لعن الصحابة وهو الدعاء بالسوء وسب بعض أصحاب النبي(ص)؛ بسبب أعمالهم وسلوكهم، وقد اعتبر جملة من فقهاء الشيعة لعن الصحابة حرام. فهم يعتقدون بوجوب احترام مقدسات المذاهب الإسلامية، وخاصة إنَّ اللعن تم استخدامه من قبل بعض الجماعات المتطرفة من أجل تفريق الشيعة وقتلهم، وفقدان الوحدة في العالم الإسلامي. يمنع أهل السنة لعن وسب جميع الصحابة حتى ذهب جملة منهم إلى تكفير فاعله؛ لأنهم يعتقدون بعدالة جميع الصحابة.

وفي المقابل يرى بعض الشيعة إنَّ القرآن الكريم يحتوى على لعن بعض الجماعات مثل الظالمين والكاذبين، وإذا كانت تصرفات بعض الصحابة وسلوكهم ينطبق مع عمل الظالمين أو الكاذبين، فإنَّ هذا اللعن ينطبق عليهم، ومن جملة أدلة هذه المجموعة هو لعن بعض الصحابة من قبل رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم، أو من قبل صحابة أخرين.

المفهوم

المقصود من لعن الصاحبة هو الدعاء بالسوء وسب بعضهم؛ بسبب أفعالهم وسلوكهم وليس لكونهم صحابة.[١] فالعن من جانب الله تعالى يعني الطرد من الرحمة والعذاب في الآخرة، ومن جانب الإنسان هو نوع من الدعاء بالسوء على الآخر.[٢] اعتبر ابن الأثير إنَّ اللعن من قبل الناس هو مرادف للسب.[٣] وفرق البعض بين السب واللعن، فالسب هو نطق الكلمة القبيحة، واللعن تعني الابتعاد عن رحمة الله.[٤]

والصحابي هو من التقى بالنبي(ص) مؤمنا به، ومات على الإسلام.[٥] والمراد باللقاء، ما هو أعم من المجالسة، والمماشاة، ووصول أحدهما إلي الاخر.[٦]

المباني المختلفة في مورد الصحابة

لقد تم لعن بعض الجماعات في القرآن الكريم مثل الكافرين[٧] والظالمين،[٨] والكاذبين،[٩] وكذلك الشيطان.[١٠] يتفق المسلمون وبالاستناد على هذه الآيات علي وجوب لعن الكافرين والظالمين، ولكن يختلفون في تعيين المصداق، فأهل السنة بسبب قولهم بعدالة جميع اصحاب النبي(ص) فلا يجوزون لعنهم، بل يرى البعض وجوب محبة الصحابة على المسلمين، وبغضهم وسبهم كفر ونفاق.[١١] ولا يقول الشيعة بعدالة جميع صحابة النبي(ص) لاحتمال أين يكونوا من مصاديق الظالمين.[١٢] وبعضهم يجوز لعن الصحابة،[١٣] والبعض الآخر يمنعه من أجل مصلحة عموم المسلمين.[١٤]

المعارضين للعن الصحابة

يوجد معارضين للعن وسب الصحابة، فمعظم أهل السنة ومجموعة من علماء الشيعة يعارضون لعن الصحابة، ولكل من هاتين المجموعتين له أدلته الخاصة.

المعارضين للعن الصحابة من بعض الشيعة

يعتقد جملة من الكتاب وعلماء الشيعة إنَّ لعن الصحابة والخلفاء الثلاثة كانت سبباً في أن يقوم بعض حكام أهل السنة بقتل الشيعة على طول التاريخ.[١٥] يعتقد آية الله جوادي الآملي، أحد مراجع التقليد، إنَّه من المهم جداً الحفاظ على أرواح المسلمين، وأحد الحلول لمنع قتل المسلمين هو ترك لعن مشايخ أهل السنة.[١٦] وبنظر هاشمي رفسنجاني السياسي الإيراني، إنَّ السب ولعن هي من جملة العوامل التي أدت إلى تشكيل الجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش.[١٧] يرى آية الله السيد علي الخامنئي، زعيم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إنَّه يحرم كل ما يشعل نار الفتنة بين المسلمين ويُهين مقدسات كل جماعة إسلامية، ويخدم جماعة الكفر والشرك، ويخون الإسلام. كما أستدل البعض أيضاً إنَّ الحفاظ على النظام الإسلامي يعتمد على الحفاظ على وحدة المسلمين والمجتمع الإسلامي، ولا يمكن الحفاظ على هذه الوحدة دون احترام مقدسات المسلمين الآخرين. مع أخذ هذه المصلحة في الاعتبار، فيجب على المسلمين تجنب إهانة الأشخاص المحترمين في المذاهب الأخرى.[١٨]

وقد ذهب جملة من الكتاب وفقهاء الشيعة، على إنه لا يوجد دليل معتبر من أهل البيت  على لعن الصحابة.[١٩] وبناء على هذا القول لا يجوز لعن شيوخ أهل السنة بالاعتماد على العمل بالتقية والمدارات.[٢٠]

المعارضين للعن الصحابة من أهل السنة

يرى مشهور علماء السنة إنَّ جميع الصحابة عدول،[٢١] وقد أشاروا إلى روايات تمدح الصحابة وتنهى عن سبهم ولعنهم، ويظهر هذا الأمر عندهم بشكل واضح في الخليفة الأول والثاني،[٢٢] ويرى ابن تيمية وهو من كبار علماء السلفية، أنه لا يجوز سب أي من الصحابة، وسب أبي بكر وعمر وعثمان ذنبه أكبر من سب علي بن أبي طالب .[٢٣]

حكم أهل السنة في لعن وسب الصحابة

كان سب ولعن الصحابة والخلفاء سبباً في قتل الشيعة على يد بعض الحكام على طول التأريخ.[٢٤] ولكن يختلف أهل السنة في حكم من سب ولعن الصحابة.[٢٥] وقال ابن حجر العسقلاني محدث وفقيه من أهل السنة في القرن الثامن والتاسع الهجري، يرى مشهور السنة إنَّ من يسب الصحابي يجب أن يتم تعزيره فقط.[٢٦] وذكر ابن كثير من علماء أهل السنة في القرن الثامن الهجري، إنَّ مجموعة من العلماء ذهبوا إلى تكفير من سب الصحابة.[٢٧]

الموافقين على لعن بعض الصحابة

يرى جماعة من الشيعة إنَّ الله تعالى على الرغم من منعه السب،[٢٨] إلا إنَّه أباح اللعن.[٢٩] حيث يعتقد هؤلاء إنَّ الصحابة مثل بقية الافراد تشملهم الآيات القرآنية.[٣٠] ولقد لعن الله تعالى في القرآن الذين يؤذون النبي(ص).[٣١] فإذا كان هناك أحد الصحابة قد آذى رسول الله  فإنَّه مشمول بهذه الآية ويحكم عليه باللعن، وإذا لعنه أحد المسلمين فقد عمل بطبق ما جاء في القرآن. وكما جاء في القرآن إنَّ الصحابة الذين ظلموا أو كذبوا فقد تم لعنهم، وهذه اللعن ليس لكونه صاحبي بل من جهة ظلمه أو كذبه. [٣٢]

يعتقد بعض علماء الدين الشيعة أنه جاء في الروايات التي وردت عن أهل البيت  جواز لعن بعض الصحابة.[٣٣]

وبالإضافة إلى ذلك فقد جاز لعن بعض الصحابة؛ بسبب لعن رسول الله  لهم.[٣٤] حيث لعن رسول الله  أبا سفيان ومعاوية.[٣٥] وقد ذكر بعض الباحثين العديد من الحالات التي لعن فيها النبي(ص) معاوية،[٣٦] وكما لعن مجموعة من الصحابة الذين تخلفوا عن جيش أسامة.[٣٧] وكذلك وفق المصادر التاريخية فإنَّ بعض الصحابة قد لعنوا من قبل صحابة آخرين.[٣٨]

الهوامش

  1. السبحاني، رسائل ومقالات، ج 6، ص 136.
  2. الطريحي، مجمع البحرين، ج 6، ص 309.
  3. ابن الأثير، النهاية، ج 4، ص 255.
  4. فخلعي، مجموعه گفتمان‌های مذاهب اسلامی، ص 299.
  5. ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج 1، ص 158.
  6. الشهيد الثاني، الرعاية في علم الدراية، ص 339.
  7. سورة الأحزاب: الآية 64.
  8. سورة هود: الآية 18.
  9. سورة النور: الآية 7.
  10. سورة الحجر: الآية 35.
  11. «أقوال العلماء فی حکم من سب الصحابة»، سایت اسلام‌وب.
  12. آهنگران، درگاهی، «حکم لعن بر متصف شدگان به فسق و کفر در فقه اسلامی»، ص ۲8.
  13. السبحاني، رسائل ومقالات، ج 6، ص 136.
  14. «اسلام علیه استکبار است نه ادیان دیگر»، پایگاه اطلاع‌رسانی آیت‌الله خامنه‌ای.
  15. الحسيني القزويني، «آیا لعن کردن خلفاء و اصحاب جایز است؟»، کتابخانه مدرسه فقاهت.
  16. «نظر آیت‌الله جوادی آملی درباره سب و لعن»، سایت آپارات.
  17. «هاشمی رفسنجانی: از لعنت صحابه به داعش رسیدیم»، سایت آپارات.
  18. آهنگران، درگاهی، «حکم لعن بر متصف شدگان به فسق و کفر در فقه اسلامی»، ص۲۴.
  19. کدیور، «عدم جواز لعن خلفای راشدین، امهات مؤمنین و صحابه»، سایت کدیور.
  20. کدیور، «عدم جواز لعن خلفای راشدین، امهات مؤمنین و صحابه»، سایت کدیور.
  21. ابن الأثير، أسد الغابة، ج 1، ص 10.
  22. اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ج 7، ص1336 و 1344.
  23. ابن تيمية، مختصر منهاج السنة، ج 1، ص 210.
  24. حسینی قزوینی، «آیا لعن کردن خلفاء و اصحاب جایز است؟»، کتابخانه مدرسه فقاهت.
  25. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج 7، ص 36.
  26. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج 7، ص 36.
  27. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 2، ص 248.
  28. سورة الأنعام: الآية 108.
  29. رضواني، شیعه‌شناسی و پاسخ به شبهات، ج 2، ص 597.
  30. «آیا شیعه، خلفا و عایشه را سبّ و لعن می‌کند؟!»، سایت نمایندگی ولی‌فقیه در امور حج و زیارت.
  31. سورة الأحزاب: الآية 57.
  32. السبحاني، رسائل ومقالات، ج 6، ص 136.
  33. الخميني، المكاسب المحرمة، ج 1، ص 379.
  34. «لعن و نفرین پیامبر(ص) بر معاویه»، سایت اکمال.
  35. ابن مزاحم، وقعة صفين، ص 220.
  36. شبر، حق اليقين، ج 1، ص 247.
  37. الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 1، ص 337.
  38. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 3، ص 223؛ المقدسي، البدء والتاريخ، ج 5، ص 228.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن الأثير، علي بن محمد، أسد الغابة في معرفة الصحابة، بيروت، دار الفكر، 1409هـ/ 1989م.
  • ابن الأثير، مبارك بن محمد، النهاية في غريب الأثر، قم، مؤسسه اسماعيليان، 1361ش.
  • ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/ 1995م.
  • ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1419هـ.
  • ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، مختصر منهاج السنة، تلخيص: عبد الله بن محمد الغنيمان، اليمن، دار الصديق، 2005 م.
  • ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر، 1379هـ.
  • «اسلام علیه استکبار است نه ادیان دیگر»، پایگاه اطلاع‌رسانی دفتر حفظ و نشر آثار آیت‌الله‌ سیدعلی خامنه‌ای، تاريخ الإدراج: 7 يناير 2015م، تاريخ المراجعة: 19 يوليو 2020م.
  • «أقوال العلماء في حكم من سب الصحابة»، سایت اسلام ویب، تاريخ الإدراج: 12 اغسطس 2003م، تاريخ المراجعة: 19 يوليو 2020م.
  • الخميني، روح الله، المكاسب المحرمة، قم، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط1، 1415هـ.
  • «آیا شیعه، خلفا و عایشه را سبّ و لعن می‌کند؟!»، سایت حوزه نمایندگی ولی فقیه در امور حج، تاريخ الإدراج 30 أبريل 2017، تاريخ المراجعة: 19 يوليو 2020م.
  • آهنگران، محمد رسول و مهدی درگاهی، «حکم لعن بر متصف شدگان به فسق و کفر در فقه اسلامی»، مجلة پژوهش‌های فقه و حقوق اسلامی، العدد 52، صيف 1397ش.
  • الحاكم الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله بن أحمد، شواهد التنزيل، تحقيق: محمد باقر المحمودي، طهران، وزارة الإرشاد الإسلامي، 1411هـ.
  • حسيني القزويني، محمد، «آیا لعن کردن خلفاء و اصحاب جایز است؟»، سایت کتابخانه مدرسه فقاهت، تاريخ الإدارج: 5 سبتمبر 2007م، تاريخ المراجعة: 19 يوليو 2020م.
  • رضواني، علي أصغر، شیعه شناسی و پاسخ به شبهات، طهران، مشعر، 1385ش.
  • السبحاني، جعفر، رسائل ومقالات، قم، مؤسسة الإمام الصادق (ع)، ط2، 1425هـ.
  • شبر، عبد الله، حق اليقين في معرفة أصول الدين، قم، أنوار الهدى، ط2، 1424هـ.
  • الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، الرعاية في علم الدراية، تحقيق: عبد الحسين محمد علي بقال، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1408هـ.
  • الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، ط2، 1387هـ/ 1967م.
  • الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، طهران، مكتبة المرتضوي، ط3، 1375ش.
  • فخعلي، محمد تقي، مجموعه گفتمان‌های مذاهب اسلامی، طهران، مشعر، ط1، 1383ش.
  • كديور، محسن، «عدم جواز لعن خلفای راشدین، امهات مؤمنین و صحابه»، وبسایت رسمی محسن کدیور، تاريخ الإدراج: 23 اغسطس 2013م، تاريخ المراجعة: 19 يوليو 2020م.
  • اللالكائي، هبة الله بن الحسن، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، تحقيق: أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي، السعودية، دار طيبة، ط8، 1423هـ/ 2003م.
  • «لعن و نفرین پیامبر(ص) بر معاویه»، سایت اکمال، تاريخ المراجعة: 19 يوليو 2020م.
  • المقدسي، المطهر بن طاهر، البدء والتاريخ، بور سعيد، مكتبة الثقافة الدينية، د.ت.
  • المنقري، نصير بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمّد هارون، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، ط2، 1404هـ.
  • «نظر آیت‌الله جوادی آملی درباره سب و لعن»، سایت آپارات، تاريخ المراجعة: 19 يوليو 2020م.
  • «هاشمی رفسنجانی: از لعنت صحابه به داعش رسیدیم»، سایت آپارات، تاريخ المراجعة: 19 يوليو 2020م.