مسودة:جنة آدم
جنة آدم هي أول موضع سكن فيه آدم
وحوّاء في بداية خلقهما. وقد ورد ذكر جنة آدم في ثلاث سور من القرآن. وقد كان آدم وحواء في تلك الجنة في سعةٍ من النِّعم، غير أنّهما نُهيا عن الاقتراب من شجرةٍ معيّنة، والأكل من ثمرها. لكنّهما، بوسوسة الشيطان، أكلا من ثمر الشجرة المحرّمة، فكان ذلك سبباً في إخراجهما من الجنة.
وهناک ثلاث نظريات حول موقع جنة آدم: أنّها كانت بستاناً في الأرض، أو جنةً برزخية، أو الجنة الموعودة. ويرى القائلون بأنّها جنة برزخية أنّ الصفات المذكورة لجنّة آدم وحواء لا تنطبق على الجنة الموعودة، ولا على جنان الدنيا، ومن ثمّ فهي جنة برزخية تقع بين الدنيا والآخرة.
روایة القرآن عن جنة آدم
بحسب العلامة الطباطبائي، ورد ذكر جنة آدم وحواء وقصتهما في القرآن في ثلاثة مواضع: الآية 35 من سورة البقرة؛ والآيات 19–25 من سورة الأعراف؛ والآيات 115–126 من سورة طه.[١] وتدلّ هذه الآيات على أنّ أول مسكن لآدم وحواء كان الجنة.[٢]
الشجرة المحرّمة في جنة آدم
عندما سكن آدم(ع) وحواء الجنة، نُهيا عن الاقتراب من شجرة معينة، والأكل من ثمرها، غير أنّهما، بوسوسة الشيطان، أكلا من ثمرها. وبسبب هذه المعصية انكشفت سوآتُهما، وأُخرجا من الجنة. وقد وردت قصة الشجرة المحرّمة في القرآن ثلاث مرات، كما تناولت التوراة هذه القصة برواية مختلفة.[٣]
وقد اختلفت الآراء حول ماهية الشجرة المحرّمة؛ فذهب بعض المفسّرين، اعتماداً على المعنى الظاهري، إلى أنّها كانت سنبلة حنطة،[٤] أو شجرة عنب،[٥] أو تين،[٦] أو نخلة،[٧] أو ترنجاً (من الحمضيات)،[٨] أو كافوراً،[٩] أو عنّاباً.[١٠] وبحسب بعض الروايات كانت الشجرة المحرّمة ترمز إلى الحسد، وفي روايات أخرى إلى علم محمد وآل محمد
.[١١]
الآراء حول طبيعة جنة آدم
هناک ثلاثة آراء رئيسة بشأن الجنة التي عاش فيها آدم وحواء:[١٢]
- الجنة البرزخية: وفقاً لهذا الرأي، لم تكن جنة آدم الجنة الموعودة ولا جنةً أرضية، بل جنةً برزخية بين الدنيا والآخرة.[١٣] ويذهب عبد الله جوادي الآملي إلى أنّ جنة آدم لم تكن الجنة الموعودة؛ لأنّ الجنة الموعودة دار الخلود، ومن يدخلها لا يخرج منها، ولا سبيل للشيطان ولا للعصيان إليها. كما أنّها لم تكن بستاناً من بساتين الدنيا؛ إذ إنّ الإقامة في مثل هذه البساتين لا تُعدّ مقاماً يصدق عليه الهبوط والسقوط. إضافة إلى ذلك، فإنّ الصفات المذكورة لجنة آدم – كعدم وجود الألم والمعاناة – لا تنسجم مع جنان الدنيا. وعليه، فالمراد من جنة آدم هو الجنة البرزخية.[١٤] وتجمع الجنة البرزخية بين بعض خصائص الجنة الموعودة، كالديمومة وغياب الجوع والعطش والحر والبرد، وبين بعض خصائص جنان الدنيا، كعدم العصمة من وسوسة الشيطان.[١٥]
- الجنة الأرضية: يرى بعضهم أن الجنة التي عاش فيها آدم
وحوّاء كانت بستاناً أرضياً كثير الأشجار والخضرة. ويستدلّون على ذلك بأنّ الإنسان في الجنّة الأخروية لا يتعرّض للوسوسة بسبب منع دخول الشيطان إليها، ولا يقع في الخطأ، كما أنّ الداخلين إلى الجنة يخلدون فيها ولا يخرجون منها، في حين أنّ آدم قد تعرّض للوسوسة، وأُخرج من الجنة التي كان فيها.[١٦] كما أشارت بعض الروايات إلى أنّ جنة آدم کانت جنّة دنيوية.[١٧]
- الجنة الموعودة: وبحسب بعض الروايات، فإنّ جنة آدم هي عين الجنة الأخروية.[١٨] وقد ورد في خطبة نهج البلاغة الأولى عن الإمام علي
أنّ الله وعد آدم أن یعیده إلى الجنة.[١٩] واستناداً إلى هذا القول، ذهب بعضهم إلى أنّ ظاهر العبارة يدلّ على أنّ إعادة آدم إلى الجنة تعني إرجاعه إلى الموضع الذي كان فيه أولاً، ولما كان الموضع الذي سيؤول إليه آدم في المستقبل هو جنة القيامة، فإن الجنة التي عاش فيها بدايةً هي الجنة الأخروية.[٢٠] ويرى ملا صدرا، الفيلسوف والمفسر الشیعی (وفاة: 1050هـ)، أنّ الجنة التي كان فيها آدم هي «جنة الخلد»، وقد فسّر خروجه منها بأنّ الخروج من «جنة الخلد» ودار الثواب إنّما يكون محالاً فیما إذا استقرار الإنسان فيها لنيل الثواب والكمال والقرب، أما قبل بلوغ هذه المرحلة فإنّ كلّ شیء محكوم بالفناء ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾، ومن ثمّ لا يكون الخروج منها ممتنعاً.[٢١]
الهوامش
- ↑ الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج1، ص126.
- ↑ انظر: الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج1، ص127.
- ↑ انظر: الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج1، ص140–142.
- ↑ ابن كثير، تفسير القرآن، 1412هـ، ج1، ص83؛ الطبرسي، مجمع البيان، 1415هـ، ج1، ص69؛ الطبري، جامع البيان، 1415هـ، ج1، ص330؛ أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، 1408هـ، ج1، ص220.
- ↑ الطبري، جامع البيان، 1415هـ، ج1، ص332؛ أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، 1408هـ، ج1، ص220؛ المجلسي، بحار الأنوار، 1403هـ، ج11، ص165.
- ↑ الطبري، جامع البيان، 1415هـ، ج1، ص333؛ أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، 1408هـ، ج1، ص220؛ المجلسي، بحار الأنوار، 1403هـ، ج11، ص165.
- ↑ السيوطي، الدر المنثور، 1983م، ج1، ص53.
- ↑ السيوطي، الدر المنثور، 1983م، ج1، ص53.
- ↑ أبو الفتوح الرازي، روض الجنان، 1408هـ، ج1، ص220.
- ↑ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري(ع)، 1409هـ، ص222؛ المجلسي، بحار الأنوار، 1403هـ، ج11، ص190.
- ↑ انظر: الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج1، ص143–144.
- ↑ انظر: جوادي الآملي، تفسير تسنيم، 1387ش، ج3، ص329.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج1، ص139؛ جوادي الآملي، تفسير تسنيم، 1387ش، ج3، ص331–332.
- ↑ انظر: جوادي الآملي، تفسير تسنيم، 1387ش، ج3، ص329–331.
- ↑ جوادي الآملي، تفسير تسنيم، 1387ش، ج3، ص331–332.
- ↑ فخر الرازي، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، 1420هـ، ج3، ص452.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج1، ص138–139.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، 1403هـ، ج11، ص143.
- ↑ وَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَی جَنَّتِهِ. الشريف الرضي، نهج البلاغة، 1413هـ، الخطبة الأولى، ص10.
- ↑ بهشتی که آدم در آن سکونت داشت کدام بهشت است؟، موقع إسلام كويست.
- ↑ الملا صدرا، تفسير القرآن الكريم، 1366ش، ج3، ص82.
المصادر والمراجع
- ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، بمقدمة الدكتور عبد الرحمن المرعشلي، بيروت، دار المعرفة، 1412هـ.
- أبو الفتوح الرازي، حسين بن علي، روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن، تحقيق: محمد جعفر ياحقي والدكتور محمد مهدي ناصح، مشهد، مؤسسة البحوث الإسلامية التابعة للعتبة الرضوية، 1408هـ.
- جوادي الآملي، عبد الله، تسنيم؛ تفسير القرآن الكريم، إعداد: أحمد قدسي، قم، نشر الإسراء، الطبعة الرابعة، 1387ش.
- الحسن بن علي العسكري (ع)، التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (ع)، قم، مدرسة الإمام المهدي، 1409هـ.
- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت، دار الفكر، 1983م.
- الشريف الرضي، محمد بن الحسين، نهج البلاغة، تحقيق: عزيز الله عطاردي قوچاني، طهران، مؤسسة نهج البلاغة، 1413هـ.
- الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1390هـ.
- الطبرسي، فضل بن حسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1415هـ.
- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مقدمة: خليل الميس، تحقيق: صدقي جميل العطار، بيروت، دار الفكر، 1415هـ.
- الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1420هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، دار الوفاء، 1403هـ.
- «بهشتی که آدم در آن سکونت داشت کدام بهشت است؟» (الجنة التي سكنها آدم أيّ جنة كانت؟، موقع "إسلام كويست"، تاريخ النشر: 9 شهريور 1393ش، تاريخ الزيارة: 30 دیسمبر 2025م.