قاعدة نفي السبيل

من ويكي شيعة

قاعدة نفي السبيل قاعدة فقهية بمعنى أنه لا يوجد في الدين حكم يؤدي إلى سلطة الكافرين على المسلمين، وهي من القواعد المهمة في الفقه، كما تعتبر من الأحكام الثانوية التي تحكم على الأحكام الأولية، بمعنى أنه إذا تعارض معها حكم أولي فهو غير نافذ.

يرى الفقهاء أن هذه القاعدة تحكم جميع العلاقات الفردية والاجتماعية للمسلمين، وقد أفتوا بناء عليه ببطلان زواج الكافر من المسلمة، لأنه يؤدي إلى سلطة الكافر على مسلم.

ومن أدلة هذه القاعدة آية نفي السبيل ﴿لَنْ يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، والحديث النبوي «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه».

مفهومها وأهميتها في الفقه

نفي السبيل قاعدة فقهية، تفيد بأن الله لا يشرّع حكماً يؤدي إلى سلطة الكافرين على المسلمين.[١] وبعبارة أخرى ليس في الدين حكم يوجب سلطان الكافر على المسلم.[٢]

وقد اعتمد الفقهاء على هذه القاعدة في شتى الأبواب الفقهية، فمثلا قال الشيخ الأنصاري لا يجوز بيع العبد المسلم من الكافر.[٣] كما اعتبرها عميد الزنجاني -فقيه إيراني معاصر- من القواعد الفقهية‌ المهمّة والمشهورة التي تجري كقانون عام، خصوصاً في الفقه الاقتصادي والسياسي وفي جميع العلاقات الفردية والاجتماعية بين المسلمين وغيرهم.[٤] وذهب الشيخ الأنصاري إلى أن هذه القاعدة حاكمة على كثير من القواعد الفقهية.[٥]

أدلّتها

آية نفي السبيل والحديث النبوي الذي ورد فيه عن علوّ الإسلام على سائر الأديان، دليلان اعتمدهما الفقهاء لإثبات قاعدة نفي السبيل.[٦] كما تمسّكوا بالإجماع والعقل أيضا.[٧]

  • آية نفي السبيل: ورد في الآية 141 من سورة النساء: ﴿لَن يَجعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤمِنِينَ سَبِيلًا، وقالوا في الاستدلال بها إنّ الله لا يشرّع حكما يفتح السبيل أمام سلطة الكفار على المسلمين، وليس المراد من الآية أنّ الكفار لن يغلبوا المسلمين، لأنه قد وقع ذلك أحيانا عبر التاريخ.[٨]

وقال الشيخ فاضل اللنكراني أحد مراجع التقليد لدى الشيعة في الاستدلال بها إنه بالنظر إلى ذيل الرواية يتبين أن المراد منه ليس الإخبار بأن الكفار لا علوّ لهم على المسلمين، بل المراد أن الإسلام لا يجعل حكما يعطي به رفعة وعلوا للكفار على حساب المسلمين، مما يعني أن الإسلام جعل جميع الأحكام القائمة بين المسلمين وغيرهم لصالح المسلمين.[١٠]

نفي السبيل حكم ثانوي

تعتبر قاعدة نفي السبيل من الأحكام الثانوية،[١١] وبناء عليه تكون حاكمة على الأحكام الأولية ومقدَّمة عليها، بمعنى أن كل حكم أولي تعارض مع هذه القاعدة فهو غير نافذ.[١٢] فمثلا بناء على «قاعدة حلية البيع» بالحكم الأولي يجوز بيع العبد المسلم للكافر، لكن حيث أنه يؤدي إلى سلطة الكافر على المسلم فالعقد باطل بناء على الحكم الثانوي وهو قاعدة نفي السبيل، كما أن زواج الكافر من المسلمة وإن كان جائزا بنفسه، إلا أنه باطل بناء على القاعدة، لأنه سبب لسلطة الكافر على المسلم.[١٣]

الاستعمال الفقهي والسياسي

استخدمت قاعدة‌ نفي السبيل في العديد من أبواب الفقه الإسلامي وقد أفتى عليها الفقهاء في عدة مناسبات.[١٤] منها ما قال في تطبيقها أن لا سبيل لغير المسلم على العبد المسلم، وعلى هذا أفتى الفقهاء ببطلان بيع العبد المسلم لغير المسلم. وكذلك فتوى عدم جواز ولاية غير المسلم على الطفل المسلم.[١٥]

وبناء على هذه القاعدة رأى البعض نفي أي نوع من أنواع التسلط والسيطرة للكفار على المجتمعات الإسلامية، في شتى المجالات سواء السياسية منها وكذا العسكرية والاقتصادية والثفافية، ولهذه القاعدة دلالتان: أحداهما تنفي تسلط الدول غير المسلمة على مقدرات الشعوب المسلمة ومصيرها السياسي والاجتماعي، وثانيتهما فتدلّ على مسؤولية الشعوب المسلمة في الحفاظ على استقلالها السياسي وإزالة جميع الأسباب المؤدية إلى التبعية والانتماء.[١٦]

في القوانين

ورد في الدستور العراقي المادة 21: يحظر تسليم العراقي إلى الجهات والسلطات الأجنبية.[١٧]

وجاء في الدستور الإيراني المادة 153: تمنع كل معاهدة توجب سلطة الأجانب على البلاد، سواء في المجال الاقتصادي والثقافي والعسكري وسائر المجالات.[١٨]

الهوامش

  1. البجنوردي، القواعد الفقهية، ج 1، ص 187-188.
  2. فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية، ص 233.
  3. البجنوردي، القواعد الفقهية، ج 1، ص 187.
  4. عميد الزنجاني، قواعد فقه، ج 3، ص 24.
  5. الشيخ الأنصاري، المكاسب، ج 4، ص 142.
  6. علي دوست، «قاعده نفي سبيل»، ص 233؛ البجنوردي، القواعد الفقهية، ج 1، ص 187؛ فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية، ص 238.
  7. عميد الزنجاني، قواعد فقه، ج 3، ص 26.
  8. فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية، ص 234.
  9. الشيخ الصدوق، من لايحضره الفقيه، ج 4، ص 334.
  10. فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية، ص 237-238.
  11. زنگنه الشهركي، «قاعده نفي سبيل» در آراي فقهي و مواضع سياسي صاحب‌عروه»، ص 149؛ الناظري و الحسيني، «تأثير قاعده فقهي نفي سبيل بر روابط بين المللي مسلمانان»، ص 160.
  12. علي دوست، «قاعده نفي سبيل»، ص 249؛ فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية، ص 234.
  13. فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية، ص 234.
  14. البجنوردي، القواعد الفقهية، ج 1، ص 187؛ فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية، ص 233.
  15. فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية، ص 243-252.
  16. الزينوي وند و المحمدي، «قاعده نفي سبيل در انديشه اسلامي و سياست خارجي جمهوري اسلامي ايران»، ص 169.
  17. دستور جمهـورية العراق، المادة 21.
  18. دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة 153.

المصادر والمراجع

  • البجنوردي، السيد حسن، القواعد الفقهية، التحقيق: مهدي المهريزي و محمد حسن الدرايتي، قم، الهادي، 1419 هـ.
  • زنگنه الشهركي، جعفر، قاعده «نفي سبيل» در آراي فقهي و مواضع سياسي صاحب عروه، مجلة فقه، رقم 3، 1391 هـ ش.
  • الزينوي‌وند علي و كيميا المحمدي، «قاعده نفي سبيل در انديشه اسلامي و سياست خارجي جمهوري اسلامي ايران»، مجلة مطالعات انقلاب اسلامي، رقم 36، 1393 هـ ش.
  • الشيخ الأنصاري، مرتضى، كتاب المكاسب، قم، كنگره جهاني بزرگداشت شيخ اعظم انصاري، 1415 هـ.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، التحقيق والتصحيح: علي اكبر الغفاري، قم، دفتر انتشارات اسلامي، ط 2، 1413 هـ.
  • علي‌دوست، أبو القاسم، «قاعده نفي سبيل»، مجلة مقالات و بررسي‌ها، رقم 76، ‍1383 هـ ش.
  • عميد الزنجاني، عباس علي، قواعد فقه، طهران، سمت، 1392 هـ ش.
  • فاضل اللنكراني، محمد، القواعد الفقهية، قم، مركز فقه أئمة أطهار، 1383 هـ ش.
  • دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
  • الناظري و الحسيني، «تأثير قاعده فقهي نفي سبيل بر روابط بين المللي مسلمانان»، مجلة معارف فقه علوي، رقم 3، 1395 هـ ش.