الإسراف

هذه الصفحة تخضع حاليًّا للتوسيع أو إعادة هيكلة جذريّة.
من ويكي شيعة
الأخلاق
الآيات الأخلاقية
آيات الإفكآية الأخوةآية الاسترجاعآية الإطعامآية النبأآية النجوىآية الأذن
الأحاديث الأخلاقية
حديث التقرب بالنوافلحديث مكارم الأخلاقحديث المعراجحديث جنود العقل وجنود الجهل
الفضائل الأخلاقية
التواضعالقناعةالسخاءكظم الغيظالإخلاصالحلمالزهدالشكر
الرذائل الأخلاقية
التكبرالحرصالحسدالكذبالغيبةالتبذيرالافتراءالبخلعقوق الوالدينحديث النفسالعجبالسمعةقطيعة الرحم
المصطلحات الأخلاقية
جهاد النفسالجهاد الأكبرالنفس اللوامةالنفس الأمارةالنفس المطمئنةالذنبالمحاسبةالمراقبةالمشارطة
علماء الأخلاق
محمد مهدي النراقيأحمد النراقيالسيد علي القاضيالسيد رضا بهاء الدينيالسيد عبد الحسين دستغيبالشيخ محمد تقي بهجت
المصادر الأخلاقية
القرآن الكريمنهج البلاغةمصباح الشريعةمكارم الأخلاقالمحجة البيضاءمجموعه ورامجامع السعاداتمعراج السعادةالمراقبات


الإسراف التجاوز عن حد الاعتدال والميل نحو الإفراط أو التفريط. وهو من المباحث القرآنية، والفقهية، والأخلاقية، وقد وردت حرمته في الآيات والأحاديث. فالبعض يرى أن حرمته من الضرورات الدينية، والبعض الآخر يعتبره من الذنوب الكبيرة. وقد ورد أن من أسباب الإسراف عبادة الشهوة، والغفلة عن ذكر الله، والتكبر، والعجب، والأنانية. بحسب الآيات القرآن والأحاديث توجد أنواع مختلفة للإسراف، ولكل نوع منه آثار ضارة، مثل العذاب الإلهي، وذهاب البركة، ورد الدعاء.

لِلْمُسْرِفِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ يَشْتَرِي مَا لَيْسَ لَهُ وَيَلْبَسُ مَا لَيْسَ لَهُ وَيَأْكُلُ مَا لَيْسَ لَهُ.[١]

المفهوم

يُطلق الإسراف على كل تجاوز عن حد الاعتدال والميل نحو الإفراط أو التفريط.[٢] وذكر البعض إن الإسراف ربما يكون بالإفراط والتقصير، فإذا جاءت الكلمة من «أسرف» فهذا في جانب الإفراط، وإذا «سرف» في جانب التقصير فقط.[٣] وبطبيعة الحال فإنَّ هذه الكلمة لا تشمل التقصير في حد الاعتدال في جميع الموارد، وتشمل في أكثر الأحيان الإفراط، لذلك اعتبرها الكثيرون مرادفة للإفراط، ومضادة للتقصير و«التقتير»،[٤] بمعنى التضييق والبخل.[٥]

الحد الوسط في الإسراف

ومفهوم الحد الوسط أو الاعتدال الذي له طرفان الإفراط والتفريط، هو مفهوم نسبي يختلف باختلاف الأشخاص، والزمان والمكان، حيث ذكر الفقهاء أن كل عمل له غرض عقلائي لا يُعد من الإسراف؛ بمعنى أنه ليس هناك مصداق للخروج عن حد الاعتدال،[٦] كما أن الإسراف من وجهة نظر العقلاء هو إنفاق المال في غير محله.[٧] وفي رواية عن الإمام الصادق يُبين فيها القاعدة العامة للإسراف، حيث اعتبر أن أي عمل فيه فائدة لصحة الإنسان ليس من الإسراف، وأي عمل يؤدي إلى ضياع المال وإضرار البدن فهو من الإسراف.[٨]

حكم الإسراف

يُعد الإسراف من المحرمات،[٩] وقد اعتبر البعض حرمته من ضروريات الدين،[١٠] واعتبره البعض الآخر من الذنوب الكبيرة.[١١] لم يُذكر بحث الإسراف بشكل مستقل في أغلب الكتب الفقهية، ولكن تم ذكر المواضيع التي تتعلق به من ضمن المباحث الفقهية الأخرى كباب العبادات، والعقود، والإيقاعات والأحكام في بعض الأحيان. وبطبيعة الحال، فقد كتب البعض رسالة مستقلة في هذا الصدد، وبحثوا فيها الإسراف من جوانبه المختلفة.[١٢]

في القرآن

وردت كلمة الإسراف ومشتقاتها في القرآن 23 مرة.[١٣] كما أن كلمة تبذير في اللغة بمعنى إضاعة الأموال، وردت مع مشتقاتها ثلاث مرات وفي آيتين من القرآن،[١٤] وهذا المعنى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإسراف.[١٥]

الفرق بين الإسراف والتبذير

  1. الإسراف مفهوم واسع ويشمل أي انحراف (عقائدي، أخلاقي، اجتماعي، اقتصادي، وغيرها)،[١٦] ولكن يتم استخدام التبذير في الغالب في الأمور المالية والاقتصادية،[١٧] ونادرًا في موارد أخرى.[١٨]
  2. الإسراف يُطلق أحيانًا حول الإسراف في فعل المباح؛ كالإسراف في الأكل وهو جائز بقدر الحاجة، بل مطلوب، وأحيانًا فيما يتعلق بالاستهلاك غير السليم وغير المناسب، ولو كان قليلاً، كرمي الطعام الذي لا يجوز ولو بمقدار قليل.[١٩] ولذلك يمكن اعتبار مصاديقه على نوعين كمّية وكيفية، ولكن التبذير غالبا ما يتحقق بشكل كيفي ويتحقق في مصاريف غير مناسبة، مثلًا إعطاء الشخص المال حتى يرتكب به الحرام.[٢٠] التبذير على خلاف الإسراف، لم يستخدم للتعبير عن الإفراط في الإنفاق بالخيرات.[٢١] وعلى هذا الأساس اعتبر الإمام الصادق التبذير من الإسراف،[٢٢] والإسراف بسبب التبذير يُعتبر أقبح من الإسراف الآخر.[٢٣]
قال تعالى:

وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا.[٢٤]

القوِام مقابل الإسراف

كما وردت كلمة القوام في القرآن بمعنى (الحد الوسط والاعتدال)،[٢٥] وهو حد الإسراف ويتم تحديد ذلك على عهدة العقل، والشرع، أو العرف؛[٢٦] لأن الإسراف يرتبط دائمًا بنوع من الإفراط وأحيانًا بالتقصير، وفي جميع مصاديقه يكون ظاهرًا في شكل من أشكال العصيان للأوامر الإلهية،[٢٧] فهو يرتبط بشكل مباشر بالفساد؛[٢٨] لأن حصول الخلل وعدم التوازن في أي أمر يؤدي إلى فساده.[٢٩] وعلى هذا الأساس يُعتبر الإسراف الذي يهدم جميع ما يمتلكه الإنسان، هو نفس السرفة (دودة تأكل الأشجار وتعفنها من الداخل).[٣٠]

عوامل الإسراف وجذوره

ولكل نوع من أنواع الإسراف عوامل وجذور قد نشأ منها:

عبادة الشهوة

ويعتبر القرآن، ومن خلال ما ورد على لسان النبي لوط،[٣١] أن الشهوة هي سبب ميل قوم لوط إلى الإسراف الأخلاقي. وأيضًا ما ورد في الآية 28 من سورة الكهف من نهي النبي عن طاعة المفرطين،[٣٢] الذين يتبعون أهوائهم.[٣٣]

الغفلة عن ذكر الله

تعتبر الآية 28 من سورة الكهف المفرطين هم الذين غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى.[٣٤]

روحية الجحود وكفران النعمة

قال تعالى:

وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.[٣٥]

بعدما نهى الله تعالى في الآية 26 ـ 27 من سورة الإسراء عن التبذير، وبيان أن المبذرين أخوان الشياطين، يقول الله تعالى بعد ذلك: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا.[٣٦]

التكبر، والاستبداد، والاستعمار، والهيمنة

وقد وصف الله تعالى فرعون في الآية 83 من سورة يونس، والآية 31 من سورة الدخان أنَّه من المسرفين، وكذلك ما ورد على لسان بلقيس ملكة قوم سبأ حول الملوك في الآية 34 من سورة النمل: أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وأذلوا سكانها. ومن خلال المقارنة بين هذه الآية والآيات التي تتحدث عن فرعون، تؤسس لنوع من العلاقة المتبادلة بين الفساد الاجتماعي والإسراف.[٣٧]

العجب والأنانية

ورد في الآية 12 من سورة يونس ورد فيها ذكر قوم أنهم في حال الضر يدعون الله تعالى لكشف ضرهم، وحينما يكشف الله تعالى عنهم الضر ينسون فضل الله عليهم، يقول الله تعالى عن هؤلاء: أنهم المسرفون الذين زُنيت لهم أعمالهم، فلا يدركون قبحها.[٣٨]

العوامل الأخرى

وبالإضافة إلى العوامل المذكورة أعلاه، فإن التقليد، والوسواس، وتربية الأسرة، والشعور بالحقارة، وتحقير الذات، والحصول على الثروة، من دون التحلي بالأخلاق الدينية يمكن اعتبارها من عوامل الإسراف.[٣٩]

أنواع الإسراف

ومفهوم الإسراف في القرآن له مصاديق متعددة، تدل جميعها على تجاوز حد الاعتدال:

عقائدي

وقد اعتبرت بعض الآيات،[٤٠] إن إنكار الله تعالى والأنبياء، والشرك بالله، وعبادة الأصنام، وعدم الإيمان بالآيات الإلهية كلها من مصاديق الإسراف، والسبب في العديد من الصعوبات في الحياة الدنيا، ومن عوامل عمى الإنسان في الآخرة ووقوعه في العذاب الأليم الدائم.[٤١] تصف الآيات الافتتاحية لسورة الأنبياء أيضًا المسرفين بأنهم أعداء الأنبياء عبر التاريخ وظالمين، وتشير إلى نهايتهم الكارثية.

الأخلاقي والسلوكي

إن ارتكاب المعاصي، والميل إلى الأمور المادية، وقطع العلاقة مع الله تجعل الإنسان ينحرف عن طريق الحق، ويدخل في إحدى منازل الإسراف المظلمة.[٤٢] وذكر البعض أن الاهتمام الزائد بالأمور غير المهمة، كالمسائل التي تتعلق في الدنيا مقابل الأمور التي تتعلق بالآخرة، وإعطاء الأصل للدنيا أمام الله تعالى، هو نوع من أنواع الإسراف، كالذي يُضيع رأس ماله الباهظ على شيء لا قيمة له.[٤٣] ومن مصاديق الإسراف الأخرى في المسائل الأخلاقية هو الانحراف الجنسي.[٤٤] وكان قوم لوط أول من أعرض عن النساء ولجأ إلى اللواط، وفي الآية80 - 81 من سورة الأعراف، اعتبرهم النبي لوط من المسرفين ونهاهم عن ارتكاب هذا الفعل القبيح.[٤٥] كما أن أي سلوك خاطئ وخارج عن حد الاعتدال يعتبر إسرافًا في ثقافة القرآن.[٤٦]

الاجتماعي

آية «وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (31 سورة الأعراف) على نقش في مسجد كوهرشادفي حرم الإمام الرضا (ع)

فالطغيان، والاستبداد، والاستكبار، والاستغلال، وسفك الدماء، والظلم، وأي فساد اجتماعي من المصاديق الواضحة للإسراف.[٤٧] لقد نهى الله تعالى في الآية 32 من سورة المائدة ـ بعد النزاع الذي حصل بين هابيل وقابيل، وأدى إلى تحقيق أول فساد على الأرض ـ بني إسرائيل عن سفك الدماء بغير حق والإفساد في الأرض، وعبر عن إفسادهم الاجتماعي على أنَّه من الإسراف. [٤٨]

القضائي والجنائي

وفقا للقرآن، يجب أن تكون عقوبة المجرم عادلة ومساوية لجريمته.[٤٩] ولقد حرم الله تعالى في الآية 33 من سورة الإسراء قتل الأبرياء، وفي حال حدوث القتل، جعل الله تعالى لولي المقتول حق القصاص، ولكنه نهى تعالى عن الإسراف في حال تنفيذ حكم القصاص: ﴿فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ويشمل الإسراف في تنفيذ حكم القصاص هذه الموارد:

  • قتل غير القاتل[٥٠]
  • قتل أكثر من شخص مقابل كل جريمة قتل،[٥١] إلا في حال مشاركة عدة أشخاص فيها[٥٢]
  • المُثلة وقطع أعضاء من جسد القاتل بعد القصاص[٥٣]
  • قتل القاتل قبل صدور حكم القاضي[٥٤]
  • قتل القاتل بطريقة أشد إيلاما من قتل المقتول[٥٥]
  • قتل القاتل بعد العفو عنه من قبل ولي المقتول، وأخذ الفدية منه.[٥٦]

وقد يأتي الإسراف في الحكم أو القضاء الجائرة، الذي يكون أحيانا مبني على الأكاذيب. وفي الآية 28 من سورة غافر، يُشير مؤمن آل فرعون إلى إسراف الفراعنة في الحكم قبل إسرافهم في الاعتقاد.[٥٧] وبعد صدور الحكم بالإعدام على موسى، خاطب الفراعنة وقال: أتريدون أن تقتلوا رجلاً بسبب إعتقاده بالله الواحد وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟... فالله لا يهدي كل مسرف كذاب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ‌ كما اعتبر البعض قول مؤمن فرعون عن موسى، أنَّه إذا كان يريد حقًا نشر الإسراف والفساد في المجتمع بادعائه النبوة كذبًا، فاعلموا أن الله لا يؤيد المسرفين الكذابين أبداً بمختلف المعجزات، ولا يوفقهم وهم في طريق الضلال.[٥٨] وكذلك يُستخدم هذا النوع من الإسراف كمصداق من مصاديق الإسراف الاجتماعي.

عن أمير المؤمنينعليه السلام، لمّا عوتب على تصييره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل إلى السابقات والشرف:

أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْه! واللَّه لَا أَطُورُ بِه مَا سَمَرَ سَمِيرٌ، ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً، لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّه، أَلَا وإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّه تَبْذِيرٌ وإِسْرَافٌ، وهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَه فِي الدُّنْيَا، ويَضَعُه فِي الآخِرَةِ، ويُكْرِمُه فِي النَّاسِ ويُهِينُه عِنْدَ اللَّه، ولَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَه فِي غَيْرِ حَقِّه ولَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِه، إِلَّا حَرَمَه اللَّه شُكْرَهُمْ، وكَانَ لِغَيْرِه وُدُّهُمْ، فَإِنْ زَلَّتْ بِه النَّعْلُ يَوْماً، فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ، وأَلأَمُ خَدِينٍ.[٥٩]

الاقتصادي

وهذا النوع من الإسراف له مصاديق مختلفة:

الإسراف في المصرف

الإسراف في المصرف هو أحد الأنواع التالية:

  1. تلف وضياع أي شيء صالح للاستعمال.[٦٠]
  2. دون استخدام أي رأس مال.[٦١]
  3. استهلاك الأشياء بطريقة لا تجلب أي فائدة مادية أو معنوية.
  4. مصرف ما يزيد على مقدار الدخل فيما ليس من شأنه أو ما لا يليق به؛ كشراء وسائل الزينة لمن لا يستطيع أن ينفق على نفسه؛[٦٢] لذلك أطلق الإمام الصادق على من مد يده إلى الآخرين بإنفاقه أكثر من دخله مُسرف.[٦٣]
  5. المصرف الذي يتجاوز الحد وأكثر من الحاجة؛ مثل شراء عدة منازل، أو الإفراط في تناول الطعام.[٦٤]

وبالإضافة إلى هذه الموارد، فإن أي إنفاق لرأس المال في طريق المعصية،[٦٥] أو في إشباع الشهوات من خلال تلبية الحاجات الجسدية، يُعتبر أيضًا من الناحية الدينية من مصاديق الإسراف.[٦٦] وأما ما ورد في بعض الروايات أنَّه لا إسراف في الطيب، والضوء، والحج، والعمرة، والمأكول والمشروب، فليس المراد نفي حرمة الإسراف فيها، بل المراد أنّ الإكثار في هذه الأمور مطلوب، والتجاوز عن الحد فيها معفو.[٦٧] والإسلاف حتى لو كان قليلًا جدًا، ولكنه فيه ضرر على الإنسان فهو حرام،[٦٨] وحكم «إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» يشمل أيضًا الأشخاص الذين لهم دور في أن يسرف الآخرين.[٦٩]

الإسراف في حقوق الآخرين

إن التجاوز على حقوق الآخرين في الحقوق العامة والخاصة هو أحد المصاديق الواضحة للإسراف الاقتصادي:

الحقوق العامة

لقد أمر الله تعالى في الآية 26 ـ 27 من سورة الإسراء بإعطاء جزء من المال العام لأقارب النبي والفقراء وابن السبيل. ثم نهى عن التبذير وسمى المبذرين إخوان الشياطين، وذكر كفر الشيطان. وقد ذكر المفسرون في هذه الآية عدة مصاديق للتبذير: توزيع الأموال في طريق الباطل،[٧٠] والمعصية والفساد، وإنفاق الأموال للرياء والمفاخرة،[٧١] وبشكل غير عادل،[٧٢] ودون مراعاة المصالح والمنافع،[٧٣] وبشكل عام على أي طريقة في التوزيع، تؤدي إلى مخالفة أوامر الله تعالى،[٧٤] وإتلاف الممتلكات.[٧٥] ولا تنحصر حرمة التبذير في الأموال العامة، بل يمكن أن تُعمم الآية المذكورة على أي موارد أخرى متشابهة، فمن أعطى أمواله بطريقة خاطئة أو بشكل غير لائق إلى الآخرين فهو مبذر.[٧٦] وقد اعتبر بعض فقهاء السنة، وبالاستناد على هذه الآية المذكورة، بلزوم الحجر على المبذر (منعه من إنفاق أمواله بالتبذير)؛ إلا أن أبا حنيفة لا يرى جواز الحجر عليه؛ لأن التكليف لا يسقط عنه،[٧٧] وقد اعتبر الله تعالى المسرف في هذه الآية تابع للشيطان وشريك له في الفساد بالأرض، ومع الشيطان في نار جهنم؛ وذلك بسبب كفر النعم وعدم الشكر لله تعالى.[٧٨]

الحقوق العامة

وفي الآية 6 من سورة النساء، يُعتبر التصرف غير المشروع في أموال اليتيم إسرافًا، ويحرم على ولي اليتيم ما يلي: استعمال مال اليتيم في غير حاجة، واستعماله فوق حد الحاجة، واستعمال ما يزيد على الأجر في رعاية اليتيم، والمنع من دفع مال اليتيم إليه، خوفًا من أن يمنع الولي من الاستمرار في الانتفاع به.[٧٩] ومن ناحية أخرى، فقد أجاز الله تعالى للولي الفقير الاستفادة من مال اليتيم بشكل صحيح وعادل.[٨٠]

الإسراف في الإنفاق

ويصف الله تعالى عباده في الآية 67 من سورة الفرقان: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، والمقصود من التقتير في الإنفاق هو البخل، وعدم أداء الحقوق التي أوجبها الله تعالى إلى مستحقيها.[٨١] وفي ما هو المقصود من الإسراف في الإنفاق يوجد أقوال وهي عبارة عن:

  1. الإنفاق في طريق المعصية والذنوب.[٨٢]
  2. الإنفاق من أجل الرياء والتفاخر.[٨٣]
  3. الإنفاق أكثر من الحد، بحيث يعجز الإنسان عن القيام بواجباته الأخرى.[٨٤]

ولا تعارض بين النهي عن الإسراف في موارد الخير، وبين الأمر بالإنفاق والإيثار؛ لأنَّ مصداق الإسراف في موارد الخير أن يغفل الإنسان عن الاهتمام بأمر آخر مهم بسبب كثرة عمل الخير، العمل الصالح، أو يعمل ذلك الخير خلاف ما يريده الله تعالى، وعلى هذا الأساس فقد ورد عن رسول الله: من أعطى في غير حق فقد أسرف، ومن منع عن حق فقد قتر.[٨٥] ولذلك اعتبر رسول الله الإسراف في الإنفاق بمنزلة الاجحاف في دفع المقدار الواجب.[٨٦]

آثار الإسراف

الإسراف بكافة أنواعه مخالف للسنن الإلهية في العالم؛ لأنَّ الإخلال بحالة الاعتدال يؤدي إلى الفساد في مختلف مجالات الحياة.[٨٧] ومن آثار الإسراف ما يلي:

  • بناءً على قول الإمام الصادق فإنَّ دعاء المسرفين لا يُقبل عند الله تعالى[٨٨]
  • يؤدي إلى حرمان الإنسان من محبة الله،[٨٩] وكذلك يؤدي إلى ضعف الإنسان ويمنعه من تحقيق النجاح في مختلف مجالات الحياة[٩٠]
  • الاستمرار في الإسراف يجعل ملكة عدم الشكر وكفر النعم تترسخ في الإنسان[٩١]
  • حرمان الإنسان من الهداية الإلهية[٩٢]
  • أحياناً يؤدي إلى كفر الإنسان الاعتقادي والأخلاقي[٩٣]
  • يؤدي إلى حلول العذاب الإلهي، وفي الأخرة يتسبب أيضًا في عذاب الإنسان في نار جهنم[٩٤]
  • يؤدي الإسراف إلى هدر في موارد الثروة، وكذلك التعدي على حقوق الآخرين، وانتهاك الرفاهية العامة للمجتمع[٩٥]
  • اعتبر الإمام الصادق الإسراف سببًا في نقصان البركة،[٩٦] والفقر نتيجة الإسراف، والغنى نتيجة رعاية الاقتصاد[٩٧]
  • بالإضافة إلى كل هذه الموارد فإن الإسراف، وخاصة في جانبه الاقتصادي، يعرض صحة الإنسان الجسدية والنفسية للخطر.[٩٨]

الهوامش

  1. الصدوق، الخصال، ج1، ص121.
  2. الطبرسي، مجمع البيان، ج3، ص19؛ الآلوسي، روح المعاني، ج2، ص418.
  3. الطبري، جامع البيان، ج7، ص579.
  4. سورة الفرقان، الآية67.
  5. الطوسي، التبيان، ج3، ص12؛ الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج24؛ ص482.
  6. البروجردي، المستند في شرح العروة الوثقى، ج2، ص239.
  7. النراقي، عوائد الأيام، ص635.
  8. الكليني، الكافي، ج6، ص499.
  9. ابن إدريس، السرائر، ج1، ص440.
  10. النراقي، عوائد الأيام، ص635.
  11. النجفي، جواهر الكلام، ج13، ص313، ج13، ص320.
  12. النراقي، عوائد الأيام، ص635.
  13. الروحاني، المعجم الإحصائي، ج1، ص454؛ ابن منظور، لسان العرب، ج9، ص149.
  14. سورة الإسراء، الآية 26 ـ 27.
  15. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج20، ص193.
  16. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج9، ص28؛ رشيد رضا، تفسير المنار، ج8، ص385.
  17. الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص40.
  18. صادقي الطهراني، الفرقان، ج15، ص165.
  19. القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، ج3، ص51، ج7، ص123 ـ 125؛ العسكري، الفروق اللغوية، ص115.
  20. الطبرسي، مجمع البحرين، ج1، ص170؛ صادقي الطهراني، الفرقان، ج15، ص165؛ الآلوسي، روح المعاني، ج8، ص62.
  21. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج15، ص79.
  22. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص46؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص302.
  23. العسكري، الفروق اللغوية، ص115؛ الآلوسي، روح المعاني، ج8، ص62.
  24. سورة الفرقان، الآية67.
  25. سورة الفرقان، الآية67.
  26. رشيد رضا، تفسير المنار، ج6، ص351.
  27. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج11، ص430؛ السيوطي، الدر المنثور، ج3، ص369.
  28. سورة الشعراء، الآية 152 ـ 121؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج11، ص430.
  29. رشيد رضا، تفسير المنار، ج6، ص352؛ صادقي الطهراني، الفرقان، ج15، ص169؛ الطباطبائي، الميزان، ج15، ص306.
  30. ابن منظور، لسان العرب، ج9، ص150؛ الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص231؛ رشيد رضا، تفسير المنار، ج6، ص351.
  31. سورة الأعراف، الآية81؛ سورة النمل الآية55.
  32. سورة الكهف، الآية28.
  33. هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما، ج6، ص108.
  34. سورة الكهف، الآية28.
  35. سورة يونس، الآية12.
  36. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج15، ص81.
  37. هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما، ج7، ص523.
  38. هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما، ج7، ص391.
  39. الموسوي الكشميري، پژوهشى در اسراف، ص87 ـ 103.
  40. سورة طه، الآية124 ـ 127؛ سورة غافر، الآية 34 ـ 35.
  41. الطبري، جامع البيان، ج24، ص87؛ الطبرسي، مجمع البيان، ج3، ص290، ج9، ص61؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج11، ص430.
  42. الدامغاني، قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، ص236 ـ 237.
  43. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج17، ص52 ـ 53.
  44. الطبرسي، مجمع البيان، ج4، ص299.
  45. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج28، ص218.
  46. هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما، ج3، ص104.
  47. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج11، ص430.
  48. دانشنامه موضوعی قرآنبررسی ظرافت‌های بلاغی تربیتی آیه 32 سوره مائده در پیشگیری از وقوع جرم قتل عمد.
  49. الدامغاني، قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، ص236.
  50. الكليني، الكافي، ج7، ص371؛ الماوردي، تفسير الماوردي، ج3، ص241.
  51. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج2، ص302؛ السيوطي، الدر المنثور، ج5، ص282.
  52. العياشي، تفسير العياشي، ج2، ص291.
  53. الطبري، جامع البيان، ج15، ص105 ـ 106؛ الكليني، الكافي، ج7، ص371.
  54. السيوطي، الدر المنثور، ج5، ص284.
  55. السيوطي، الدر المنثور، ج5، ص283.
  56. الماوردي، تفسير الماوردي، ج3، ص241.
  57. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج11، ص430.
  58. مفاهيم أخلاقي، ص356 ـ 357.
  59. الشريف الرضي، نهج البلاغة، الخطبة 126.
  60. النراقي، عوائد الأيام، ص633 ـ 635؛ السيوطي، الدر المنثور، ج3، ص444.
  61. النراقي، عوائد الأيام، ص633 ـ 635.
  62. النراقي، عوائد الأيام، ص633 ـ 635؛ السيوطي، الدر المنثور، ج3، ص444.
  63. العياشي، تفسير العياشي، ج2، ص13.
  64. النراقي، عوائد الأيام، ص633 ـ 635؛ السيوطي، الدر المنثور، ج3، ص444.
  65. الطبرسي، مجمع البيان، ج4، ص178؛ السيوطي، الدر المنثور، ج3، ص444؛ رشيد رضا، تفسير المنار، ج8، ص138.
  66. السيوطي، الدر المنثور، ج3، ص444؛ ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج8، ص124.
  67. النراقي، عوائد الأيام، ص636 ـ 637.
  68. القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، ج3، ص52.
  69. صادقي الطهراني، ج8ـ9، ص85.
  70. الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، ج15، ص95.
  71. الميبدي، كشف الأسرار، ج5، ص544.
  72. الطبري، جامع البيان، ج15، ص95.
  73. الطبرسي، مجمع البيان، ج4، ص178؛ الطباطبائي، الميزان، ج13، ص82.
  74. القمي، تفسير القمي، ج2، ص18.
  75. الفخر الرزاي، التفسير الكبير، ج20، ص193 ـ 194.
  76. القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، ج10، ص161.
  77. القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، ج10، ص162.
  78. الطبرسي، مجمع البيان، ج6، ص244؛ القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، ج10، ص162.
  79. الطبرسي، مجمع البيان، ج3، ص19؛ الطباطبائي، الميزان، ج4، ص173.
  80. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج9، ص190؛ القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، ج5، ص28.
  81. الطبري، جامع البيان، ج19، ص48؛ السيوطي، الدر المنثور، ج6، ص275.
  82. القمي، تفسير القمي، ج2، ص117؛ الماوردي، تفسير الماوردي، ج4، ص155؛ الدامغاني، قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، ص236.
  83. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج24، ص109؛ السيوطي، الدر المنثور، ج3، ص444.
  84. الطبري، جامع البيان، ج19، ص48.
  85. الطبرسي، مجمع البيان، ج7، ص311.
  86. الماوردي، تفسير الماوردي، ج2، ص178.
  87. رشيد رضا، تفسير المنار، ج8، ص384.
  88. الكليني، الكافي، ج4، ص56.
  89. سورة الأعراف، الآية31؛ سورة الأنعام، الآية141.
  90. هاشمي رفسنجاني، تفیسر راهنما، ج3، ص104؛ ج7، ص391.
  91. سورة الإسراء، الآية27.
  92. سورة غافر، الآية28.
  93. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج15، ص81.
  94. الطباطبائي، الميزان، ج15، ص306 ـ 307؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج8، ص458؛ سورة الأنبياء، الآية3 ـ 9؛ سورة غافر، الآية41 ـ 45؛ سورة يس، الآية 13 ـ 19؛ سورة الذاريات، الآية32 ـ 34.
  95. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج15، ص79.
  96. الكليني، الكافي، ج4، ص57.
  97. النراقي، عوائد الأيام، ص618؛ الكليني، الكافي، ج4، ص53.
  98. رشيد رضا، تفسير المنار، ج8، ص384؛ صادقي الطهراني، الفرقان، ج8ـ9، ص84.

المصادر والمراجع