آيات البراءة هي الآيات الأولى من سورة التوبة والتي نزلت لبيان الأحكام النهائية حول علاقة المسلمين بالمشركين، حيث أمر الله النبيصلی الله عليه وآله وسلم والمسلمين في هذه الآيات أن يعلنوا براءتهم من المشركين، وأن ينبذوا إليهم عهدهم، وأن يعلنوا عليهم الحرب إن لم يعلنوا إسلامهم. وقد أبلغ الإمام عليعليه السلام هذه الآيات للمشركين يوم الأضحى.
وبحسب قول المفسرين فإنّ نقض العهد من قبل المسلمين لم يكن بلا سبب، بل إنّ المشركين كانوا هم من بدأ بنقض العهد، وبناء عليه فقد اعتبرت هذه الآيات عهد المشركين الذين حفظوا ميثاقهم مع المسلمين ولم ينقضوه واجب الاحترام حتى انقضاء مدّته. كما قالوا بأنّ هذه العهود كانت محدودة ومؤقتة منذ البداية.
ويرى المفسّر محمد جواد مغنية أنّه لا تعارض بين الآيات التي تؤكّد على إجبار مشركي جزيرة العرب على الإسلام أو استعدادهم للحرب وبين الآيات التي تصرّح بحرية اختيار الدين؛ لأنّ مشركي العرب كان ينقضون عهودهم على الدوام ويهدّدون المجتمع الإسلامي الحديث الولادة، ولذا فقد اختصّ هذا الحكم بهم دون سواهم.

آيات البراءة
عنوان الآيةآيات البراءة
رقم الآية1،2،3
في سورةالتوبة
في جزءالعاشر
رقم الصفحة187
شأن النزولإعلان البراءة من المشركين
مكان النزولالمدينة
الموضوعاعتقادي وفقهي

متن الآيات

سُمّيت الآيات الأولى من سورة التوبة بآيات البراءة.[١]

﴿بَرَ‌اءَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِ‌كِينَ ﴿1﴾ فَسِيحُوا فِي الْأَرْ‌ضِ أَرْ‌بَعَةَ أَشْهُرٍ‌ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ‌ مُعْجِزِي اللَّـهِ ۙ وَأَنَّ اللَّـهَ مُخْزِي الْكَافِرِ‌ينَ ﴿2﴾ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ‌ أَنَّ اللَّـهَ بَرِ‌يءٌ مِّنَ الْمُشْرِ‌كِينَ ۙ وَرَ‌سُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ‌ مُعْجِزِي اللَّـهِ ۗ وَبَشِّرِ‌ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿3



سورة التوبة، الآيات 1-3.

سبب النزول وإبلاغ الآيات

نزلت آيات البراءة في آخر السنة التاسعة للهجرة، وبعد عودة المسلمين من غزوة تبوك،[٢] حيث أُمر النبي في ذي الحجة من تلك السنة وأثناء اجتماع المشركين في مكة أن يُبلغهم هذه الآيات.[٣] وقيل في سبب نزول هذه الآيات أنّه عندما تمّ فتح مكة على يد المسلمين سنة 8 للهجرة،[٤] قابلت بعض القبائل وبعض المشركين الإسلام بالرفض،[٥] وكان بعض المشركين الذين بينهم وبين النبي  مواثيق ينقضونها مراراً وتكراراً،[٦] وبعد تغيّر المشهد واستحكام الإسلام[٧] نزلت هذه الآيات لتعلن أنّ وجود الشرك لم يعد مقبولاً.[٨]
وحول مجريات إبلاغ هذه الآيات للمشركين نقلت المصادر التاريخية والحديثية السنية والشيعية أنه حين نزلت الآيات الأوَل من سورة براءة أرسل النبي أبا بكر بادئ الأمر لإبلاغ أهل مكة بالآيات، غير أنه بعد خروج أبي بكر من المدينة نزل جبرئيل على النبي يخبره أنه لا يبلّغ المشركين هذه الآيات إلا أنت أو رجل من أهلك، فقام النبي على إثر هذا الأمر الإلهي بإرسال الإمام علي  عوضاً عن أبي بكر إلى مكة.[٩]
يقول أحمد بن أبي يعقوب في تاريخه أن علياً  وصل مكة بعد ظهر يوم الأضحى وتلا آيات البراءة ورسالة النبي  على الناس، وقال بعدها أنّه يُمنع من بعد اليوم أن يطوف أحد بالبيت عرياناً، كما يُمنع أي مشرك من زيارة الكعبة منذ العام القادم. وبحسب نقل اليعقوبي فإنّ علياً قام بعد ذلك بإعطاء الأمان للناس وقال لهم بأنّ كل من كان بينه وبين النبي عهد من قبل فإنّ لديه مهلة أربعة أشهر، ومن لم يكن له عهد فإنّ مهلته 50 ليلة بعد هذا الإعلان.[١٠]

المحتوى

يعتقد محمد جواد مغنية في تفسيره الكاشف بأنّ آيات البراءة التي نزلت ضمن سورة التوبة قد بيّنت الأحكام النهائية لنوعية العلاقة بين المسلمين والمشركين.[١١] وبحسب قول المفسرين فإنّ الآيات الأولى من سورة التوبة تأمر النبي والمسلمين بإعلان براءتهم من المشركين، وأن يفسخوا العهود التي كانت فيما بينهم، وأن يعلنوا الحرب عليهم حال عدم إسلامهم. ويشمل هذا التحذير جميع المشركين، حتى أولئك الذين كان بينهم وبين النبي عهد فيما سبق، وتعلن أن لدى هؤلاء فرصة من أربعة أشهر يجب عليهم بعدها اختيار أحد خيارين؛ إما الإسلام، أو الحرب مع المسلمين.[١٢]

العلة في إلغاء العهد من طرف واحد

أثارت مسألة إلغاء المسلمين لعهودهم مع المشركين من طرف واحد، العديد من التساؤلات مع وجود تأكيد شديد على الوفاء بالعهود والمواثيق في الإسلام.[١٣] ويعتبر العلامة الطباطبائي أنّ السبب في ذلك يعود إلى نقض العهد من قبل المشركين وجواز ردّ المسلمين عليهم بالمثل في ذلك.[١٤] ويرى الطبرسي في تفسير مجمع البيان أنّ هناك ثلاثة أسباب لنقض النبي   لعهده مع المشركين؛ وهي: كون الصلح الذي كان بينهما مؤقتاً، وكونه مشروطاً بنزول الأمر الإلهي، و كذلك الخيانة ونقض العهد من قِبل المشركين.[١٥]
ويعتقد مكارم الشيرازي أنّ إلغاء المسلمين لعهدهم لم يكن بلا مقدّمات، بل إنّ الشواهد تدل على أنّ المشركين كانوا يستعدون لنقض عهدهم مع المسلمين حال تمكّنهم من ذلك، وهو ما كان من شأنه إنزال ضربة قاسية بالمسلمين. وبحسب قوله فإنّ العهود والمواثيق التي تُفرض على أمّة ما في ظل ظروف قاهرة؛ يجوز لها نقضها عند تمكنها من ذلك.[١٦]
وفي نظر المفسّرين فإنّ الإعلان العام لإلغاء هذه العهود والاتفاقات بين المسلمين والمشركين في مركز اجتماعهم في مكة وفي يوم الأضحى، وإعطاءهم مهلة أربعة أشهر لتقرير المصير وعدم مفاجأتهم بذلك، ينمّ عن التزام الإسلام واحترامه للحقوق الإنسانية.[١٧] وبحسب العلامة الطباطبائي فإنّ الله تعالى منع المسلمين من أيّة خيانة من خلال هذا الأمر.[١٨]

احترام عهد الملتزمين بعهدهم

يعتقد العلامة الطباطبائي بوجود تمييز بين الكفار الناكثين لعهودهم وبين أولئك الملتزمين بها استناداً للآية الرابعة من سورة التوبة، ويقول بأنّ المشركين الذين كانوا ملتزمين بعهدهم مع المسلمين ولم ينقضوه بشكل مباشر أو غير مباشر مستثنون من إعلان البراءة، ويجب على المسلمين الوفاء بعهدهم معهم إلى تمام مدّته.[١٩] غير أنّه يرى أنّ أكثر المشركين كانوا قد نقضوا عهودهم ولم يتركوا مجالاً للوثوق بالبقية.[٢٠]

لماذا يُجبر المشركون على اعتناق الإسلام

قيل في الجواب عن السؤال المطروح حول السبب في إجبار المشركين على الإسلام رغم وجود آيات في القرآن الكريم من قبل الآية 256 من سورة البقرة تنفي الإكراه على الدخول في دين محدد؛ أجيب بأنّ الإسلام لا يدعو الناس إلى الدين إلا من خلال الحكمة والدليل، ولا يجبر أحداً على اعتناق دين ما، ولكن مصلحة المجتمع الإسلامي أحياناً تقتضي عدم وجود المشركين فيه، لأنّ وجودهم يسبّب فساداً وإضراراً بالمجتمع. وبحسب قول محمد جواد مغنية فإنّ حكم إجبار المشركين على قبول الدين الإسلامي كان مختصّاً بمشركي جزيرة العرب، لأنهم على الرغم من وجود صلح وميثاق فيما بينهم وبين المسلمين كانوا يعرّضون المجتمع الإسلامي الناشئ للخطر من خلال نقضهم المتكرر لتلك المواثيق، ومن هنا جاء الحكم الإلهي في حقهم بالقتل أو الإسلام.[٢١]

الهوامش

  1. صادقي الطهراني، التفسير الموضوعي للقرآن الكريم‏، 1406هـ، قم، ج7، ص202؛ الحسکاني، شواهد التنزيل، 1411هـ، ج1، ص305؛ المجلسي، بحار الأنوار، 1403هـ، ج69، ص152.
  2. الطبرسي، مجمع البيان، 1372ش، ج5، ص3؛ العياشي، تفسير العياشي، 1380هـ، ج2، ص73.
  3. رجبي، «امام علی در عهد پيامبر»، ص209؛ ابن‌ کثير، البداية و النهاية، 1398هـ، ج5، ص36ـ37.
  4. الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، بيروت، ج3، ص42.
  5. رجبي، «امام على(ع) در عهد پيامبر»، ص209.
  6. شبر، تفسير القرآن الکريم، 1410هـ، ج1، ص199؛ مکارم الشيرازي، تفسير الأمثل، 1379ش، ج5، ص526.
  7. مغنية، الکاشف، 1424هـ، ج4، ص9.
  8. رجبي، «امام علی(ع) در عهد پيامبر»، ص209.
  9. أحمد بن حنبل، مسند أحمد، 1421هـ، ج2، ص427؛ أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة، 1403هـ، ج2، ص703، ح1203؛ ابن‌ عساکر، تاريخ مدينة دمشق، 1415هـ، ج42، ص348، ح8929؛ ابن‌ سعد، الطبقات الکبری، بيروت، ج1، ص168؛ المفيد، الأمالي، قم، ص56.
  10. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، دار بيروت، ج2، ص76.
  11. مغنية، الکاشف، 1424هـ، ج4، ص8.
  12. الطبرسي، مجمع البيان، 1372ش، ج5، ص5؛ مغنية، الکاشف، 1424هـ، ج4، ص8؛ مکارم الشيرازي، تفسير الأمثل، 1379ش، ج5، ص529.
  13. مکارم الشيرازي، تفسي الأمثل، 1371ش، ج5، ص527.
  14. الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج9، ص147.
  15. الطبرسي، مجمع البيان، 1372ش، ج5، ص5.
  16. مکارم الشيرازي، تفسير الأمثل، 1379ش، ج5، ص528.
  17. رضايي اصفهاني، تفسير قرآن مهر، 1387ش، ج8، ص145؛ مکارم الشيرازي، تفسير الأمثل، 1379ش، ج7، ص529.
  18. الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج9، ص147.
  19. الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج9، ص150.
  20. الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج9، ص147.
  21. مغنية، الکاشف، 1424هـ، ج4، ص9-10.

المصادر والمراجع

  • ابن حنبل، أحمد، المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد وآخرون، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1421هـ/2001م.
  • ابن حنبل، أحمد، فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله محمد عباس، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1403هـ/1983م.
  • ابن‌ سعد، محمد بن سعد، الطبقات الکبری، بيروت، دار بيروت، د.ت.
  • ابن‌ عساکر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، بيروت، دار الفکر، 1415هـ.
  • ابن‌ کثير، أبو الفداء إسماعيل بن کثير، البداية والنهاية، تحضير: خليل شحادة، بيروت، دار الفکر، 1398هـ.
  • الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله‏، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل‏، طهران، مرکز طبع ونشر وزارة القافة والإرشاد الإسلامي، 1411هـ.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1390هـ.
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان، طهران، ناصر خسرو، 1372ش.
  • الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم و الملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، د.ت.
  • العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، تحقيق هاشم رسولي، طهران، مکتبة الإسلامية، 1380هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403هـ.
  • المفيد، محمد بن محمد، الأمالي، تحقيق حسين استاد ولي و علي أکبر غفاري، قم، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، د.ت.
  • اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، بيروت، دار بيروت، د.ت.
  • رجبی، محمد حسين، «امام علی(ع) در عهد پیامبر»، في "دانشنامه امام علی علیه السلام"، تحت نظر علی اکبر رشاد، طهران، انتشارات پژوهشگاه فرهنگ و اندیشه، 1380ش.
  • رضایی اصفهانی، محمد علی، تفسير قرآن مهر، قم، پژوهش‌هاى تفسير و علوم قرآن‏، 1387ش.
  • شبّر، عبد الله، تفسير القرآن الكريم‏، قم، دار الهجرة، 1410هـ.
  • صادقي الطهراني، محمد، الفرقان في تفسير القرآن، قم، فرهنگ اسلامی، 1406هـ.
  • مغنية، محمد جواد، التفسير الکاشف، قم، دار الکتاب الإسلامي، 1424هـ.
  • مکارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، قم، نشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، 1379ش.