أيها الناس، أنيبوا إلى شيعتي، والتزموا بيعتي، وواظبوا على الدين بحسن اليقين، وتمسكوا بوصي نبيكم الذي به نجاتكم، وبحبه يوم الحشر منجاتكم، فأنا الأمل والمأمول، أنا الواقف على التطنجين، أنا الناظر إلى المغربين والمشرقين، رأيت رحمة الله والفردوس رأي العين، وهو في البحر السابع يجري في الفلك في زخاخيره النجوم والحبك، ورأيت الأرض ملتفة كالتفاف الثوب القصور، وهي في خزف من التطنج الأيمن مما يلي المشرق والتطنجان، خليجان من ماء كأنهما أيسار تطنجين، وما المتولي دائرتها، وما أفردوس؟ وما هم فيه إلا كالخاتم في الإصبع، ولقد رأيت الشمس عند غروبها وهي كالطاير المنصرف إلى وكره، ولولا اصطكاك رأس الفردوس، واختلاط التطنجين، وصرير الفلك، يسمع من في السماوات والأرض رميم حميم دخولها في الماء الأسود، وهي العين الحمئة ولقد علمت من عجائب خلق الله ما لا يعلمه إلا الله، وعرفت ما كان وما يكون وما كان في الذر الأول مع من تقدم من آدم الأول، ولقد كشف لي فعرفت، وعلمني ربي فتعلمت، ألا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم أن تقولوا جن أو ارتد لأخبرتكم بما كانوا وما أنتم فيه وما تلقونه إلى يوم القيامة، علم أوعز إلي فعلمت، ولقد ستر علمه عن جميع النبيين إلا صاحب شريعتكم هذه صلوات الله عليه وآله، فعلمني علمه، وعلمته علمي.
ألا وإنا نحن النذر الأولى، ونحن نذر الآخرة والأولى، ونذر كل زمان وأوان، وبنا هلك من هلك، وبنا نجا من نجا، فلا تستطيعوا ذلك فينا، فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، وتفرد بالجبروت والعظمة، لقد سخرت لي الرياح والهواء والطير، وأعرضت علي الدنيا، فأعرضت عنها، أنا كأب الدنيا لوجهها فحنى، متى يلحق بي اللواحق، لقد علمت ما فوق الفردوس الأعلى، وما تحت السابعة السفلى، وما في السماوات العلى، وما بينهما وما تحت الثرى. كل ذلك علم إحاطة لا علم أخبار، أقسم برب العرش العظيم، لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم أين كانوا وممن كانوا وأين هم الآن وما صاروا إليه، فكم من آكل منكم لحم أخيه، وشارب برأس أبيه، وهو يشتاقه ويرتجيه.
هيهات هيهات، إذا كشف المستور، وحصل ما في الصدور، وعلم أين الضمير، وأيم الله لقد كوزتم كوزات، وكررتم كرات، وكم بين كرة وكرة من آية وآيات، ما بين مقتول وميت، فبعض في حواصل الطيور، وبعض في بطون الوحش، والناس ما بين ماض وزاج، ورايح وغاد، ولو كشف لكم ما كان مني في القديم الأول، وما يكون مني في الآخرة، لرأيتم عجائب مستعظمات، وأمورا مستعجبات، وصنايع وإحاطات.
أنا صاحب الخلق الأول قبل نوح الأول، ولو علمتم ما كان بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها، وأمم أهلكتها: فحق عليهم القول، فبئس ما كانوا يفعلون. أنا صاحب الطوفان الأول، أنا صاحب الطوفان الثاني، أنا.
صاحب سيل العرم، أنا صاحب الأسرار المكنونات، أنا صاحب عاد والجنات، أنا صاحب ثمود والآيات، أنا مدمرها، أنا مزلزلها، أنا مرجعها، أنا مهلكها، أنا مدبرها، أنا بأبيها، أنا داحيها، أنا مميتها، أنا محييها، أنا الأول، أنا الآخر، أنا الظاهر، أنا الباطن، أنا مع الكور قبل الكور، أنا مع الدور قبل الدور، أنا مع القلم قبل القلم، أنا مع اللوح قبل اللوح، أنا صاحب الأزلية الأولية، أنا صاحب جابلقا وجابرسا، أنا صاحب الرفوف وبهرم، أنا مدبر العالم الأول حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم.
قال: فقام إليه ابن صويرمة فقال: أنت أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنا أنا لا إله إلا الله ربي ورب الخلائق أجمعين، له الخلق والأمر، الذي دبر الأمور بحكمته، وقامت السماوات والأرض بقدرته، كأني بضعيفكم يقول ألا تسمعون إلى ما يدعيه ابن أبي طالب في نفسه، وبالأمس تكفهر عليه عساكر أهل الشام فلا يخرج إليها؟ وباعث محمد وإبراهيم ! لأقتلن أهل الشام بكم قتلات وأي قتلات، وحقي وعظمتي لأقتلن أهل الشام بكم قتلات وأي قتلات، ولأقتلن أهل صفين بكل قتلة سبعين قتلة، ولأردن إلى كل مسلم حياة جديدة، ولأسلمن إليه صاحبه وقاتله، إلى أن يشفي غليل صدري منه، ولأقتلن بعمار بن ياسر وبأويس القرني ألف قتيل أولا يقال لا وكيف وأين ومتى وأنى وحتى، فكيف إذا رأيتم صاحب الشام ينشر بالمناشير، ويقطع بالمساطير، ثم لأذيقنه أليم العقاب، ألا فأبشروا، فإلي يرد أمر الخلق غدا بأمر ربي، فلا يستعظم ما قلت، فإنا أعطينا علم المنايا والبلايا، والتأويل والتنزيل، وفصل الخطاب وعلم النوازل، والوقايع والبلايا، فلا يغزب عنا شئ.
كأني بهذا وأشار إلى الحسين (ع) قد ثار نوره بين عينيه، فأحضره لوقته بحين طويل يزلزلها ويخسفها، وثار معه المؤمنون في كل مكان، وأيم الله لو شئت سميتهم رجلا رجلا بأسمائهم وأسماء آبائهم فهم يتناسلونمن أصلاب الرجال وأرحام النساء، إلى يوم الوقت المعلوم.
ثم قال: يا جابر، أنتم مع الحق ومعه تكونون، وفيه تموتون، يا جابر إذا صاح الناقوس، وكبس الكابوس، وتكلم الجاموس، فعند ذلك عجائب وأي عجائب، إذا أنارت النار ببصرى، وظهرت الراية العثمانية بوادي سوداء، واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضا، وصبا كل قوم إلى قوم، وتحركت عساكر خراسان، وتبع شعيب بن صالح التميمي من بطن الطالقان، وبويع لسعيد السوسي بخوزستان، وعقدت الراية لعماليق كردان، وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب، وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سينان، فتوقعوا ظهور مكلم موسى من الشجرة على الطور، فيظهر هذا ظاهر مكشوف، ومعاين موصوف، ألا وكم عجائب تركتها، ودلائل كتمتها، لا أجد لها حملة، أنا صاحب إبليس بالسجود، أنا معذبه وجنوده على الكبر والغرور بأمر الله، أنا رافع إدريس مكانا عليا، أنا منطق عيسى في المهد صبيا، أنا مدين الميادين وواضع الأرض، أنا قاسمها أخماسا، فجعلت خمسا برا، وخمسا بحرا، وخمسا جبالا، وخمسا عمارا، وخمسا خرابا.