أفضلية أهل البيت
أفضلية أهل البيت(ع) هي من عقائد الشيعة ومختصاتهم، ويقصد بها أفضلية أهل البيت على سائر الخلق حتى الأنبياء؛ وذلك للكمالات التي حازوا عليها من العلم والعصمة وغيرها، وقد وردت فيها مجموعة من آيات القرآن الكريم، ومنها: آية المباهلة، والكثير من الروايات والتي بلغت حد التواتر، ومنها: حديث الثقلين، والتي دلت على أفضلية أهل البيت وتقديمهم على غيرهم، من الخلق.
معناها
لقد نص القرآن الكريم على مبدأ الأفضلية بقوله: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾،[١] وقد طرح المفسرون عدة وجوه لهذه الأفضلية، ومنها: إنَّ الأفضلية تكون بكل ما تميز أحدهم على الآخر كلام الله لموسى من غير سفير، وإرسال النبي إلى الجن والإنس، أو الأفضلية بالتشريع فبعض الأنبياء له شريعة وبعضهم الآخر ليس له شريعة خاصة، وقالوا: إنَّ الأفضلية يوم القيامة على حسب تحمل المتاعب والأثقال في تبليغ الدين.[٢]
معنى أهل البيت
يستعمل مصطلح (أهل البيت) في اللغة العربية عدة استعمالات، ومنها: أنه يطلق على كل ما له ارتباط خاص بالإنسان من أولاد وأزواج وأقارب، بل حتى الحيوانات في البيت كما في بعض الروايات أن الهرة من أهل البيت،[٣] ويستعمل لمن تبع نبيا من الأنبياء وآمن به وتابع سنته كقول النبي: سلمان منا أهل البيت،[٤] ويستعمل لخصوص الطبقة من أقرباء النبي الذين حُرِّمت عليهم الصدقة الواجبة أي الزكاة الواجبة، مثل بني عقيل وبني العباس وبني علي، بل مطلق بني هاشم، وهذا استعمال فقهي.[٥]
ولكنَّ المراد من أهل البيت في لسان الشرع هم خصوص الخمسة أصحاب الكساء، وهم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وهذا الاستعمال هو المراد في آية التطهير والذي حدده الشارع المقدّس كما ورد في الكثير من الروايات.[٦]
حدودها
لقد وردت الكثير من الروايات والتي بلغت حد التواتر والتي دلت على أفضلية أهل البيت ويمكن تقسيمها إلى طوائف لمعرفة حدود هذه الأفضلية، ومنها:
- الروايات الدالة على أفضليتهم على سائر الخلق.[٧]
- الروايات الدالة على أفضليتهم على جمع أهل الدنيا.[٨]
- الروايات الدالة على أفضليتهم لأنَّ النبي وعلي هما معلمي الملائكة.[٩]
- الروايات الدالة على أفضليتهم بالعلم الذي أختصهم الله به.[١٠]
- الروايات الدالة على أفضليتهم لأنَّ الأنبياء من شيعتهم.[١١]
أدلتها
لقد وردت الكثير من الآيات والروايات التي دلت على أفضلية أهل البيت، ومنها:
آية المباهلة
وهي الآية 61 من سورة آل عمران، وهي تتحدث عن واقعة المباهلة التي دعا فيها الرسول الأكرم نصارى نجران للمباهلة والتي يظهر فيها بجلاء فضل ومكانة أصحاب الكساء الذين خرج بهم النبي(ص) للمباهلة، وهم الإمام علي، وفاطمة، والحسن، والحسين.[١٢]
حديث الثقلين
هو من أشهر الأحاديث النبوية الشريفة والذي أوصى به النبي المسلمين بالتمسّك بعد رحيله(ص) بالثقلين، وهما الكتاب والعترة، وقد ورد الحديث بعدة صيغ ومنها مارواه الكليني في الكافي بقوله(ص): ... إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ مُسَبِّحَتَيْهِ وَلَا أَقُولُ كَهَاتَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى فَتَسْبِقَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَا تَزِلُّوا وَلَا تَضِلُّوا وَلَا تَقَدَّمُوهُمْ فَتَضِلُّوا،[١٣] وقد أجمع المسلمون بكل طوائفهم ومذاهبهم على التسليم بصحة صدور الحديث عنه.[١٤]
والحديث من أبرز الأدلة النقلية التي تتمسّك بها الشيعة الإمامية لإثبات وجوب الإمامة واستمراريتها، وعصمة أهل البيت، وأفضليتهم على سائر الخلق.[١٥]
أفضليتهم على الأنبياء(ع)
لقد وردت الكثير من الروايات الدالة أفضلية أهل البيت على الأنبياء،[١٦] وقد صرّح الكثير من العلماء بذلك، ومن كلماتهم في المقام:
- قال الشيخ الصدوق: ويجب أن يعتقد أنَّ الله تعالى لم يخلق خلقا أفضل من محمد من بعده الأئمة(صلوات الله عليهم)، وأنهم أحب الخلق إلى الله وأكرمهم عليه، وأولهم إقرارا به لما أخذ الله ميثاق النبيين في الذر.[١٧]
- قال الشيخ المفيد: قد قطع قوم من أهل الإمامة بفضل الأئمة من آل محمد على سائر من تقدم من الرسل والأنبياء سوى نبينا محمد(ص).[١٨]
- قال العلامة المجلسي: وكون أئمتنا أفضل من سائر الأنبياء هو الذي لا يرتاب فيه من تتبع أخبارهم(ع) على وجه الإذعان واليقين والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.[١٩]
- قال الإمام الخميني: من ضروريات مذهبنا أنه لا يصل أحد إلى مراتب الأئمة(ع) المعنوية حتى الملك المقرب، والنبي المرسل.[٢٠]
كلمات علماء أهل السنة فيها
وردت الكثير من الكلمات الصادرة من علماء أهل السنة والتي بينوا فيها أفضلية أهل البيت، ومنها:
- التفتازاني: فقد صرّح بأفضلية أهل البيت بعد أن ذكر آية التطهير، وحديث الثقلين: وقال: أن هذه الآثار مشعرة بفضلهم على العالم لإتصافهم بالعلم والتقوى مع شرف النسب، وقد قرنهم النبي بكتاب الله في كون التمسك بهما منقذا من الضلالة.[٢١]
- ابن أبي الحديد المعتزلي: قال في حق الإمام علي الذي هو سيد أهل البيت بعد النبي الأكرم: وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهى إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلى حلبتها، كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى.[٢٢]
- القندوزي الحنفي: عنون في كتابه ينابيع المودة فصل بعنوان (في بيان أنَّ دوام الدنيا بدوام أهل بيته(صلى الله عليه وعليهم) وبيان أنهم سبب لنزول المطر والنعمة وبيان فضائلهم) وذكر في هذا الفصل مجموعة من الروايات.[٢٣]
- الدكتور محمد السيد حسين الذهبي: قال عن أمير المؤمنين: كان رضى الله عنه بحراً فى العلم، وكان قوى الحُجَّة، سليم الاستنباط، أُوتِىَ الحظ الأوفر من الفصاحة والخطابة والشعر، وكان ذا عقل قضائى ناضج، وبصيرة نافذة إلى بواطن الأُمور، وكثيراً ما كان يرجع إليه الصحابة فى فهم ما خفى واستجلاء ما أشكل، فكان مُوفَّقاً ومُسدَّداً، فيصلاً فى المعضلات، حتى ضُرِب به المثل فقيل: قضية ولا أبا حسن لها، ولا عجب، فقد تربى في بيت النبوة، وتغذَّى بلبان معارفها، وعَمَّته مشكاة أنوارها.[٢٤]
الهوامش
- ↑ البقرة: 253.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 2، ص 623.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 1، ص 227.
- ↑ المازندراني، شرح الكافي، ج 7، ص 6 .
- ↑ المقدسي، الكافي، ج 2، ص 205.
- ↑ النيسابوري، صحيح مسلم، ج 4، ص 1883.
- ↑ الصفار، بصائر الدرجات، ج 1، ص 47.
- ↑ الحلي، تفضيل الأئمة على الأنبياء والملائكة، ص 247.
- ↑ البحراني، حلية الأبرار، ج 2، ص 12.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 1، ص 239.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 26، ص 307.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 2، ص 762.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 2، ص 415.
- ↑ النيسابوري، صحيح مسلم، ج 4، ص 1873.
- ↑ المناوي، فيض القدير، ج 3، ص 18 - 19.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 26، ص 307.
- ↑ الصدوق، الهداية في الأصول والفروع، ص 21 - 22.
- ↑ المفيد، أوائل المقالات، ص 70.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 26، ص 297.
- ↑ الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 52.
- ↑ التفتازاني، شرح المقاصد في علم الكلام، ج 2، ص 303.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 17.
- ↑ القندوزي الحنفي، ينابيع المودة، ج 1، ص 71.
- ↑ الذهبي، التفسير والمفسرون، ج 1، ص 67.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، المحقق : محمد أبو الفضل إبراهيم، د.م، الناشر : دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، د.ت.
- البحراني، هاشم بن سليمان، حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار، قم - إيران، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، ط 1، 1411 هـ.
- التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، شرح المقاصد في علم الكلام، باكستان، الناشر دار المعارف النعمانية، 1401 هـ - 1981 م.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم - إيران، الناشر: مؤسسة آل البيت، ط 1، 1409 هـ.
- الحلي، حسين بن سليمان، تفضيل الأئمة على الأنبياء والملائكة، تحقيق: مشتاق صالح المظفر، قم - إيران، الناشر: مكتبة العلامة المجلسي، ط 1، 1430 هـ.
- الخميني، روح الله، الحكومة الإسلامية، د.م، د.ن، د.ت.
- الذهبي، محمد السيد حسين، التفسير والمفسرون، القاهرة - مصر، الناشر: مكتبة وهبة، د.ت.
- الصدوق، محمد بن علي، الهداية في الأصول والفروع، قم - إيران، الناشر: مؤسسة الإمام الهادي(ع)، ط 1، 1418 هـ.
- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد (صلّى الله عليهم)، المحقق والمصحح: محسن بن عباس علي كوچه باغي، قم - إيران، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي، ط 2، 1404 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان فى تفسير القرآن، تحقيق: محمد جواد البلاغي، طهران - إيران، الناشر: انتشارات ناصر خسرو، ط 3، 1372 ش.
- القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق: السيد علي جمال أشرف الحسيني، قم - إيران، الناشر: انتشارات أسوة، ط 2، 1422 هـ.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، المحقق والمصحح: علي أكبر الغفاري، طهران - إيران، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 هـ.
- المازندراني، محمد صالح بن أحمد، شرح الكافي، طهران – إيران، الناشر: المكتبة الإسلامية، ط 1، 1382 ه.
- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، بيروت - لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط 2، 1403 هـ.
- المفيد، محمد بن محمد، أوائل المقالات، قم - إيران، الناشر: كنگره شيخ مفيد، ط 1، 1413 هـ.
- المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير في شرح الجامع الصغير، بيروت، د.ن، 1391 هـ - 1972 م.
- النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت – لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، د.ت.