النعمة

الكتابة بيد الخطاط التركي حامد الآمدي، وهي بخط الثلث الجلي
النعمة، هي المواهب المادية والمعنوية التي ينعم الله بها على الإنسان، وقد أكدت النصوص الدينية كثرة النعم وعدم إمكانية إحصائها، وكذلك على عجز الإنسان عن شكرها.
يدعو القرآن المؤمنين إلى تذكر نعم الله واجتناب كُفرانها، حيث يؤدي كفران النعمة الذي قد يظهر في الجوانب القلبية أو اللسانية أو العملية إلى عواقب مثل زوال النعمة، والعذاب الأخروي، وعدم استجابة الدعاء.
تنقسم النعم إلى قسمين: دنيوية وأخروية. فمن أمثلة هذه النعم: الخلق، والهداية، وجمال الوجه، والأمن، كما عُدّت ولاية أهل البيت
أعظم النعم الإلهية. وقد تكون النعم الدنيوية وسيلة للابتلاء الإلهي. وإذا لم تُقرن بـالشكر والاستخدام الصحيح، فقد تكون علامة على سخط الله وسببًا في غفلة الإنسان.
مفهوم النعمة
النعمة تعني الرزق والمال وغير ذلك مما وهبه الله للإنسان.[١] ووفقًا لما ذكره ابن منظور في لسان العرب، فإنّ النعمة الإلهية هي المواهب التي لا تُمنح إلا من قبل الله، مثل العين والأذن، حيث لا يستطيع أي مخلوق منحها.[٢]
وأشارت الروايات إلى استحالة إحصاء النعم[٣] وعجز الإنسان عن شكرها.[٤]
مصاديق النعم وأنواعها
يذكر العلامة الطباطبائي، مستندًا إلى الآية ١٨ من سورة النحل، أنّ الكون كله مجموعة من النعم الإلهية التي لا يمكن للإنسان إحصاؤها بالكامل.[٥] وفي رواية وردت في "أمالي الشيخ الطوسي"، يشير الإمام علي
إلى نعم الله مثل الحياة، وجمال الوجه، وتناسب الأعضاء، وقوة الإدراك، والهداية، وتسخير السماوات والأرض.[٦]
نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا فاز من فاز.
النعم المادية والمعنوية
- النعم المادية: مثل الخَلق، والأسرة، والأمن
- النعم المعنوية: مثل الولاية والتوحيد.[٧] ووفقًا للروايات الشيعية، فإنّ ولاية أهل البيت
هي أعظم نعمة إلهية[٨]
النعم الدنيوية والأخروية
- النعم الدنيوية: مثل خَلق الإنسان، والنباتات، والأرض، والسماء
- النعم الأخروية: مثل الجنات، والعيون، والفواكه، والزوجات الحسان المطهّرات في الجنة[٩]
شكر النعمة وكفرانها
دعا القرآن الكريم المؤمنين بتعبيرات من قبل: ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ﴾ و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ إلى تذكّر نعم الله،[١٠] وذمّ كفران النعمة في آيات القرآن، مع تأكيد شكرها.[١١]
ويذكر ناصر مكارم الشيرازي، المفسر الشيعي، أنّ كفران النعمة يتحقق بثلاث طرق: «استصغارها في القلب، وإهمالها في القول، واستخدامها في طريق الباطل».[١٢] وورد في النصوص الدينية عواقب لكفران النعمة، منها: عدم معرفة الله، وزوال النعمة، والهلاك، وعذاب الآخرة، والاستدراج، وإثارة الحسد،[١٣] وإغلاق أبواب الخير،[١٤] وتعجيل العقوبة في الدنيا،[١٥] وعدم استجابة الدعاء،[١٦] وضغطة القبر.[١٧]
الابتلاء الإلهي بوفرة النعم
بناء على الآية ١٥ من سورة الفجر، فإنّ وفرة النعم ليست بالضرورة دليلًا على قرب العبد من الله، بل قد تكون وسيلة لاختباره.[١٨] ويؤكد العلامة المجلسي -مستندًا إلى رواية عن الإمام الصادق
- أن التمسّك بالدين والإيمان هو علامة محبة الله، أما المال والمنصب فلا يدلان بمفردهما على رضا الله،[١٩]
وقد ورد أن بعض آيات القرآن تشير إلى أنّ وفرة النعم للعصاة هي نوع من العذاب التدريجي،[٢٠] ووفقًا لرواية عن الإمام السادس
، فإنها تسبّب غفلتهم عن الاستغفار.[٢١] ويقول مرتضى مطهري إنّ وفرة النعم إذا اقترنت بالشكر والاستخدام الصحيح، فقد تكون علامة على رحمة الله، وليس على عذاب الاستدراج.[٢٢]
الهوامش
- ↑ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص446.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج12، ص580.
- ↑ الطوسي، الأمالي، ص492.
- ↑ مصباح، سجّاده سلوك، ج1، ص412-435.
- ↑ الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، ج12، ص60.
- ↑ الطوسي، الأمالي، ص492.
- ↑ مصطفوي زاده، بررسي واژه نعمت از منظر تأويل در قرآن وروايات معصومين، ص25.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج24، ص48؛ مكارم الشيرازي، پيام قرآن، ج6، ص387.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج17، ص349.
- ↑ سورة الأعراف، الآية 74؛ سورة الأحزاب، الآية 9.
- ↑ انظر: سورة البقرة، الآية 152؛ سورة إبراهيم، الآية 7؛ سورة النمل، الآية 40؛ سورة لقمان، الآية 12؛ سورة سبأ، الآيات 15-17؛ سورة النحل، الآية 112.
- ↑ مكارم الشيرازي، أخلاق در قرآن، ص60.
- ↑ مصباح الشريعة، ص104.
- ↑ الكُليني، الكافي، ج4، ص33.
- ↑ المفيد، الأمالي، ص237؛ الطوسي، الأمالي، ص450.
- ↑ الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص524.
- ↑ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص309.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج20، ص187.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج65، ص202.
- ↑ المعموري، "بررسي سنت استدراج در قرآن وميراث تفسيري، ص105.
- ↑ الكُليني، الكافي، ج2، ص452.
- ↑ مطهري، مجموعة الآثار، ج27، ص626.
المصادر والمراجع
- ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404 هـ.
- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، قم، دار نشر أدب الحوزة، 1405 هـ.
- الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، قم، كتاب فروشي داوري، 1385 ش/ 2006 م.
- الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، مكتبة النشر الإسلامي، ط5، 1417 هـ/ 1996 م.
- الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، قم، دار الثقافة، 1414 هـ/1993 م.
- الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: حسين حسني بيرجندي، قم، دار الحديث، 1376 ش/1997 م.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، بيروت، مؤسسة الوفاء، ط2، 1404 هـ/1984 م.
- المصباح اليزدي، محمد تقي، سجّاده هاي سلوك، قم، مؤسسة الإمام الخميني (ره) التعليمية والبحثية، 1390 ش/2011 م.
- المفيد، محمد بن محمد، الأمالي، تحقيق: حسين أستاد ولي وعلي أكبر غفاري، قم، مؤتمر الشيخ المفيد، 1413 هـ/1992 م.
- مصباح الشريعة (منسوب للإمام الصادق عليه السلام)، بيروت، دار نشر الأعلمي، 1400 هـ/1980 م.
- مصطفوي زاده، السيد محسن، بررسي واژه نعمت از منظر تأويل در قرآن وروايات معصومين (عليهم السلام) "رسالة ماجستير"، طهران، جامعة آزاد إسلامي، 1392 ش/2013 م.
- مطهري، مرتضى، مجموعة آثار، طهران، دار صدرا، ط14، 1390 ش/2011 م.
- معموري، علي، "بررسي سنت استدراج در قرآن وميراث تفسيري"، مجلة مطالعات قرآن وحديث، بهمن 1386ش، العدد 1.
- مكارم الشيرازي، ناصر، أخلاق در قرآن، قم، دار نشر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 1378 ش/1999 م.
- مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، إعداد وتحرير: مجموعة من الباحثين، قم، دار نشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ط1، 1379 ش.
- مكارم الشيرازي، ناصر، پيام قرآن، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1381 ش/2002 م.