آيات الأحكام

هذه مقالة حول مفهوم آيات الأحكام. لفهرس الآيات الفقهية طالع قائمة آيات الأحكام.

آيات الأحكام، أو فقه القرآن، هي الآيات التي ورد فيها الأحكام الشرعية أو يمكن أن يستنبط منها هذه الأحكام، وأنّ المراد من الأحكام الشرعية هي الأحكام العملية، حيث تشمل أبواب مختلفة کـالطهارة والصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج، وغيرها من الفروع، وليست الأحكام الاعتقادية أو الأخلاقية، كما يتضمن البعض من هذه الأيات قواعد فقهية.

المعروف أنّ عدد آيات الأحكام خمسمائة آية من مجموع القرآن، والبعض أدخل كل آية تتعرض إلى بيان حادثة تاريخية، أو مسألة أخلاقية، يمكن من خلالها أستخراج حكم، فسيزداد العدد إلى أكثر من ذلك، وتعتبر آية الدَين الواقعة في أواخر سورة البقرة أطول الآيات الفقهية في القرآن الكريم، حيث أشارت إلى أكثر من 14 حكماً فقهياً.

بحسب الروايات أن الرجوع للقرآن لاستخراج الأحكام العملية للدين كان بزمن النبي كما كان ذلك متعارفاً ومتداولاً عند الصحابة أيضاً، كما أنّ الأئمة كانوا يبينون الحكم الشرعي للناس في بعض الموارد.

أنّ أول أثر لآيات الأحكام قد كتبه محمد بن سائب الكلبي المتوفى سنة 146 هـ، حيث كان من أصحاب الإمام الباقر والصادق. وهناك كتب كثيرة أُلّفت حول فقه القرآن، حيث جعل مؤلّفي هذه الكتب تقسيمات مختلفة بحسب خصوصيات آيات الأحكام، أي: الآيات التي تحمل عدة أحكام قد جعلوها في طائفة، والآيات التي تحمل حكم واحد في طائفة أخرى. قيل أن بعض آيات الأحكام قد نُسخت كما في آية النجوى.

تعريفها

عُرّفت آيات الأحكام عدّة تعريفات، ومنها: إنّها الآيات التي تضمّنت تشريعات كلّية، وإنّها الآيات التي تتعلّق بغرض الفقيه لاستنباطه منها حكماً شرعياً، أو الآيات التي تتضمّن الأحكام الفقهية التي تتعلّق بمصالح العباد في دنياهم وأُخراهم. وأنّ المراد من الأحكام الشرعية هي الأحكام العملية، کـالطهارة والصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج، وغيرها، وليست الأحكام الاعتقادية أو الأخلاقية.

وأنّه لا يقصد معنى اصطلاحي خاصّ من هذه التعاريف، وإنّما المقصود الإشارة إلى المعنى اللغوي لآيات الأحكام وهي: الآيات التي يمكن أن يستفاد منها حكم شرعي. ثم أخذت هذه الآيات القرآنية لتكون عنواناً للكتب التي أولّفت للأحكام العملية للمسلمين.

القرآن هو المصدر الأول للأحكام

المقالة الرئيسة: القرآن الكريم

القرآن هو المصدر والمرجع الأول والأساسي للفقه الإسلامي. وهناك العديد من الآيات والأحاديث التي تُعرّف القرآن كمصدر لمعرفة الدين وهو الكتاب الشامل الحلال والحرام. وفي الوقت نفسه، فإن بعض الشيعة من الأخباريين يعتقدون أن المصدر والمرجع الوحيد لتحقيق أحكام الشريعة هو الأخبار والأحاديث، وأن القرآن يجب أن يُعرف بالأخبار، وأن الإشارة إلى القرآن مباشرة واستعماله بغض النظر عن تفسير أهل البيت يكون ممنوعاً.

لم يتم ذكر كل الجزئيات لأحكام الشريعة في القرآن. وما جاء في القرآن هو الأحكام العامة والقوانين الشرعية الكلية، ويمكن الحصول على جزئياتها من روايات المعصومين . وعلى سبيل المثال حكم وجوب الصلاة، يفهم من آيات القرآن، لكن كم عدد ركعاتها وأركانها وأذكارها فيُفهم من الروايات.

تاريخها

حسب ما جاء في الروايات، أن الرجوع إلى القرآن واستخراج أحكام آياته قد بدأ من عهد النبي ونزول القرآن، وكان هذا متداولاً بين الصحابة والأئمة. في كثير من الأحيان كان الأئمة يبيّنون الأحكام الشرعية ويستخرجونها للناس، فمثلاً نُقل عن عبد الأعلى أنه ذهب إلى الإمام الصادق وقال: أنني سقطت على الأرض وخلع أظافر قدمي واضطررت إلى ربطها بٍعصابة، فماذا أفعل للوضوء؟ قال الإمام: حكم هذه المسألة ونحوها يُفهم من هذه الآية: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"؛ امسح على الجرح فقط.

كان الفقهاء الشيعة يرجعون دائماً إلى القرآن؛ لاستخراج الأحكام الفقهية. لكن التاريخ الجامع والتأليف في أعمال مستقلة في مجال آيات الأحكام يعود إلى القرن الثاني الهجري. ويُقال أن الكتاب الأول في هذا الموضوع كتبه محمد بن سائب الكلبي (ت ١٤٦ هـ)، من أصحاب الإمام الباقر والإمام الصادق.

عدد آيات الأحكام

المقالة الرئيسة: قائمة آيات الأحكام

المعروف أنّ عدد آيات الأحكام خمسمائة آية، من مجموع القرآن، حتّى أنّ هذا الرقم دخل في عناوين بعض كتب آيات الأحكام وأساميها، كما في كتاب فخر الدين ابن المتوّج البحراني، فقد سمّى كتابه «النهاية في تفسير خمسمائة آية»، ولعلّ مرادهم من هذا العدد التقريب، فقد صرّح بعضهم كالفاضل المقداد بأنّها بعد حذف المكرّر منها في الأحكام الشرعية لا تبلغ هذا العدد، وقال آخرون: إنّها في حدود الثلاثمائة آية أو تزيد عليها بقليل.

ثمّ إنّ هذه الاحصائيّات، مع حساب المكرّر أو بدونه، مبنيّة على عدّ ما هو المتعارف من آيات الأحكام، وأمّا إذا أخذنا بنظر الاعتبار كلّ آية تصلح أن يستنبط منها حكم شرعي، أو إذا أدخلنا كلّ آية تتعرّض إلى بيان الأحكام، فسيزداد العدد إلى أكثر من ذلك.

من المحتمل أن يكون أول من ذكر الرقم خمسمائة هو مقاتل ابن سليمان (ت 150 هـ). كما أنّ الآية 282 من سورة البقرة المعروفة بـآية الدَين هي أطول آية من آيات الأحكام، وهي أيضاً أطول آيات القرآن الكريم.

نسبتها إلى مجموع القرآن الكريم

قد اختلفت الأنظار في تحديد نسبة الآيات المشتملة على الأحكام الفقهيّة في القرآن الكريم، ففي روايات أهل البيت أنّها ربع القرآن أو ثلثه أو أكثر.

والمنقول عن أهل السنة في ذلك آراء مختلفة، منها:

نقل السيوطي في كتاب الإتقان قوله: «قد اشتمل كتاب اللّه‏ على كل شيء، أمّا أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها . . . وفيه شعب الإيمان البضع والسبعون، وشرائع الإسلام الثلاثمائة وخمس عشرة، وفيه أنواع الكبائر، وكثير من الصغائر، وفيه تصديق كلّ حديث ورد عن النبي».

أمثلة من الآيات وتقسيماتها

• تضمّنت بعض الآيات، أحكاماً كلّية (أي أحكام عامة) في حين وردت آيات اُخرى بيّنت أحكاماً فرعية، مثل الطهارة، والصلاة، والزكاة وغيرها من الأحكام.

• بعض آيات الأحكام ورد فيها الإرشاد إلى حكم العقل، حيث إنّ وجوب الطاعة وقبح المعصية حكم عقلي عملي فتكون مثل هذه الآيات إرشاداً إليها.

وفي قبال هذا النوع آيات الأحكام المولويّة، وهي التي تتضمّن أمراً أو نهياً، أو تشريعاً آخر مولويّاً، أي بجعل واعتبار حقيقي من المولى سبحانه، ثمّ إنّ آيات الأحكام المولويّة تقسّم إلى قسمين:

القسم الأول: آيات أحكام تأسيسيّة: ما يكون بلسان التأسيس والجعل المستقلّ، كقوله تعالى: ﴿أَقِيمُوا الصَلاةَ﴾.

القسم الثاني: آيات أحكام إمضائيّة: ما يكون بلسان الإمضاء لما عليه العقلاء أو العرف، وإن كان ثبوتاً لابدّ من جعل الشارع لها أيضاً، كقوله تعالى: ﴿يا أَيُّها الّذينَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعُقُودِ﴾.

• تدلّ بعض الآيات على قواعد أصولية تدخل في عمليّة استنباط الأحكام الفقهية، حيث استدلّ بها بعض الأصوليين على حجّية خبر الواحد، والبعض الآخر من الآيات استدلّوا بها لإثبات البراءة الشرعية، والبعض الآخر على عدم حجّية الظن.

• يمكن الاستدلال ببعض الآيات في كيفية حل المشكلة الاقتصادية وأسباب نشوئها؛ فإنّ اللّه‏ تعالى قد حشد للإنسان في هذا الكون كل الموارد التي يحتاجها، ولكن الإنسان هو الذي ضيع على نفسه هذه الفرصة بظلمه وكفرانه. وبعض الآيات يستفاد منها إثبات شكل الحكم في الإسلام القائم على أساس خطي الخلافة والشهادة.

• يستفاد من بعض الآيات حكم واحد، مثلاً أن تُعطى المطلّقة شيئاً متعارفاً فيما لو كان الطلاق قبل الدخول بها، ولم يكن قد فُرض لها مهر، وبعضها يستفاد منه أحكام عديدة، فقد قال الشيخ الطوسي، أنه يُمكن الأستفادة من آية الدين أكثر من أربعة عشر حكماً.

نسخ بعض الآيات

المقالة الرئيسة: الناسخ والمنسوخ

يعتقد علماء الشيعة أن بعض آيات القرآن قد نُسخت، على الرغم من اختلافهم في مواردها. ويُقصد من النسخ هو رفع الحكم بمجيء حكم آخر، بحيث لو لم يأتي الحكم الثاني لبقى الحكم الأول إلى يوم القيامة، وقد تحدث القرآن عن النسخ في آيتين هما: (الآية 106 من البقرة و 101 من سورة النحل)، وقد قبل علماء الشيعة نسخ آية من القرآن بآية أخرى، لكن القلة منهم قبلوا نسخ القرآن بالرواية.

قد نسخت بعض الآيات التي قيلت على النحو التالي: في سورة الأنفال الآية 65 ورد ذكرها في الجهاد على الكفار. ومسألة تغيير القبلة الواردة في الآية 144 من سورة البقرة، وكذلك آية النجوى.

دورها في الاستنباط

إنَّ القرآن الكريم هو المصدر الأول لأحكام الشريعة المقدسة، بل وفيه تبيان كلّ شيء، وقد ورد في الروايات الشريفة هذا المعنى أيضاً.

ذكر الفقهاء أنّ من جملة الأمور التي يشترط التوفّر عليها لكلّ مَن أراد استنباط الأحكام الشرعية معرفة آيات الأحكام، ليرجع إليها متى شاء، وقد تعرّضوا لذلك في بحث الاجتهاد، وكذلك في بحث القضاء، ولا ينحصر أثر آيات الأحكام في ذلك، بل إنّ الكتاب هو الميزان الذي به توزن الروايات، فيقبل منها ما وافقه، ويطرح ما خالفه وعارضه، بل صرح بعضهم بأنّ حجّية ظواهر الكتاب من ضروريات الدين.

طبيعة الاستدلال بآيات الأحكام

ثمّة آيات تشتمل على عدّة جهات يمكن الاستدلال بكلّ واحدة منها على حكم فقهي، كالآيات الواردة في الحدود، وهذه الجهات كثيرة، ومنها:

• الاستدلال بهذه الآيات لتشخيص نوع العقوبة، والحدّ المذكور في الآية، كالجلد والقطع، وكذلك كيفية الإجراء.
• الاستدلال على تشخيص المخاطب الذي له إجراء هذه الحدود، فهل هو عموم الأمة أم كلّ مكلّف أو مخاطب خاص.
• الاستدلال على كون هذه العقوبات من حقوق اللّه‏ لا من حقوق الناس.
• الاستدلال على جواز حكم القاضي بعلمه؛ باعتبار أنّ الآيات رتّبت الحكم على مَن علم كونه زانياً أو سارقاً.
• الاستدلال على سلطة الحاكم على العفو عن هذه العقوبات.
• الاستدلال على عدم جواز تخدير العضو الذي هو محلّ العقوبة؛ باعتبار كـون الإيلام شرطاً مأخوذاً في العقوبة.

الكتب المؤلّفة فيها

لقد اهتمّ علماء الشيعة بالبحث في آيات الأحكام؛ فإنّ جملة من الأحاديث الصادرة عن أهل البيت مرتبطة بتفسير القرآن وآيات أحكامه، ومن أهم هذه الكتب هي:

• آيات الأحكام، المعروف بكتاب (أحكام القرآن) لأبي النضر محمّد بن السائب بن بشر الكلبي (146 هـ) من أصحاب أبي جعفر الباقر وأبي عبد اللّه‏ الصادق .
• آيات الأحكام، وهو كتاب جمع فيه الآيات القرآنية فقط من غير شرح أو تفسير، وهو في مكتبة الإمام الرضا.
• آیات الأحکام، للشیخ اسماعیل بن علي نقي التبریزي.
• آیات الأحکام، للحاج شیخ محمّد باقر بن المولی محمّد حسن بن أسد الله بن عبدالله القائني البيرجندي.
• آیات الأحکام، للمولی شرف الدین علي الشیفتکي.
• آیات الأحکام، للمولی محمد بن الحسن الطبسي.
• آیات الاحکام، للمیرزا محمّد بن علي بن إبراهیم الحسیني الاسترآبادي نزيل الغري.
• آیات الاحکام، للشيخ ناصر الدين بن الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالله بن المتوج البحراني.
• ايناس سلطان المؤمنين باقتباس علوم الدين، للسيد محمد حيدر العاملي المكي، المتوفي سنة 1139 هـ.
• تحصیل الاطمئنان شرح زبدة البیان في تفسیر آیات أحکام القرآن، للأمیر إبراهیم القزویني المتوفي سنة 1149 هـ.
• تقريب الأفهام في آيات الأحكام، للسيّد محمّد قلي.
• درر الأيتام للشيخ علي شريعتمداري.
• نشر درر الأيتام للشيخ علي أيضاً وهو أبسط من درر الأيتام المذکور.
• دلائل المرام، للحاج المولی محمّد جعفر.
• زبدة البیان، للمولی أحمد الأردبیلی.
• شرح آیات الاحکام للشیخ قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573 هـ.
• كنز العرفان، للفاضل المقداد السيوري.
• لب الألباب في تفسير أحكام الكتاب.
• مسالك الأفهام، للشيخ جواد الكاظمي.
• معارج السؤول ومدارج المأمول، للمولی کمال الدین حسن بن شمس الدین محمد الاسترآبادي النجفي.
• مفاتیح الأحکام في شرح زبدة البیان، للسید محمد سعید بن سراج الدین قاسم الطباطبائي القهبائي.
• منهاج الهدایة، للشیخ جمال الدین أحمد بن عبدالله بن محمّد بن علي ابن الحسن بن المتوج البحراني.
• النهاية في تفسير الخمسمائة آية، للشيخ فخر الدين أحمد بن عبدالله بن سعيد بن المتوج البحراني أو لوالده الشيخ عبدالله.
• فقه القرآن للفقيه قطب الدين الراوندي (573 هـ)..
• متشابه القرآن ومختلفه تأليف الشيخ رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهر آشوب المازندراني (588 هـ)

المناهج في تفسيرها

اعتمد المفسّرون لآيات الأحكام أربعة مناهج في تفاسيرهم، وهي:

• تفسيرها وفقاً للترتيب الوارد في القرآن، وهذا يطرح على ضوء ورود الآيات في المصحف الشريف بترتيب سوره وآياته، بدءً بالحمد فالبقرة فآل عمران، وهكذا.
• تفسيرها وفقاً لترتيب السور حسب نزولها.
• تفسيرها طبقاً لأبواب الفقه، وهو السير على ترتيب الكتب الفقهيّة التي تقسّم الفقه عادةً إلى أربعة أقسام: العبادات، والعقود، والإيقاعات، والأحكام.
• تفسيرها طبقاً للمسائل الفقهية على أساس الأهمية وشدة الحاجة إليها بحسب متطلبات الزمان والمكان، والطابع العام الغالب على ما كتبه المؤلفون من الشيعة هو المنهج الثالث، والمؤلفون من العامة قد استخدموا المنهج الأول، وقد ألّف بعضهم على أساس المنهج الرابع في الآونة الأخيرة.