أصحاب الحديث

أصحاب الحديث، فئة من علماء أهل السنة في القرون الأولى من الإسلام كانت تُعنى بتعليم الأحاديث واتّباعها. وهذه الفئة على اختلاف المناهج اشتركت في الاعتماد على المصادر النقلية من الأحاديث والآثار كمرتكزات في دراسة المعارف الدينية، غير أن علماءها لم يتوحدوا في تعاطيهم مع الحديث من حيث الطرق والأساليب، مما يفرض التمييز بين أطيافهم عند الدراسة التاريخية للموضوع.

وأصحاب الحديث في معناهم العام وإن كانوا قد تناولوا مواضيع دينية مختلفة وخاضوا أبحاثاً في حقول شتى من الفقه والكلام وغير ذلك ودوّنوا حولها الكتب، لكنْ اشتهر أمرهم في تاريخ الثقافة الإسلامية كأحد تيارَي فقه أهل السنة الرئيسيين في القرون الأولى في مقابل أصحاب الرأي.

نشأ في بيئة أصحاب الحديث وأحضانها مذاهب إسلامية مختلفة، كما وكان بينهم وبين بعض التيارات الاجتماعية صلات واضحة، من ذلك انتماءات ولائية عُرِفت بين أوساطهم بالتشيع بشكل أو بآخر حُسِمت بنظرية أحمد بن حنبل السياسية في طاعة أئمة المسلمين كنظرية متلازمة لطريقة أهل السنة، كما أنهم خلّفوا بصمات واضحة على صعيد الأخلاق المتمثلة في الزهد المشهود على الصوفية الأوائل.

تاريخ المصطلح

المقالة الرئيسة: مصطلح أصحاب الحديث

يرجع مصطلح الحديث إلى العهود الأولى من تاريخ الإسلام، وقد أطلق في بدء استعماله في القرن الأول على كلام النبي (ص)، أمّا أصحاب الحديث كاصطلاح أُطلِق على فئة معينة فقد ظهر في الأدوار اللاحقة، واعتبر البعض أن المعنيّين بهذا الاصطلاح هم المخالفون للقياس والرأي، المكتفون باتباع الحديث وآراء الصحابة والتابعين. ويبدو أن هذا التعريف هو تعريف نمطي لا ينبغي تعميمه إلى كل الفئات المشتهرة بأصحاب الحديث، والإمعان في التاريخ يوصل إلى أن هذا المصطلح كان قد نشأ على خلفية التصادمات المذهبية بين الفرق الإسلامية.

فقه أصحاب الحديث

المقالة الرئيسة: فقه أصحاب الحديث

امتاز تيار أصحاب الحديث (بمعناه العام) من منتصف القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث ليكون أحد أهم التيارات الأصلية والمصيرية في أكثر الأدوار الفقهية تحولاً. ولكن ينبغي فصل المرحلتين المتقدمة والمتأخرة في دراسة المناهج الفقهية طوال هذه الفترة، والنظر إلى افتراقاتهم (المتبقّين من أصحاب الأثر وممثلي أصحاب الحديث في معناه الخاص) بنظر الاعتبار.

عقائد أصحاب الحديث

المقالة الرئيسة: عقائد أصحاب الحديث

كان الاعتماد على ظواهر النصوص العقائدية من الكتاب والسنة هو الاتجاه السائد بين المتقدمين من أصحاب الحديث ومتأخريهم بغض النظر عن التفاصيل.

يمكن القول إن الفارق الأساس بين فئات أصحاب الحديث المتنوعة هو اختلاف أوجه النظر حول المباحث السياسية - الاعتقادية المتعلقة بالإمامة والقيام بالسيف، وقلما وقع الخلاف بينهم في المباحث الكلامية المحضة كصفات الباري، والقدر، ومنزلة الفاسق.

أصحاب الحديث والأبحاث الكلامية

المقالة الرئيسة: أصحاب الحديث والأبحاث الكلامية

إن مشادات أصحاب الحديث الكلامية حول المسائل الخلافية كانت في معظم الأحيان مجرد رفع مسؤولية وبدوافع جدلية بحتة. وبما أن سلوك أصحاب الحديث مع المتكلمين والمسائل الكلامية لم يكن كلامياً، فإن تسمياتهم للفرق المخالفة لم تبتنِ على تصنيف ونظام طبقي متدارج في علم الملل، ولم يتعد كونها تصنيفاً نمطياً.

إن دراسة عينات متبقية من الأطر الجدلية المستخدمة من قبل متقدمي أصحاب الأثر تبيّن أن عقيدة الغالبية منهم كانت على نسق المتأخرين مبنيةً على قبول المعتقدات المأثورة والمنقولة عن السلف بشكل ملحوظ، مع التركيز الخاص على ألفاظها والاحتراز عن الانضمام إلى المدرسات الكلامية الحديثة أو حتى تقديم أي تحليل مستقل للتعابير المأثورة.

يمكن حصر أهم مواقف أصحاب الحديث الكلامية في الموضوعات التالية: موضوع القرآن و(خلقه أو قدمه أو ...)، وموضوع الإيمان، وموضوع صفات الباري.

المعارف الدينية الأخرى عند أصحاب الحديث

اعتنى أصحاب الحديث بمجموعة من المواضيع المؤثرة على الساحات العلمية والاجتماعية يمكن تلخيصها في المجالات الثلاثة التالية:

• الزهد والأخلاق

المقالة الرئيسة: أصحاب الحديث والزهد والأخلاق

كانت التعاليم الأخلاقية لأصحاب الحديث في معظم الأحوال على امتداد وخطى التعاليم المتداولة في زمانهم, إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مد متلاحم انطلاقاً من الكوفة حيث السفيان الثوري وتلامذته, إلى الشام والحجاز وخراسان مما أثر على تكوّن أولى حلقات الصوفية.

لقد سادت التآليف الأخلاقية البديعة للأوساط الحديثية في القرن الثالث والرابع جميع محافل الوعظ في العراق وسائر البلدان الإسلامية, غير أن نشاطها بدأ يخف ويتضائل إلى أدنى حد على مر القرون.

• القرآن وتفسيره وعلومه

المقالة الرئيسة: أصحاب الحديث والتفسير

يشكل التفسير كعلم الفقه أحد أقدم وأكثر الموضوعات التي اعتنى بها علماء أصحاب الحديث قرائةً وكتابةً, وذلك من مبدأ الاعتماد على المصادر النقلية. ولقد کان لأصحاب الحديث الى جنب الكمية الهائلة لتفاسيرها الروائية كتابات مستقلة في بعض الموضوعات القرآنية كأحكام القرآن والناسخ والمنسوخ.

• المدونات التاريخية

المقالة الرئيسة: أصحاب الحديث والمدونات التاريخية

لقد أبدى أصحاب الحديث عناية خاصة ببعض الأحداث التاريخية المعينة على هامش نشاطاتهم الأصلية رغم عدم كون ذلك من اشتغالاتهم الرئيسية. وفي كتابات أصحاب الحديث التاريخية المستقلة، كان الهدف هو تسجيل الوقائع الدينية عموماً، والمغازي والفتن خصوصاً.

ومخالفة بعض أصحاب الحديث الشديدة كأحمد بن حنبل للقسم الأخير ينم عن ارتباط ذلك بمبادئ عقائدية وسياسية مختلَفة عليها بينهم لم يصمد لها التصنيف حوله في الأجيال اللاحقة.