قوم عاد
قوم عاد من أقوام العرب، وكانوا يسكنون جنوب شبه الجزيرة العربية. وهم من نسل عاد بن عوص. كانوا يتمتعون بنعمٍ كثيرة، فبعث الله فيهم نبيه هودًا
ليدعوهم إلى التوحيد، ولكنّ أكثرهم لم يقبلوا دعوته، فنزل بهم العذاب الإلهي.
معلومات عامّة
قوم عاد من الأقوام العربية[١] ومن نسل عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح
، وقد سمّوا قبيلتهم باسم جدّهم.[٢] وقد ورد ذكر قوم عاد في آياتٍ عدّة من القرآن الكريم.[٣] وبحسب القرآن فإنّ قوم عاد جاءوا بعد قوم نوح.[٤] وجاء فيه أيضًا تعبير "عاد الأولى": ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَك عَادًا الْأُولَى﴾،[٥] وعاد الأولى هم نفسهم قوم النبي هود
[٦] الذين عاشوا بعد قوم نوح
وقبل قوم ثمود.[٧] ونتيجة لذلك، وُجد قومٌ آخرون يُدعون عاد الثانية، وقد عدّ بعض المفسّرين قوم ثمود هم عادًا الثانية.[٨]
مكان السكن
يذكر القرآن أنّ موطن قوم عاد كان يُعرف باسم الأحقاف: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾[٩] والأحقاف تعني الرمال الناعمة التي تتراكم بأشكال مائلة بفعل الرياح في الصحارى، وقد سُمّيت أرضهم بالأحقاف لأنها كانت كذلك.[١٠] ويرى المفسرون أن الأحقاف تقع في جنوب جزيرة العرب.[١١] غير أنّ تحديد موقعها الدقيق محلّ خلاف.[١٢]
أما العلامة الطباطبائي والطبرسي فيريان أنّ الأحقاف تقع بين اليمن وعُمان،[١٣] وقد أصبحت اليوم منطقةً رملية.[١٤] وفي سورة الأحقاف، التي تهدف إلى إنذار المشركين بعذابٍ أليم،[١٥] ذُكر جانب من قصة قوم عاد نموذجًا للمشركين الذين أُهلكوا، ويعتقد مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل أنّ اسم السورة مأخوذ من قصة قوم عاد وموطنهم.[١٦]
صفاتهم الظاهرية
يصف القرآن الكريم قوم عاد بأنهم كانوا طِوال القامة كالنخل،[١٧] وضخام الأجسام.[١٨] ويصفهم الإمام الباقر
في حديثٍ فيقول: «كانوا كأنهم النخل الطوال، وكان الرجل منهم ينحت الجبل بيده فيهدم منه قطعة».[١٩] وفي روايةٍ عن الإمام الصادق
، أُشير أيضًا إلى طول قامتهم، وأنهم في ارتفاع النخل. وذكرت مصادر أخرى أنّ رجال عاد كانوا طوالًا جدًّا، فنقل الشيخ الطوسي في التبيان أن أطولهم كان يبلغ مئة ذراع، وأقصرهم سبعين ذراعًا.[٢٠]
حضارتهم
يرى بعض المفسرين أنه من ظاهر آيات القرآن يمكن الاستنتاج بأنّ قوم عاد كانت لهم حضارة متقدّمة.[٢١] فقد كانت لهم مدنٌ عامرة، وأرضٌ خصبة تغطيها البساتين والنخيل والزرع.[٢٢] وقد ورد في الآية 8 من سورة الفجر في وصف مدينة إرم، وهي إحدى مدنهم، قوله تعالى: «الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ».[٢٣] وكان قوم عاد ذوي زرع ونخل كثير، وينحتون لأنفسهم بيوتًا حجرية ضخمة.[٢٤]
العقائد والممارسات
كان قوم عاد يعبدون آلهةً متعددة.[٢٥] فبعث الله فيهم هودًا
لهدايتهم.[٢٦] وقد وصفه القرآن بأنه "أخو قوم عاد"،[٢٧] لأنّه كان واحدًا منهم.[٢٨] ويرى العلامة الطباطبائي أنه قد يكون أُرسل إليهم أنبياء آخرون قبل هود وبعد نوح
، ولكنّ القرآن لم يذكر أسماءهم، إلا أنّ سياق الآيات لا يدعم هذا الاحتمال.[٢٩]
ويرى المفسرون أنه بناء على قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾[٣٠] فإنّ قوم عاد كانوا مبتلين بثلاث خصال: إنكار آيات الله، وعصيان الأنبياء، وطاعة المتجبّرين. فكانوا يتّبعون أوامر كل طاغية متعنّت، وهذا ما صدّهم عن الإيمان بنبي الله هود وقبول دعوته. ويقول الله بعد ذلك في وصفهم: «وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ»[٣١] أي إنهم بسبب خصالهم المذمومة لُعنوا في الدنيا والآخرة، فالعذاب الذي لحق بهم كان هو مصداق هذه اللعنة التي أدركتهم حتى أهلكتهم.[٣٢]
العذاب الإلهي
ينقل القرآن في آياتٍ كثيرة الحوار الذي دار بين هود
وقومه.[٣٣] فقد أصابهم جفافٌ طويل، ومُنع عنهم المطر زمانًا طويلاً،[٣٤] ووعدهم هود أنّ الله سيرفع عنهم القحط إن تابوا، بل سيزيدهم قوةً فوق قوتهم.[٣٥] لكنهم لم يؤمنوا.[٣٦]
ثم رأوا سحابًا عظيمًا قادمًا من بعيد، فظنّوه سحاب مطر، وكان في الحقيقة سحاب عذاب.[٣٧] فأُهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ متتابعاتٍ.[٣٨]
وبعد هلاكهم، خرج هود
والمؤمنون معه من ديارهم، وانتقلوا إلى مكة المكرمة.[٣٩]
بحوث ذات صلة
الهوامش
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، ج2، ص156.
- ↑ الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج31، ص152.
- ↑ انظر: سورة الشعراء، الآية 123؛ سورة الذاريات، الآية 41؛ سورة الحاقة، الآية 6؛ سورة القمر، الآية 18؛ سورة الأحقاف، الآية 21؛ سورة الأعراف، الآية 65؛ سورة هود، الآيات 50-60.
- ↑ سورة الأعراف، الآية 69؛ سورة الذاريات، الآية 46.
- ↑ سورة النجم، الآية 50.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج19، ص50.
- ↑ الميبدي، كشف الأسرار وعدة الأبرار، ج5، ص532.
- ↑ الميبدي، كشف الأسرار وعدة الأبرار، ج6، ص435.
- ↑ سورة الأحقاف، الآية 21.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج16، ص283.
- ↑ القرشي، قاموس قرآن، ج5، ص65.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج18، ص210.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج10، ص307؛ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، ج9، ص136.
- ↑ ندائي، تاريخ أنبياء، ص55.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج18، ص185.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج16، ص239.
- ↑ سورة القمر، الآية 20؛ سورة الحاقة، الآية 7.
- ↑ سورة الأعراف، الآية 69.
- ↑ الشيخ الطوسي، التبيان، ج4، ص445.
- ↑ الجزائري، النور المبين، ص90.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج10، ص307؛ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج20، ص179.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج10، ص307؛ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج20، ص179.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج10، ص307؛ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج20، ص179.
- ↑ القمي، تفسير القمي، ج1، ص329.
- ↑ سورة هود، الآية 53.
- ↑ سورة هود، الآية 50.
- ↑ سورة هود، الآية 50.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج10، ص298.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج10، ص305.
- ↑ سورة هود، الآية 59.
- ↑ سورة هود، الآية 60.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج10، 305؛ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج6، ص573.
- ↑ سورة هود، الآيات 50-57.
- ↑ القمي، تفسير القمي، ج1، ص329.
- ↑ سورة هود، الآية 52.
- ↑ سورة هود، الآية 53.
- ↑ سورة الأحقاف، الآية 24.
- ↑ سورة الحاقة، الآية 7.
- ↑ العوتبي الصحاري، الأنساب، ج1، ص71.
المصادر والمراجع
- ابن كثير الدمشقي، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، بيروت، دار الفكر، 1407هـ.
- الجزائري، نعمت الله بن عبد الله، النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1423هـ.
- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، مقدمة: الشيخ آقا بزرك الطهراني، تحقيق: أحمد قصير العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثالثة، 1352ش.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، مقدمة: محمد جواد البلاغي، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الثالثة، 1408هـ.
- العوتبي الصحاري، الأنساب، تحقيق: محمد إحسان نص، مسقط، دون ناشر، 1427هـ.
- القرشي، السيد علي أكبر، قاموس قرآن، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة السادسة، 1371ش.
- القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تحقيق وتصحيح: السيد طيب الموسوي الجزائري، قم، دار الكتاب، الطبعة الثالثة، 1404هـ.
- الميبدي، أحمد بن أبي سعد، كشف الأسرار وعدة الأبرار، تحقيق: علي أصغر حكمت، طهران، انتشارات أمير كبير، الطبعة الخامسة، 1371ش.
- فخر الدين الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1420هـ.
- مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، 1379ش.
- ندائي، فرامرز، تاريخ أنبياء از آدم تا خاتم، طهران، انتشارات أروند وسما، 1389ش.