التأويل

مقالة متوسطة
استنساخ من مصدر جيد
من ويكي شيعة

التأويل، اصطلاحٌ يرتبط في عملية فهم النصوص، وبمعنى آخر: أنه نوع من القراءة الخاصة للنص، بحيث يخالف ظاهر المتن. وهي لفظةٌ قرآنية، ومصطلح ٌ في علوم القرآن والتفسير والحديث، ومن ثمّ في أصول الفقه والكلام والفلسفة والعرفان. فالقدماء كانوا يعتبرون هذه الكلمة مرادفة لكلمة التفسير، وأمّا المتأخرون، فإنهم يعتقدون أنّ التأويل بمعنى: خلاف الظاهر.

أمّا بخصوص العالِمين بالتأويل، ففي مدرسة أهل البيتعليهم السلام أنّ أهل العصمة هم الراسخون في العلم، ومن العلماء من يرى تعدّيه إلى الخواصّ من أتباعهم، كما تَوافَق القول عند أهل السنة والجماعة أيضاً من أنّ الراسخين في العلم هم الصحابة والتابعين لهم من العلماء والمفسرين. وبذلك لا ينحصر تأويل القرآن بالله تعالى.

معنى التأويل

لغة

يعدّ جميع فقهاء اللغة أنّ لفظة التأويل هي من الجذر اللغوي (أوّل)، فالتّأويل من الأول، أي: الرجوع إلى الأصل، ومنه: المَوئِلُ‏ للموضع الذي يرجع إليه، وذلك هو ردّ الشي‏ء إلى الغاية المرادة منه، علماً كان أو فعلاً. [١] [٢] أي: تفسير الكلام الذي تختلف معانيه، ولا يصحّ إلا ببيان غير لفظه.[٣]

اصطلاحاً

قد وَرَدَت أقوالٌ كثيرة في معنى التأويل:

1- فمنهم من قال: إنّ التأويل هو: تفسير الكلام وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالفه، فيكون التأويل والتفسير على هذا مترادفين.[٤]

2- ومنهم من قال: إنّ التأويل‏ هو: إرجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهري إلى معنى أخفى منه، وتأوّلَ‏ فلان الآية أي: نظر إلى ما يئول معناه.[٥]

‏3- ومنهم من قال: إنّ التأویل هو: ردّ أحد المُحتَمَلين إلى ما يطابق الظاهر.[٦]

4- ومنهم من قال: إنّه ليس من قبيل المعاني المرادة باللفظ، بل هو الأمر العيني الذي يعتمد عليه الكلام.[٧]

في القرآن الكريم

قد وردت مفردة التأويل (17) مرّة في القرآن الكريم:

  • ووردت مرّتين في سورة الكهف في (الآية 78 - 82) واستخدمت حول بعض التصرفات الغريبة وغير المتوقعة من قِبل العبد الصالح ﴿ عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا [٨] عندما رافقه النبي موسىعليه السلام ليتعلم منه.
  • ووردت أيضاً ثلاث مرّات في سورة الأعراف وسورة يونس (الأعراف في الآية 53) ، (يونس في الآية 39) واستخدمت حول وعود القرآن ووعيده.

تنوع الاستخدام القرآني

إنّ التنوع في استخدام لفظة التأويل في القرآن الكريم جعلها محوراً لأبحاث اللغويين والمفسرين وتمخضت بحوثم اعطاء عدّة معانٍ لمفردة التأويل، منها:

عُدّ التأويل في الآية (53) من سورة الأعراف بمعنى: النهاية، وفي الآية (37) من سورة يوسف بمعنى: أنواع الطعام، وفي الآية (7) من سورة آل عمران بمعنى: مدّة استمرار أمة الإسلام. وغيرها من المعاني كتفسير الأحلام في الآيات الثمان من سورة يوسف التي تقدّم ذكرها.

ومن بين هذه الوجوه التي ذُكرت في معنى التأويل ثمّة إجماع بين المفسرين على بعض هذه المعاني كتفسير الرؤيا في سورة يوسف ووقع الخلاف في البعض الآخر بحسب مبانيهم وارائهم في تفسير الآيات.[١٠]

الأقوال في معنى التأويل

قول المتقدمين

جعل القدماء التأويل مرادفاً للتفسير وبناءً على هذا المعنى أصبح لكلّ آيات القرآن تأويل، ولكن بمقتضى آية: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ [١١]، فلا أحد يعرف تأويل الآيات إلا الله [١٢]، بل قيل: بأنّ المفردات الثلاث (التأويل - المعنى - التفسير) لها المعنى ذاته.[١٣]

قول المتأخرين

معنى تأول القرآن هو البيانات والانطباعات المخالفة لظاهر اللفظ، أو هو بيان للمراد والمقصود الحقيقي للآية والذي لا يتواجد في ظاهر لفظها، ويتوافق في الوقت نفسه مع سياق الآيات السابقة واللاحقة. وبمعنى اخر: إنّ التأويل هو الابتعاد عن المعنى الظاهري للفظ استناداً إلى الدليل والقرينة، والتي لها تأويل هي الآيات المتشابهة فقط.[١٤]

قول المعاصرين

بعد الدراسات التفصيلية في مباحث العلوم القرآنية، ولا سيما التي جرت من قِبل الباحثين المعاصرين، فقد أبدوا آرائهم في موضوع التأويل، وتمخض بمعنيين:[١٥]

1- المؤوِّل يقوم بإرجاع المعنى الظاهريّ للمتشابه ويحيله للمعنى الذي انطلق منه، أو أنه يظهر حِكمة عمل يشوب ظاهره شبهة ما. علماً أنّ المتشابه في المصطلح القرآني يطلق على لفظة تحتمل عدّة معانٍ.

2- الإفصاح عن المعاني الباطنية للآيات؛ طبقاً للحديث الوارد من « أنّ للقرآن ظاهراً وباطناً »،[١٦] وهذا يعني أنّ التأويل يجري في جميع الآيات القرآنية. أيّ لكل آية من القرآن لها رسالة خالدة وتلك الرسالة تحتجب وراء ستار اللفظ.

فيكون التأويل عبارة عن (فهم كلّي بغض النظر عن الخصائص التنزيلية بكل آية)، كما جاء ذلك في كتاب التمهيد في علوم القرآن للعلامة الشيخ معرفة، ويحصل هذا الفهم من خلال التعمّق في الآيات القرآنية وتوفّر إمكانيات التأويل وعلى رأسها الرسوخ في العلم.[١٧]

العلم بتأويل القرآن

منذ العصر الأول جرى فيه طرح بحث الراسخين في العلم في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.[١٨] فـــ (الراسخون في العلم) جاءت بعد كلمة (الله) وبعد حرف (الواو) واعطت احتمالين هما:

الأول: كونها معطوفة على الله، وبناءً على هذا الرأي، فمن ينطبق عليهم لقب الراسخين في العلم يقفون على تأويل القرآن.

الثاني: هو الاستقلال عنها، فسيكون الراسخون في العلم هم من يقفون بوجه المنحرفين ﴿ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ [١٩] ويخبرونهم بإيمانهم ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا[٢٠] وبهذا المعنى يكون كل المؤمنين من الراسخين في العلم، الذين يقابلون المنحرفين.

وعلى هذا الأساس اختلف علماء القراءة والمفسرين بهذين الفرضين، فمنهم من قال بالعطف ومنهم من قال بالاستقلال. والمتفقين على العطف اختلفوا أيضاً في تحديد من هم الراسخين في العلم.

وفي مدرسة أهل البيتعليهم السلام أنّ أهل العصمةعليهم السلام هم الراسخون في العلم، كما صَرّحت بذلك الأخبار، كما جاء عن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه السلام أنه قال: «نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله»[٢١] ، وبذلك لا ينحصر تأويل القرآن بالله تعالى.

ومن العلماء من يرى تعدّيه إلى الخواصّ من أتباعهم، ومن ورثتهم من العلماء الواقفين على علومهم، وإن لم يلتقوا بهم عياناً، وقالوا: إنّ الراسخين في العلم هم من عرفوا من قواعد الدين وأسسها المكينة، ودرسوا من واقع الشريعة مبانيها القويمة.[٢٢]

ونفس الشيء في مدرسة أهل السنة والجماعة، فقد قالوا: إنّ الراسخين في العلم هم الصحابة والعلماء والمفسرين، كما جاء في كتبهم: «فاذا جازَ أن يعرفه الرسول جازَ أن يعرفه الربانيون من صحابته، والمفسرون من أمته».[٢٣]

وصلات خارجية

الهوامش

  1. الراغب الاصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 98.
  2. الزبيدي، تاج العروس، ج ‏14، ص 31.
  3. الفراهيدي، كتاب العين، ج‏ 8، ص 368.
  4. الذهبي، التفسير والمفسرون، ج 1، ص 15.
  5. الطريحي، مجمع البحرين، ج ‏5، ص 311.
  6. الزبيدي، تاج العروس، ج ‏14، ص 31.
  7. الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 3، ص 51.
  8. سورةالکهف: 65.
  9. دائرة معارف العالم الإسلامي، ج 7، ص 273.
  10. الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ج 2، ص 291.
  11. سورة آل عمران: 7.
  12. الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ج 1، ص 80.
  13. ابو عبيدة، مجاز القرآن، ج 1، ص 86.
  14. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 7، ص 189.
  15. معرفة، تلخيص التمهيد، ج 1، ص 429.
  16. ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي،ج 4، ص 107.
  17. معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج 2، ص 206.
  18. سورة آل عمران: 7.
  19. سورة آل عمران: 7.
  20. سورة آل عمران: 7.
  21. الكليني، الكافي، ج 1، ص 213.
  22. معرفة، التأويل في مختلف المذاهب والآراء، ص29.
  23. الزركشي، البرهان في علوم القرآن: ج 2، ص 73.

المصادر والمراجع

  • ابن أبي جمهور، محمد، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، قم-إيران، الناشر: دار سيد الشهداء، ط 1، 1405 هـ.
  • ابو عبيدة، معمر بن مثنى، مجاز القرآن، القاهرة - مصر، الناشر: محمد فؤاد، 1408 هـ.
  • الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون، القاهرة- مصر، الناشر: مكتبة وهبة، د.ت.
  • الراغب الإصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، بيروت- لبنان، الناشر: دار العلم، ط 1، 1412 هـ.
  • الزبيدي، محبّ الدين، محمد مرتضى حسين، تاج العروس من جواهر القاموس، بيروت- لبنان، الناشر: دار الفكر، 1414 هـ.
  • الزركشـي، بدر الدين محمد، البرهان في علوم القرآن، د.م، الناشر: دار التراث، ط 3، 1404 هـ.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم-إيران، الناشر: دار المجتبى، ط 1، 1430 هـ.
  • الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، طهران- إيران، الناشر: مؤسسة مرتضوي، ط 3، 1375 ش.
  • الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، بيروت-لبنان، الناشر: دار الكتب العلمية، ط 4، 1434 هـ.
  • الفراهيدي، خليل بن أحمد، كتاب العين'، قم-إيران، الناشر: مؤسسة الهجرة، ط 2، 1409 هـ.
  • الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، د.م، الطبعة الأميرية، ط 3، د.ت.
  • الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران ـ إيران، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 هـ‏.
  • دائرة معارف العالم الإسلامي، بيروت - لبنان، ط 1، 2015 م.
  • معرفة، محمد هادي، التأويل في مختلف المذاهب والآراء، إيران ـ طهران، المجمع العلمي، الناشر: مكتبة نكار، ط1، 1427 هـ.
  • معرفة، محمد هادي، التمهيد في علوم القرآن، قم ـ إيران، الناشر: ذوي القربى، ط 3، 1432 هـ.
  • معرفة، محمد هادي، تلخيص التمهيد، قم-إيران، الناشر: مؤسسة التمهيد، ط 3، 1392 ش.