حادثة الإفك

حَادِثَة الإِفك وهي تُشير إلى حادثة في عهد رسول الله، حيث نسب مجموعة من الأشخاص الفاحشة إلى إحدى زوجات رسول الله. وذكر بعض الباحثين أن هذه الحادثة هي إحدى أهم المؤامرات الداخلية التي قام بها المنافقين ضد الحكومة النبوية؛ لأنهم أرادوا من هذا الفعل التشكيك في حقيقة رسالة الرسول وكفاءته القيادية، ولكن أبطل الله تعالى كيد الأعداء ورد مؤامراتهم بنزول آيات الإفك.

ورد في المصادر تقريران رئيسيان حول من هو المتهم في هذه الحادثة، بحسب المصادر السنية وأيضاً بعض المصادر الشيعية، أن آيات الإفك نزلت بحق عائشة بعدما افترى المنافقون عليها، ووفق هذا الخبر فإن عائشة كانت مع النبي في غزوة بني المصطلق، وتخلفت عن جيش المسلمين، ولحقة بالجيش بمساعدة صفوان بن معطل، فتهم المنافقون منهم عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت عائشة وصفوان بأنهما على علاقة غير مشروعة. وبعد مدة من الزمن نزلت آيات الإفك التي وبخ الله تعالى فيها الذين أشاعوا هذا الأمر.

وخبر القدح بعائشة بالإضافة إلى كونه أمر مسلم عند أهل السنة، فهو مشهور أيضاً عن الشيعة، وقد اعتبره بعض علماء الشيعة منهم الشيخ المفيد، والشيخ الطوسي من أسباب نزول الآيات، إلا أن مجموعة من الباحثين الشيعة يرون أن هذا التقرير فيه عدة إشكالات من حيث السند والمتن فلا يمكن الاعتماد عليه، مثل سوء ظن رسول الله بعائشة يُخالف عصمته، واستشارة رسول الله لصبي في مثل هذا الأمر المهم، وعدم اصطحاب زوجات رسول الله في الحروب الأخرى.

أما التقرير الثاني فقد نُقل في أحد المصادر الشيعة وهو تفسير القمي، حيث ذكر أن عائشة افترت على مارية القبطية، وأن هذه الحادثة وقعت بعدما حزن رسول الله على موت ابنه إبراهيم، حيث قالت له عائشة ما الذي يحزنك عليه، فما هو إلا ابن جريح؛ ولهذا السبب طلب رسول الله من الإمام علي أن يقتل جريح، وعندما واجه الإمام علي جريح أدرك أن الإشاعة كاذبة، فأنزل الله تعالى على رسوله آيات الإفك. ولهذا التقرير جملة من الإشكالات مثل تعارضه مع الآيات القرآنية، وأمر رسول الله بقتل المتهم من دون دليل وتحقيق، وعدم إقامة حد القذف على من المفترين.

ولم يقبل كلا التقريرين بعض علماء الشيعة مثل العلامة الطباطبائي، والسيد محمد حسين فضل الله، ومكارم الشيرازي، وجعفر السبحاني، بسبب الإشكالات التي وردت عليهما، حيث ذهب العلامة الطباطبائي أن المستفاد من الآيات أنهم رموا بعض أهل النبي بالفحشاء.

وهناك روايات أخرى متعددة، في المصادر الشيعية والسنية، تؤكد افتراء عائشة على مارية القبطية، ولكن لم يذكر أحد أن آيات الإفك نزلت حولهما. ومن بين علماء الشيعة الذين ذهبوا إلى أنَّ آية الإفك مرتبطة بمارية القبطية، منهم السيد أبو القاسم الخوئي، والسيد جعفر مرتضى العاملي، والسيد مرتضى العسكري.

يرى البعض أن التحقيق في حديث الإفك من أصعب المواضيع في التاريخ الإسلامي، وهو مرتبط بالمباحث التفسيرية والكلامية والفقهية والرجالية، كما أن الاتجاهات السياسية والمذهبية جعلت الأمر أكثر تعقيداً. وقد تم تأليف الكتب حول هذه الحادثة، منها: حديث الإفك بقلم السيد جعفر مرتضى العاملي، وحديث الإفك من المنظور الإعلامي تأليف علي محمود رشوان.

أهمية حادثة الإفك في تاريخ الإسلام

الإفك بمعنى الكذب والتهمة، وهي تُشير إلى حادثة في عهد رسول الله حيث تعرضت فيها إحدى زوجات رسول الله بتهمة القذف، فأنزل الله تعالى فيها آيات الإفك (الآية 11 إلى 26 من سورة النور). ذكروا إن أصحاب القذف أرادوا من هذا الفعل الطعن بشخصية رسول الله، ولكن بنزول هذه الآيات تم كشف الحقيقة من قبل الله تعالى، وتم القضاء على مؤامرة الأعداء. وذكر بعض الباحثين أن حادثة الإفك هي إحدى أهم المؤامرات الداخلية التي قام بها المنافقين ضد الحكومة النبوية؛ لأنهم أرادوا من هذا الفعل التشكيك في حقيقة رسالة الرسول وكفاءته القيادية، والتسبب في عزلته السياسية والاجتماعية. يرى البعض أن التحقيق في حديث الإفك من أصعب المواضيع في التاريخ الإسلامي، وهو مرتبط بالمباحث التفسيرية والكلامية والفقهية والرجالية، كما أن الاتجاهات السياسية والمذهبية جعلت الأمر أكثر تعقيداً.

آيات الإفك

المقالة الرئيسة: آيات الإفك

ورد في الآية 11 إلى 26 من سورة النور، حادثة الإفك التي تم فيها اتهام امرأة مسلمة، وقد وبخ الله تعالى في هذه الآيات الذين أشاعوا هذا الأمر. وذكر العلامة الطباطبائي مؤلف تفسير الميزان، إنَّ المستفاد من الآيات أنهم رموا بعض أهل النبي بالفحشاء، وكان الرامون مجموعة من الناس. في هذه الآيات هدد الله تعالى القاذفين بالعذاب الشديد ولام المؤمنين على قبولهم هذه الشائعات دون دليل وتحقيق.

لقد نهى الله تعالى في هذه الآيات الناس وبشكل صارم قذف النساء العفيفات، وقد براهن من هذه الاتهامات.

تقارير مختلفة حول حادثة الإفك

هناك اختلاف في الرأي حول الشخص الذي وجهت إليه تهمة في حادثة الإفك. ورد في بعض التقارير الشيعية إن التي تم توجيه التهمة لها هي مارية القبطية، ولكن في روايات أهل السنة وكذلك في التقارير الشيعية الأخرى إن التي تم توجيه التهمة لها هي عائشة. وهذا هو المستفاد من كلام علي بن إبراهيم القمي مؤلف تفسير القمي، فلا يختلف الشيعة على ما يبدو في أن نزول آيات الإفك في حق مارية، أو على الأقل أنهم يذهبون إلى إن المشهور أنها نزلت في مارية، ومع ذلك ووفقاً لبعض المحققين إن من وجهة نظر علماء الشيعة الأوائل أن نزول آيات الإفك في عائشة أكثر شهرة، كما اعتبر العلامة الحلي وهو فقيه ومتكلم شيعي في القرن الثامن الهجري، أن نزول آيات الإفك ترتبط بعائشة، وذكر أنه ليس له علم بوجود نظرية أخرى تتعارض معها.

التقرير الأول: الافتراء على عائشة

ذكر محمد جواد مغنية، أحد المفسرين الشيعة في القرن الرابع عشر الهجري، اتفق المفسرون والرواة على أن آيات الإفك مرتبطة بحادثة حدثت أثناء عودة رسول الله من غزوة بني المصطلق في السنة الخامسة للهجرة، أو السنة السادسة للهجرة، وبحسب الرواية التي وردت عن عائشة كان رسول الله يأخذ معه إحدى زوجاته حينما يذهب إلى الحرب، وفي غزوة بني المصطلق أخذ عائشة معه. وفي طريق العودة من الحرب، وعندما توقفت القافلة للراحة، ابتعدت عائشة عن الجيش من أجل قضاء حاجتها، وعندما فقدت عقدها أمضت بعض الوقت في البحث عنه. وانطلق الجنود الذين لم يعرفوا بغياب عائشة، حيث كانوا يعتقدون أنها في الهودج. وعندما عادت عائشة إلى الجيش، وجدت المكان فارغاً فبقيت في نفس المكان حتى وصل إليها شخص يُدعى صفوان بن معطل وأعطى جمله إلى عائشة وأخذها معه إلى الجيش. وقد مرضت عائشة بعد عودتها من هذا السفر، فلاحظت التغير في سلوك رسول الله وأيضاً الشائعات حول علاقتها بصفوان. بعد مرور بعض الوقت، نزلت آيات من القرآن الكريم تلقي اللوم على مفتعلين هذا الأمر.

ومن علماء الشيعة الذين اعتبروا حادثة الإفك مرتبطة بقذف عائشة هم عبارة عن: نصر بن مزاحم في كتاب وقعة صفين، ومحمد بن إبراهيم النعماني في تفسير النعماني، والشيخ المفيد في الجمل، والشيخ الطوسي في التبيان، والطبرسي في إعلام الورى، وقطب الدين الراوندي في فقه القرآن، والمقدس الأردبيلي، زبدة البيان.

من هم أصحاب القذف

ذكرت آيات الإفك مجموعة من الناس قاموا بالقذف، ولكن لم تذكر أسمائهم، ومع ذلك ذكرت بعض المصادر أسماء بعض المنافقين الذين كان لهم الدور البارز في حادثة الإفك منهم: عبد الله بن أُبي، وحسان بن ثابت، ومسطح بن اُثاثة.

فضيلة لعائشة

اعتبر أهل السنة أن نزول آيات الإفك من الفضائل العظيمة التي اختصت بها عائشة. وبحسب ما ذكر السيد جعفر مرتضى العاملي من مؤرخي الشيعة، على الرغم من أن هذا الخبر تم نقله في روايات مختلفة عن أهل السنة، ولكن كل هذه الروايات تقريباً روتها عائشة نفسها. ويرى بعض الباحثين أن عائشة ومن خلال طرحها لهذه المسألة، جعلت هذه الحادثة على أنها مجرد حادثة شخصية. مما أدى إلى أن تنسب لنفسها الكثير من الفضائل. وهذا ما جعل الشيعة يشككون في صحة نسبة هذه الحادثة لعائشة. وعليه ذكر البعض إن آيات الإفك وإن كانت قد نزلت في عائشة، فإنها لا تدل إلا على عفتها مما نُسب إلها فقط.

التقرير الثاني: الافتراء على مارية القبطية

وقد ورد في المصادر إنَّ نزول آيات الإفك يتعلق بمارية، وأول من نقل هذا الأمر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره. حيث ذكر في رواية نقلها عن الإمام الباقر، أن عائشة افترت على مارية القبطية بأنها كانت على علاقة محرمة برجل اسمه جريح القبطي. وأن هذه الحادثة وقعت بعدما حزن رسول الله على موت ابنه إبراهيم، حيث قالت له عائشة «ما الذي يحزنك عليه، فما هو إلا ابن جريح». ولهذا السبب طلب رسول الله من الإمام علي أن يقتل جريح. وحينما عرف جريح بنية الإمام علي، صعد هارباً أعلى الشجرة. فلما دنا منه الإمام رمى بنفسه من فوق الشجرة فظهرت عورته، وإذا به ليس له ما للرجال ولا ما للنساء. بهذا الأمر تم رفع التهمة التي نُسبت إلى مارية، ونزلت آيات الإفك.

ونقل عن علماء الشيعة، أن علماء العصر الحديث فقط هم الذين ذهبوا إلى أنَّ آية الإفك مرتبطة بمارية القبطية. ومن هؤلاء العلماء السيد أبو القاسم الخوئي، والسيد جعفر مرتضى العاملي، والسيد مرتضى العسكري. وذكر الشيخ المفيد في رسالة مستقلة في موضوع حديث مارية بعنوان رسالة حول خبر مارية، أن هذا الحديث مسلم وثابت عند جميع العلماء، إلا أن الحديث الذي رواه لم يذكر فيه نزول آية الإفك، كما هو الحال في العديد من المصادر الأخرى، حيث وردت قصة مارية من دون الإشارة إلى نزول آيات الإفك، ومن هذه المصادر: أمالي السيد المرتضى، والهداية الكبرى، ودلائل الإمامة، و|المناقب. وقد نقل أهل السنة في ذيل آيات الإفك، الروايات التي تتعلق بافتراء المنافقين على عائشة؛ إلا أن التهمة الموجهة إلى مارية أيضاً تم ذكرها في المصادر السنية، ومنها: صحيح مسلم، والطبقات الكبرى، وأنساب الأشراف، والمستدرك على الصحيحين، وصفوة الصفوة.

التحقيق في إشكالات التقريرين

وقد ذكرت بعض الإشكاليات حول هذين التقريرين، وبسببها رفض بعض المفسرين مثل العلامة الطباطبائي، والسيد محمد حسين فضل الله، ومكارم الشيرازي، وجعفر السبحاني كلا التقريرين. وعلى اعتبار عدم صحة التقريرين، فقد قيل أن هناك احتمال أن تكون الآية نزلت في شخص ثالث. ومن ناحية أخرى يرى بعض الباحثين أن هناك احتمال أن تكون كلا الواقعتين صحيحتين؛ مع بيان أنَّ آيات الإفك نزلت في قصة عائشة، ولم تنزل في قصة مارية.

إشكالات التقرير الذي يتعلق بعائشة

يعتبر الشيعة جميع زوجات الأنبياء (حتى زوجة نوح وزوجة لوط) منزهات من الزنا، ولكن عند بعض الشيعة، تُعتبر الروايات التي تقول بأنَّ نزول آيات الإفك ترتبط بعائشة فيها إشكالات كثيرة. واعتبر السيد جعفر مرتضى، أن هذه الحادثة لا صحة لها، وأنَّ الهدف من تأليفها هو جعل فضيلة لعائشة. بالإضافة إلى ضعف أسانيد بعض الروايات، وتناقض البعض الآخر. وقد تم بيان جملة من الإشكالات على النحو الآتي:

• استشارة رسول الله لصبي في مثل هذا الأمر المهم: فقد ورد في هذه الأحاديث أن النبي استشار علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، فدافع أسامة بن عن عائشة، وتكلم الإمام علي بالضد من عائشة. على الرغم من أن أسامة كان صغيراً وقت وقوع هذه الحادثة.

• عدم اصطحاب زوجات رسول الله في الحروب الأخرى: ورد في سيرة النبي ومن خلال الأخبار المرتبطة بعائشة أنها رافقت إحدى زوجات النبي في الحروب؛ ولكن لم يرد في أي خبر آخر وجود زوجات النبي في حروب أخرى.

• سوء ظن رسول الله بعائشة: ذكرت روايات أهل السنة أن النبي كان يسوء الظن بعائشة، ولكن هذا الكلام لا ينسجم مع عصمة النبي.

• عدم إقامة حد القذف على من افترى: رغم أن ظاهر الآيات يدلّ على أن حكم القذف نزل قبل حديث الإفك؛ فلماذا لم يستدع النّبي الذين نشروا هذه الشائعة ليجري الحد عليهم. وبحسب اليعقوبي من مؤرخي القرن الثالث الهجري، إن رسول الله عاقب المفترين وفرض عليهم حد القذف.

• عدم زواج صفوان بن معطل: في هذه الروايات أخبرت عائشة أن صفوان غير متزوج، وذكرت روايات أخرى أنَّه كان له زوجة، وقد شكته عند رسول الله.

• نقل هذه الحادثة المهمة عن طريق شخص واحد: بقول السيد جعفر مرتضى، فإن معظم الأحاديث في هذا الباب، وربما جميعها مروية عن عائشة، وكيف بمكن أن يكون مثل هذا الحدث المهم جداً يتم نقله عن طريق شخص واحد، ولم ينقله أي شخص آخر؟

كتاب حديث الإفك من تأليف السيد جعفر مرتضى العاملي

إشكالات التقرير الذي يتعلق بمارية

والرواية المتعلقة بمارية قد انتقدت أيضا مثل رواية عائشة، ويرى بعض العلماء أن هذه الرواية لا تخلوا من الإشكالات. وبحسب السيد محمد حسين فضل الله، أحد مفسري الشيعة، إنَّ إشكالات هذا التقرير أكثر من الإشكالات التي تتعلق بعائشة. ومن بينها يمكن ذكر ما يلي:

• عدم إقامة حد القذف على من افترى: مع افتراض أن حكم القذف قد صدر قبل هذا الحدث، فإن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يقم النبي حد القذف على من افترى على مارية.

• أمر رسول الله بقتل المتهم من دون دليل وتحقيق: كيف يمكن لرسول الله أن يأمر بقتل المتهم دون التحقيق في صحة القضية أو كذبها؟ وبالإضافة إلى ذلك، فإن عقوبة مثل هذه الخطيئة ليست قتل إنسان.

• تعارضها مع الآيات القرآنية: فقد ذكرت آيات الإفك أن المفترين كانوا جماعة؛ بينما في هذه الرواية لم يتم ذكر إلا عائشة على أنها القاذفة.

الدراسات

وقد ألف الشيعة والسنة كتباً مختلفة عن حادثة الإفك، منها الكتابان التاليان:

• حديث الإفك بقلم السيد جعفر مرتضى العاملي: وقد نظم المؤلف محتويات الكتاب في أربعة عشر فصلاً، ونقل وحلل حادثتين تتعلقان بعائشة ومارية. واعتبار الحادثة التي تتعلق بعائشة غير صحيحة، والرواية التي تتعلق بمارية صحيحة، وأجاب على إشكالياتها. صدرت الطبعة الثانية من هذا الكتاب عام 1439هـ، عن طريق المركز الإسلامي للدراسات في بيروت، في 403 صفحات.

• حديث الإفك من المنظور الإعلامي تأليف علي محمود رشوان: وقد قبل مؤلف هذا الكتاب وهو من مؤلفي أهل السنة الحادثة التي تتعلق بعائشة وبشكل قطعي، ولم يذكر حادثة مارية. وقد تم تنظيم الكتاب على ثلاث فصول. من موضوعات هذا الكتاب تبيين زمان ومكان الحادثة بشكل عام، وموقف مختلف الناس أمام هذه الحادثة، والنكات القرآنية حول هذا الأمر. صدر هذا الكتاب عن طريق جامعة أم القرى في مكة عام 1415هـ، في 162 صفحة.