أهل السنة تحمل مضمونًا مشابهًا لحديث شدّ الرحال.[٥] وقد جُمعت في بعض تلك المصادر الروايات ذات المضمون الواحد تحت باب بعنوان "لا تُشَدُّ الرِّحال".[٦]

وفي المصادر الشيعية، يختلف نصّ الحديث عمّا ورد في كتب أهل السنة؛ إذ يُروى عن الإمام عليعليه السلام لا عن النبيصلی الله عليه وآله وسلم، ويُذكر فيه مسجد الكوفة بدل المسجد الأقصى.[٧] وقد ورد عن الإمام الرضاعليه السلام أنّه قال: «لا يُشَدّ الرحال إلى قبرٍ إلا إلى قبورنا».[٨]

فهم الوهابيين للحديث

ذهب المفكر السلفي البارز ابن تيمية، وابن باز وهو أحد كبار علماء الوهابية، إلى أنّ السفر بقصد زيارة القبور، حتى قبر النبيصلی الله عليه وآله وسلم، حرام استنادًا إلى حديث شدّ الرحال، بل عدّاه بدعة وشركًا في بعض المواضع.[٩] ويعتقدان أنّه لا يجوز السفر إلا إلى المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، والمسجد النبوي.[١٠] أمّا هيئة كبار العلماء في السعودية (الجهة العليا للإفتاء) فقد أصدرت فتوى بعدم جواز السفر لزيارة قبر النبي وعدّته بدعة؛ وذلك بناءً على هذا الحديث.[١١]

لكنّ معارضي هذا التفسير يرون أنّه يتعارض مع الأحاديث الصحيحة الأخرى،[١٢] فمثلًا ثبت في صحيح البخاري[١٣] وصحيح مسلم[١٤] أن النبيصلی الله عليه وآله وسلم كان يذهب يوم السبت إلى مسجد قباء. وكذلك تذكر بعض الدراسات نماذج من سلوك الصحابة الذين كانوا يسافرون بقصد الزيارة.[١٥]

الاستدلال بالحديث لأهداف سياسية

استُخدم حديث شدّ الرحال لأغراض سياسية أيضًا؛ فقد ورد أنّ عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي الخامس، استدل إليه؛ ليمنع الناس من الذهاب إلى مكة لأداء الحج، وأجبرهم على إقامة الحج في بيت المقدس والطواف حول قبة الصخرة.[١٦] ويذكر المؤرخ اليعقوبي (في القرن الثالث الهجري) أنّ سبب ذلك كان مخافة عبد الملك من مبايعة الناس لـعبد الله بن الزبير.[١٧]

موقف الشيعة وأهل السنة غير الوهابيين

رفض الشيعة[١٨] وعدد كبير من علماء أهل السنة[١٩] تفسير ابن تيمية لحديث شدّ الرحال، فقد وصفه الشهيد الأول (من فقهاء القرن الثامن الهجري) في كتاب الذِّكرى بأنّه دعوى باطلة لا دليل عليها.[٢٠] ويرى بعض فقهاء الشيعة أنّ الحديث إنّما يدل على أنّ المساجد الأخرى متساوية في الفضل، فلا ميزة في السفر للصلاة في مسجد غير مسجد البلدة.[٢١]

وأمّا جمهور علماء السنة مثل النووي،[٢٢] والغزالي،[٢٣] والملا علي القاري الحنفي،[٢٤] والذهبي،[٢٥] والجصاص،[٢٦] وابن عابدين الحنفي،[٢٧] والزرقاني المالكي،[٢٨] وابن قدامة الحنبلي،[٢٩] فقد أكدوا أنّ الحديث لا يدل على تحريم زيارة القبور، وخصوصًا قبر النبيصلی الله عليه وآله وسلم، بل هو لبيان فضل المساجد الثلاثة. وقد أفتى علماء الهند بجواز زيارة قبر النبي، بل واعتبروها من الأعمال ذات الثواب العظيم.[٣٠] وذكر المالكي، مؤلف كتاب "الزيارة النبوية"، أنّ هذه الفتوى حظيت بتأييد علماء مكة والمدينة والشام وبعض علماء الأزهر.[٣١]

ويرى الشيخ جعفر السبحاني، الفقيه والمتكلم الشيعي، أنّ الحديث يدلّ على أنّ المساجد الأخرى غير الثلاثة لا يُسافر إليها تعبّدًا،[٣٢] غير أنّ ذلك لا يشمل السفرات التي تُقصد للزيارة، فلا وجه لتحريمها.[٣٣]

مؤلفات حول الحديث

كتاب "شدّ الرحال إلى زيارة النبي وآله(ص)" من تأليف الشيخ جعفر السبحاني، في الرد على تفسير ابن تيمية للحديث

أُلفت آثار متعددة ومستقلة حول موضوع حديث شد الرحال ومسألة زيارة قبر النبيصلی الله عليه وآله وسلم،[٣٤] ومنها:

الهوامش

  1. الدويش، فتاوى اللجنة الدائمة، ج1، ص286.
  2. حسن، المناظرات، ج4، ص279.
  3. البخاري، الصحيح، ج2، ص60.
  4. ابن الحجاج، صحيح مسلم، ج2، ص1014.
  5. ابن الحجاج، صحيح مسلم، ج2، ص1014؛ ابن حبان، الصحيح، ج4، ص509؛ الطبراني، مسند الشاميين، ج4، ص120.
  6. ابن الحجاج، صحيح مسلم، ج2، ص1014.
  7. الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص231؛ الشيخ الصدوق، الخصال، ج1، ص143.
  8. الشيخ الصدوق، الخصال، ج1، ص144.
  9. ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج2، ص440؛ ابن باز، فتاوى نور على الدرب، مؤسسة الشيخ بن باز الخيرية، ج1، ص185.
  10. ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج2، ص440؛ ابن باز، فتاوى نور على الدرب، ج1، ص185.
  11. الدويش، فتاوى اللجنة الدائمة، ج1، ص286.
  12. الطبسي، روافد الإيمان إلى عقائد الإسلام، ص103.
  13. البخاري، الصحيح، ج2، ص61.
  14. ابن الحجاج، صحيح مسلم، ج2، ص1017.
  15. السبحاني، شد الرحال إلى زيارة النبي وآله، ص26-31.
  16. اليعقوبي، التاريخ، ج2، ص261.
  17. اليعقوبي، التاريخ، ج2، ص261.
  18. الشهيد الأول، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ج3، ص110؛ السبحاني، في ظلال التوحيد، ص282-283.
  19. القسطلاني، إرشاد الساري، ج2، ص595؛ النابلسي، الحضرة الإنسية، ص129؛ الخفاجي، نسيم الرياض، ج3، ص514؛ السبحاني، شد الرحال إلى زيارة النبي وآله، ص31-45.
  20. الشهيد الأول، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ج3، ص111.
  21. الشهيد الأول، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ج3، ص110؛ السبحاني، في ظلال التوحيد، ص282-283.
  22. النووي، صحيح مسلم بشرح الإمام النووي، ج9، ص167-168.
  23. الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، ص149.
  24. الهروي القاري، مرقاة المفاتيح، ج2، ص589.
  25. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج9، ص368.
  26. الجصاص، أحكام القرآن، ج1، ص295.
  27. ابن عابدين، رد المحتار، ج2، ص627.
  28. الزرقاني، شرح الزرقاني، ج1، ص396-397.
  29. ابن قدامة، المغني، ج2، ص195.
  30. المالكي، الزيارة النبوية، ص127.
  31. المالكي، الزيارة النبوية، ص130-131.
  32. السبحاني، في ظلال التوحيد، ص282-283.
  33. السبحاني، في ظلال التوحيد، ص282-283.
  34. أحمدي، «تک‌نگاری‌های عالمان اهل‌سنت در تبیین فضیلت زیارت پیامبر(ص)»؛ درگاهي، «مشروعیت شد رحال برای زیارت قبور»، ص8-9.
  35. السبحاني، شد الرحال إلى زيارة النبي وآله، صفحة الإصدار.
  36. الحسيني الميلاني، الرد على ابن تيمية في الشفاعة والزيارة والاستغاثة، صفحة الإصدار.
  37. السبكي، شفاء السقام في زيارة خير الأنام، صفحة الإصدار.
  38. العلوي المالكي، الزيارة النبوية بين البدعية والشرعية، صفحة الإصدار.

المصادر والمراجع

  • الدويش، أحمد بن عبد الرزاق، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، 1416هـ.
  • الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1414هـ.
  • الزرقاني، محمد بن عبد الباقي، شرح الزرقاني، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، 1424هـ.
  • السبحاني، جعفر، شد الرحال إلى زيارة النبي وآله(ع)، قم، مؤسسة الإمام الصادق(ع)، 1391ش.
  • السبحاني، جعفر، في ظلال التوحيد، طهران، مشعر، 1421هـ.
  • السبكي، علي بن عبد الكافي، شفاء السقام في زيارة خير الأنام(ص)، د.م، د.ن، 1419هـ.
  • الشهيد الأول، محمد بن جمال الدين، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، قم، مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1419هـ.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي، الخصال، قم، دفتر انتشارات إسلامي، 1362ش.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، قم، دفتر انتشارات إسلامي، 1413هـ.
  • الطبراني، سليمان بن أحمد، مسند الشاميين، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1405هـ.
  • الطبسي، نجم الدين، روافد الإيمان إلى عقائد الإسلام، بيروت، دار الولاء، 1423هـ.
  • العلوي المالكي، محمد، الزيارة النبوية بين البدعية والشرعية، أبوظبي، المجمع الثقافي، 2000م.
  • الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، جدة، دار المنهاج للنشر والتوزيع، 1432هـ/2011م.
  • القسطلاني، أحمد بن محمد، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، بيروت، دار الفكر، 1431هـ.
  • المالكي، محمد، الزيارة النبوية في ضوء الكتاب والسنة، القاهرة، دار جوامع الكلم، د.ت.
  • النابلسي، عبد الغني بن إسماعيل، الحضرة الأنسية، بيروت، المصادر، 1411هـ.
  • النووي، يحيى بن شرف، صحيح مسلم مع شرح الإمام النووي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1392هـ.
  • الهروي القاري، علي بن محمد، مرقاة المفاتيح، بيروت، دار الفكر، 1422هـ.
  • اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، بيروت، دار صادر، د.ت.