الخليفة
الخليفة، والخلافة الإسلامية، مصطلح إسلامي محض، يعني قيام شخص مقام الحاكم المسلم بعد وفاته في تدبير أمور الدولة الإسلامية والحكم على وفق الشريعة الإسلامية، وظهر هذا المصطلح بعد وفاة رسول الله.
المعنى اللغوي
اشتقت الكلمة من المصدر "خَلَفَ" في اللغة[١] أي ما استخلفته من شيء.
والخلف: ما جاء من بعد. يقال: هو خلف سوء من أبيه، وخلف صدق من أبيه،إذا قام مقامه.
قال الخليل بن أحمد: والخلف: الخليفة بمنزلة مال يذهب فيخلف الله خلفاً، ووالد يموت فيكون ابنه خلفاً له، أي خليفة فيقوم مقامه[٢].
الخليفة والإمام
أما في الاصطلاح فإن الخلافة والإمامة بمعنى واحد لدى المسلمين في خصوص المتولي لأمور الدين والسياسة، ومن ذلك ما قاله الماوردي: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا[٣] وذكر بعض السنة بأنه واجب الطاعة برّاً كان ام فاجراً[٤].
وهو عند الشيعة الإمامية كما ذكر الماوردي إلاً أنّهم خصصوه في اثني عشر إماماً معصوماً اعتمادا على النصوص النبوية.
الخلافة في النص القرآني
قوله تعالى:
- {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[٥].
- {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}[٦]
- {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ}[٧].
- {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[٨].
- {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[٩].
بداية الخلافة
بدأ استعمال هذا المصطلح بعد وفاة النبي بصورة واضحة وإن كان قد استعمله
في كلماته أيام حياته كما في قوله لعلي بن أبي طالب عليه السلام: «أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي، وقال له رسول الله :أنت وليي في كل مؤمن...»[١٠]
من هذا يعتقد الشيعة أن الخلافة لم تكن على ضوء الاستعمال اللغوي بحيث تُستعمل للحي بعد وفاة من سبقه، ولهم في هذا أيضاً رواياتهم الخاصة.
بينما في اعتماد أهل السنة أن هذا متكئ على ما جرى في السقيفة من أحداث تعيين الخليفة بعد النبي.
عقيدة أهل السنة
يعتقد عامّة المسلمين السنة أن الخلافة بعد النبي منحصرة في قريش استناداً إلى نصوص في كتب الحديث[١١]
وفي اعتقاد أهل السنة أن الخلافة بدأت بالشورى في سقيفة بني ساعدة واختيار أبي بكر خليفة كأول خليفة يتفق عليه المهاجرون والانصار استناداً منهم إلى قوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[١٢] استمرت خلافته ثلاث سنين.
ثم بعد وفاته تم تعيين عمر بن الخطاب خليفة ثانٍ للنبي، واستمرت خلافته عشر سنين.
ثم من بعده تم تعيين عثمان بن عفان من نفس عمر بعد أن تعرض للطعن على يد أبي لؤلؤة، واستمرت خلافته 12 سنة.
ثم اختير علي بن أبي طالب خليفة بالتوافق بعد وفاة عثمان، واستمرت خلافته 5 سنين.
ثم بعده تولى الخلافة ابنه الإمام الحسن بن علي لمدة ستة أشهر ثم أبرم معاهدة الصلح مع معاوين بن أبي سفيان وتنازل له عن الخلافة بعد معارك جرت بينهما.
ثم تحولت إلى ملك عضوض لا ينفك عن فئة معينة يكون الحكم فيها جبرياً كما عن حذيفة بن اليمان عن النبي
«إنكم في النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء ثم يكون ملك عضوض ثم تكون جبرية ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»[١٣]
فكانت الخلافة ملكاً في بني أمية وتفرّع منهم حكم بني مروان وفي عصرهم كانت خلافة الزبيريين ثم بني العباس ثم الدولة الفاطمية وبعدها الدولة العثمانية.
عقيدةالشيعة الإمامية
في اعتقاد الشيعة الإمامية أن الخلافة أمر سماوي منصوص على خلافة علي بن أبي طالب في أحاديث وردت عند أهل السنة والشيعة، منها: حديث الدار، وحديث المنزلة، وحديث الثقلين، وحديث الغدير وهوعمدتها، وغيرها من الأحاديث التي اختص بها الشيعة أنفسهم في رواياتهم وكتبهم لإثبات الخلافة لعلي بن أبي طالب وأحد عشر آخرون من وُلده كلهم معصومون يبدأون من الإمام الحسن ثم الحسين
ثم تسعة من أبناء الحسين
.
الخلافة عند الفرق الشيعية
مع التأكيد على انحصار خلافة رسول الله في الأئمة من أبناء الإمام علي بن ابي طالب
، إلاّ أن ظهور فئات انحرفت عن منهج أهل البيت
أوجد فرقاً في الكيان الشيعي تعددت اعتقاداتهم في عدد الأئمة ومنهم:
- الكيسانية والناووسية والفطحية والواقفة والبترية والإسماعيلية والزيدية والإثنا عشرية، وغيرهم.
الخلافة، نظرة على مرّ الزمن
إنّ أول خلافة كانت الخلافة الراشدة في اصطلاح المسلمين السنة، وهي المتمثلة في الخلفاء الراشدين الأربعة:
- فبدأت الخلافة الإسلامية بتولي أبي بكر سنة 11 هـ إلى 13 هـ.
- ثم عمر بن الخطاب من سنة 13 هـ إلى 23 هـ.
- ثم عثمان بن عفان سنة 23 هـ إلى 35 هـ.
- ثم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من سنة 23 هـ إلى 40 هـ.
- ثم تولى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام الخلافة لمدة ستة أشهر [١٤].
- بعدها تنازل[١٥]!! لمعاوية بن أبي سفيان في معاهدة الصلح معه في ذي الحجة سنة 41[١٦]
- ثم تولى الحكم معاوية إلى سنة 60 هـ.
- وبعده تولى يزيد بن معاوية إلى سنة 64 هـ.
- ثم تولى بنو مروان وانحصرت حكومتهم في الشام بصورة أوضح، وشيء من العراق.
- عاصرهم عبد الله بن الزبير خليفةً في مكة والمدينة.
- وانتهت خلافة الأمويين سنة 132 هـ.
- وبدأت خلافة بني العباس سنة 132 هـ حتى سقطت على يد المغول بقيادة هولاكو سنة 656 هـ.
- وفي أيام ضعف الخلافة العباسة أيضاً قامت دولة السلاجقة، والدولة الطولونية، ودولة القرامطة، وعدة دول أخرى في عدة مناطق من العالم الإسلامي.
- وقويت خلافة المماليك في مصر والشام والعراق والتي بدأت سنة 648 هـ حتى سنة 923 هـ.
- أما المغرب العربي فقامت فيه خلافة الأدارسة من سنة 172 هـ حتى 363 هـ.
- ونشأت الخلافة الفاطمية سنة 296 هـ في شمال أفريقيا وكانت أول حكومة تقوم على أساس المذهب الشيعي الإسماعيلي، فكان نفوذها يمتد من المغرب العربي و مصر وصقلية، وكان لها نفوذ قوي في شمال السودان، واستمرت حتى عام 566 هـ.
- وتولى الأيوبيون زمام الخلافة بصورة رسمية بعد القضاء على الفاطميين عام 566 هـ، وكانت بداية تأسيس خلافتهم عام 569 هـ، فانتشرت سلطتهم في مصر ثم امتد إلى الشام والحجاز وشمال العراق وديار بكر بجنوب تركيا وجنوب اليمن، واستمرت خلافتهم حتى عام 743 هـ.
- وتأسست دولة الخلافة العثمانية التركية سنة 698 هـ ونشرت نفوذها على أراضي تركيا كاملة وامتدت إلى جزء من أوروبا وآسيا وأفريقيا، واستمرت الخلافة العثمانية حتى عام 1341 هـ.
- وبانتهاء السلطنة والخلافة العثمانية انتهى عصر ما يسمى بالخلافة الإسلامية وبدأ تأسيس الدويلات والحكومات.
- في العصر الحديث من القرن الحالي ظهرت أصوات تنادي بالخلافة الإسلامية وكلها من الحركات السياسية الإسلامية السنية، بعضها يطالب بامتداد الخلافة على ربوع العالم، وبعضها يطالب بها على المستوى الإقليمي.
الهوامش
- ↑ الجوهري، الصحاح، ج 4، مادة خَلَفَ.
- ↑ الفراهيدي، العين، ج 4، مادة خلف.
- ↑ أبو الحسن الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 17.
- ↑ د. صالح العبود، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص 276.
- ↑ سورة البقرة: 30.
- ↑ سورة الأنعام: 133.
- ↑ سورة الأعراف: 169.
- ↑ سورة ص: 26.
- ↑ سورة النور: 55.
- ↑ أحمد بن حنبل، المسند، ج 1، ص 111 ـ النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 133 - 134.
- ↑ البخاري، الجامع الصحيح، ج 8، ص 128 ؛ كتاب الأحكام ـ مسلم النيسابوري، الجامع الصحيح، ج 6، باب الإمارة ـ سليمان بن شعيب، سنن أبي داود، ج 2، ص 309، حديث 4279 و 4280 ؛ محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، ج 3، باب 42 ما جاء أن الخلفاء من قريش إلى أن تقوم الساعة حديث.
- ↑ سورة الشورى: 38.
- ↑ جلال الدين السيوطي، كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحببيب، ص 116.
- ↑ لاحظ: ابن قتيبة، الأخبار الطوال ص: 196 ــــ 200 ـ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 2، ص 343 إلى 355 ؛ ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج13، ص 311 ـــ 318.
- ↑ محمد قباني، الوجيز في الخلافة الراشدة، ص 89.
- ↑ ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 2، ص 66 ـ ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 211 ـ ابن الأثير، أسد الغابة، ج 2، ص 20 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 1، ص 372.
المصادر
- الجوهري، الصحاح
- الفراهيدي، كتاب العين
- أبو الحسن الماوردي، الأحكام السلطانية
- د. صالح العبود، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
- أحمد بن حنبل، المسند
- الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين
- البخاري، الجامع الصحيح
- مسلم النيسابوري، الجامع الصحيح
- سليمان بن شعيب، سنن أبي داود
- محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي
- جلال الدين السيوطي، كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحببيب
- ابن قتيبة، الأخبار الطوال
- البلاذري، أنساب الأشراف
- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة
- محمد قباني، الوجيز في الخلافة الراشدة
- ابن خلكان، وفيات الأعيان
- ابن الجوزي، تذكرة الخواص
- ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة
- ابن عبد البر، الإستيعاب