الحسينية

من ويكي شيعة
توسيط
توسيط

الحسينية، هي بناء ديني، حيث يُعد من أكثر الأبنية الدينية انتشاراً في الوسط الشيعي، فقلما توجد محلة شيعية لم تُشيّد فيها حسينية دائمة البناء. بلغ عدد الحسينيات، كما قيل في مدينة لكهنو وحدها وفي أوائل العقد الأول من القرن التاسع عشر 1800 م حدود 2000 حسينية، وبلغ العدد في طهران بعد عام 1340 شمسي حدود 630 حسينية. وقد أشارت الإحصائيات التي أجريت عام 1375 هـ ش[93- 94م] إلى وجود 7528 حسينية في المدن والقرى الإيرانية بنسبة أكثر من 11 بالمائة من سائر الأماكن الدينية والمذهبية المقدسة في البلاد.

تعد الحسينية من أنشط الأماكن المقدسة بعد المسجد في الوسط الشيعي، وأن المهمة الأساسية التي تتكفّل بها الحسينيات إقامة مجالس العزاء الحسيني وإحياء ذكرى ثورة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، إضافة إلى قراءة الأدعية والنشاطات الدينية والثقافية الأخرى. وتنشط الحسينيات في شهري محرم وصفر من كل عام، وتعتمد في ميزانيتها على دعم الخيّرين والمتبرعين من المؤمنين.

تشيّد الحسينيات في الغالب بطريقة بعيدة عن المعماريات المزينة وتجنب الزخرفة والتصاميم المعمارية.

تاريخ الحسينيات

لم تكن مفردة الحسينية متداولة في المصادر القديمة، والظاهر أن الحسينيات إنما نشأت بامتداد المساجد والزوايا والتكايا ونتيجة التلفيق واستحداث المهام والوظائف الجديدة، ويحتمل قويّا أن بدايات نشأة الحسينيات تعود إلى العصر الصفوي وما تلاه في الوسط الثقافي الشيعي في ايران خاصة.

وكان الناس يضربون وبأمر من معز الدولة الديلمي البويهي سنة 352 هـ خياماً وسرادق عزاء عند حلول شهر محرم.[١] يحاط بناؤها بمجموعة من الأعمدة الخشبية والمعدنية التي تكسى بالأقمشة المزينة والتي مازالت تستعمل حتى عصرنا الحاضر.

كذلك لم تسجل لنا المصادر التاريخية تشييد حسينيات ثابتة البناء، بل كانت مراسم العزاء الحسيني تقام – غالباً- في المساجد ومراقد المعصومين والذرية النبوية المكرمة، إضافة إلى الأسواق والتكايا و... ويحتمل قويا أن الجذور التاريخية لبناء حسينيات ثابتة يعود إلى العصر القاجاري في إيران، كما يكشف عن ذلك تاريخ الحسينيات الكبيرة والتاريخية.[٢]

الأعمال والنشاطات التي تقام فيها

إقامة مجالس العزاء

مع الأهمية الكبيرة التي تحظى بها المساجد، والدور الكبير الذي تقوم به في البعد الديني والثقافي، تقوم الحسينيات بتحمل النصيب الأوفر في إقامة العزاء الحسيني كإلقاء المحاضرات الثقافية والوعظية وقصائد الرثاء و...، ومن هنا عرف عن الحسينيات نشاطها الديني وإقامة مراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام من اليوم الأول من شهر محرم وحتى الثامن والعشرين من شهر صفر المصادف لوفاة الرسول الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم فضلاً عن إقامة الاحتفاليات بمناسبة بعض الولادات الكريمة وعقد مجالس تلاوة القرآن الكريم. ومن الأمور التي تقام في الحسينيات أيضاً عقد مجالس الفاتحة على المؤمنين المتوفين، وغير ذلك من النشاطات الدينية والثقافية.

تعزيز أواصر التآلف والمحبة

تعدّ الحسينيات من أهم المراكز الدينية التي تهوي إليها قلوب الكثير من الشيعة في محرم وصفر ويجتمع فيها الكثير من المؤمنين، ولهذا الحضور والتكاتف والتعاون بين المؤمنين - بلا تمايز في النسب والحسب والعمر والمهنة والمكانة الإجتماعية و....- الدور البارز في تأليف القلوب وتعزيز المحبة بينهم ورصّ الصفوف.

كذلك للحسينيات – انطلاقاً من أنّ الحسينية تحمل ثقافة وسمات المحلة التي توجد فيها- دور واضح في تعزيز العلاقات بين المؤمنين من أبناء تلك المحلات وخاصة عندما ينتقلون إلى مناطق أخرى و...

الخدمات عامّة المنفعة

توسّع نشاط الحسينيات في العقود المتأخرة حتى أصبحت مراكز لتقديم الخدمات عامة المنفعة من قبيل تشكيل صناديق القرض الحسن وتشكيل الهيئات التي تهتم بالفقراء والمعوزين و...

تقديم الخدمات للزائرين في الأماكن المقدسة

من النشاطات التي تقوم بها الحسينيات وخاصة في الأماكن المقدسة التي يرتادها الكثير من الزائرين - كمدينتي كربلاء والنجف، ومن أشهرها الحسينية الطهرانية في كربلاء والمدعومة من قبل الخيرين والمؤمنين الطهرانيين- الاستنفار لتقديم الخدمة لهؤلاء الوافدين من سكن وخدمات لما تتوفر عليه الحسينية الطهرانية – مثلاً – من صالات وغرف نوم تقارب المائتين، إلا أنه ولشديد الأسف طالت يد العدوان البعثي هذه الصرح الكبير وساوته بالأرض عند الإنتفاضة الشعبانية عام 1991 م في العراق.[٣]

الطراز المعماري

عادة ما تشيّد الحسينيات بطريقة بعيدة عن المعماريات المزينة والمزخرفة وتبنى على شكل صالات مسقفة ليجتمع فيها المؤمنون، ولكن هناك بعض الحسينيات التي توفرت على زخارف معمارية رائعة سواء في الداخل أو في واجهة البناء كحسينية الشيخ محمد تقي فرحي وحسينية الآغا شيخ علي في مدينة بهشهر المازندرانية، وحسينية مشير في شيراز.[٤] ومن الحسينيات التي شيدت بمعمارية حديثة وتحتوي على صالة واسعة جداً للخطابة، حسينية إرشاد في طهران (شيدت عام 1345هـ ش) لتقدم الخدمات الإجتماعية والثقافية للمؤمنين.

وكثيراً ما تشيد الحسينيات بصورة منفردة إلّا أن هناك حسينيات قليلة كحسينية مشير في شيراز، شيدت ضمن مجموعة عمرانية تضم حديقة ومسجداً وأيواناً وحمامات وسوقاً وغير ذلك من الأمور الخدمية،[٥] وكذلك المجمع الذي تقع فيه حسينية أمير سليماني في طهران.[٦]

دور الحسينيات في معمارية المدن

تضفي الحسينيات – أحياناً كثيرة- رونقاً وجمالية خاصة على معمارية المدن التي تشاد فيها، حيث تمثل الحسينات في مركز المدينة والمنطلق الذي تتفرع منه سائر المحلات والشوارع، وتمثل جانباً مهماً من معمارية المدينة والأماكن المسقفة فيها.[٧]

التطور التاريخي والجغرافي لمفردة الحسينية

مرت الأماكن التي تقام بها مراسم العزاء الحسيني في الوسط الشيعي بمراحل متعددة ففي العراق وإيران كانت تسمى التكايا، ثم أخذت مفردة الحسينية تشق طريقها رويداً رويداً إلى الاستعمال والتداول بين المؤمنين، إلى جانب مفردة الساحات وجهار سوق، أما اليوم فإن مفردة الحسينية هي الشائعة في أكثر الأماكن التي تقام بها مراسم العزاء الحسيني.[٨] وقد هجرت مفردة التكية فلا تطلق على البناء الذي يشيّد لإقامة العزاء، بل أخذ اسم التكايا نفسها ينسحب من الثقافة الشيعية ويستبدل بعنوان الحسينية أو المساجد عند ترميم تلك التكايا أو إعادة بنائها.[٩] وهناك بعض البلدان الشيعية تستعمل مفردة المآتم للإشارة إلى تلك الأماكن المباركة كما في البحرين وعمان، وتسمى في شبه القارة الهندية وباكستان باسم إمام بارا/ امامباره وعاشور خانه(بيت عاشوراء) وعزاخانه(بيت العزاء)، وفي أفغانستان يطلقون عليها عنوان المنبر.[١٠]

تسمية الحسينيات

الأسماء التي تطلق على الحسينيات تحمل أحياناً أسماء الواقفين لها كحسينية السيد محمد صالح في كربلاء وحسينية الأصطهباناتي في النجف وحسينية مؤمن علي اليزدي في الكاظمية.[١١] وتسمى أحياناً أخرى باسم المهن التي يقوم أربابها ببناء تلك الحسينية كحسينة الخياطين وحسينية الدباغين وحسينة الصباغين الموجود جمعها في مدينة بيرجند مثلاً.[١٢] أو حسينية الخرازيين وحسينية النجارين وحسينية الشكرجيين وحسينية البزازين الموجودة في مدينة سبزوار.[١٣] وتارة تسمى بالمدن المنسوبة إليها كحسينية الأصفهانيين وحسينية الطهرانيين وحسينية القميين وحسينة الآذربايجانيين في كربلاء.[١٤] وهناك حسينيات تسمى باسم المحلات التي شيدت فيها كالحسينية الأبيانية في نائين.[١٥] وتسمى تارة أخرى بأسماء المعصومين عليهم السلام وبأسماء ذريتهم الكريمة.[١٦]

الميزانية المالية والعائدات

جرت العادة السائدة بين المؤمنين أن يتصدى مجموعة من المؤمنين لتأمين ميزانية تلك الحسينيات سواء على مستوى التشييد أم المبالغ التي تصرف لإقامة مراسم العزاء وسائر النشاطات الثقافية، وهناك طريقة أخرى تؤمن للحسينيات ما تحتاج إليه وذلك عن طريق ما يقوم به المؤمنون من إيقاف بعض العقارات التي يملكونها ليصرف ريعها في إقامة المراسم، وهناك من يجعل من عقاره كبيته مثلاً حسينية جعلاً دائماً أو مؤقتاً، وهناك بواعث أخرى غير البعد الديني والثقافي حيث هناك من يقوم بتشييد الحسينيات أو توفير المال لها وفاء للنذر الذي نذره لشفاء مريض أو قضاء حاجة.[١٧]

الهوامش

  1. فقيهي، البويهيون وأوضاع زمانهم من خلال رسوم بيانية، ص466.
  2. دائرة المعارف تشيع، ذيل عنوان الـحسينية.
  3. الأنصاري القمي، الـوقف، العدد3، ص84.
  4. همايوني، حسينيه مشير، ج 4، ص 690-691.
  5. همايوني، حسينيه مشير، ص10ـ14. دائرة المعارف تشيع، ذيل «حسينية مشير».
  6. تابنده، خورشيد تابنده، ص249-255. دائرة المعارف تشيع، ذيل عنوان «حسينية أمير سليماني».
  7. سلطان‌زاده، كيفية تكوين المدن والمراكز الدينية في إيران، ص131.
  8. معتمدي، عزا دارى، ج1، ص145-351.
  9. معتمدي، عزا دارى، ج1، ص510. شاطري، مصطلحات، ص33.
  10. توسلي، الحسينيات والتكايا، ص82. دائرة المعارف الإسلامية الكبرى، ذيل عنوان، «اِمامْ باره». دائرة المعارف الإسلامية العالمية إسلام أكسفورد. فرهنك، دراسة للمجتمع الشيعي في أفغانستان، ص308-318. ولي، المساجد في الإسلام، ص125-126.
  11. الأنصاري القمي، الوقف، العدد1، ص77، العدد3، ص84، العدد1، ص101.
  12. رضائي، بيرجند، ص126-127.
  13. محمدي، قاموس الأماكن والجغرافيا، ص261.
  14. الأنصاري القمي، الوقف، العدد3، ص83-84.
  15. سلطان‌زاده، نائين مدينة الألفيات التاريخية، ص130. بلوكباشي، عرض تمثيلي لخلود حياة الشهداء، ص59-61. مشهدي نوش‌ آبادي، نوش آباد في مرآة التاريخ، ص10.
  16. معتمدي، عزا دارى، ج1، ص151-165-168-180.
  17. الأنصاري القمي، موقوفات الإيرانيين في العراق، ج2، ص360. طعمة، كربلاءفي الذاكرة، ص180-181. دائرة معارف العالم الإسلامي أكسفورد، أكسفورد.

المصادر والمراجع

  • القمي، محمد رضا الأنصاري، موقوفات الإيرانيين في العراق، الـوقف، د ن، د م، 1373 هـ.
  • بلوكباشي، علي، نمايش تمثيلى از جاودانكى حيات شهيدان[عرض تمثيلي لخلود حياة الشهداء]، د ن، طهران، 1380 هـ.
  • تابنده، على، خورشيد تابنده، شرح أحوال و آثار الـعالم الـربّانى و الـعارف الـصمداني حضرت آقا حاج سلطان حسين تابنده كنابادى، د ن، طهران، 1373 هـ.
  • توسلى، محمود، «حسينيه‌ها ـ تكايا ـ مصلى ها»، در معمارى إيران[الحسينيات والتكايا والمصليات في المعمارية الاسلامية]، تحقيق: محمد يوسف كيانى، جهاد دانشكاهى، طهران، 1366 هـ.
  • جانب ‌اللهى، محمد سعيد، تأثير اماكن مذهبى بر بافت محلات سنتى شهرستان تفت[تأثير الأماكن الدينية على نسج الأحياء التقليدية في مدينة تفت]»، سازمان ميراث فرهنكي كشور، طهران، 1366هـ.
  • دائرة المعارف الإسلامية الكبرى، تحت إشراف: كاظم الـموسوي الـبجنوردي، ذيل «اِمامْباره» تأليف: يد اللّه غلامى، د ن، طهران، 1367 هـ.
  • دائرةالمعارف تشيع، تحت إشراف: أحمد صدر حاج‌ سيد جوادى، وكامران فانى، وبهاء الدين خرمشاهي، ذيل «حسينيه إرشاد»، د ن، طهران، 1366 هـ.
  • رضائى، جمال، بيرجند در آغاز سده چهاردهم خورشيدى[ بيرجند في بداية القرن الرابع عشر الهجري الشمسي]، تحت إشراف: محمود رفيعي، د ن، طهران، 1381 هـ.
  • ستوده، منوجهر، از آستارا تا اِستارباد، د ن، طهران، 1349 ش.
  • سلطان‌زاده، حسين، روند شكل‌گيرى شهر و مراكز مذهبى در إيران[كيفية تكوين المدن والمراكز الدينية في إيران]، د ن، طهران، 1362 هـ.
  • سلطان‌زاده، حسين، نائين شهر هزاره‌هاى تاريخى[نائين مدينة الألفيات التاريخية]، د ن، طهران، 1374 ش.
  • شاطري، علي‌ أصغر، واژه‌نامه [مصطلحات]، د ن، كاشان، 1383 هـ.
  • شهري‌ باف جعفر، طهران الـقديمة، د ن، طهران، 1381 هـ.
  • طعمه، سلمان هادي، كربلاء في الذاكرة، د ن، بغداد، 1988 م.
  • فرهنك، محمدحسين، جامعه‌شناسى و مردم‌شناسى شيعيان أفغانستان [دراسة للمجتمع الشيعي في أفغانستان]، د ن، قم، 1380 هـ.
  • فقيهى، علي‌ اصغر، آل‌بويه و أوضاع زمان ايشان با نمودارى از زندگى مردم در آن عصر[البويهيون واوضاع زمانهم من خلال رسوم بيانية]، د ن، طهران، 1357 ش.
  • محمدى، محمود، فرهنك قاموس الـاماكن والجغرافيا الـتاريخية، د ن، سبزوار، 1381 هـ.
  • مشهدى نوش‌آبادى، محمد، نوش‌آباد در آينه تاريخ[نوش آباد الإيراينة في مرآة التاريخ]، آثار تاريخى و فرهنك، كاشان، 1378 ش.
  • معتمدى، حسين، عزادارى سنتى شيعيان در بيوت علما و حوزه‌هاى علميه و كشورهاى جهان[مراسم العزاء التقليدية في بيوت العلماء والحوزات العلمية والبلدان العالمية]، د ن، قم، 1378 هـ.
  • مير محمدى، حميد رضا، «براكندكى جغرافيايى أماكن مذهبى كشور در قالب استانى[التوزيع الجغرافي للأماكن الدينية في البلاد ضمن تقسيم المحافظات]»، د ن، د م، 1380 ش.
  • ولى، محمد طه، المساجد في الإسلام، د ن، بيروت، 1409 هـ/1988 م.
  • همايوني، صادق، حسينية مشير، للمصور: عباس بهمني ومنوجهر جهره ‌نكار شيرازي، د ن، بيروت، 1371 هـ.