ترجمة القرآن
ترجمة القرآن هي عملية تبديل لغة القرآن إلى لغات أخرى. وهي ترتبط بعلوم القرآن، ولها أبعاد متجذرة في الأحكام الشرعية والعقائد الإسلامية. قال البعض بجواز ترجمة القرآن استناداً إلى وقائع تاريخ صدر الإسلام، وضرورة تبليغ دعوة القرآن. بينما خالف البعض في ذلك اعتماداً على عدّة أدلة منها الإعجاز البياني في القرآن، وأفضلية اللغة العربية على بقية اللغات.
وقيل بأنّ تاريخ ترجمة القرآن يعود إلى صدر الإسلام، كالكتب التي أرسلها النبي إلى قادة بعض الدول والحكومات. وكانت بداياتها في الترجمات الأوروبية على يد رهبان المسيحية سعياً للعثور على الإشكالات في القرآن.
وذكروا لترجمة القرآن أنواعاً مختلفة منها الترجمة اللفظية للقرآن، والترجمة الحرة، والترجمة التفسيرية. وتختلف ترجمات القرآن فيما بينها؛ ويرجع البعض سبب ذلك إلى أسباب منها الاختلافات الفقهية والكلامية والأدبية للمترجمين.
مسألة ترجمة القرآن
تعني ترجمة القرآن تفسير لغته إلى لغات أخرى[١]. وتُعتبر مسألة ترجمة القرآن من المواضيع التي سببت جدلاً واسعاً بين علماء وفقهاء المسلمين، وعادة ما تُفرد كتب علوم القرآن فصلاً خاصّاً لبحث هذه المسألة.[٢] يعتقد المسلمون أنّ ألفاظ ومعاني القرآن نزلت من عند الله باللغة العربية.[٣] واعتبر البعض أنّ اللغة العربية تمتلك اللياقة اللازمة لنقل معاني الوحي للقداسة الذاتية التي تمتلكها. وفي المقابل يرى آخرون أنّ المجاز المستعمل في القرآن جاء نتيجة لمحدودية هذه اللغة.[٤] وكان طرح مسائل من قبيل إعجاز القرآن وحدوثه وقدمه سبباً في جرّ البحث إلى مسألة ترجمة القرآن.[٥]
أنواع الترجمة
ذكر الباحثون في علوم القرآن عدّة تقسيمات لأنواع ترجمة القرآن، ومن بينها الترجمة التطبيقية، والترجمة التفسيرية، والترجمة اللفظية، والترجمة الحرة (المعنوية)، والترجمة المنظومة.[٦]
- الترجمة التطبيقية: تطابق هذه الترجمة متن القرآن سواء من حيث الكيفية (المحتوى)، أم من حيث الكم (الحجم).
- الترجمة اللفظية: بمعنى استبدال كل كلمة وبناء لغوي بأقرب كلمة وبناء لغوي مقابل لها في اللغة المراد الترجمة إليها. وبناء على قول بعض المترجمين فإنّ هذه الترجمة خارجة عن الترجمة الاصطلاحية، وتقع في إطار معاجم كلمات القرآن.[٧]
- الترجمة الحرة (المعنوية): يقوم المترجم في هذا النوع من الترجمة بنقل مضمون الآيات ومعناها، ويصيغها بقالب اللغة المراد الترجمة إليها، ولا يكون مقيداً بتطبيق الجمل على بعضها. ويعبّر عنها محمد هادي معرفة بالترجمة المعنوية، ويرى أن الغاية منها نقل المعنى إلى القارئ بأفضل شكل وبناء لغوي ممكن.[٨]
- الترجمة التفسيرية: هي ترجمة الكلمات مع إدخال بعض التوضيحات والشروح.
- الترجمة المنظومة: ويتم في هذا النوع نقل مفهوم ومحتوى الآيات إلى اللغة الأخرى ضمن قوالب شعرية.[٩]
معارضة وتأييد ترجمة القرآن
إنّ لترجمة القرآن معارضين ومؤيدين، وقيل أن المعارضة لها بدأت تُطرح بشكل جاد منذ أيام مصطفى كمال أتاتورك رئيس الجمهورية التركية بين العامين (1923م – 1938م)، والذي أمر باستبدال القرآن الأصلي بترجمته التركية.[١٠] وقد أورد محمد رشيد رضا المفسر المصري 15 دليلاً في إثبات عدم جواز ترجمة القرآن.[١١]
وهذه بعض أدلة المؤيدين والمعارضين لترجمة القرآن:
أدلة المؤيدين للترجمة
- إرسال الرسائل والكتب من قبل النبي إلى زعماء بعض الحكومات.[١٢]
- قيام سلمان الفارسي بترجمة قسم من القرآن.[١٣]
- اعتقاد عبد الله بن مسعود بجواز استبدال كلمات القرآن.[١٤]
- ترجمة الحسن البصري للقرآن إلى مستمعيه باللغة الفارسية.[١٥]
- عالمية الرسالة القرآنية وضرورة إبلاغها لكافة الناس.[١٦]
أدلة المعارضين للترجمة
- عدم انتقال وجه الإعجاز البياني للقرآن عند ترجمته.[١٧]
- فساد الترجمة، لأفضلية اللغة العربية على غيرها من اللغات.[١٨]
- استحالة فهم لغة القرآن خارج إطار الثقافة العربية.[١٩]
- استحالة فهم لغة القرآن خارج إطار الفكر والعقل العربي.[٢٠]
- وجود حقائق وأسرار ورموز مخفية في عربية القرآن.[٢١]
- عدم وجود مرادفات لبعض ألفاظ القرآن.[٢٢]
ويعتقد البعض أنّ الترجمة لا تصحّ إلا إذا تمّ نقل المعنى الأصلي والمعاني الفرعية للجملة المراد ترجمتها، فمثلاً إن كان هناك في الجملة تأكيد أو حصر؛ فلا بد من نقله أثناء ترجمته.[٢٣]
تاريخ ترجمة القرآن
يُرجع المؤرخون تاريخ ترجمة القرآن إلى عهد صدر الإسلام، وضروة تبليغ الدين وإيصاله إلى غير الناطقين بالعربية،[٢٤] وينقلون ثلاثة مظاهر لهذا الأمر:
- إرسال الرسائل من قبل النبي إلى زعماء الدول والحكومات، والتي تحتوي على آيات من القرآن الكريم.[٢٥]
- ترجمة بعض القرآن من قبل سلمان الفارسي.[٢٦]
- ترجمة أجزاء من سورة مريم إلى اللغة الحبشية على يد جعفر بن أبي طالب.[٢٧]
ابتدأت ترجمة القرآن إلى اللغات الأوروبية على يد الرهبان والقسّيسين المسيحيين. حيث أنهم ترجموا عبارات من القرآن من أجل الإشكال عليها في المباحث الكلامية.[٢٨] وقد دوّنت أول ترجمة لاتينية كاملة للقرآن الكريم في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي).[٢٩]
تُرجم القرآن إلى معظم اللغات، ومن اللغات الإفريقية التي تُرجم إليها (السواحيلي والهوسا والأوروبية)، ومن لغات شبه القارة الهندية (الأوردو والبنغال)، ومن التركية (الاسطنبولية والآذرية)، وكذلك تُرجم إلى الصينية واليابانية.[٣٠]
عوامل الاختلاف بين الترجمات
عدّد بعض الباحثين في علوم القرآن أسباب اختلاف الترجمات القرآنية ومنها:[٣١]
- الفقه: ويعود ذلك إلى تفاوت المباني الفقهية بين الشيعة والسنة وخاصّة في آيات الأحكام.
- المفردات: الاختلاف في اختيار البديل المناسب للكلمات.
- التركيبات النحوية: وخاصة في التركيبات الوصفية، أو الإضافية، أو الوصفية والإضافية، والتي ليس لبنيتها وهيئتها تركيب مطابق في لغة المقصد المراد الترجمة إليها.
- الجمل والهيئات: وخاصة في الجمل المعقّدة والمؤلفة من عدّة تراكيب.
- الإيجاز والحذف: حذف الكلمات بأنواعها من اسم أو فعل أو حرف للإيجاز شائع كثيراً في الآيات.
- مرجع الضمير: عدم وضوح مرجع الضمير في بعض الآيات.
- الرؤية الكلامية: الاختلاف في التفسير الكلامي؛ كمسألة الجبر، ورؤية الله، والعصمة.
الترجمة الجماعية للقرآن
طُرحت مسألة ترجمة القرآن في المحافل العلمية المصرية في أوائل القرن الرابع عشر الهجري على خلفية ترجمة محمد علي اللاهوري الإنجليزية للقرآن، واستمرت لمدة قرن من الزمن.[٣٢] وفي العام 1355 هـ اقترح محمد مصطفى المراغي رئيس جامعة الأزهر في ذلك الوقت على رئيس الوزراء المصري أن تُشكّل لجنة تعمل على وضع ترجمة إنجليزية رسمية للقرآن بجهود جماعية.[٣٣] وفي إيران أيضاً يعتقد البعض بضرورة إيجاد ترجمة فارسية جماعية للقرآن على يد محققي علوم القرآن ورجال الدين، وتحظى بدعم الحكومة لها.[٣٤]
الحكم الشرعي لقراءة ترجمة القرآن في الصلاة
يتّفق رأي فقهاء الشيعة على عدم جواز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة.[٣٥] وكذلك أجمع فقهاء الشافعية والحنبلية والمالكية على هذا الأمر.[٣٦] غير أنّ أبا حنيفة خالف في ذلك.[٣٧] ومن وجهة نظره فإنّ لغة القرآن لا قداسة ذاتية فيها، وبالنظر إلى الآية 196 من سورة الشعراء فإنّ مطالب ومحتويات القرآن كانت موجودة في الكتب السماوية السابقة بلغات مختلفة، ونتيجة لذلك فإنّ ترجمة القرآن ستكون ذلك القرآن بعينه.[٣٨]
الهوامش
- ↑ الزبيدي، تاج العروس، ج31، ص227.
- ↑ هاشمي، «ترجمة قرآن (مباحث نظري)»، ص77.
- ↑ ايزوتسو، خدا و انسان در قرآن، 1361ش، ص193–198.
- ↑ هاشمي، «ترجمة قرآن (مباحث نظري)»، ص77.
- ↑ البغدادي، الفرق بين الفرق، ص132.
- ↑ محمد هادي معرفة، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، ج1، ص104.
- ↑ کوشا، «ترجمة قرآن»، ص425.
- ↑ محمد هادي معرفة، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، ج1، ص105.
- ↑ کوشا، «ترجمة قرآن»، ص425.
- ↑ رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم، 1366هـ، ج9، ص357–363.
- ↑ راجع كتاب "ترجمة القرآن ومافيها من المفاسد ومنافاة الإسلام"، لمحمد رشيد رضا، مطبعة المنار بمصر، 1344هـ.
- ↑ راجع: ابن قدامة، المغني، ج1، قسم 2، ص15؛ حميد اللّه، مجموعة الوثائق السياسية، 1407هـ، ص100، 109–110، 135–136، 140.
- ↑ السرخسي، كتاب المبسوط، 1406هـ، ج1، ص37.
- ↑ الفخر الرازي، التفسير الکبير، ج1، ص213.
- ↑ محمدي ملايري، تاريخ و فرهنگ ايران، 1372ش، ج1، ص26–27.
- ↑ الميبدي، كشف الأسرار، 1371ش، ج5، ص226.
- ↑ الزرقاني، مناهل العرفان، 1412هـ، ج2، ص40–41.
- ↑ الجاحظ، کتاب الحيوان، 1385هـ، ج1، ص75–78.
- ↑ الغزالي، إلجام العوام، 1406هـ، ص64–66.
- ↑ عنّارة، حدث الأحداث في الإسلام، ص62–65.
- ↑ بهادر زاده، «ترجمة پذيري قرآن کريم»، ص61.
- ↑ بهادر زاده، «ترجمة پذيري قرآن کريم»، ص61.
- ↑ الشاطبي، الموافقات، 1411هـ، ج1، ص51–52.
- ↑ پاکتچي، ترجمة شناسي قرآن کريم، 1392ش، ص17.
- ↑ ابن قدامة، المغني، ج1، قسم 2، ص15؛ حميد اللّه، مجموعة الوثائق السياسية، 1407هـ، ص100، 109–110، 135–136، 140.
- ↑ السرخسي، كتاب المبسوط، 1406هـ، ج1، ص37.
- ↑ محمد أبو شعيشع، بررسي فتواي رشيد رضا، 1382ش، ش14، ص81.
- ↑ رحمتي، «ترجمة قرآن (به زبانهاي ديگر)»، ص84.
- ↑ رحمتي، «ترجمة قرآن (به زبانهاي ديگر)»، ص84.
- ↑ رحمتي، «ترجمة قرآن (به زبانهاي ديگر)»، ص84-95.
- ↑ عظيم پور مقدم، «ترجمة قرآن و عوامل اختلاف آن»، ص49–61.
- ↑ الشاطر، القول السّديد في حکم ترجمة القرآن المجيد، 1355هـ، ص35–36.
- ↑ مهنّا، دراسة حول ترجمة القرآن الکريم، ص47-54.
- ↑ مجاهدیان، «نگاهي به برخي ترجمههاي قرآن کريم»، ص163.
- ↑ راجع: الطوسي، كتاب الخلاف، 1407هـ، ج1، ص343–346؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد، 1408هـ، ج2، ص246.
- ↑ أبو إسحاق الشيرازي، المهذب، 1379هـ، ج1، ص80.
- ↑ السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، 1967م، ج1، ص377.
- ↑ المرغيناني، الهداية في شرح بداية المبتدي، ج1، ص47.
المصادر والمراجع
- أبو إسحاق الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، بيروت، 1379هـ.
- ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، المغني، القاهرة، مکتبة ابن تيمية، د.ت.
- البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، الفرق بين الفرق، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت.
- الجاحظ، عمرو بن بحر، کتاب الحيوان، مصر، طبعة عبد السلام محمد هارون، 1385–1389هـ.
- الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، بيروت، 1412هـ.
- السرخسي، محمد بن أحمد شمس الأئمة، کتاب المبسوط، بيروت، 1406هـ.
- السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بکر، الإتقان في علوم القرآن، القاهرة، طبعة محمد أبو الفضل إبراهيم، 1967م.
- الشاطبي، إبراهيم بن موسی، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت، 1411هـ.
- الشاطر، محمد مصطفی، القول السّدید في حکم ترجمة القرآن المجيد، القاهرة، 1355هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، کتاب الخلاف، قم، 1417هـ.
- الغزالي، محمد بن محمد، إلجام العوام عن علم الکلام، بيروت، طبعة محمد معتصم باللّه بغدادي، 1406هـ.
- الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الکبير، القاهرة، د.ت.
- المحقق الكركي، علي بن الحسين، جامع المقاصد في شرح القواعد، قم، 1408–1411هـ.
- المرغيناني، علي بن أبي بکر، الهداية في شرح بداية المبتدي، د.م، المکتبة الإسلامية، د.تا.
- الميبدي رشيد الدين، كشف الأسرار و عدة الأبرار، تحقيق: علي أصغر حکمت، طهران، انتشارات أمير کبير، 1371ش.
- بهادر زاده، پروين، ترجمه پذيري قرآن کریم، بينات، رقم24، فروردين 1378ش، ص61.
- بی آزار شيرازي، عبد الكريم، طهران، قرآن ناطق، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، 1377ش.
- حميد اللّه، محمد، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي و الخلافة الراشدة، بيروت 1407هـ.
- راميار، محمود، تاريخ قرآن، طهران، أميرکبير، الطبعة الثالثة، 1369ش.
- رشيد رضا، محمد، ترجمة القرآن ومافيها من المفاسد ومنافاة الإسلام، مطبعة المنار بمصر، 1344هـ.
- رشيد رضا، محمد، تفسير القرآن الحكيم (المعروف بتفسير المنار)، مصر، 1366هـ.
- عظيم پور مقدم، عظيم، ترجمة قرآن و عوامل اختلاف آن، مجلة پیام جاویدان، رقم2، سنة 1382ش.
- عنّارة، محمد سليمان، حدث الأحداث في الإسلام: الإقدام علی ترجمة القرآن، مصر، مطبعة السلفية، د.ت.
- مجاهديان، السيد مجتبی، نگاهي به برخي ترجمههاي قرآن کريم، بينات، السنة السابعة، رقم 27، 1379ش.
- محمد أبو شعيشع، محمد علي، بررسي فتواي رشيد رضا در مورد ترجمة قرآن مجيد، ترجمة عباس إمام، ترجمان وحي، خريف وشتاء 1382ش.
- محمدي ملايري، محمد، تاريخ و فرهنگ إيران در دوران انتقال از عصر ساساني به عصر إسلامي، طهران، 1372ش.
- معرفة، محمد هادي، التفسير والمفسون في ثوبه القشيب، مشهد، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، 1425هـ.
- مهنّا، أحمد إبراهيم، دراسة حول ترجمة القرآن الکريم، القاهرة، دار الکتب، د.ت.
- پاکتچي، أحمد، ترجمة شناسي قرآن كريم، طهران، انتشارات دانشگاه إمام صادق، 1392ش.
- رحمتي، محمد کاظم، «ترجمة قرآن (به زبانهاي ديگر)»، دانشنامه جهان إسلام (ج7)، طهران، بنياد دايرة المعارف إسلامي، الطبعة الأولى، 1382ش.
- هاشمي، السيد أحمد، «ترجمة قرآن (مباحث نظري)»، دانشنامه جهان إسلام (ج7)، طهران، بنياد دا يرة المعارف إسلامي، الطبعة الأولى، 1382ش.