مودة أهل البيت (ع)

من ويكي شيعة
(بالتحويل من مودة أهل البيت)

مودة أهل البيت (ع)، هي محبة أهل بيت النبي الأكرم (ص)، وهو مصطلح مأخوذ من آية المودة التي وجبت بموجبها مَوَدّة أهل البيت (ع). وفضلا عن هذه الآية هناك روايات كحديث باب الحطة والسيرة النبوية يستفاد منها هذا المعنى.

في آية المودة

﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْنا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُور



الشورى، الآية: 23

اعتبرت آية المودة مودةَ قرابة النبي (ص) أجر رسالته، والمراد من القُربى في هذه الآية نفس الذين نزلت آية التطهير في شأنهم، كما أن الحاكم النيسابوري روى أن الحسن بن علي (ع) خطب بين الناس بعد استشهاد أبيه علي بن أبي طالب (ع)، وعرّف نفسه، وقال:

أنا من أهل البيت (ع) الذين كان جبرئيل ينزل عليهم، أنا من أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس، أنا من أهل البيت (ع) الذين أوجب الله مودتهم على كل مسلم حيث قال: "﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْنا"، واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت (ع).[١]

نقل الخوارزمي عن ابن عباس أنه لمّا نزلت آية المودة سأل جماعة النبي (ص) عن القربى، وقالوا له: من هم قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ فأجاب النبي (ص): علي وفاطمة وابناهما.[٢]

في الأحاديث

هناك أحاديث وردت عن الشيعة والسنة تتحدث عن مودة أهل البيت عليهم السلام، منها:

  • نقل الطبري عن أبي الديلم أنه لما جيء بعلي بن الحسين (ع) أسيرا إلى دمشق، قام رجل من أهل الشام، وأبدى فرحه من مصرع الحسين (ع) وأنصاره وأسر زوجته وأولاده. فقال له علي بن الحسين (ع): أَقرأت:‏ ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏؟ قال: هل أنتم القربى؟ فأجاب الإمام: نعم.‏[٣]
  • نقل الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعي عن الطبراني أنه روى عن النبي (ص): أن الله خلق الأنبياء من أشجار شتّى، وخُلِقتُ أنا وعلي (ع) من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلي (ع) فرعها، والحسن (ع) و الحسين (ع) ثمارها، وشيعتنا أوراقها فمن تعلق بغُصن من أغصانها نجا، ومن أعرض ولم يتعلق بالأغصان هوى وسقط، ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ثلاثة آلاف ولم يحبّنا ألقاه الله في النار ثم تلا الإمام: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏.[٥] وذكر ابو عبد الله الكنجي أن هذا الحديث حديث حسن عال.
  • روى أبو نُعَيم الإصفهاني عن زاذان أن عليا (ع) قال: فينا ـ آل حم ـ آية لا يحفَظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏.[٦]
  • قال ابن حجر المكي بعد أن نقل روايات في وجوب مودة أهل البيت (ع): "علم من الأحاديث السابقة وجوب محبة أهل البيت وتحريم بغضهم التحريم الغليظ وبلزوم محبتهم. صرح البيهقي والبغوي وغيرهما أنها من فرائض الدين بل نص عليه الشافعي فيما حكي عنه من قوله:
يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله[٧]


وقال ابن حجر بعد نقل حديث باب حطة: "وجه تشبيه أهل البيت (ع) بباب حطة أن الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحاء أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سببا لمغفرة بني إسرائيل وجعل مودة أهل البيت سببا لمغفرة أمة النبي (ص)".[٨]

الاستدلال بالسيرة النبوية

استدل الفخر الرازي، المفسر والمتكلم الشافعي في القرن السادس، على وجوب محبة أهل البيت (ع) بأنه لا شكّ في حبّ النبي (ص) لعلي (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع)، وبناء على عمل النبي (ص) يجب على المسلمين حبّهم؛ لأن الله تعالى قال: "﴿اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"[٩] وقال أيضا: "﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله"[١٠] كما قال: "﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ".[١١][١٢]

قد فسر الفخر الرازي "آل محمد (ص)" بعلي (ع) وفاطمة (س) والحسن (ع) والحسين (ع) وقال: "آل محمد (ص) هم الذين يرجع أمرهم إليه وكل من كان أمرهم أشدّ وأكمل كانوا هم الآل، و لا شك أن عليا (ع) وفاطمة (س) والحسن (ع) والحسين (ع) كان التعلق بينهم وبين رسول اللّه (ص) أشد التعلقات‏، فوجب أن يكونوا هم الآل". ثم استشهد برواية نقلها الزمخشري في تفسيره وهي: أنه لما نزلت آية المودة قيل يا رسول اللّه (ص) مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال: علي وفاطمة وابناهما.[١٣]

الإشكال على سؤال النبي للأجر

الإشكال: تأكد في القرآن أن الأنبياء (ع) لم يكونوا يسألون على رسالتهم أجرا وهذه كانت من خصائصهم، وكانوا يقولون: "﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله"[١٤] فكيف يمكن أن تكون مودة أهل بيت النبي (ص) أجر رسالته؟

الإجابة: يعلم من مجموعة الآيات المرتبطة بأجر رسالة النبي (ص) أنه لم يسأل أي أجر ماديا أو غير مادي يعود إلى نفسه حيث قال تعالى: "﴿قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفينَ"[١٥] وإنما ما سأله كالأجر لا يرجع إلا إلى الأمة الإسلامية كما قال تعالى: "﴿قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله".[١٦] الأجر الذي سأله النبي (ص) في الحقيقة يرجع إلى الناس، بأن يعتنق الناس دينه (ص) ويطبقونه، حيث إن دينه هو الطريق إلى الله واختيار هذا الطريق يوفر سعادة الإنسان، كما قال تعالى: "﴿قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبيلا[١٧] ولكن قطعُ كل طريق رهنُ معرفته ومعرفة الطريق إلى الله بحاجة إلى الذين يعرفونه كمال العرفان أولا، ويقطعونه بالجد راسخي الأقدام ثانيا، وليس هؤلاء إلا أهل بيت النبي (ص). ومن البديهي أن كل من أراد أن يكمل التمتع بإرشاداتهم فعليه أن يحبهم قبل كل شيء، ويعظّمهم ويكرمهم، حتى تصبح لشخصياتهم مكانة رفيعة ومؤثرة لديه، وهذا ما ورد في آية مودة القربى.[١٨]

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. الكوفي فرات، تفسير فرات الكوفي، ص 653؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 172.
  2. الكوفي فرات، تفسير فرات الكوفي، ص 389.
  3. الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبري)، ج ‏25، ص 16.
  4. الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 2، ص 206، في الحاشية.
  5. الكنجي الشافعي، كفاية الطالب، ص 1317؛ الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 2، ص 203.
  6. الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 2، ص 205؛ ابن مردويه الإصفهاني، مناقب علي (ع)، ص 317؛ الفيروز آبادي، فضائل الخمسة في الصحاح الستة، ج 1، ص 262.
  7. ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 217.
  8. ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 190 ـ 191.
  9. الأعراف، الآية: 158.
  10. آل عمران، الآية: 31.
  11. الأحزاب، الآية: 21.
  12. الفخر الرازي، التفسیر الکبیر، ج 27، ص 595.
  13. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 27، ص 595.
  14. يونس، الآية: 72؛ هود، الآية: 29؛ الشعراء، الآية: 109؛ سبأ، الآية: 47.
  15. ص، الآية: 86.
  16. سبأ، الآية: 47.
  17. الفرقان، الآية: 57.
  18. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 15، ص 509 ـ 522؛ الطباطبائي، الميزان، ج 18، ص 46 و47.

المصادر والمراجع

  • ابن مردويه الإصفهاني، مناقب علي بن أبي طالب عليهما السلام، قم ـ إيران، دار الحديث، ط 2، 1424 هـ.
  • ابن المغازلي، علي بن محمد، المناقب، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية، د ـ ت.
  • الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية، 1978 م.
  • الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، طهران ـ إيران، وزراة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ط 1، 1411 هـ.
  • الطباطبائي، السید محمد حسین، المیزان في تفسير القرآن، بیروت/ لبنان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1390 هـ.
  • الطبري، محمد بن جرير، جامع البیان فی تفسیر القرآن (تفسير الطبري)، بیروت ـ لبنان، دار المعرفة، ط 1، 1412 هـ.
  • الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب (تفسير الرازي - التفسير الكبير)، بيروت-لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1420 هـ.
  • الفيروزآبادي، السيد مرتضى، فضائل الخمسة في الصحاح الستة ، طهران ـ إيران، إسلامية، ط 2، 1392 هـ.
  • الكنجي الشافعي، محمد بن يوسف، كفاية الطالب، طهران ـ إيران، دار إحياء تراث أهل البيت، د ـ ت.
  • الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي، تحقيق كاظم محمد، طهران ـ إيران، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الإرشاد الإسلامي‏، ط 1، 1410 هـ.
  • مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسیر کتاب الله المنزل، ترجمة محمد علي آذرشب، قم ـ إيران، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ط 1، 1421 هـ.
  • الهيتمي المكي، ابن حجر، الصواعق المحرقة، بيروت ـ لبنان، المكتبة العصرية، 1425 هـ.