العَشْرَةُ المُبَشَّرَةُ، مصطلح معروف لدى محدثي أهل السنة ومؤرخيهم مأخوذ من حديث منسوب إلى النبي (ص) يشير إلى أن عشرة أشخاص من أصحاب النبي الأكرم مبشرون بالجنة، وأنهم في كل الأحوال سيدخلون الجنة، وهم بحسب عقيدة أهل السنة: أبو بكر بن أبي قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، سعد بن أبي وقاص أو سعد بن مالك، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح أو عبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف.
وقد روي هذا الحديث عن كل من عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد عن النبي في كل من مسند أحمد بن حنبل، وسنن الترمذي، وأبي داوود، وابن ماجة، ولكنه لم يذكر في أهم مصادر الحديث لديهم، وهما صحيحا البخاري ومسلم. وقد نقد علماء الشيعة سند ومتن هذا الخبر، ورأيهم أنه لا أصل له ولا صحة، بل أنه مختلق قد وضع في زمان متأخر على عهد بني أميّة.
بيان مفردات المقالة
- «العشرة المبشرة» مصطلح ومركب وصفي،[١] ويعني أن هنالك عشرة نفر من الصحابة بشّرهم النبي محمد بالجنة في حياتهم في الدنيا.
- «المبشّرة» أي الأشخاص الذين بُشّروا بدخولهم الجنة، وهم بحسب اعتقاد أهل السنة: أبوبكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص أو سعد بن مالك، وسعيد بن زيد، وأبوعبيدة بن الجراح أو عبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف.
حديث العشرة المبشرة بالجنة
وهو خبر آحاد رواه كل من أحمد بن حنبل في مسنده والترمذي والنسائي وأبو داوود وابن ماجة في سننهم. لكنه لم يرد في مصادر أهل السنة الأكثر أهمية؛ مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم.
ونص الحديث بحسب رواية:
1- أحمد في مسنده والترمذي في سننه والنسائي في " فضائل الصحابة ".: عن عبد الرحمن بن عوف: قال: قال رسول الله : "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزّبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة".[٢]
2- أبو داوود في سننه: عن عبد الرحمان: "إنه كان في المسجد فذكرَ رجل عليا ، فقام سعيد بن زيد فقال: أشهد على رسول الله أني سمعته يقول عشرة في الجنة، النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزّبير في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمان بن عوف في الجنة، ولو شئت لسميت العاشر في الجنة، فسكت. قال: فقالوا: من هو؟ فقال: هو سعيد بن زيد".[٣]
والظاهر أن المراد بالرجل هو معاوية حين قدم من الشام إلى الكوفة بعد شهادة الإمام علي .
وأخرج أبو داوود أيضا في سننه الحديث بطريقين أحدهما من طريق عبد الله بن ظالم المازني، قال: "سمعت سعيد بن زيد بن عمرو قال: لما قدم فلان الكوفة أقام فلان خطيبا فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم؟ فأشهد على التسعة أنهم في الجنة (فعدهم...) قلت: ومن العاشر؟ فتلكأ هنيئة ثم قال: أنا".[٤]
وأخرج من طريق آخر عن عبد الرحمان بن الأخنس أنه كان في المسجد فذكر رجلٌ عليّاً ، فقام سعيد بن زيد فقال: "أشهد على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أني سمعته وهو يقول: "عشرةٌ في الجنة: النبيُّ في الجنة، وأبو بكرٍ في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليٌّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمان بن عوفٍ في الجنة" ولو شئت لسميت العاشر، قال فقالوا: من هو؟ فسكت، قال: فقالوا: من هو؟ فقال: هو سعيد بن زيد".[٥]
3- ابن ماجة في سننه: حدثنا صدقة بن المثنى، أبو المثنى النخعي، عن جده رياح بن الحارث، سمع سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة؛ فقال أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزّبير في الجنة، وسعد في الجنة، وعبد الرحمان في الجنة فقيل: من التاسع؟ قال أنا".[٦]
رأي علماء السنة بالحديث
وهو من الأخبار المشهورة والمعروفة عندهم حتى عدوا القول به من جملة الأمور الاعتقادية، قال أحمد بن حنبل في كتابه إلى مسدد بن مسرهد: "وأن نشهد للعشرة أنهم في الجنة: أبو بكر وعمر وعثمان، وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمان وأبو عبيدة، فمن شهد له النبي بالجنة شهدنا له بالجنة، ولا يتأتى أن تقول: فلان في الجنة، وفلان في النار، إلا العشرة الذين شهد لهم النبي بالجنة".[٧]
وقد ألفت وأفردت كتب في حديث العشرة المبشرة من قبيل:
- التعريف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم المبشرين بالجنة، تأليف: محمود بن عمر الزمخشري (ت 538هـ).
- الرياض النضرة، في مناقب العشرة، تأليف: محبّ الدين الطبري (ت694هـ).
- عقد الجواهر النيرات، في بيان خصائص الكرام العشرة الثقات، تأليف: محمد بن الخطيب التمرتاشي (ت1004هـ).
رأي علماء الشيعة بالحديث
لم ينقل حديث العشرة المبشرة في الجنة في أي مصدر من مصادر مدرسة أهل البيت (ع). ويعتقد الشيعة الإمامية أنّ حديث العشرة المبشرة من الموضوعات المختلقة على عهد بني أميّة، وضعوه على لسان بعض الصحابة. ورب مشهور لا أصل له.
وقد نقد علماء الشيعة هذا الخبر بلحاظ كل من السند والمتن.
نقد سند الحديث
حيث ذكروا جملة من النقود من أهمها:
أولا- إن هذا المقام وتلك المنقبة التي جمعت لهؤلاء العشرة لم يرد لها أي ذكر في أهم مصادر الحديث عند أهل السنة، وهما صحيحا البخاري ومسلم، فلم يرد في أهم الصحاح عندهم، وإنما ذكرت في مصادر هي أقل مرتبة وأهمية بكثير منهما حيث رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجة.
ثانيا- إن هذا الحديث بكافة طرقه وأسانيده ينتهي إلى عبد الرحمان بن عوف وسعيد بن زيد ولم يروه أو يسمعه عن النبي أي شخص غيرهما. والبخاري ومسلم لم يذكرا شيئا في باب الفضائل والمناقب عنهما رغم أنهما من العشرة الذين اتفق أهل السنة على تعظيمهم وتكريمهم.
ثالثا- إن من روى حديث العشرة المبشرة عن النبي هما: عبد الرحمان بن عوف وسعيد بن زيد وكلاهما من العشرة! فيكون ذكرهما له من باب من زكى غيره بتزكية نفسه. ومن المعلوم في الشرع الإسلامي أن من شهد بشهادة له كفل فيها ولا تقبل شهادته فيها إجماعا وقولا واحدا. وهذا ما يثير الشك في صحة هذه الرواية، من حيث إرادة الراوي جر النار إلى قرصه.[٨]
رابعا- إن هذا الحديث - العشرة المبشرة - نقل بعدة طرق وفي سلسلة أسانيده بعض الرواة الذين هم بحسب عقيدة أهل السنة أنفسهم غير موثقين ومعتبرين ولا يمكن الاعتماد على على رواياتهم؛ ومن جملتهم عبد العزيز بن محمد الدراوردي والذي ذكره أبو حاتم، وبين أنه لا يحتج به.[٩]
كما ورد اسم عبد الله بن ظالم في سند بعضها كما في الحديث المنقول عن سعيد بن زيد.[١٠] وقد رفض كل من البخاري ومسلم اعتماد أحاديثه، بل وصرحوا أن أحاديثه غير صحيحة.[١١] وقال ابن حجر: لينة البخاري.[١٢] وفي تاريخ البخاري الكبير، قال: ليس له حديث إلا هذا - عشرة في الجنة - وبحسب أصحابي القتل![١٣]
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: قال البخاري: عبد الله بن ظالم ، عن سعيد بن زيد ، عن النبي : ولا يصح.[١٤]
خامسا- إن حديث العشرة المبشرة ينتهي إلى عبد الرحمان بن عوف وسعيد بن زيد عن النبي ، وكلا الطريقين إليهما ضعيف.
فأما الطريق إلى عبد الرحمان بن عوف والوارد في سُنن الترمذي ومسند أحمد بن حنبل، فينحصر بحُميد ابن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عبد الرحمان بن عوف تارة، وعن رسول الله أخرى.
وهذا إسناد باطل؛ لأن حُميد بن عبد الرحمان الزهري لم يرَ أبيه عبد الرحمان بن عوف، ولم يدركه! إذ إن عبد الرحمان بن عوف قد توفي سنة 32 للهجرة، وإن حُميد ابن عبد الرحمان الزهري لم يكن صحابيا وإنما هو تابعي قد توفي سنة 105 للهجرة عن عمر 73 سنة، فيكون قد ولد سنة 32 للهجرةـ،[١٥] وهي سنة وفاة عبد الرحمان بن عوف![١٦]
وعمر كهذا لا يرشحه لهذه الرواية، فكيف أصبح - بعمره هذا – الراوي الأوحد عن أبيه تارة وعن رسول الله تارة أخرى؟
وقد أحصى ابن حجر من حدث عنهم حُميد الزهري من الصحابة، وليس فيهم عبد الرحمان بن عوف! [١٧] هذا هو حال إسنادهم الأول للرواية عن عبد الرحمن بن عوف.
فيبقى الطريق إلى الرواية قصرا على رواية سعيد بن زيد عن النبي وهو أحد العشرة المبشَّرة المذكورين. [١٨]
وقد أورد نقاد الحديث من علماء الشيعة على هذا الإسناد الآتي:
1- إنّ رواية سعيد بن زيد - وهو ابن عم عمر بن الخطاب - لم تظهر وتُعرف إلاّ في أيام حكم معاوية - والشاهد على ظهورها في عهده صدر الرواية نفسها، ففي بعضها: لما قدم فلان الكوفة أقام فلانا خطيبا، فأخذ بيدي سعيد بن زيد، فقال : ألا ترى إلى هذا الظالم - وذلك حين سمعه يسب عليا - فأشهد على التسعة أنهم في الجنة (فعدهم)، قلت: ومن العاشر ؟ فتلكأ هنيئة، ثم قال: أنا .
وجاء في رواية أخرى، أن سعيد بن زيد كان في المسجد - في الكوفة - فذكر رجل عليا فقام، الحديث.
هكذا ظهرت هذه الرواية لأول مرة في الكوفة بعد وفاة النبي بثلاثين سنة! ولم يسمع بها أحد من قبل !
وهذا ما يثير الريب، فما هو سر إرجاء روايته هذه إلى زمان إمارة معاوية وعدم ذكرها في عهد الخلفاء الأربعة والجو يلائم نشرها، بل كانوا في حاجة لمثلها آنذاك في مواضع عديدة لتدعيم منصب الخلافة، فكأنها أوحيت إلى سعيد بن زيد فحسب يوم تسنم معاوية عرش الملك العضوض.
2- إن هذه الرواية عن سعيد بن زيد مع أنها أكثر طرق حديث التبشير تنتهي إليها لا يوجد في طرقها إسناد يصحّ الاحتجاج به، لمحل الخدش في الرواة؛ لأنها رويت مرة من طريق عبد الله بن ظالم المازني عن سعيد بن زيد، وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأخنس عن سعيد بن زيد.
أما عبد الله بن ظالم المازني هذا فقد تقدم الكلام فيه من جهة رفض كل من البخاري ومسلم اعتماد أحاديثه. وذكر العقيلي له في الضعفاء. وأما عبد الرحمان بن الأخنس، فقال عنه ابن حجر: متروك.ابن حجر، [١٩]
نقد متن الحديث
وقد أورد علماء الشيعة بعض النقود على متن الحديث، من أهمها:
- الأول: أنّ نصّ الرواية لا يمكن التعويل عليه، لمحاولته الجمع بين الأضداد في أسماء الأشخاص الذين ذكروا بأنهم مبشرين بالجنة، حيث نجد نفس الذين بشروا بالجنة تقاتلوا فيما بينهم واختلفوا اختلافا كبيرا. وهذا مما علم بضرورة التاريخ في حرب صفين والجمل وخارجهما، حتى وصل الأمر إلى التخطئة من بعضهم لبعض والتضليل والحرب وسفك الدم. والشواهد على ذلك كثيرة من أهمها:
محاربة الزّبير وطلحة لعلي (ع) خليفة رسول اللَّه في وقعة الجمل في البصرة وهما باغيان قد أوجب القرآن قتالهما لخروجهما عليه بعد بيعتهما له، ومقتل طلحة بن عبيد اللَّه التيمي يوم الجمل سنة ستة وثلاثين للهجرة، وهو أحد العشرة المبشرة، بعد أن قام بحربه فيها.[٢٠]
ومنها امتناع سعد بن أبي وقاص عن بيعة علي وبيعته لمعاوية! رغم محاربته لعلي (ع).فكيف يكون كلّ من الفريقين على الحقّ والصواب؟![٢١][٢٢]
فالواقع التاريخي والأحداث الصادرة عن بعض هؤلاء العشرة تأبى القول بأنهم خصوا بالبشارة في بالجنة بحديث العشرة.
ومعلوم أن من التسعة المبشرة من قاتل عليّاً وخذله ولم ينصره ونكث بيعته معه، فكيف يكون بعد ذلك من المبشّرين بالجنّة؟!.وهل يعقل للمتقاتلين أن يكونا معاً في الجنة ؟!
- الثاني: تخبط الرواة في تحديد من هم العشرة المبشرة وعددهم.
فتارة يحددونهم بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي (ع) وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمان بن عوف وأبو عبيدة الجراح.
وتارة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمان بن عوف في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة في الجنة.
ويُلاحظ أن هذه الرواية ذكرت تسعة فقط، وليس عشرة. وفي هذا الإسناد يخرجون سعد بن أبي وقاص ويضعون مكانه سعد بن مالك .
وتارة: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وطلحة في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وسعيد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمان في الجنة، ولو شئت لسميت العاشر فقالوا من هو؟ قال الراوي أنا؛ أي سعيد بن زيد.
وهذه الرواية ليس فيها علي (ع) ولا ابن الجراح، وأنهم ليسوا ضمن العشرة الذين اتفق أهل السنة على تعظيمهم وتكريمهم. فهذه الرواية تؤكد أن عليا ليس من المبشرين بالجنة، وأن وضعه ضمن حديث المبشرة من باب الخطأ.
كما أن عدد المبشرين ثمانية وليس عشرة، وفيهم النبي . وبهذا يكون المبشرون بالجنة سبعة فقط بعد إخراج النبي محمد من هذه الحسبة بالطبع؛ لأنه لا معنى لتبشير النبي نفسه بالجنة، وإن وضعهم النبي من ضمن المبشرين بالجنة أمر يؤكد الوضع والاختلاق.
وفي رواية الحاكم النيشابوري، ورد اسم "عبد الله بن مسعود" بدلا من أسم "أبو عبيدة".
وفي رواية سنن أبي داوود وسنن ابن ماجة لم يذكر أي واحد منهما لا أبو عبيدة ولا ابن مسعود، وذكر أسم النبي الأكرم بدلا منهما.[٢٣][٢٤]
إن هذا الاضطراب في متن الرواية مما يدفع للشك في أن هذه الرواية وضعت متأخرة، بل ويدفع لليقين أنها من مخترعات دولة بني أمية؛ لأن المفروض إن يكون العشرة أشهر من نار على علم لا يختلف فيهم الرواة ولا تشوبهم شائبة. وحسبك إن البخاري ومسلم لم يرويا حديث المبشّرة
- الثالث- انّ ممّا يبيّن بطلان خبر العشرة المبشرة أنّ أبا بكر لم يحتج به لنفسه، ولا احتجّ به عثمان لمّا حوصر وطولب بخلع نفسه وهمّوا بقتله، بل تشبّث بأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب لا أكثر، وذكر القطع بالجنة أولى منها وأحرى. فلو كان الأمر على ما ظنّه القوم من صحّة هذا الحديث عن النبيّ لاحتجّ به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه، وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجنان.[٢٥] [٢٦]
- الرابع: أن هذا الحديث معارض بما هو أصح منه سندا ومتنا، وهذا مما يثبت القول ببطلان حديث العشرة المبشرة بالجنة.
ومن جملة تلك الروايات المعارضة والنافية:
1- ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن سعد بن أبي وقّاص، أنه قال: "ما سمعت رسول الله يقول لحي يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام".[٢٧]
فهذا سعد بن أبي وقّاص– وهو أحّد العشرة المذكورين في حديث التبشير – قد شهد بأنه لم يسمع النبي يبشّر أحداً بالجنة سوى عبد الله بن سلاّم. وسعد بن أبي وقاص ضمن العشرة المبشّرين في الحديث، فكيف ينفي بنفسه هذا؟ وكيف غاب ذلك الحديث عنه وهو أحد العشرة، وآخرهم موتا؟ !
2- معارضته لحديثي رسول الله والذين يرويهما البخاري في صحيحه عن النبي: ( يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ). وقوله : ( من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ).صحيح البخاري، ح 3092. وقد ماتت فاطمة وهي غاضبة على بعضهم. وفي رواية أخرى فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت. فكيف يكون حديث المبشرة شاملا لهم دون غيرهم.
3- ما روي عن معاذ بن جبل: (سمعت رسول الله يقول: إنه – أي عبد الله بن سلام - عاشر عشرة في الجنة).[٢٨]
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
وهذه الرواية صححها الحاكم والذهبي فينبغي أن يكون "عبد الله بن سلام" أحد العشرة المبشرة، وعليه فلا بد من إخراج واحد ممن ضمهم حديث المبشرة، بل أنه ينافي هذا حديث العشرة المبشرة، لأنه لو صح حديث المبشرة لكان ابن سلام يدخل الجنة بعدهم.
4- ما رواه الإمام مالك في موطأه: "مرّ رسول الله وأبي بكر على شهداء أحد، فقال: أشهد عليهم، فقال أبو بكر: "ألسنا يارسول الله باخوانكم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ؟ فقال رسول الله بلى، ولكن لا أدري ماتحدثون بعدي !! فبكى أبو بكر ثم بكى فقال: أنا لكائنون بعدك؟!".ا[٢٩]فأين البشارة في هذا الحديث.
5- إن هذا الحديث يتعارض مع أخبار رسول الله لعلي أنه قال: ( أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ).[٣٠]
فالناكثون: هم طلحة والزبير وعائشة، فإذا علي مأمور بقتالهم وهو على حق وهم على باطل.
وما روي في صحيح مسلم وأبي داوود والترمذي وغيرها عن عليّ أنّ النبيّ قال له: "لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق".[٣١]
- الخامس- إنه لو كان خبر المبشرة صحيحاً - كما زعموا - لوجد في كلام هؤلاء المبشّرة بالجنة ما يصرح أو يشير إلى تبشيرهم، أو لا أقل لم يشكّوا بالظفر بثواب الله عزّ وجلّ في حياتهم وعند احتضارهم، لثقتهم بخبر الرسول ، لكن نجد من سيرة هؤلاء الصحابة المبشرة - ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان - ما يخالف ذلك تماما، والشواهد على وقوع الجزع والفزع من أبي بكر وعمر في حياتهما وعند احتضارهما كثيرة، ومن جملتها:
ما رواه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال،[٣٢] بهامش الجزء الرابع من مسند أحمد بن حنبل، وكذلك السيوطي في تاريخه،[٣٣]والطبري في الرياض النضرة،[٣٤] عن أبي بكر أنه نظر إلى طائر على شجرة. فقال: (طوبى لك يا طائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك، ولوددتُ إني شجرة على جانب الطريق مر عليّ جمل فأكلني وأخرجني في بعرة ولم أكن من البشر)، وهذا ابن تيمية ينقل في منهاجه ويروي أبي بكر أنه قال: (ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت تبنة في لبنة).[٣٥]
أمّا الخليفة عمر بن الخطاب فقد حكى عنه أبو نعيم في حلية الأولياء وابن تيمية في منهاجه، أن عمر قال: (يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كاسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضه قديدا، ثم أكلوني ولم أكن بشرا).[٣٦]وقد اعترف ابن تيمية في منهاجه بصحة نسبة ذلك إليه.[٣٧]
وروي عن عبد الله ابن عامر بن ربيعة قوله: رأيت عمر أخذ تبنة من حائط، فقال: "يا ليتني كنت هذه التبنة يا ليتني لم أخلق، يا ليت أمي لم تلدني، لم أك شيئا، يا ليتني كنت نسيا منسيا".[٣٨]
وأخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب عن ابن عباس أنه قال: (دخلت على عمر لما طعن فرأيته جزعاً فزعاً، فقلت لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، فقال يا ابن عباس لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله قبل أن اراه).[٣٩]
فهل يقول هذا الكلام من له علم بحديث البشارة بالجنة؟ وهذه التمنيات من هؤلاء الصحابة صريحة في بطلان حديث البشارة لهم بالجنة، قال عز من قائل: (ألا أن اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ...).[٤٠]
- السادس: إن حديث العشرة المبشرة بالجنة لا ينسجم حتى مع عقيدة القائلين به، والقائلة بعدالة كل الصحابة لجملة من الأحاديث من قبيل حديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهتديتم).[٤١]
فاذا كان كل الصحابة عدول بزعمهم فلابد من دخولهم الجنة جميعا باعتبارهم عدول، فلماذا خصت الجنة في الحديث بعشرة منهم فقط ذكروا في وقت واحد وفي حديث واحد، وما الهدف من جمعهم فيه، أليس جميع الصحابة عدول على حد زعمهم وبالجنة؟
فمسألة العدالة لكل الصحابة تتنافى وتسقط حديث العشرة المبشرين بالجنة والنتيجة أن كلا الأمرين باطل بالضرورة.
- السابع: لماذا خصَّ دخول الجنة بهؤلاء العشرة فقط وهنالك من الصحابة من هو أعلى مكانة وأشد بلاء وسابقة في الإسلام من سعيد وسعد وعبد الرحمن وطلحه وغيرهم وعلى رأس هؤلاء عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري والمقداد وسلمان وحذيفة بن اليمان وبلال الحبشي وذي الشهادتين.
ولماذا لم يدخل في هؤلاء العشرة حمزة سيد الشهداء وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وسعد بن معاذ أو رجل من هذه المراتب؟
إن سيرة هؤلاء العشرة - إن كانوا عشرة - لا توجب لهم هذا الفضل.
ومن الواضح أن العقل لا يقبل تخصيص العشرة بهؤلاء فقط وإخراج باقي أجلاء الصحابة من أنصار ومهاجرين. ولماذا كل هؤلاء العشرة من قريش ومن المهاجرين ولا يوجد أنصاري واحد ولا غيره فيهم؟!
- الثامن: أن رواية العشرة المبشّرة لم تتوقف عند العشرة، بل تعدت في بعض أسانيدها إلى أحد عشر، فقد ذكر المحب الطبري - في الرياض النضرة - فصلا في وصف كل واحد من العشرة بصفة حميدة، وروى عن ابن عباس (رضي الله عنهما) عن رسول الله: "... ولكل نبي صاحب سر، وصاحب سري: معاوية بن أبي سفيان، فمن أحبهم فقد نجا، ومن أبغضهم فقد هلك ".[٤٢]
و هذا ما يدل على أن هذه الرواية ومثيلاتها هي من صنع الأمويين ، خدمة لشرعية دولتهم واستمرار بقائها.
- التاسع: إن مقتضى دليل العقل يمنع من القطع بالجنة والأمان من النار لمن تجوز منه مواقعة قبائح الأعمال، ومن ليس بمعصوم من الزلل والضلال، فلا يجوز أن يعلم الله تعالى مكلّفاً كهذا بأن عاقبته الجنة؛ لانّ ذلك سيغريه بالقبيح،[٤٣] ولا خلاف أن تسعة من المبشرة غير الإمام علي (ع) لم يكونوا معصومين من الذنوب بشهادة أنفسهم، وإجماع الأمة الإسلامية على عدم عصمتهم سوى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما تذهب إليه معاشر الإمامية من عصمته بآية " ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".[٤٤]
نعم هذا لا يمنع من تبشير النبي بعض المسلمين بالجنة، لبيان مرجعيتهم ومقامهم والتأسي بهم في الأمة. فقد صح عن النبي قوله في حق آل ياسر بأن موعدهم الجنة.[٤٥] والقرآن أيضا يبشر كل من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى بالجنة، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ)[٤٦].
ومن المعروف والمقطوع به أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المبشّرات بالجنّة، فهي سيّدة نساء أهل الجنّة.[٤٧]
وما رواه الفريقان عن النبي : "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"".[٤٨] فمن كان من أهل الجنة كان الحسن والحسين سيدين له، فكيف لم يذكرا في حديث العشرة المبشرة؟
والخلاصة: أن العقل لا يمنع في إمكانية وقوع التبشير بالجنة لغير المعصومين، وإنما المسألة هي أن العقل لا يقبل تخصيص العشرة المبشرة بهؤلاء في حديث واحد وإخراج باقي أجلاء الصحابة منه، إضافة إلى أن رواية العشرة المبشرة المدعى صدورها عن النبي لم يصح سندا ومتنا.
بحوث ذات صلة
وصلات ذات صلة
الهوامش
- ↑ مركب وَصْفِيّ: هو ما تألَّفَ من الصِّفة والمَوْصوف، مثل: انتَصَرَ الجَيْشُ العَظِيمُ.
- ↑ أحمد بن حنبل، المسند، ج 1، ص 193؛ سنن الترمذي، كتاب المناقب. باب مناقب عبد الرحمن بن عوف، ج 5، ص 647؛ النسائي، فضائل الصحابة، ص 28.
- ↑ سنن أبي داوود، ج 4، ص 225، كتاب السنة.
- ↑ سنن أبي داوود، ج 3، ص 212، ح 4648.
- ↑ سنن أبي داوود، ج 3، ص 213، ح 4649.
- ↑ سنن ابن ماجة، ح 133.
- ↑ المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة، تحقيق: عبد الإله بن سلمان بن سالم الأحمدي، ج 1، ص 402.
- ↑ المفيد، الإفصاح في الإمامة، ص 71؛ الطوسي، تلخيص الشافي، ج 3، ص 24 1.
- ↑ الذهبي، ميزان الاعتدال، ج 2، ص 634.
- ↑ سنن أبو داوود، ج 3، ص 212، ح 4648.
- ↑ الحاكم النيشابوري، المستدرك علي الصحيحين بذيله التلخيص للذهبي، ج 3، ص 317؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب ج 5، ص 269.
- ↑ ابن حجر، تقريب التهذيب، ج 1، ص 424 ، ص 394 .
- ↑ التاريخ الكبير، ج 5، ص 124، ص 368.
- ↑ العقيلي، الضعفاء الكبير، ج2، ص267، ص827 .
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 1 ، ص 92 .
- ↑ ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج 3، ص 41 - 40 و ج 6، ص 222.
- ↑ ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج 3، ص 46.
- ↑ سنن أبي داوود، ج 3، ص 212، ح4648. سُنن الترمذي، ج 5، ص 311.
- ↑ تقريب التهذيب، ج 1 ، ص 472 ، ص 858.
- ↑ أسد الغابة، ج 3، ص 59.
- ↑ الإفصاح، ص 73-74.
- ↑ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ص 522.
- ↑ سنن أبي داوود، ج3، ص212، ح4648
- ↑ سنن ابن ماجه، ج 1، ص 48.
- ↑ الإفصاح، ص 73.
- ↑ الطوسي، تلخيص الشافي، ج 3، ص 241.
- ↑ الحاكم، المستدرك، ج 4، ص 468.
- ↑ الحاكم النيشابوري، المستدرك، ج 1، ص 98 .
- ↑ بن أنس، مالك، الموطأ، كتاب الجهاد، ح 1004.
- ↑ الحاكم، المستدرك على الصحيحين، ح 4674، ح 4675.
- ↑ صحيح مسلم، ج1، ص61، سنن أبي داوود، ج 8، ص 117، سنن الترمذي، ج 5 ، ج 306، مسند أحمد، ج 1، ص 95.
- ↑ المتقي الهندي، منتخب كنز العمال، ص 361.
- ↑ السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 41
- ↑ الطبري، الرياض النضرة، ج1، ص134
- ↑ ابن تيمية، منهاج السنة، ج 3، ص 120.
- ↑ البيهقي، شعب الإيمان، الخوف من الله تعالى، ج 2، ص 227 ؛ أبو نعيم، حلية الأولياء، ج 1، ص 52. بلفظ مقارب.
- ↑ ابن تيمية، منهاج السنة، ج 3، ص 131 ـ 132>
- ↑ ابن أبي الدنيا، عبد الله بن محمد، المتمنين، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، ص 26.
- ↑ صحيح البخاري، ج 2، ص 194. صحيح البخاري حديث رقم: 3416.
- ↑ سورة يونس، الآية (62).
- ↑ ابن عبد البر ، جامع بيان العلم وفضله، ص 895.
- ↑ المحب الطبري، أحمد بن عبد الله، الرياض النضرة في مناقب العشرة، ص 17.
- ↑ المفيد، الإفصاح، ص 73 ، الطوسي، تلخيص الشافي، ص 3، ص 241.
- ↑ سورة الأحزاب، الآية (33).
- ↑ مجمع الزوائد، ج 9، ص 293.
- ↑ سورة طه، الآية (82).
- ↑ صحيح البخاري 4 : 183، سنن الترمذي 5 : 326، مسند أحمد 5 : 391 - 392.
- ↑ سنن الترمذي، ج5، ص321، المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 167، ؛ علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب المناقب، ح 15085.
المصادر والمراجع
- ابن حجر، تهذيب التهذيب، دار الفكر، ط1، بيروت، 1404 ق.
- الترمذي، محمد بن عيسى، تحقيق: إبراهيم عطوة عوض، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د . ت.
- الطوسي، تلخيص الشافي في الإمامة.
- الذهبي، ميزان الاعتدال، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1963م.
- أبو داوود، سُنن، تحقيق: سعيد محمد لحام، دار الفكر، بيروت، 1410 هـ.
- الحاكم النيشابوري، المستدرك علي الصحيحين بذيله التلخيص للذهبي، دار الكتاب العربي، بيروت، د . ت.
- ابن ماجة، سنن، تحقيق: عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، د. ت.
- المحب الطبري، أحمد بن عبد الله، الرياض النضرة في مناقب العشرة، مكتبة شبكة مشكاة الإسلامية.
- المفيد، النعمان بن أحمد، الإفصاح في الإمامة، محمد بن النعمان، ط 2، 1413 ه، د.م.
- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، ط. الميمنية، 1313 ه .
- ابن حنبل، أحمد، المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة، تحقيق وجمع ودراسة: عبد الإله بن سلمان بن سالم الأحمدي، دار طيبة، المملكة العربية السعودية، 1991م/ 1412 هــ.
- ابن أبي الدنيا، عبد الله بن محمد، المتمنين، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، ط1، دار ابن حزم، بيروت، 1418هـ/1997م.
- ابن أنس، مالك، الموطأ، مكتبة الفرقان، دبي، دار إحياء العلوم العربية، 1414هـ / 1994م.
- النسائي، أحمد بن شعيب، فضائل الصحابة، ط . دار الكتب العلمية، بيروت، د . ت.