لَيلَةُ الهَرير هي إحدى ليالي حرب صفين. حدث فيها معركة شديدة بين جيش الإمام علي (ع) وجيش معاوية، وقتل العديد من الطرفين، وسميت بليلة الهرير لكثرة أصوات الجرحى فيها حتى الصباح. ولكثرة القتلى في هذه المعركة كانت الذريعة لـعمرو بن العاص؛ ليرفع المصحاف على الرماح، وهذا الأمر أيضا كان ذريعة لجماعة من جيش الإمام علي (ع) حتى يفروضوا قضية التحكيم على الإمام، وقد سميت في معركة القادسية ليلة باسم ليلة الهرير أيضا.

التعريف

"ليلة الهرير" هي ليلة من ليالي معركة صفين وكانت ليلة الجمعة الموافقة مع 11 صفر سنة 37 للهجرة،[١] ويرى البعض أنها حدثت الثلاثاء 10 ربيع الأول سنة 38 هـ.[٢]

الهرير في لغة هو صوت الكلب دون نباحه من قلة صبره على البرد،[٣] وذكر العلامة المجلسي عن سبب هذه التسمية: "وإنما سميت بليلة الهرير لكثرة أصوات الناس فيها للقتال، وقيل: لاضطرار معاوية وفزعه عند شدة الحرب واستيلاء أهل العراق كالكلب فإن الهرير أنين الكلب عند شدة البرد".[٤]

واستمر اقتتال الجيشين مثل الليلة التي مضت بالقتال الشديد والطعن والضرب، وورد أنّ في هذا اليوم كسفت الشمس، ومع كسوف الشمس أيضا لم يهدأ القتال حيث "ثَارَ الْقَتَامُ وَ ضَلَّتِ الْأَلْوِيَةُ وَ الرَّايَاتُ‌".[٥] ويروى أن هناك ليلة من ليالي معركة القادسية أيضا تسمى بليلة الهرير.[٦]

تفاصيل الأحداث

ليلة الهرير ليلة اشتد فيها القتال في معركة صفين بين جيش الإمام علي (ع) وجيش معاوية، وقُتل الكثير من الطرفين فيها. ويصف المنقري تلك الليلة قائلا: "زَحَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَارْتَمَوْا بِالنَّبَلِ وَ الْحِجَارَةِ حَتَّى فَنِيَتْ ثُمَّ تَطَاعَنُوا بِالرِّمَاحِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَ انْدَقَّتْ ثُمَّ مَشَى الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالسَّيْفِ وَ عُمُدِ الْحَدِيدِ فَلَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُ إِلَّا وَقْعَ الْحَدِيدِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ لَهُوَ أَشَدُّ هَوْلًا فِي صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ الصَّوَاعِقِ وَ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ يَدُكُّ بَعْضُهَا بَعْضاً"،[٧] ويصف ابن مسكوية تلك اليلة بالقول: "واقتتل الناس تلك الليلة كلها حتى الصباح حتى تقصّفت الرماح، ونفد النبل، وصار الناس إلى السيوف".[٨]

خطبة الإمام علي (ع)

خطب الإمام علي (ع) في ليلة الهرير في معسكره، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ بَلَغَ بِكُمُ الْأَمْرُ وَ بِعَدُوِّكُمْ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا آخِرُ نَفَسٍ وَ إِنَّ الْأُمُورَ إِذَا أَقْبَلَتْ اعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا وَ قَدْ صَبَرَ لَكُمُ الْقَوْمُ عَلَى غَيْرِ دِينٍ حَتَّى بَلَغْنَا مِنْهُمْ مَا بَلَغْنَا وَ أَنَا غَادٍ عَلَيْهِمْ بِالْغَدَاةِ أُحَاكِمُهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.[٩] ثم دعا الإمام بالنصر والغلبة لجيشه.[١٠]

خطبة الأشعث

وخطب الأشعث بن قيس أيضا ليلة الهرير، مبينا أنه غير جازع من استمرار الحرب، ولكن مواصلة الحرب ليست بصالح المجتمع، ومما ورد أنّه قال:
"يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَا قَدْ كَانَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا الْمَاضِي وَ مَا قَدْ فَنِيَ فِيهِ مِنْ الْعَرَبِ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ بَلَغَتْ مِنَ السِّنِّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَبْلُغَ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ قَطُّ أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ أَنَّا إِنْ نَحْنُ تَوَاقَفْنَا غَداً إِنَّهُ لِفَنَاءِ الْعَرَبِ وَ ضَيْعَةِ الْحُرُمَاتِ‌ أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ جَزَعاً مِنَ الْحَتْفِ وَ لَكِنِّي رَجُلٌ مُسِنٌّ أَخَافُ عَلَى النِّسَاءِ وَ الذَّرَارِيِّ غَداً إِذَا فَنِينَا.[١١]

فأثنى معاوية على الأشعث لهذه الخطبة، ونادى أهل الشام أهلَ الكوفة بمثل كلام الأشعث لحقن الدماء، حتى مهدت الأجواء ليقترح عمرو بن عاص أن ترفع المصاحف على الرماح، الأمر الذي انتهى بـقضية التحكيم.[١٢]

الهوامش

  1. البلاذري، أنساب‌ الأشراف، ج‌2، ص323.
  2. سبحاني، فروغ ولایت، ص577-578.
  3. ابن منظور، لسان‌ العرب، ج 5، ص260؛ الطريحي، مجمع البحرین، ج 3، ص 518.
  4. المجلسي، مرآة العقول،‌ ج 15، ص 427.
  5. المنقري، وقعة صفين، 1404هـ، ص479.
  6. الطبري، تاريخ الطبري، ج‌3، ص557 و ص561؛ ابن خلدون، تاريخ ‌ابن‌ خلدون، ج‌2، ص534.
  7. وقعة صفین‌، ص 475؛ سبط ابن الجوزي، سبط ابن الجوزي، تذکرة الخواص‌، ص 92.
  8. ابن مسكويه، تجارب‌ الأمم، ج‌1، ص535.
  9. المنقري، وقعة صفين، 1404هـ، ص477.
  10. المنقري، وقعة صفين،1404هـ، ص478.
  11. المنقري، وقعة صفين، 1404هـ، ص480.
  12. وقعة صفين، صص481-283.

المصادر والمراجع

  • ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، دیوان المبتدأ و الخبر فی تاریخ العرب و البربر و من عاصرهم من ذوی الشأن الأكبر، تحقيق: خلیل شحادة، بیروت، دار الفكر، ط الثانیة، 1408/1988.
  • ابن مسكویه، ابو علي، تجارب الأمم، تحقيق: أبو القاسم إمامي، تهران، سروش، ط الثانیة، 1379ش.
  • ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، تصحيح: میر دامادي، جمال الدین، دار الفكر للطباعة و النشر و التوزیع، بیروت، 1414ق، الطبعة الثالثة.
  • الإربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة، منشورات الشریف الرضي، قم، الطبعة اول، 1421 هـ.
  • البلاذري، أحمد بن یحیی بن جابر، أنساب الأشراف، تحقيق: سهیل زكار و ریاض زركلي، بیروت، دار الفكر، الطبعة الأولي، 1417 هـ.
  • جعفر سبحاني، فروغ ولایت، قم، انتشارات صحیفه، 1368ش.
  • سبط بن الجوزي، تذكره الخواص، قم، منشورات الشریف الرضي، الطبعة اول، 1418 هـ.
  • الطبري، محمد بن جریر، تاریخ الأمم و الملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهیم، بیروت، دار التراث، ط الثانیة، 1387 هـ.
  • الطریحي، فخر الدین بن محمد، مجمع البحرین، تصحيح: حسینی اشكوري، أحمد، مرتضوي، تهران، الطبعة الثالثة، 1375ش.
  • المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، مرآة العقول فی شرح أخبار آل الرسول، تصحيح: رسولی محلاتي، هاشم، دار الكتب الإسلامیة، تهران، 1404 هـ.
  • المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفین، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، القاهرة، المؤسسة العربیة الحدیثة، الطبعة الثانیة، 1382، افست قم، منشورات مكتبة المرعشی النجفي، 1404 هـ.