صلح الإمام الحسن عليه السلام، هي المعاهدة التي جرت بين الإمام حسن عليه السلام وبين معاوية بن أبي سفيان في سنة 41 هجرية.

الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام هو الإمام الثاني من أئمة أهل البيت عليه السلام. تصدّى لمسند الخلافة بعد مبايعة الناس له، فوقف أمام دسائس معاوية ورفض منحه أي مشروعية، ومن هنا تأزّم الوضع بينهما حتى كادت أن تنشب حرباً بين الطرفين، وفي نهاية المطاف فُرض الصلح على الإمام عليه السلام.

وتُعد خيانة بعض الأمراء في جيش الإمام الحسن عليه السلام، وحفظ دماء الشيعة، والخطر الموجود من جانب الخوارج، أسباباً لقبول هذه المعاهدة.

وفقاً لبنود هذه المعاهدة، تعهد معاوية بن أبي سفيان عدة شروط أهمها أن لا يُعيّن خليفة بعده، لكنه لم يفِ بأي من الشروط، وعيّن ابنه يزيد خليفة؛ وحاول أخذ البيعة له من الناس، والذي أدى إلى واقعة كربلاء.

الكوفة بعد شهادة الإمام علي عليه السلام

بايع الكوفيون الإمام الحسن  خليفة للمسلمين بعد مواراة أمير المؤمنين  الثرى مباشرة، إلا أنّ الوضع المضطرب في الكوفة لم يكن يبشّر بخير ولم يظهر فيه ما يدلّ على استقرار الوضع وهدوء الساحة، ومن هنا كانت المهمة الأُولى الملقاة على عاتق الإمام التفكير بمعالجة الجبهة الداخلية وتهدئة الوسط الكوفي ثم بعث الولاة إلى الولايات– باستثناء الشام التي كانت تحت حكم معاوية- كـمصر والحجاز وخراسان وآذربايجان وسائر المناطق الايرانية وغيرها.

يضاف إلى ذلك المهمة الكبرى التي لا بدّ من معالجتها ووضع حدّ للتمرد الشامي والقضاء على قائد الفتنة معاوية بن أبي سفيان.[١] علماً أنّ الشام لم تكن باللقمة السائغة التي يمكن ابتلاعها بيسر بل كانت عصيّة عن المعالجة إلى حد ما في زمن أمير المؤمنين  فكيف بها بعد شهادته واضطراب الأمور وبروز معاوية على الساحة كحاكم شرعي.

وعليه لا بدّ من الإستعداد التام لمثل هذه المشكلة وعلى الإمام أن يوفر من الجيش ما يكون مؤهلاً لخوض معركة كبرى مع خصم عنود قد انصاعت له الشام بالمطلق، فما هي تلك القوة التي يصول بها الإمام   وهو يرى قبل أيّام كيف أنّ والده  كان يحثّ الكوفيين على قتال الشاميين فلم يجد منهم التفاعل المأمول.

ثم لو تجاوزنا مشكلة الشام والشاميين فهل يمتلك الإمام  الكفاءات الكبيرة التي تستطيع إدارة سائر الولايات الكبيرة؟! فهو بحاجة إلى حاكم مؤمن بصير بشؤون الإدارة والحكم شجاع لم ينجرف مع زخارف الدنيا وزبرجها، خاصّة وأنّ الكثير من السياسيين الذين من المؤمل الإعتماد عليهم قد أبهرهم عطاء معاوية اللامحدود لأصحابه والمحيطين به.

هؤلاء هم نفس الرجال الذي خاطبهم أبوه أمير المؤمنين  بقوله: ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان. بل ازداد الحال سوءاً في عصر الإمام الحسن .

وإذا خرجنا من دائرة الكوفة وتوجّهنا نحو البصرة نراها هي الأخرى لا يؤمل فيها خير وكيف يعوّل على مدينة عرفت بميولها العثمانية وهي أقرب إلى معاوية منها إلى الإمام الحسن .

وأما الخوارج فأمرهم أوضح والتعويل عليهم يعدّ ضرباً من الخيال فإنّهم وإن رفعوا في أوائل حركتهم شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأظهروا الإستعداد لمساندة من يقوم بذلك إلا أنّهم تحوّلوا إلى طلاب حكم وميل للتصدي للخلافة. فلم يبق مع الإمام   إلا الشيعة وهؤلاء أيضاً لم يكونوا على نسق واحد بل هناك طائفة كبيرة منهم متظاهرة بالولاء والتشيع لا يمكن التعويل على ولائها وإحراز مواقفها حتى اللحظة الأخيرة من المعركة.[٢]

وإذا كان الكوفيون قد اضطربت مواقفهم في الأيّام الأخيرة من حياة أمير المؤمنين  فكيف ينساقون بيسر لولده من بعده؟! فلم يبق معه إلّا الخلّص من شيعته والموالين الحقيقيين له   وهؤلاء لم يكونوا بالوعي السياسي التام الذي يحصّنهم من الوقوع بين الفينة والأخرى في شراك مكنة الدعاية المضادة.[٣]

مقدمات المعركة وإرهاصاتها

في المقابل نجد معاوية بن أبي سفيان قد حشد كل قواه وسخّر كل طاقاتها وحرّك مرتزقته ليثيروا الفتن ويخلقوا المشاكل في الحجاز واليمن ومصر، بل امتدت حركتهم إلى داخل الكوفة التي تمثّل مركز حكومة الإمام  وتمكّنوا من استقطاب رؤوساء القبائل وكبار البيوتات والأسر هناك بالمال تارة وبالتهديد والترهيب أخرى.

يضاف إلى بثّ الإشاعات والأكاذيب في الوسط الإسلامي وخاصة في الساحة العراقية، هذا مع إرسال المجاميع المقاتلة للنهب والقتل وبثّ الرعب في المناطق الخاضعة لحكوم الإمام ، مع إشاعة أخبار سياسة البذل اللامحدود التي اعتمدها معاوية ودهائه في إدارة شؤون الحكم في الشام والمناطق الخاضعة له. كل ذلك مثّل الأرضية المناسبة والإرهاصات التي تكشف استعداد معاوية لخوض الحرب مع الكوفة عاصمة الدولة الإسلامية.[٤]

وبعد أن أنجز مرتزقة معاوية المهام الموكلة إليهم سار بجيشه نحو العراق وعسكر في منطقة مسكن، وكان أمير المؤمنين  قد أعدّ في أواخر حياته جيشاً لمحاربة الشاميين وكان على هذا الجيش أن يواصل مهمته لكن وقع الخلاف في من يقود هذا الجيش فهل تكون القيادة لـقيس بن سعد بن عبادة أو لـعبيد الله بن عباس؟

وقد استعدّ قيس لمهاجمة جيش الشام وذهب الإمام الحسن  إلى المدائن، إلا أنّ الأحداث كانت لا تسير لصالح جيش الإمام  حيث أُشيع قتل قيس مما أدى إلى حصول تمرّد في جيش الإمام .[٥]

وقد أشار بعض المؤرخين إلى هذه القضية بقوله: بينما كان الحسن  بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره: «ألا إن قيس بن سعد قد قتل!» فشدّ الناس على حجرة الحسن  فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره !! وطعنه رجل بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه وانتقل – كما يقول الطبري- إلى منزل سعد بن مسعود الثقفي– عمّ المختار- وكان عامل أمير المؤمنين  بها فأقرّه الحسن ، فقال له المختار وهو غلام شاب:

هل لك في الغنى والشرف؟

قال: وما ذاك؟

قال: توثق الحسن ، وتستأمن به إلى معاوية!

فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله  فاوثقه! بئس الرجل أنت!.[٦]

والمختار هو ذلك الشخص الذي ثار بعد خمسة وعشرين عاماً لدماء الشهداء وقاد حركة الشيعة ضد الحكم الأموي، مما يجعلنا نشك في ما نسب إلى الرجل من كلمات قد تكون من ابتكارات خصومه الزبيريين (أتباع عبد الله بن الزبير)، وعلى فرض صحة ما نسب إليه فهو أمر لا غرابة فيه وممكن صدوره من شاب حدث لا خبرة لها بالسياسة وبمنازل الرجال، وسواء صحّت النسبة أم لم تصح إلا أنّ الكلام المذكور والأحداث التي وقعت تكشف لنا عن حقيقة خطرة وهي أنّ تصدي الإمام الحسن  للحكم اقترن بوجود تيار من النفعيين الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية وما تدرّه السياسة عليهم من مناصب وأموال تعزز كياناتهم الشخصية والعشائرية فقط ولا تهمهم مصالح المسلمين قطعاً.[٧]

من هنا وكما يقول بعض المحللين للصلح، ومنهم الشيخ حسين سليمان في كتابه الإمام الحسن  القائد والأسوة: «لم يكن الإمام الحسن  في خيار سوى ترجيح كفّة الحل السلمي لمشكلة الأمّة، خاصة بعد أن تزاحمت عوامل الضغط الداخلية والخارجية، والتي اضطر الإمام  للقبول باتفاقية الهدنة (الصلح) بينه وبين معاوية، والتي جاءت بعد محاولات عديدة وجادّة أجراها الإمام  مع جماهير الأمّة للوقوف بوجه الهجمة الأموية قبل الوصول إلى هذه المرحلة».

وبعد أن شعر الإمام  بخطورة موقف الأمّة على مسيرة الحركة الرسالية، وجد  أنّ السبيل الوحيد في الحفاظ على أبناء الحركة الرسالية هو في توقيع اتفاقية هدنة مع معاوية، وبهذه الإتفاقية يستطيع الإمام  أن يحافظ على الميراث الرسالي ليصل إلى الأجيال القادمة، خاصة وأن الأوضاع الأمنية باتت شبه مهددة سواء من جانب معاوية وجلاوزته أو من جانب قطاع كبير من جماهير الأمّة...[٨]

مكان الصلح وزمانه

بنو أمية

الخلفاء

عنوان


معاوية بن أبي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد
يزيد بن الوليد
ابراهيم بن الوليد
مروان بن محمد

فترة الحكم


41-61
61-64
64-64
64-65
65-86
86-96
96-99
99-101
101-105
105-125
125-126
126-126
126-127
127-132

الوزراء و الأمراء المشهورون

المغيرة بن شعبة الثقفي
زياد بن أبيه
عمرو بن العاص
مسلم بن عقبة المري
عبيد الله بن زياد
الحجاج بن يوسف الثقفي

وقائع واكبت عصرهم

صلح الإمام الحسن
وقعة عاشوراء
واقعة الحرة
إحراق الكعبة
ثورة التوابين
ثورة المختار
ثورة زيد بن علي
قيام أبي مسلم الخراساني

تمّ الإعلان عن مبادئ الصلح وتوقيعه في منطقة مسكن وبحضور جماعة كبيرة من الشاميين.[٩] وقد أشار الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه حياة الإمام الحسن  إلى اختلاف المؤرخين في تاريخ توقيع الصلح كما اختلف في مكانه فذهب جماعة من المؤرخين إلى القول بأنّ الصلح عقد في شهر ربيع الأول من سنة 41 هـ وهناك من حدّده بربيع الثاني من نفس السنة وذهب فريق ثالث إلى القول بأنّه وقع في جمادى الأولى.[١٠]

وثيقة الصلح

تعرّضت وثيقة الصلح منذ توقيعها ولمدة مئتي عام للتلاعب من قبل الأمويين والعباسيين والإتجاهات السياسية الأخرى حيث حاول كل فريق منهم أن يطرحها بنحو تؤمن له الغلبة والظهور بمظهر المنتصر. وبما أن المؤرخين بتروا وثيقة الصلح ولم يذكروا كل ما سجله الإمام الحسن  من شروط. من هنا لابدّ من البحث عن القرائن الحافة التي قد تلقي ضوءاً على خفاياها.[١١]

روى الطبري في تاريخه: أنّ معاوية قد أرسل إلى الحسن  بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.

فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاويه صحيفه الحسن  التي كتب إليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاويه والحسن ، سأله الحسن  أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذى ختم معاويه في أسفله، فأبى معاويه أن يعطيه ذلك، فقال: لك ما كنت كتبت إلي أوّلا تسألني أن أعطيكه، فإني قد أعطيتك حين جاءني كتابك. قال الحسن : وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن  من الشروط شيئاً.[١٢] وروى مضمون ذلك ابن الأثير في تاريخه.[١٣]

وذهب الباحث جعفر شهيدي في تحليله للخبر إلى القول بأنّه: لاشكّ أنّ الرواية بهذه الصورة هي من مبتكرات ذهنية مؤرخي العصر الأموي أو أنّهم تصرّفوا في الخبر بنحو ما فأضافوا إليه من مفترياتهم، وذلك لأنّ الباحث المنصف الذي يرصد الأحداث كما هي يرى أنّ الإمام الحسن  لم يكن بالرجل الذي تهمه منافعه الشخصية وأنّه ممن يزيد في السعر عندما يرى بضاعته رائجة بل كان وبغض النظر عن اعتقاد الشيعة بإمامته وعصمته رجلاً ورعاً يهمه شأن الناس وراحتهم وحفظ حياتهم وعدم سفك دمائهم، فعندما رأى أنّ الصراع من معاوية لا يجدي نفعاً ولا يعود على الأمّة إلا بسفك الكثير من الدماء وأنّ نتيجة الصراع والمعركة محسومة لمعاوية - وإن وقعت الحرب وسالت الدماء- لعدم تكافؤ القوى، قرر الصلح صيانة لكيان الأمّة وحفظاً لوحدتها وكانت شروطه منسجمه مع هذا الهدف الكبير.[١٤]

ثم لو صحّت رواية الصحيفة البيضاء فلابد من القول بأنّ معاوية إنّما افتعل تلك الكذبة ليبرر لنفسه عدم الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه تحت نشوة الإنتصار والإنفراد بالسلطة.[١٥]

والأعجب من ذلك أنّ الصورة التي طرحها الطبري هي أقرب إلى الأسطورة والسخرية منها إلى الرواية التاريخية وهي أعجز من أن تميط الستار عن حقيقة تاريخية خارجية مهمة كالتي نحن بصدد البحث عنها.[١٦]

وذهب بعض المؤرخين إلى القول بأنّ الإمام الحسن  صالح معاوية على أن يعطيه معاوية ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألّا يشتم علياً، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ ، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإنّ أهل البصرة منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحداً، وكان منعهم بأمر معاوية.[١٧]

وقد تعرّض الباحث جعفر الشهيدي لهذه الرواية بالنقد والتحليل، قائلاً: إنّ هؤلاء المؤرخين لم يلتفتوا إلى حقيقة مهمة وهي أنّ الإمام الحسن  لو كان– حقيقة- قد ركّز في صلحه على البعد المالي والمصالح المادية الخاصة لكان قد أوصد الطريق أمامه في التحرك في أوساط شيعته ولخلق له خصوماً في الوسط الشيعي لا يأمن مكرهم به والقضاء على حياته وحياة أتباعه، يضاف إلى ذلك الفاصلة الكبيرة بين الكوفة وبين دارابجرد فأين خراج دارابجرد وأين الكوفة؟ أليس من المناسب أن يطلب الإمام الحسن  تأمين المال من خزانة الدولة في الشام؟

وهل كان يضر معاوية- على فرض تصديق الخبر- أن يدفع المال من بيت المال في الشام أو من مكان آخر؟ أليس كل ذلك يعود إلى بيت المال وإن تعددت مصادره؟! ثم أين الشروط الأساسية التي تمثّل العمود الفقري لمعاهدة الصلح لماذا أخفاها الطبري وغيره من المؤرخين؟![١٨]

في مقابل تلك الوثائق الموضوعة هناك وثائق تاريخية صحيحة تزيح الستار عن وجه الحقيقة وتكشف لنا مدى التلاعب الذي أحدثه المؤرخون في العصرين الأموي والعباسي فيها لإخفاء كل ما يكشف عن حقانية أهل البيت  في معاهدة الصلح وغيرها من الوقائع التاريخية. ومن هنا نرى أنّ ما سجّله البلاذري في تاريخه أقرب إلى الواقع وأصح بكثير من رواية الطبري.[١٩]

متن وثيقة الصلح

روى البلاذري في أنساب الأشراف: دفع معاوية إلى الحسن  صحيفة بيضاء وقد ختم في أسفلها وقال له: اكتب فيها ما شئت. فكتب الحسن :

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان، صالحه على:

  1. أن يسلّم إليه– إلى معاوية- ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين؟!
  2. وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى.
  3. والناس آمنون حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم.
  4. وعلى أن لا يبغي للحسن ابن علي غائلة سراً ولا علانية، و(على أن) لا يخيف أحداً من أصحابه.

شهد عبد الله بن الحرث، وعمرو بن سلمة.

وردّهما إلى معاوية ليشهد (بما في الكتاب) ويشهدا عليه.[٢٠]

روى ابن حجر وثيقة الصلح هكذا:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن:

  1. يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعإلى وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين.
  2. ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.
  3. وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعإلى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم.
  4. وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا.
  5. وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.

أشهد عليه فلان وفلان بن فلان وكفى بالله شهيداً.[٢١]

المخالفون للصلح

ذكرت المصادر التاريخية أسماء مجموعة من المعارضين للصلح مع تسجيل كلماتهم التي صدرت منهم كردة فعل على وثيقة الصلح، هم: حجر بن عدي، عدي بن حاتم، المسيب بن نجبة، مالك بن ضمرة، سفيان بن أبي ليلي، بشير الهمداني، سليمان بن صرد، عبد الله بن الزبير، أبو سعيد عقيصا وقيس بن سعد.[٢٢]

دلائل صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية

المتابع لشأن الصلح والظروف الموضوعية التي دعت له وشروطه التي اشترطها الإمام الحسن   يرى أنّه يكمن وراء الصلح مجموعة من الغايات هي:

قال الإمام الحسن بعد الصلح:


أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَوْ طَلَبْتُمْ مَا بَيْنَ جَابُلْقَا وَ جَابِرْسَا رَجُلًا جَدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ مَا وَجَدْتُمْ غَيْرِي وَ غَيْرَ أَخِي وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ نَازَعَنِي حَقّاً هُوَ لِي فَتَرَكْتُهُ لِصَلَاحِ الْأُمَّةِ وَ حَقْنِ دِمَائِهَا



ابن شهرآشوب، المناقب، ج 4، ص 34.

حفظ حياة الإمام   وشيعته

أخذت الحروب التي شنّت ضد حكومة الإمام علي   الكثير من خلّص شيعته والموالين له كما في الجمل وصفين والنهروان وبقي هناك مجموعة قليلة من هؤلاء، ولاريب أنّ اختلال توازن القوى بين الفريقين الشامي والعراقي (جيش الإمام) كان سيقضي على البقية الباقية فيما لو اندلعت الحرب بين المعسكرين؛ لأنّ معاوية سيستغل اختلاف توازن القوى هذا بين الفريقين لإنزال أكبر هزيمة بشيعة الإمام  .

وهذا ما أشار إليه أبو سعيد عقيصا حيث قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب  : يا ابن رسول الله   لم هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه وأنّ معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله   لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ... ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.[٢٣]

وحينما خوطب الإمام الحسن   بـ «يا مذل المؤمنين»! قال  : ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معزّ المؤمنين، إنّي لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم.[٢٤]

وفي رواية أخرى قال   ردّاً على المعترضين على الصلح: وَيْحَكُمْ ما تَدْرُونَ ما عملتُ واللَّهِ الَّذي عَمِلْتُ خَيْرٌ لشيعَتِي ممَّا طلعَتْ عليه الشَّمسُ أَو غربت.[٢٥]

وجاء في رواية أخرى ذكرها السيد المرتضى بلا سند أنً حجر بن عدي الكندي قال له  : سوّدت وجوه المؤمنين. فقال  : ما كل أحد يحبّ ما تحبّ ولا رأيه كرأيك وإنما فعلت ما فعلت إبقاءاً عليكم.[٢٦]

نكول وتخاذل الجماهير عن مساندة الإمام  

مهّد الإمام الحسن   لاختبار الناس ومعرفة مدى إيمانهم بالحرب والإستعداد لها حينما خطبهم قائلا: إنّا والله ما يثنينا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع.... ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله، عزّ وجلّ، بظبى السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى. فناداه النّاس من كلّ جانب: البقيّة البقيّة! وأمضى الصّلح».[٢٧]

وقال الشيخ المفيد في الإرشاد: وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن   وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفّ معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه   وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين.... ونظر الإمام الحسن  - بعد حوادث جرت في تلك الاثناء- في أمر الناس. فازدادت بصيرته   بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين   وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فاستجاب للصلح.[٢٨]

وعن سليم بن قيس الهلالي قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب   على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أرَ نفسي لها أهلاً وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعتم فيها يا معاوية...[٢٩]

وفي رواية أخرى أنه   قال: لو وجدت أعوانا ما سلمت له الأمر لأنه محرم على بني أمية.[٣٠] وقال في معرض الجواب عن سؤال أحد المعترضين على الصلح: والله ما سلمت الأمر إليه إلا أنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً.[٣١]

منع إراقة الدماء

أشار الإمام الحسن   في إحدى خطبه إلى إحدى مبررات الصلح مع معاوية قائلا:

إن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ورأيت أَنَّ ما حَقَنَ الدِّماءَ خَيرٌ ممَّا سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.[٣٢]

وفي كلام له  : كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين.[٣٣]

والمُلاحظ في هذه الرواية كونها تنافي ما ذكر سابقاً من تخاذل رؤساء العرب وعدم استجابتهم للإمام   يضاف إلى ذلك أنّ الرواية بأكثر من سبب منها أنها مرفوعة ومعارضتها لكثير من الروايات التي تشير إلى تخاذل الناس وتراجعهم وقال   في جواب سليمان بن صرد الخزاعي وجماعة من المعترضين على الصلح: لكنِّي أَرى غيرَ ما رأَيْتُمْ وما أَردتُ بما فعلْتُ إِلَّا حَقْنَ الدِّمَاء.[٣٤]

وفي بيان آخر: «ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها».[٣٥]

وحينما طلب معاوية من الإمام الحسن   بعد الصلح التحرك لمحاربة الخوارج رفض ذلك وردّ على كتاب معاوية قائلاً: «لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإنّي تركتك لصلاح الأمّة وحقن دمائها».[٣٦] وقد يكون هذا الموقف من الإمام الحسن   استجابة لوصية أمير المؤمنين   لا تقاتلوا الخوارج من بعدي.

حفظ الدين

من المبررات التي دعت إلى الصلح والغايات التي تكمن في ذلك «حفظ الدين»؛ وذلك لأنّ الحالة العامة للمجتمع الإسلامي إبّان تلك الفترة كانت توحي بأنّ أصل الدين الإسلامي في خطر فيما إذا دارت الحرب بين الجانبين وأنّ الحرب ليست بصالح الكوفيين والشاميين على حد سواء بل تجرّ إلى ضعف الجبهة الإسلامية مما يوفر الأرضية المناسبة للرومان لمهاجمة بلاد المسلمين، ويؤيد ذلك ما سجّله اليعقوبي في تاريخه حيث قال: ورجع معاوية إلى الشام سنة 41 هـ ، وبلغه أنّ طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وإحكامه، فوجّه إليه، فصالحه على مائة ألف دينار. وكان معاوية أوّل من صالح الروم.[٣٧]

يضاف إلى ذلك أنّ الوضع الثقافي والوعي الديني للمجتمع الإسلامي كان بنحو لا يؤمن معه عدم تأثر المسلمين سلباً وتراجعهم عن قيم الدين ومقدساته فيما إذا سالت الدماء بين المسلمين؛ ولعلّ ذلك هو الذي جعل الإمام الحسن   يبرر صلحه بحفظ الدين وخشيته أن يُجتثّ المسلمون عن وجه الأرض.[٣٨]

تململ الجماهير من الحرب

لا يشكُّ المتابع لتاريخ المسلمين منذ الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة مروراً بعهد الخلفاء أنّهم عاشوا الكثير من الغزوات والحروب التي طال أمد بعضها كالحروب مع الرومان والفرس وبعض الأقوام والشعوب المجاورة كما في الجزيرة العربية يضاف إلى ذلك الحروب الثلاثة التي أثيرت بوجه حكومة أمير المؤمنين  ، كل ذلك كانت له انعكاسات سلبية على روحية المسلمين عامة والمقاتلين خاصّة، وهذا ما أشار إليه الشيخ المفيد حينما سجّل لنا شهادة تاريخية تكشف عن تلك الحقيقة قائلاً: «وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن   وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خف معه أخلاط من الناس‏...».[٣٩]

يضاف إلى ذلك أنّ الإمام الحسن   عندما بويع للخلافة بعد أبيه   عرض عليه الكثير من الناس ولائهم مبدين استعدادهم للقتال تحت رايته فأراد أن يختبر نوايا القوم قال لهم: إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوني هناك.

فركب وركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه وبما وعدوه وغرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين   من قبله.[٤٠]

وقال الإمام الحسن   في ذم هؤلاء:‏ يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين مرّة بعد مرّة ولو سلّمت إلى معاوية الأمر فأيم الله لا ترون فرجاً أبداً مع بني أمية والله ليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنون أن يلي عليكم حبشياً.[٤١]

وفي كلام له   قال فيه: إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فصالحت بقيا على شيعتنا خاصّه من القتل، فرأيت دفع هذه الحروب إلى يوم ما.[٤٢]

خطر الخوارج

كتب ابن عربي صاحب كتاب «أحكام القرآن» مشيراً إلى خطر الخوارج: «وعمل الحسن رضي الله عنه بمقتضى حاله ، فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه، وكان ذلك بأسباب سماوية، ومقادير أزلية، ومواعيد من الصادق صادقة، ومنها ما رأى من تشتت آراء من معه، ومنها أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه، وعلم أنّه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليها معاوية».[٤٣]

عدم توازن القوى

ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد أنّه خرج مع الإمام الحسن   أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه   وبعضهم محكمة– خوارج- يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين...[٤٤]

ولا ريب أنّ جيشاً يتكون من هكذا خليط غير متجانس لم يؤمن منه التمرد على قائده والانهيار أمام أبسط التحدّيات وأضعف الضربات التي توجه إليه، فالخوارج - على سبيل المثال- لم يلتحقوا بجيش الإمام الحسن   إيماناً بقيادته واعترافاً بشرعيته وإنّما خرجوا ابتغاء الفتنة والإفساد.[٤٥]

وقد ردّ الإمام الحسن   على أحد المعترضين على الصلح بقوله: رأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد أبداً إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نيّة لهم في خير ولا شر.[٤٦]

وحينما فشل الكوفيون في الإختبار الذي أعدّه الإمام الحسن   وما بدر منهم من ردود فعل تكشف عن عدم ولائهم الحقيقي للإمام الحسن   وحينما كتبوا إلى معاوية مبدين استعدادهم لتسليم الحسن   له متى شاء. وعندما خانه عبيد الله بن العباس والتحق بمعاوية مقابل حفنة من المال، ازدادت بصيرته   بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكّمة– الخوارج- فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين   وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.[٤٧]

وكان قد كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر واستحثّوه على السير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن   إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به وبلغ الحسن   ذلك.[٤٨] ‏ وعن زيد بن وهب الجهني أنّه قال: لما طعن الحسن بن علي   بالمدائن أتيته وهو متوجّع فقلت: ما ترى يا ابن رسول الله   فإن الناس متحيرون؟ فقال: أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي....[٤٩]

نتيجة معاهدة الصلح

‏بعد أن تم عقد الصلح بين الطرفين دخل معاوية مسجد الكوفة وارتقى المنبر قائلاً: «ألا وإني كنت منيت الحسن   وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي له بشي‏ء منها».[٥٠]

ولم يف معاوية بكل بنود الصلح بما فيها البند الأول ومع ذلك بقي الإمام   رغم ما تعرض من ضغوط من قبل شيعته تطالبه برفض المعاهدة ومصرّة على أنّ الإتفاقية سقطت لعدم وفاء معاوية بما اشترط عليه الإمام   من شروط، ومن مصاديق عدم وفائه بفقرات الصلح ومخالفته لسنة الرسول   «إلحاقه زياد بأبي سفيان» وهو مخالف لقول رسول الله   الولد للفراش وللعاهر الحجر، و«إقامة صلاة الجمعة يوم الأربعاء»،[٥١] و«تعطيل الحدود» و«تجويز الربا» و«الأذان لصلاة العيد» و«الخطبة قبل صلاة العيد» بالإضافة إلى الكذب ووضع الحديث و...».[٥٢] ومن البدع التي قام بها معاوية استخلافه ابنه يزيد كخليفة على المسلمين وبهذا يكون قد نقض الفقرة الثانية من المعاهدة.[٥٣]

كذلك نقض معاوية الفقرة الثالثة المطالبة بالتوقف عن سب أمير المؤمنين   بل جعل سبّه ولعنه من شروط خطبة الجمعة التي لا يتخلف عنها أئمة الجمعات، ولما قيل لمروان بن الحكم «ما لكم تسبون عليّاً على المنابر؟» برر ذلك بقوله: «إنّه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك».[٥٤]

أما الفقرة الرابعة المتعلقة بخراج دارابجرد فإن أهل البصرة منعوه منه وقالوا: «هو فيئنا لا نعطيه أحداً».[٥٥] وكان منعهم بأمر معاوية.[٥٦]

أمّا مخالفته للفقرة الخامسة من الصلح فتمثّلت بما كتبه معاوية إلى عمّاله: «انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان»، ثم كتب كتاباً آخر: «من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فاقتلوه!!». وفي رواية أخرى أمر بحبسه وهدم داره.[٥٧]

يضاف إلى ذلك محاولات الاغتيال غير الناجحة التي دبرها معاوية– أكثر من مرّة- للتخلص من الإمام الحسن   بالسمّ تارة والقتل أخرى.[٥٨] ولمّا أعيته السبل وجد معاوية في جعدة بنت الأشعث الكندي لتكون هي الأداة المناسبةـ بكافة المواصفات لتنفيذ الجريمة، فاستطاع معاوية أن يتصل بجعدة وراح يعرض عليها الإغراءات المادية ويحدثها عن الأموال الطائلة والضِياع والثروة التي سيعطيها إيّاها ووعدها أيضاً بتزويجها من ابنه يزيد... ولكن بشرط أن تدسّ السم إلى الإمام الحسن  ، ففعلت ذلك.[٥٩] وبهذا يكون معاوية قد نقض الفقرة الأخيرة من الصلح ولم يف بواحد منها.

لماذا صالح الإمام الحسنُ عليه السلام وثار الإمام الحسين عليه السلام؟

يعتقد الشيعة أن موقف الامام الحسن  ، وموقف الامام الحسين   واحد، فلا تعارض ولا تنافي بين موقفيهما  . بمعنى أنه لمّا كان موقف الإمام الحسن   هو الصلح مع معاوية كان موقف الإمام الحسين   ذلك أيضاً، وإلا لثار على معاوية، وعارض أخيه الحسن   على صلحه، بينما ينقل لنا التاريخ مساندته لأخيه الحسن   ومعاضدته.

وهكذا لو قدّر الله تعالى أن يكون الإمام الحسن   حيّاً يوم عاشوراء، لكان موقفه   نفس موقف أخيه الحسين  ، ولا يرضى بالصلح مع يزيد.[٦٠]

وأما الجواب: فقد أُجيب عن هذا السؤال بعدة أجوب؛ هي كالتالي:

  1. إن شخصية معاوية تختلف عن شخصية يزيد، فمعاوية لم يكن يشكّل خطراً جدياً على الإسلام بمقدار ما كان يشكّله يزيد، لأنّ معاوية كان يحافظ على بعض المظاهر الإسلامية، بينما كان يزيد متجاهراً بالفسق والفجور، وشرب الخمور، وقتل النفس المحترمة، ولم يراع أي شيء من المظاهر الإسلامية. وعليه فكان الصلح مع معاوية ممكنناً دون الصلح مع يزيد.[٦١]
  1. من ناحية السياسة الخارجية: فمن ناحية السياسة الخارجية لتلك الفترة لم تكن الحرب الأهلية الداخلية في صالح العالم الإسلامي، لأنّ الروم الشرقية التي كانت قد تلقّت ضربات قوية من الإسلام كانت تتحيّن الفرصة المناسبة دائماً لضرب الإسلام ضربة انتقامية كبيرة كي تأمن سطوته وسلطته. وعندما وصل نبأ اصطفاف جيشي الإمام الحسن   ومعاوية أحدهما في وجه الآخر إلى قادة الروم، راحوا يعتقدون أنّهم حصلوا على أفضل فرصة ممكنة لتحقيق أهدافهم، ولذلك انطلقوا بجيش جرّار للهجوم على العالم الإسلامي لينتقموا من المسلمين. وكتب اليعقوبي المؤرّخ المعروف: "ورجع معاوية إلى الشام سنة 41 وبلغه أنّ طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وأحكامه، فوجه إليه فصالحه على مئة ألف دينار".[٦٢]
  2. إن الامام الحسن   قام بالثورة ضد معاوية، ولكن خانه أكثر قادته في بداية التحرّك، فاضطر   إلى الصلح وترك الحرب لوجود هؤلاء الخونة، دون أخيه الحسين   فقد وجد أنصاراً وأعواناً في البداية. فحوادث نقض بيعة الحسين كانت قد سبقت تعبئته للحرب، فجاء جيشه الصغير يوم وقف به للقتال، كجيش له أهدافه المثلى. أما جيش الإمام الحسن، فقد فر ثلثاه وشتّت قواه الدسائس المعادية، فكان رهينة الفوضى، وخسر به الإمام الحسن   كل أمل من نجاح هذه الحرب.[٦٣]
  3. إن الامام الحسن   استشار الجموع الملتفة حوله في الظاهر، والمتخاذلة عنه في السر بقوله: "ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله عزوجل بظبا السيوف، وان أردتم الحياة قبلناه، وأخذنا لكم الرضا ؟..."، فناداه الناس من كل جانب "البقية، البقية".[٦٤] فساير   قومه، واختار ما اختاروه من الصلح، فصالح كارهاً كما قبل أبوه   التحكيم من قبل وهو كاره له.[٦٥]

مصنفات حول صلح الإمام الحسن عليه السلام

 

صنّف بعض المؤلفين والمفكرين الإسلاميين ما يميط اللثام عن صلح الإمام الحسن   ويرصد جميع أبعاده، ضاعت ولم تصل إلينا، منها:

  • صلح الحسن   ومعاوية، للشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة الزيدي الجارودي المتوفى 567.
  • صلح الحسن   لعبد الرحمن بن كثير الهاشمي(من موالي بني هاشم).
  • قيام الحسن   تأليف إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفي المتوفى 283.
  • قيام الحسن   تأليف هشام بن محمد بن السائب.
  • كتاب عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري حول تاريخ الإمام الحسن  .
  • أخبار الحسن   ووفاته، تأليف هيثم بن عدي الثعلبي المتوفى 207 هجرية.
  • أخبار الحسن بن علي   ، تأليف أبي اسحاق إبراهيم بن محمد الأصفهاني الثقفي.[٦٦]

لمزيد الاطلاع

  • حياة الإمام الحسن   لباقر شريف القرشي.
  • صلح الحسن عليه السلام للشيخ راضي آل ياسين.
  • رسول جعفريان الحياة السياسية لأئمة الشيعة.
  • الحياة السياسية للامام الحسن   في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) والخلفاء الثلاثة بعده (دراسة وتحليل) تأليف السيد جعفر مرتضى الحسيني العاملي.
  • الإمام الحسن   القائد والاسوة للشيخ حسين سليمان.

الهوامش

  1. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام: ص158.
  2. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 158.
  3. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 158.
  4. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص 158 - 159.
  5. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 159.
  6. الطبري، تاريخ الطبري، ج 7، ص 2؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 404؛ جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 159.
  7. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 159.
  8. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160.
  9. القرشي، حياة الحسن، ص 471.
  10. باقر شريف القرشي، حياة الحسن، ص 471.
  11. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160.
  12. الطبري، تاريخ الطبري: ج7، ص2. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160.
  13. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 405؛ نقلا عن جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160.
  14. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 160 - 161.
  15. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161.
  16. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161.
  17. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 405. وكذا تاريخ إسلام تأليف الفياض. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161.
  18. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161.
  19. جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 161 - 162.
  20. البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 41 - 42؛ جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 162.
  21. ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة، ص 136؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 44؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب؛ جعفر شهيدي، تاريخ تحليلي إسلام، ص 162.
  22. القرشي، حياة الحسن، ص 499 ــ 507.
  23. الصدوق، علل الشرائع: ج‏1، ص211.
  24. المجلسي، البحار: ج‏75، ص287.
  25. المجلسي، البحار: ج‏44، ص19.
  26. شريف مرتضى، تنزيه الأنبياء: ص170.
  27. ابن الأثير،الكامل في التاريخ: ج3، ص406.
  28. المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص10.
  29. الطبرسي، الإحتجاج: ج‏2، ص289.
  30. الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص576.
  31. الطبرسي، الإحتجاج، ج‏2، ص 291.
  32. الأربلي، كشف الغمة: ج‏1، ص571.
  33. الأربلي، كشف الغمة: ج‏1، ص523.
  34. شريف مرتضى، تنزيه الأنبياء: ص172.
  35. الطبرسي، الإحتجاج: ج‏1، ص282.
  36. ابن الأثير،الكامل في التاريخ: ج3، ص409.
  37. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص144-145.
  38. القرشي، حياة الحسن: ص35.
  39. المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص6.
  40. الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص574.
  41. الراوندي، الخرائج والجرائح: ج‏2، ص576.
  42. الدينوري، أخبار الطوال: ص220.
  43. ابن عربي، أحكام القرآن: ج3، ص152.
  44. راضي آل ياسين، صلح الحسن: ص170.
  45. راضي آل ياسين، صلح الحسن: ص177.
  46. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص407.
  47. المفيد،الإرشاد: ج‏2، ص10.
  48. المفيد، الإرشاد: ج‏2، ص9.
  49. الطبرسي، الإحتجاج: ج2، ص290.
  50. الأربلي، كشف ‏الغمة: ج1، ص542.
  51. راضي آل ياسين، صلح الحسن: ص192.
  52. القرشي، حياة الحسن: ص410-402.
  53. راضي ياسين، صلح الحسن: ص409.
  54. القرشي، حياة الحسن: ص555-554.
  55. الطبري، تاريخ الطبري: ص126.
  56. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3، ص405.
  57. القرشي، حياة الحسن: ص568.
  58. المفيد، الإرشاد: ص357.
  59. المفيد، الإرشاد: ج2، ص13.
  60. http://www.aqaed.com/faq/1157/
  61. http://www.aqaed.com/faq/1157/
  62. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص206. مركز نون للتأليف والترجمة، في رحاب سيرة أئمة أهل البيت  : ص60.
  63. آل ياسين، راضي، صلح الحسن: ص371. منشورات الشريف الرضي، قم، 1414 هـ.
  64. ابن حمدون، التذكرة الحمدونية: ج6، ص247.
  65. http://www.aqaed.com/faq/1157/
  66. راضي آل ياسين، صلح الإمام الحسن: ص32.

المصادر والمراجع

  • ابن حمدون، محمد بن الحسن بن محمد بن علي، التذكرة الحمدونية، تحقيق: إحسان عبّاس وبكر عبّاس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1996 م .
  • آل ياسين، راضي، صلح الحسن (ع)، منشورات الشريف الرضي، قم، ط1، 1414 هـ.
  • الأردبيلي، أحمد بن محمّد، كشف الغمة، الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت ، د م، 1426 هـ.
  • السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال، تاريخ الخلفاء، د.ن، د.م، د.ت.
  • الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، الأمالي، انتشارات كتابخانه اسلامي، د م، 1362 هـ.
  • الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، الأمالي، ترجمة: كمره اي، د.ن، د.م، 1363 هـ.
  • الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، عيون أخبار الرضا، ترجمه: علي أكبر غفاري، طبعة أختر شمال، د م، 1373 هـ.
  • الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، الإحتجاج، انتشارات أسوه، د م، 1413 هـ.
  • الطبري، محمد ابن جرير، تاريخ الطبري، موسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، د.ت.
  • العاملي، جعفر مرتضى، تحليلي از زندكي إمام حسن مجتبى، المترجم: سبهري، انتشارات دفتر تبليغات، د م، 1376 هـ.
  • القرشي، باقر شريف، الحياة السياسية للإمام الحسن، ترجمه: فخر الدين حجازي، انتشارات بعثت، د م، 1376 هـ.
  • القرص المبرمج جامع الأحاديث، مركز تحقيقات كامبيوتري علوم اسلامي نور، د م، د ت.
  • القرص المبرمج نورالسيرة 2، مركز تحقيقات كامبيوتري علوم اسلامي نور، د م، د ت.
  • المفيد، محمَّد بن محمَّد بن النعمان بن عبد السَّلام الحارثي المذحجي العكبري، الجمل، إصدار مكتب الإعلام الإسلامي، د م، 1371 هـ.
  • المفيد، محمَّد بن محمَّد بن النعمان بن عبد السَّلام الحارثي المذحجي العكبري، الإرشاد، ترجمة: خراساني، انتشارات علميه اسلاميه، د م، 1380 هـ.
  • اليعقوبي، محمد بن موسى بن محمد علي، تاريخ اليعقوبي، ترجمة: محمد ابراهيم آيتي، انتشارات علمي وفرهنكي، د م، 1362 هـ.
  • جعفر شهيدي، السيد جعفر، تاريخ تحليلي إسلام[التاريخ التحليلي للإسلام]، مركز نشر دانشكاهي، طهران، 1390 هـ.
  • راضي ياسين، صلح الحسن، ترجمة: السيد علي خامنئي، انتشارات كلشن، د م، ط11، 1378 هـ.
  • رسول جعفريان، حيات فكري وسياسي امامان شيعه(الحياة الفكرية والسياسية لأئمة الشيعة)، انتشارات انصاريان، د م، 1381 هـ.
  • مركز نون للتأليف والترجمة، في رحاب سيرة أئمة أهل البيت ، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، بيروت، 2014 م/ 1435 هـ.
  • مركز الأبحاث العقائدية