الزيارة
الزيارة، عمل عبادي وهو عبارة عن الحضور عند أئمة الدين أحياءً، أو زيارة قبورهم أمواتاً، ويندرج تحت عنوان إظهار الحب والولاء والاحترام لهم.
إضافة إلی کون زيارة قبور أئمة الدين والشخصيات الدينية الكبيرة تعدّ من الأعمال التي أيّدتها الشريعة الإسلامية واهتم بها المسلمون، فالمدرسة الشيعية أولت زيارة قبر النبي الأكرم والأئمة الأطهار أهمية كبرى وأكدت الروايات الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) على الثواب الجمّ المترتب لهذا العمل العبادي، بل أصبحت الزيارة من الشواخص والعلامات التي يمتاز بها الفكر الشيعي.
ورغم الجذور التاريخية العميقة لشعيرة الزيارة في الفكر الإسلامي عامة والشيعي خاصة إلا أنّ هناك طائفة ظهرت في القرون الأخيرة تعرف بالوهابية رفعت راية المخالفة والرفض للزيارة ووضعها - اعتماداً على بعض الظواهر – ضمن قائمة الأعمال التي لا تنسجم مع السنة النبوية مثيرين بذلك الكثير من الشكوك والاستفهامات والتي تصدى للإجابة عنها علماء الفريقين من الشيعة والسنة وفنّدوها مثبتين بطلانها ومؤكدين مشروعية الزيارة.
معنى الزيارة
جاء في كتب اللغة أن (زور) يدلُّ على المَيْل والعدول. من ذلك الزُّور: الكذب؛ لأنه مائلٌ عن طريقَةِ الحق. والزَّوَر: الميل. يقال ازورَّ عن كذا، أي مالَ عنه. ومن الباب: الزائر، لأنّه إذا زارَك فقد عدَلَ عن غيرك.[١]
والزيارة عرفا تعني قَصْدُ الْمَزُورِ إكْرَامًا لَهُ وَاسْتِئْنَاسًا بِهِ.[٢] وتعظيما له،[٣] وذهب البعض إلى القول بأنّ زيارة الأولياء والصالحين إنّما سمّيت زيارة لأنّها تنطوي على ميل عن عالم الطبيعة والالتفات إلى عالم الروحانية.[٤]
مكانة الزيارة في الثقافة الشيعية
تحتل الزيارة مكانة مرموقة في الثقافة الإسلامية وسيرة المسلمين منطلقين في ذلك من الروايات الكثيرة التي تؤكد على فضل الزيارة وثوابها، والتي وصلت إلى حدّ التواتر في استحباب الزيارة واتفقت عليها كلمة الفريقين من الشيعة والسنة.[٥] ومن هنا واظب المسلمون على تلك الشعيرة وزيارة قبر النبي الأكرم منذ العقود الأولى لتاريخ المسلمين.
ثم إن زيارة قبور الصالحين وخاصة النبي الأكرم حظيت بقبول من المسلمين عامة، الا أن الزيارة في الفكرة الشيعية تحظى بفهم أعمق وأوسع منها عند سائر المسلمين، ومن هنا عدّ من شعار المذهب الشيعي زيارة النبي الأكرم والأئمة من أهل البيت(عليهم السلام).
وتعكس الزيارة في الثقافة الشيعية نوعاً من الولاء والارتباط بالمعصومين (عليهم السلام)؛ ومن هنا ارتبطت الزيارة ارتباطاً وثيقاً بحب أهل البيت (عليهم السلام) وموالاتهم والبراءة من أعدائهم، وهي تعكس مدى الوفاء الذي يكنه الزائر للمزور واستجابة لحق الولاية لهم حيث يؤمن الشيعة بأن ولاية النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) لا تنحصر في حياتهم فقط بل هذا المقام يبقى محفوظا لهم حتى بعد وفاتهم.
ومن معطيات ولاية الإمام تسلطه على القلوب بمعنى أنّه مهيمن على قلوب الأفراد ومشاعرهم ومحيط بها.[٦]
وقد جاء في الكثير من متون الزيارات اعتراف بتلك الولاية والإمامة كما في المقطع الذي يقول فيه الزائر «اشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وترد سلامي».[٧] ومن المسلّم به في الفكر الشيعي أنْ لا فرق بين حياة الإمام ووفاته ، وهذا الفهم للزيارة حوّل الزيارة إلى لقاء العارفين ، واجتماع المحبين ، وزيارة المحب لحبيبه ، وهي ممارسة معنوية وروحية سامية عكستها لنا النتاجات الأدبية شعراً ونثراً وبينت لنا جانباً مهما من تلك العلاقة بأجمل الصورة والمقاطع الأدبية.
ثم إن لزيارة مراقد أهل البيت (عليهم السلام) دوراً بارزاً وبصمات واضحة في تاريخ التشيع ويعد الاهتمام بها من مؤشرات الثقافة الشيعية.
الزيارات المؤكدة في الروایات
المتتبع للروايات التي جاءت عن طريق مدرسة أهل البيت يرى أنها تؤكد علی عدة زيارات، منها:
- زيارة بيت الله؛ المتمثلة بإقامة شعيرة الحج والعمرة، أو الطواف حول البيت الحرام.[٨] حيث يعتبر استحباب الزيارة لبيت الله ووجوب الحج من المسلمات التي توافق عليها المسلمون. وكذلك تؤكد الروايات استحباب الطواف بالكعبة المشرفة، علما أن استحباب الطواف بالكعبة المشرفة هو الشعيرة التي كانت سائدة قبل أن يبين النبي الأكرم مناسك الحج بالصورة المعروفة اليوم.[٩] كما أكدت الروايات على أن الكعبة الشريفة حظيت باهتمام جميع الأنبياء والمرسلين على مرّ العصور.[١٠]
- زيارة النبي الأكرم ؛ مؤكدة أنّ لزيارته في حياته وبعد التحاقه بالرفيق الأعلى ثواباً كبيراً.[١١] وقد اتفق المسلمون بجميع مذاهبهم شيعة وسنة على استحباب زيارته داعمين ذلك بالكثير من الروايات الواردة في هذا المضمار، منها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله أنّه قال: «من زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة».[١٢] وفي حديث آخر: «إن زيارة قبر رسول الله وزيارة قبور الشهداء وزيارة قبر الحسين (عليه السلام) تعدل حجّة مع رسول الله ».[١٣]
- زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ وقد أكدت الروايات على ثوابها الكثير، من قبيل ما روي عن الإمام الحسين أن رسول الله قال: «من زارني حيّاً أو ميّتاً أو زار علي بن أبي طالب كان حقاً عليّ أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه».[١٤] وهناك روايات أخرى تبيّن تفضيله على سائر الأئمة وتؤكد على استحباب زيارته.[١٥]
كذلك روي في باب زيارة فاطمة الزهراء -التي لم يحدد مكان قبرها- روايات تؤكد إمكانية زيارتها من بعيد.[١٦]
- زيارة سائر الأئمة ؛ روي عن الإمام الصادق : «أن ثواب كل واحد من الأئمة يعدل ثواب زيارة رسول الله ».[١٧]
- زيارة المعصومين من بعيد؛ روي عن الإمام الصادق أنّه قال: «من أراد أن يزور قبر رسول الله وقبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج وهو في بلده، فليغتسل في يوم الجمعة وليلبس ثوبين نظيفين وليخرج إلى فلاة من الأرض، ثم يصلي أربع ركعات...[١٨]
- زيارة السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم ؛ فقد ورد في فضل زيارتها الكثير من الروايات، منها ما روي عن الإمام الرضا أنّه قال: «من زارها فله الجنة».[١٩]
- زيارة السيد عبد العظيم الحسني من أحفاد الإمام الحسن المجتبى ومن كبار أصحاب الأئمة، وقد روي في ثواب زيارته أنّها تعدل ثواب زيارة الإمام الحسين .
- زيارة المؤمنين الصالحين؛ أكدت الروايات على الثواب الكبير المترتب على زيارة المؤمنين (عليه السلام) منها ما روي عن أبي عبد الله قال: «ما زار مسلم أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه عزّ وجلّ: أيها الزائر طبت وطابت لك الجنة».[٢٠]
- زيارة قبور المؤمنين ؛ أشارت الروايات إلى استحباب زيارة قبور المؤمنين والدعاء لهم، منها ما روي عن أمير المؤمنين أنّه قال: زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمّه بما يدعو لهما.[٢١]
آداب الزيارة
إن روح الزيارة وحقيقتها تكمن بالانفتاح القلبي على الإمام واحترامه والارتباط الروحي به، ولما كانت الزيارة لقاء ظاهري مع الإمام توفرت على مجموعة من السنن والآداب التي ينبغي للزائر التوفر عليها لتحقق الثمرة المرجوة من وراء تلك الزيارة، بل كان لبعض الزيارات كزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) سنن وآداب خاصة.(مفاتيح الجنان، فصل زيارة النبي .) وهكذا زيارة النبي الأكرم حيث يقرأ الزائر أدعية خاصة بتلك الزيارة وكذلك زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة والثواب الكبير المترتب على زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في شهري ذي القعدة ورجب.[٢٢]
طائفة من الآداب والسنن المشتركة[٢٣] :
- الزيارة عن معرفة وعلم؛ أكدت الروايات على ترتب الثواب على الزيارة التي تتم عن معرفة وعلم بمقام المزور (عارفاً بحَقِه). علماً أن اشتراط المعرفة لا يعني أن يتوفر جميع الزائرين على أعلى مراتب المعرفة لان للمعرفة مراتب كثيرة لا يمكن توفرها من قبل جميع الزائرين ومن هنا يكفي الحد الأدنى من المعرفة بأن يعلم الزائر بأن المزور معصوم وولي تجب طاعته وأنه خليفة الرسول الأكرم ، وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في بيان معنى عارفاً بحقه قال: «يعلمُ أَنَّهُ مُفترضُ الطَّاعةِ غريبٌ شَهِيد».[٢٤]
- الاغتسال للزيارة.
- ارتداء ملابس جديدة ونظيفة.
- استعمال الطيب إلا في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) حيث لا يستحب التعطر لها.
- ترك الفضول من الكلام.
- الاستئذان بالدخول.
- الاقتراب من الضريح والالتصاق به شريطة أن لا يؤذي الزائرين ويعرقل حركتهم ولا يؤدي إلى الاختلاط المحرّم. علماً أن الزيارة لا تنحصر بتقبيل الضريح ولمسه بل يمكن للزائر الاكتفاء بقراءة الزيارة والسلام على الإمام (عليه السلام).
- قراءة الزيارات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) كزيارة أمين الله ، و الزيارة الجامعة الكبيرة ، و زيارة أئمة المؤمنين (عليه السلام).
- الدعاء بصوت منخفض وعدم رفع الصوت في الزيارة.
- صلاة ركعتين وإهداء ثوابها للمزور.
- تقبيل العتبة والباب ولا يجوز السجود للضريح.
- التوبة والاستغفار في ضريح الأئمة لقبول التوبة في تلك المراقد.
- الخروج من الحرم ليتمكن الآخرون من الزيارة وتجنب ما يؤدي إلى عدم الاشتياق للزيارة مرّة أخرى كالتعب.
ويجوز لمن لم يتمكن من الذهاب إلى زيارة الأئمة من قريب الزيارة عن بعد وقد تعرضت كتب الأدعية والزيارة لمجموعة من النصوص التي يزار بها من بعيد.
الهوامش
- ↑ ابن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج 3، ص 36.
- ↑ الفيومي، المصباح المنير، ص 136، مادة «زور».
- ↑ الطريحي، مجمع البحرين ج 1، ص 305، زور
- ↑ مكارم الشيرازي، المفاتيح الجديد، ص 203.
- ↑ الشافعي، شفاء السقام في زيارة خير الأنام، ص 87؛ الأميني، الغدير، ج 5، ص 112 ــ 113؛ الجزيري، الفقه على المذهب الأربعة، ج 1، ص 594.
- ↑ مطهري، الخاتمية، الفصل الثاني.
- ↑ كمثال لذلك راجع: زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في مفاتيح الجنان.
- ↑ الكليني، الكافي، باب بدء الحجر و باب بدء البيت و باب أن أول ما خلق الله من الأرضين موضع البيت.
- ↑ الاشتهاردي، علي پناه، مجموعه مقالات "هم انديشي حج". القسم الثاني، ص 303.
- ↑ الكليني، الكافي، باب حج الأنبياء، ج 4، ص 212، ح 1، وح 2، ح 3.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 548، ح 4.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 548، ح 3.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 548، ح 2.
- ↑ فروع الكافي، كتاب الحج أبواب الزيارات، باب زيارة النبي، ح 4.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 579.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الحج، ج 10، أبواب المزار، باب 96، ح 1، ص 453.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الحج، أبواب المزار، ج 10، ص 452، ح 2.
- ↑ الكافي، الكليني، كتاب المزار، باب النوادر، ج 4، ص 559، ح 1.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الحج، أبواب المزار، ج 10، ص 452، ح 1 و 2.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، باب 97، ح 2 و 4 و 5.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة،، باب 54، ح 5.
- ↑ للتوسع في الموضوع راجع مفاتيح الجنان، قسم الزيارات.
- ↑ مفاتيح الجنان، آداب الزيارات
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 99، ص 35، ح 18.
المصادر والمراجع
- ابن زكريا، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404 هـ.
- الأميني، عبد الحسين، الغدير، د.م، د.ن، د.ت.
- الجزيري، عبد الرحمن، الفقه على المذاهب الأربعة، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 2، 1424 هـ/ 2003 م.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، د.ت.
- الشافعي، علي بن عبد الكافي، شفاء السقام في زيارة خير الانام، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1429 هـ/ 2008 م.
- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، قم، مؤسسة البعثة، ط 1، 1414 هـ.
- الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير، بيروت، المكتبة العصرية، 1435 هـ/ 2014 م.
- القمي، عباس، مفاتيح الجنان، قم، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، د.ت.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط 3، 1388 هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 هـ/ 1983 م.
- مكارم الشيرازي، ناصر، المفاتيح الجديدة، قم، دار النشر الامام على بن ابى طالب عليه السلام، ط 1، 1431 هـ.