الدعاء

من ويكي شيعة
(بالتحويل من دعاء)

الدعاء هو طلب العبدِ من ربَّه المعونة في جميع شؤونه الدنيوية والأخروية، وحقيقة الدعاء تظهر في إظهار العبد الفقر والاحتياج لله، والبراءة من حول الإنسان وقوته بدون معونة الله، وهو سمةُ العبودية، واستشعار الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله ، وإضافة الجود والكرم إليه.

وقد أكّد القرآن الكريم والسنة الشريفة على أهمية الدعاء. ولاستجابة الدعاء شروط لابدَّ من توفّرها فيه.

وروى العلماء أحاديث كثيرة في أدعية لبعض الأيام والساعات والأماكن وبعض حالات الإنسان، وتُسمى هذه الأدعية بالأدعية المأثورة.

تعريف الدعاء

  • لغةً: (دعو) الدال والعين والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو أن تميل الشَّيءَ إليك بصوتٍ وكلام يكون منك، تقول: دعوت أدعُو دعاءً.[١]
  • اصطلاحاً: ويُطلق على كل من:
  1. طلب الأدنى من الأعلى: على جهة الخضوع، والاستكانة.[٢]
  2. ودعاء العبد ربه: طلب العناية منه، واستمداده إياه المعونة.[٣]
  3. ويقال: دعوتُ الله أدعوهُ دعاءً: ابتهلتُ إليه بالسؤال، ورغبتُ فيما عنده من الخير.[٤]

قال تعالى: ﴿وقالَ ربُكُم ادعُوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرُونَ عَنْ عبادتي سيدخُلُونَ جهنَّمَ داخرينَ.[٥]

القرآن الكريم والدعاء

وللدعاء في الكتاب الكريم وجوه عدّة، كلّها تدور حول المعنى اللغوي، ومنها :

  1. النداء، يقال: دعوت فلانا، أي ناديته وصحت به، قال تعالى: ﴿فَقُل تعالوا ندعُ أبنَاءَنا وأبنَاءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسنَا وأنفُسَكُم ،[٦] أي ننادي ... وقد يستعمل كل واحد من النداء، والدعاء موضع الآخر، قال تعالى: ﴿كمَثلِ الذي يَنعقُ بما لا يَسمَعُ إلاّ دُعاءً ونِداءً.[٧]
  1. الطلب، يُقال: دعاه، أي طلبه، قال تعالى: ﴿وإن تدعُ مُثقلةٌ إلى حَملِها،[٨] أي تطلب أن يحمل عنها.
  1. القول، قال تعالى: ﴿فما كان دعواهُم إذ جاءَهُم بأسُنَا ...،[٩] أي قولهم إذ جاءهم العذاب.
  1. العبادة، قال تعالى: ﴿لن ندعُوا مِن دُونه إلها،[١٠] أي نعبد.
  1. الاستعانة، قال تعالى: ﴿وادعوا شُهداءَكُم من دونِ اللّه،[١١] أي استعينوا واستغيثوا بهم.
  1. الحثّ على الشيء، قال تعالى: ﴿قال ربِّ إنِّي دعوتُ قومي ليلاً ونهارا،[١٢] أي حثثتهم على عبادة اللّه سبحانه.
  1. النسبة، قال تعالى: ﴿ادعُوهُم لآبائهم هو أقسطُ،[١٣] أي انسبوهم واعزوهم.
  1. السؤال، قال تعالى: ﴿قال ادعُ لنا ربَكَ،[١٤] أي سله.

السنة الشريفة والدعاء

لقد ورد فضل الدعاء في الكثير من الروايات الشريفة، ومنها:

قال الإمام الصادقعليه السلام: «الدعاء هو العبادة التي قال اللّه: ﴿إنّ الذينَ يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين[١٥][١٦] يعني أنّ الدعاء هو معظم العبادة وأفضلها، وذلك كقول رسول اللّهصلی الله عليه وآله وسلم: «الحج عرفة» أي الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم. [١٧]

ويؤيد ذلك حديث الإمام الباقرعليه السلام: «أفضل العبادة الدعاء».[١٨]

وما رواه سدير قال: قلت لأبي جعفر الباقرعليه السلام: أي العبادة أفضل؟ فقالعليه السلام: «ما من شيء أفضل عند اللّه من أن يسأل، ويطلب ممّا عنده».[١٩]

فان قيل: إنّ الدعاء لا يصحّ إطلاقه على العبادة الشرعية التكليفية، فإنّ الصيام مثلاً لا يسمى دعاءً لغةً ولا شرعاً، وعليه فليس كلّ عبادة شرعية دعاءً، وردّه: (الدعاء من العبد لربه: هو عطف رحمته، وعنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبودية والمملوكية، ولذا كانت العبادة في الحقيقة دعاءً، لأنّ العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكية، والاتصال بمولاه بالتبعية والذلّة ليعطفه بمولويته وربوبيته إلى نفسه، وهو الدعاء).[٢٠]

معنى الدعاء وحقيقته

لمعرفة حقيقة الدعاء لابدَّ من معرفة صفات أطراف الدعاء، وهي:

  • صفات الداعي

للداعي صفات كثيرة ينبغي أن يكون مُتصفا بها حقيقة لا ادّعاءً، ومنها:

  1. خلو ساحة الداعي عند دعائه من مظالم الناس أجمعين فقد ورد عن أمير المؤمنينعليه السلام أن الله أوحى إلى عيسى بن مريمعليه السلام: «قُلْ لِلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَدْخُلُوا بَيْتاً مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ‏ طَاهِرَةٍ، وَأَبْصَارٍ خَاشِعَةٍ، وَأَكُفٍّ نَقِيَّةٍ، وَقُلْ لَهُمُ: اعْلَمُوا أَنِّي غَيْرُ مُسْتَجِيبٍ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ دَعْوَةً، وَلِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي‏ قِبَلَهُ مَظْلِمَة».[٢١]
  2. أن لا يطلب رفع مظلمة عنه قد أوقع مثلها أو تسبب في وقوعها على غيره كما ورد في الحديث القدسي المروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُجِيبُ دَعْوَةَ مَظْلُومٍ فِي مَظْلِمَةٍ ظُلِمَهَا، وَلَا حَدَّ عِنْدَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْمَظْلِمَةِ».[٢٢]
  3. أن يخطو العبد نحو التوبة النصوح، فقد ورد عن الإمام الصادقعليه السلام : «أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، ثُمَّ دَعَوْتُمُوهُ لَأَجَابَكُمْ، وَلَكِنْ تُخَالِفُونَهُ،‏ وَتَعْصُونَهُ،‏ فَلَا يُجِيبُكُم».[٢٣]
  4. أن یکون الداعي متفقها في دينه عارفا بالحقوق والواجبات، فقد ورد عن الإمام الصادقعليه السلام: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ، فَلْيُطَيِّبْ‏ كَسْبَهُ،‏ وَلْيَخْرُجْ مِنْ مَظَالِمِ النَّاسِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ دُعَاءُ عَبْدٍ، وَفِي بَطْنِهِ حَرَامٌ أَوْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ».[٢٤]
  5. أن يُقدّم الداعي إرادة الله تعالى، ومراده على إرادته هو ومراده، أي أن لا يوجب على الله تعالى شيئا، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لَا يَصْدُقُ‏ إِيمَانُ‏ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ‏ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِه».[٢٥]
  • صفات المدعو

انَّ المدعو هو الله سبحانه وتعالى، ومن صفاته أنه مجيب الدعوات بنص القرآن الكريم وهو قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ.[٢٦]

فالإستجابة منه فرع دعائه، وقد جعل دعاءه عبادة له، ودليلا على تواضع العبد وعبوديته، وفي ذلك يقول الإمام السجادعليه السلام: «فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَتَرْكَهُ‏ اسْتِكْبَاراً، وتَوَعَّدْتَ عَلَى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين‏».[٢٧]

انَّ المدعو تعالى غني عن العالمين، ولا بخل في ساحته، ولا انقطاع لفيضه، فلا تنفد خزائنه البتة قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ.[٢٨]

  • صفات الداعي له (موضوع الدعاء)

والداعي له: هو المقصود بتحقيق المطلوب له، فعندما نقول: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا،[٢٩] فالداعي هو المنشئ أو القائل، والمدعو هو الله تبارك وتعالى وهو الفاعل في (اغفر)، وان طلب المغفرة هو متعلق الدعاء، وكل من نفس الداعي في كلمة (لي) والمعطوف الأول (ولوالدي) والمعطوف الثاني (ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) هم موضوع الدعاء.

وهذا الداعي له لابدَّ أن تتوفر فيه صفات ليكون مستحقا للدعاء له، فان كان نفس الداعي فلا يُشترط فيه شئ سوى كونه مؤمنا بالله تعالى، لانَّ الدعاء عبادة ويشترط فيها نية القربة وهي لا تصح من الكافر، وان كان الداعي له هو غير الداعي نفسه فيُشترط فيه أمران هما:

  1. أن لا يكون كافرا فقد ورد عدم صحة الدعاء للكافر كما في قوله تعالى: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا،[٣٠] فإنّ الكفر أشدُّ أنواع الظلم، وكذلك يدل عليه رواية علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفرعليه السلام قال: «سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمَا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فَارَقَهُمَا صَغِيراً لَا يَدْرِي‏ أَسْلَمَا أَمْ لَا، فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ عَرَفَ كُفْرَهُمَا، فَلَا يَسْتَغْفِرْ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ، فَلْيَدْعُ لَهُمَا».[٣١]
  2. أن لا يكون من الظالمين مطلقا، لا سيَّما الذين يغلبون الناس على أمرهم ويسلبونهم حقوقهم، فيما إذا كان الدعاء بالنصرة، وتحقيق الغلبة لهم، فان الدعاء لهم بذلك – فضلا عن عدم صحته وانه غير مستجاب – محرم شرعا، وأمّا إذا كان الدعاء لهم بالهداية والصلاح، فهو أمر ممدوح ومطلوب، فقد كان النبيصلی الله عليه وآله وسلم يدعو لقومه بالمغفرة والهداية والصلاح حيث كان يقولصلی الله عليه وآله وسلم: «اللهمَ‏ اغفر لقومي‏ إنهم لا يعلمون‏».[٣٢]
  • صفات المدعو له

وهو نفس الحاجة أو المطلوب تحقيقه، فيجب أن لا يتصف بأحد هذه الأمور، وهي:

  1. الحرمة الشرعية: أي ما هو محرم شرعا، سواء كان ذلك بالعنوان الأولي أم العنوان الثانوي، كالدعاء على النفس بالهلاك، أو على مال بالزوال، أو الدعاء على الوالدين بالسوء، أو الدعاء للظلمة بالنصر والغلبة، أو الدعاء بقطع صلة الرحم، وغير ذلك مما هو داخل تحت عنوان الحرمة الشرعية، ومن جملة ذلك ما ورد في قوله تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا،[٣٣] فيدعو الإنسان أحيانا بذلك، لغضب أو لجهل منه الا ان الله تعالى من رحمته لا يستجيب له دعاءه بالشر، قال الإمام الصادقعليه السلام : «وَاعْرِفْ طُرُقَ‏ نَجَاتِكَ‏، وَهَلَاكِكَ‏ كَيْلَا تَدْعُوَ اللَّهَ بِشَيْ‏ءٍ فِيهِ هَلَاكُكَ، وَأَنْتَ تَظُنُّ فِيهِ نَجَاتَكَ قَالَ اللَّهُ ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولا»[٣٤]
  2. استحالة تحققه عادة: كالدعاء بعدم الإصابة بمرض أو التعرّض لوجع، أو الدعاء بالخلود في الدنيا، وما شابه ذلك مما لم تجرِ العادة عليه.
  3. المرجوحية: ان المقبول عقلائيا هو كون المدعو له راجحا ومطلوبا، كالعزة والمنعة والقوة والصحة وعدم العوز والفاقة، فمن غير المناسب للداعي أن يدعو على نفسه بالذل والهوان والضعف والمرض والفاقة، بل ينبغي أن يدعو الإنسان لما فيه كماله.

أهمية الدعاء

يمكننا معرفة أهمية الدعاء من خلال ملاحظة:

  1. ان حقيقة الإنسان هي الفقر، فالفقر ليس صفة عارضة عليه، بل هي حقيقته الوجودية في قبال الله تعالى، وعليه فهو محتاج للغني المطلق دائما، وهنا يتحرك الدعاء بالفقير المطلق تجاه الغني المطلق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.[٣٥]
  2. ان الدعاء يُشكّل حلقة أو مدرسة تعليمية تُعرّفنا بحقيقة العبادة، ولذلك قال النبيصلی الله عليه وآله وسلم: «الدُّعَاءُ مُخُ‏ الْعِبَادَة».[٣٦]
  3. إنَّ الإنسان لا يمكنه العيش بلا أمن وأمان واطمئنان، والدعاء وسيلة عملية لتحصيل ذلك، فقد قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ،[٣٧] فالدعاء هو عين الذكر فهو مجال رحب لتحصيل الطمأنينة.
  4. إنَّ الإنسان بحاجة ماسة دائمة إلى فتح قناة اتصال مباشرة، يمكنه اللجوء إليها في أي آن ومكان، وليس هناك أفضل من الدعاء، وهذه الحاجة فطرية جِبلِّية لا يمكن الاستغناء عنها.

شروط الدعاء وآدابه

ان الدعاء الصحيح له قوامة، وهي تكمن بعدة أركان أساسية، وهي:

  1. معرفة الله تعالى: إذا كان الداعي جاهلا بالله تعالى، فإنَّ المدعو سيكون غيره، وإذا دعا غيره سقط الدعاء من رأسه، فإذا ما دعاه بمعرفة ضمن الإجابة، ورد عن النبيصلی الله عليه وآله وسلم انه قال: «لَوْ عَرَفْتُمُ اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ لَزَالَتِ الْجِبَالُ بِدُعَائِكُمْ»،[٣٨] والمراد من معرفته تعالى هنا هو معرفته بصفاته، وأسمائه الحسنى قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.[٣٩]
  2. الانقطاع لله عما سواه: لابدَّ للداعي الانقطاع بالدعاء لله وحده، ولا يدخل الأغيار لان الله تعالى هو الغني المطلق، فلا يصح الدعاء والقلب محل لغيره، ولو في لحظة الدعاء قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ.[٤٠]
  3. حسن الظنّ بالله تعالى والرضا بما يكون: انَّ حسن الظن بالله تعالى، والرضا بما هو كائن وما سيكون، فهو بمعنى عدم الاشتراط على الله تعالى، وان حسن الظن بالله ركن من أركان الاستجابة، فقد ورد عن الإمام الرضاعليه السلام: «أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي إِنْ خَيْراً، فَخَيْراً وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً»،[٤١] وورد عن الإمام الصادقعليه السلام انه قال: «إِذَا دَعَوْتَ، فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ وَظُنَّ حَاجَتَكَ بِالْبَابِ».[٤٢]
  4. التذلل والخضوع لله تعالى: لابدَّ للداعي من التذلل لله تعالى والخضوع له، بمعنى استحضار معنى العبودية المطلقة أمام السيد المطلق قال الإمام السجادعليه السلام في دعاءه في التذلل لله: «رَبِّ أَفْحَمَتْنِي ذُنُوبِي، وَانْقَطَعَتْ مَقَالَتِي، فَلَا حُجَّةَ لِي، فَأَنَا الْأَسِيرُ بِبَلِيَّتِي، الْمُرْتَهَنُ بِعَمَلِي، الْمُتَرَدِّدُ فِي خَطِيئَتِي، الْمُتَحَيِّرُ عَنْ قَصْدِي، الْمُنْقَطَعُ بِي.قَدْ أَوْقَفْتُ نَفْسِي مَوْقِفَ الْأَذِلَّاءِ الْمُذْنِبِينَ، مَوْقِفَ الْأَشْقِيَاءِ الْمُتَجَرِّينَ عَلَيْكَ، الْمُسْتَخِفِّينَ بِوَعْدِكَ».[٤٣]
  5. اقتران الدعاء بالعمل: بمعنى أنَّ من يدعو لنفسه بالهداية، والصلاح لابدَّ أن يعمل لذلك، فيُباشر بنبذ السيئات، ويُداوم على مزاولة الحسنات، فقد ورد في ذلك عن أبي ذر الغفاري عن النبيصلی الله عليه وآله وسلم في وصيته له أنه قال: «يَا أَبَا ذَرٍّ، يَكْفِي مِنَ الدُّعَاءِ مَعَ الْبِرِّ مَا يَكْفِي الطَّعَامَ مِنَ الْمِلْحِ. يَا أَبَا ذَرٍّ، مَثَلُ الَّذِي يَدْعُو بِغَيْرِ عَمَلٍ، كَمَثَلِ الَّذِي يَرْمِي‏ بِغَيْرِ وَتَرٍ».[٤٤]

مكانة الدعاء عند أهل البيت (عليهم السلام)

إنَّ أهل البيتعليهم السلام كان شعارهم الدعاء، ورأس مالهم البكاء، لا انقطاع لهم عن المقصود، ولا سبيل لدوام الوصل سوى مُناجاته، اختصُّوا بذلك، فكان لهم ما لم يكن لسواهم، تمحَّضوا بالعبودية بعدما علموا بأنَّ الدعاء لُبُّها ومُخُّها وأصلها وفرعها.

ورغم أنَّ أهل البيتعليهم السلام جميعا كانوا من أهل الدعاء وروّاده، إلا أننا يُمكننا الإشارة إلى الإمام السجادعليه السلام بانه كان قطب الرحى بينهمعليهم السلام في العناية والرعاية للدعاء، حتى انه قد ترك لنا تُراثا خالدا عُرف بـ (الصحيفة السجّادية) التي عُرفت بـ (زبور آل محمد) ولكنهمعليهم السلام جميعا كان الدعاء حاضرا عندهم، وبنحو يعكس لنا أرفع درجات الانغماس والذوبان في حبِّ الله تعالى، وقد أفرز لنا أعلام مدرسة أهل البيتعليهم السلام من رواة ومُحدِّثين تلك العناية الاستثنائية بالدعاء، وهذا ما نلمحُهُ بوضوح في كُتبنا الحديثية، حيث يُفردون تأليفا خاصا للدعاء، من قبيل كتاب الدعاء للشيخ الكليني، وكتاب الدعاء والمزار للشيخ الصدوق، ومصباح المُتهجِّد للشيخ الطوسي، والإقبال للسيد ابن طاووس، وأخيرا كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي.

الذنوب التي تحجُب الدعاء

لقد ورد في دعاء كميل المروي عن أمير المؤمنينعليه السلام: «وَأَعُوذُ بِكَ‏ مِنَ‏ الذُّنُوبِ‏ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاء»،[٤٥] وقد جاء ذكر هذه الذنوب في رواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام حيث يقول: «وَالذُّنُوبُ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعَاءَ سُوءُ النِّيَّةِ، وَخُبْثُ‏ السَّرِيرَةِ، وَالنِّفَاقُ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَتَرْكُ التَّصْدِيقِ بِالْإِجَابَةِ، وَتَأْخِيرُ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ حَتَّى تَذْهَبَ أَوْقَاتُهَا، وَتَرْكُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِالْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ، وَاسْتِعْمَالُ الْبَذَاءِ وَالْفُحْشِ فِي الْقَوْل‏».[٤٦]

أقسام الدعاء المأثور

قال العلاّمة المجلسي: الأدعية المأثورة على نوعين:

  1. الأوراد والأذكار الموظفة المقررة في كلِّ يوم وليلة المشتملة على تجديد العقائد، وطلب المقاصد، والأرزاق، ودفع كيد الأعداء ونحو ذلك، وينبغي للمرء أن يجتهد في حضور القلب، والتوجه والتضرع عند قراءتها، لكن يلزم أن لا يتركها إن لم يتيسر ذلك.
  1. المناجاة، وهي الأدعية المشتملة على صنوف الكلام في التوبة والاستغاثة والاعتذار وإظهار الحب والتذلل والانكسار، وأغلب الظن أنه لا ينبغي أن تقرأ إلاّ مع البكاء والتضرع والخشوع التام، وينبغي أن تترصد الأوقات لها.

وهذان القسمان من الدعاء ببركة وفضل أهل البيتعليهم السلام فقد وصل الكثير .

فأما القسم الأول فأكثرها مذكورة في مصباحَي الشيخ الطوسي والكفعمي، وكتابَي التتمات والإقبال لـ (ابن طاووس) في ضمن التعقيبات وأدعية الاُسبوع وأعمال السنة وغيرها.

والقسم الثاني أيضا منشورة في عرض تلك الكتب وغيرها، كالأدعية الخمس عشرة، والمناجاة المعروفة بالانجيلية، ودعاء كميل النخعي وغيرها، والصحيفة الكاملة جلّها بل كلّها في المقام الثاني».[٤٧]

مقالات ذات صلة

الهوامش

  1. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 2، ص 279.
  2. الرازي، تفسير الرازي، ج 5، ص 97.
  3. الرازي، تفسير الرازي، ج 5، ص 97.
  4. الفيومي، المصباح المنير، ج 1، ص 194.
  5. غافر: 60.
  6. آل عمران : 61.
  7. البقرة: 171.
  8. فاطر: 18.
  9. الأعراف: 5.
  10. الكهف: 14.
  11. البقرة: 23.
  12. نوح: 5.
  13. الاحزاب: 5.
  14. البقرة: 69.
  15. غافر: 60.
  16. الكليني، الكافي، ج 2، ص 339.
  17. الرازي، تفسير الرازي، ج 5، ص 99.
  18. الكليني، الكافي، ج 2، ص 338.
  19. الكليني، الكافي، ج 2، ص 338.
  20. الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 10، ص 38.
  21. الصدوق، الخصال، ج 1، ص 337 - 338.
  22. الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص 272.
  23. ابن طاووس، فلاح السائل ونجاح المسائل، ص 39.
  24. المجلسي، بحار الأنوار، ج‏ 90، ص 321.
  25. الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص 529.
  26. غافر: 60.
  27. ابن المشهدي، المزار الكبير، ص 622.
  28. البقرة: 107.
  29. نوح: 28.
  30. نوح: 28.
  31. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ‏7، ص 182
  32. ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج‏ 1، ص 384.
  33. الإسراء: 11
  34. النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج‏ 5، ص 272.
  35. فاطر: 15.
  36. ابن فهد الحلي، عدة الداعي ونجاح الساعي، ص 29.
  37. الرعد: 28.
  38. النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج ‏17، ص 284.
  39. الأعراف: 180.
  40. الأحقاف: 5.
  41. الكليني، الكافي، ج ‏2، ص 71.
  42. الكليني، الكافي، ج‏ 2، ص 473.
  43. الإمام السجاد، الصحيفة السجادية، ص 258.
  44. الطوسي، الأمالي، ص 534.
  45. الطوسي، تهذيب الأحكام، ج ‏3ص 96.
  46. الصدوق، معاني الأخبار، ص 271.
  47. المجلسي، الاعتقادات، ص 41.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • الشريف الرضي، محمد بن حسين‏، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، قم - إيران، الناشر: هجرت، ط 1، 1414 هـ.
  • الإمام السجاد، علي بن الحسينعليه السلام، الصحيفة السجادية، قم - إيران، الناشر: دفتر نشر الهادي، ط 1، 1376 ش.
  • ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار الكبير، المحقق/المصحح: جواد قيومي اصفهاني، قم - إيران، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1419 هـ.‏
  • الصدوق، محمد بن علي، معاني الأخبار، قم - إيران، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1403 هـ.‏
  • ابن طاووس، علي بن موسى، ‏الإقبال بالأعمال الحسنة، قم - إيران، الناشر: دفتر تبليغات إسلامي، ط 1، 1376 ش.
  • ابن طاووس، علي بن موسى‏، فلاح السائل ونجاح المسائل، قم - إيران، الناشر: بوستان كتاب، ط 1،‏ ‏1406 هـ.
  • ابن فارس،أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، المحقق: عبد السلام محمد هارون، د.م، الناشر: دار الفكر، 1399 هـ - 1979 م.
  • ابن فهد حلي، أحمد بن محمد، عدة الداعي ونجاح الساعي،‏ الناشر: دار الكتب الإسلامي‏، ط 1، 1407هـ.
  • الحر العاملي، محمد بن حسن‏، وسائل الشيعة، قم - إيران، الناشر: مؤسسة آل البيتعليهم السلام، ط 1، 1409 هـ.
  • الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب (تفسير الرازي)، بيروت - لبنان، منشورات دار إحياء التراث العربي، ط 3، د.ت.
  • الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال‏، قم - إيران، الناشر: دار الشريف الرضي للنشر، ط 2، 1406 هـ.
  • الصدوق، محمد بن علي، الخصال، قم - إيران، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1،‏ 1362 ش.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم - إيران، إسماعيليان، د.ت.
  • الطوسي، محمد بن الحسن، ‏الأمالي، قم - إيران، الناشر: دار الثقافة، ط 1، 1414 هـ.
  • الطوسي، محمد بن الحسن‏، تهذيب الأحكام، طهران - إيران، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 هـ.
  • الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، قم - إيران، دار الهجرة، د.ت.
  • الكليني، محمد بن يعقوب،‏ الكافي، طهران - إيران، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 هـ.
  • المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي،‏ بحار الأنوار، بيروت - لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي‏، ط 2، 1403 هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، الاعتقادات، أصفهان-إيران، د.م، د.ن، د.ت.
  • النوري، الحسين بن محمد تقي،مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل،‏ قم-إيران، الناشر: مؤسسة آل البيتعليهم السلام، ط 1، 1408 هـ.