التحسين والتقبيح العقليين
التحسين والتقبيح العقليين هي من المسائل الكلامية المهمة، وهي مرتبطة ببحث العدل الإلهي، ويُراد منها أنّ العقل يُدرك بذاته حسن بعض الأفعال وقبحها بدون الحاجة إلى الرجوع للشرع، وقد ذهب العدلية إلى القول بالحسن والقبح العقليين بخلاف الأشاعرة الذين قالوا بالحسن والقبح الشرعيين، وقد دلت بعض الآيات القرآنية على الحسن والقبح العقليين، وتترتب عدة ثمرات على القول بالتحسين والتقبيح العقليين كوجوب المعرفة، والحكم بأن الله عادل بموجب حكم العقل.
تعريف الحسن والقبح
- لغة: إنّ للحسن والقبح في اللغة عدة معان منها:
- الحُسن ما هو كمال، ومثاله: العلم والشجاعة والكرم، والقبيح ما هو نقص ومثاله: الجهل والجبن والبخل.
- الحسن ما يلائم الطبع، ومثاله: القول: أنّ هذا منظر حَسن وهذا صوت حسن، والقبيح ما ينافر الطبع ومثاله: ذلك منظر قبيح وصوت قبيح.
- الحسن ما يوافق المصلحة، ومثاله: أنّ قتل العدو حسن، والقبيح ما يخالف المصلحة كما في قتل الأهل.
- الحسن ما يتعلق به مدح الشارع، والقبيح ما يتعلق به الذم من الشارع.
- الحسن ما يستحق فاعله المدح عقلا، والقبيح على ما يستحق فاعله الذم عقلا.[١]
- اصطلاحا: والمقصود منه الاصطلاح العقائدي، وهو:
1 - الفعل الحسن: وذكروا له تعريفين، وهما:
التعريف الأول: هو الفعل الذي لا يستحق فاعله الذم.[٢]
التعريف الثاني: هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح.[٣]
2 - الفعل القبيح: هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم، بشرط أن يكون فاعله عالما بقبح ما يفعله، أو متمكنا من العلم به، ولم يكن أي اضطرار إلى فعله.[٤]
صلة المدح والذم بالثواب والعقاب الأخروي
ذكروا للصلة هذه رأيين، وهما:
- الرأي الأول: إنَّ الفعل الحسن هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح، ولا شك أن مدح الله تعالى يتبعه في الآخرة إثابة فاعل الفعل الحسن، وإنَّ الفعل القبيح هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم، ولا شك أن ذم الله تعالى يتبعه في الآخرة معاقبة فاعل الفعل القبيح.
ولهذا ذكر أغلب علماء الإمامية في تعريفهم للحسن والقبح: (الحسن) ما يستحق فاعله المدح عاجلا والثواب آجلا،[٥] و(القبيح) ما يستحق فاعله الذم عاجلا والعقاب آجلا.[٦]
- الرأي الثاني: إنَّ الثواب والعقاب الأخروي أمر غير لازم للحسن والقبح، لأن شرط حصول فاعل الفعل الحسن على الثواب هو: إيمانه بالله وقصده للقربة ونحوها، وشرط حصة لفاعل الفعل القبيح على العقاب هو: عدم وجود العفو والشفاعة الإلهية، وعدم مبادرة فاعل القبيح إلى التوبة ونحوها، فلا ربط للعقاب والثواب بالمدح والذّم، ولهذا قال الشيخ محمد حسن المظفر: إدخال كلمة الثواب والعقاب في تعريفهما (أي: تعريف الحسن والقبح) خطأ ظاهر.[٧]
أقسام الفعل من حيث الحسن والقبح
یُقسّم الفعل من حيث الحسن والقبح إلى:
- الفعل غير الاختياري: وهو الفعل الذي لايوصف بالحسن والقبح، لأن استحقاق المدح والذم يرتبط بالفعل الاختياري فقط، وهو لا يتعلق بالفعل غير الاختياري أبدا.[٨]
- الفعل الاختياري: وهو الفعل الذي يوصف بالحسن والقبح كما في:
أولا: الحسن: وهو على نحوين:
الأول: ما يكون له وصف زائد على حسنه، وهو:
- الواجب: وهو ما يستحق فاعله المدح، ويستحق تاركه الذم.
- المندوب: وهو ما يستحق فاعله المدح، ولا يستحق تاركه الذم.
الثاني: ما لا يكون له وصف زائد على حسنه وهو (المباح) وهو ما لا مدح فيه على الفعل والترك.
ثانيا: القبيح: وهو ما يستحق فاعله الذم.
أما (المكروه) فقد اختلف علماء الإمامية في أنه من أقسام القبيح أم من أقسام الحسن، فمن عرّف الحسن بما لا يستحق فاعله الذم اعتبر المكروه من الأمور الحسنة.
ومن عرّف الحسن بما يستحق فاعله المدح اعتبره من الأمور القبيحة.[٩]
الاختلاف بين العدلية والأشاعرة في الحسن والقبح
يوجد مجموعة من الاختلافات بين العدلية والأشاعرة حول حسن وقبح الأفعال، وهي:
- الاختلاف الأول: هل ان للأفعال حسن أو قبح ذاتي، أم ان الحسن والقبح مجرد صفات اعتبارية لكل الأفعال، بحيث توجد هذه الصفات عندما يتم الاتفاق عليها وتنعدم عندما يزول هذا الاتفاق؟
- رأي الأشاعرة: ان الحسن والقبح مجرد صفات اعتبارية لجميع الأفعال، لأن الأفعال كلها سواسية ليس شئ منها في نفسه حسنا أو قبيحا بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه، ولاذم فاعله وعقابه، وإنما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها.[١٠]
- رأي العدلية: إنَّ من الأفعال ما هي حسنة في ذاتها، وإنَّ من الأفعال ما هي قبيحة في ذاتها، ويكون الشارع عند تحسينه أو تقبيحه لهذه الأفعال كاشفا لحسنها أو قبحها لا موجبا وسببا لها.[١١]
- الاختلاف الثاني: هل يستطيع العقل من صميم ذاته، ومن دون الرجوع إلى الشرع أن يدرك ويكشف حسن وقبح الأفعال، أم أنه لا يستطيع ذلك إلا بمساعدة الشرع؟
- رأي الأشاعرة: لا يستطيع العقل ذلك أبدا، ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها.[١٢]
- رأي العدلية: ان للعقل إدراك حسن وقبح الأفعال في موارد:
أولا: يدرك العقل حسن وقبح بعض الأفعال بالضرورة والبداهة، ومثاله: حسن العدل وشكر المنعم، وقبح الظلم وكفران المنعم.
ثانيا: يدرك العقل حسن وقبح بعض الأفعال بالتفكر والتأمل، ومثاله: حسن فعل أمر الشرائع وقبح تركها.
ثالثا: لا يدرك العقل حسن وقبح جملة من الأفعال لا ضرورة ولا بالتفكر والتأمل، فلا يكون للعقل سبيل لمعرفة هذا الحسن والقبح إلاّ عن طريق تحسين وتقبيح الشارع، ومثاله: تحسين الشارع صوم شهر رمضان، وتقبيحه صوم يوم عيد الفطر.[١٣]
- الاختلاف الثالث: هل الأوامر والنواهي من الشرع هي السبب والموجب لحسن وقبح الأفعال، أم توجد أفعال لها حسن وقبح ذاتي بحيث يكون تحسين وتقبيح الشارع لها وسيلة للكشف عن الحسن والقبح الذي تتصف به بذاتها؟
- رأي الأشاعرة: قالوا: الأمر والنهي عندنا من موجبات الحسن والقبح لجميع الأفعال بمعنى: أن الفعل أُمر به فحَسُن، ونُهي عنه فقَبُح.[١٤]
- رأي العدلية: ان بعذ الأفعال لها حسن وقبح ذاتي، فلا يكون أمر الشارع بها ونهيه عنها (موجبا وسببا) لحسنها وقبحها، وانما يكون أمر الشرع بها ونهيه عنها (كاشفا ومبينا) لحسنها وقبحها الذاتي، أي ان الفعل حسن بذاته، فلهذا أُمر به لا لانه أُمر به فأصبح حسنا، وكذلك الحال في الفعل القبيح.[١٥]
رأي العدلية في الحسن والقبح العقليين
إنَّ العقل البشري قادر من صمصم ذاته على إدارك (حُسن) أو (قبح) بعض الأفعال من دون الاستعانة بحكم الشرع، ويكون الشرع عند تحسينه وتقبيحه لهذه الأفعال كاشفا عما يدرك العقل ومرشدا إليه، وليس للشرع في هذه الأفعال أن (يُحسّن ما هو قبيح ذاتا أو يُقبّح ما هو حسن ذاتا)، ولهذا فان الشك بالنبوة يؤدي إلى الشك بقبح أكل أموال الربا دون الشك بقبح الظلم.[١٦]
قال الإمام الصادق : بالعقل عرف العباد خالقهم ... وعرفوا به الحسن من القبيح.[١٧]
قال العلامة الحلي: ذهبت الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة إلى أن من الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل.[١٨]
أدلة ثبوت الحسن والقبح العقليين
الدليل الأول: يحكم كل عقل بالبداهة بحسن بعض الأفعال ذاتا ولزوم العمل بها، وقبح البعض الآخر من الأفعال ذاتا ولزوم الانتهاء عنها، وإذا بلغ الأمر إلى الضرورة بطل الاستدلال، ومن طلب الدليل بعد البداهة وقع في الإجحاف، ومن كابر في ذلك فقد كابر مقتضى عقله، ومثاله: اننا نعلم بالضرورة من خُيّر شخصا بين العدل والظلم، ولم يكن لذها الشخص علم بموقف الشرائع، فانه سيختار العدل قطعا، وما ذاك إلا لأن حسن العدل وقبح الظلم ذاتي وضروري عقلا.[١٩]
الدليل الثاني: لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما من ينكر الشرائع، ولكننا نرى غير الملتزمين بالدين على اختلاف فصائلهم يصفون بعض الأفعال بالحسن، ويجدون أنفسهم ملزمين بفعلها، ويصفون بعذ الأفعال الأخرى بالقبح ويعتقدون بأنهم ملزمون بتركها، ويسند هؤلاء تحسينهم وتقبيحهم إلى العقل من غير أن يكون للحكم الشرعي أي أثر في التحسين والتقبيح والالتزام بالفعل والترك، ومثاله: يُحسّن هؤلاء أداء الأمانة والصدق النافع والوفاء بالعهد، ويقبّحون الظلم والخيانة والكذب الضار ونقض العهد.[٢٠]
الدليل الثالث: إنَّ الاعتقاد بالتحسين والتقبيح العقلي هو السبيل لإثبات صحة التحسين والتقبيح الشرعي، ولا يمكن إثبات الحسن والقبح مطلقا من دون الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي، فإنَّ إنكار تحسين وتقبيح العقل يلزم إنكار تحسين العقل للصدق وتقبيحه للكذب، فيؤدي إلى فقدان الثقة بتحسين وتقبيح الشرع، لاحتمال كون الشارع كاذبا في إخباره، فينتفي الوثوق بالشرع، وتكون النتيجة عدم الاطمئنان بصحة تحسين وتقبيح الشرع، والنتيجة: إنَّ الجزم بعدم كذب الشارع رهم بحكم العقل، وهذا ما يثبت الحسن والقبح العقلي.[٢١]
الدليل الرابع: إنَّ المعجزة هي الوسيلة التي يثق بها الناس بصدق دعوة الأنبياء، ولا يكون هذا الوثوق إلا بعد الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي المتمثل بقاعدة (إنَّ إعطاء الله المعجزة للكاذب في دعوة النبوة قبيح ذاتا)، ومن هنا نثق بصدق مدعي النبوة لان الله لا يفعل القبيح والحسن هو أعطاء المعجزة للصادق في دعوة النبوة لا الكاذب، وعليه فبإنكار الحسن والقبح العقلي تنسد أبواب معرفة النبي الصادق وتمييزه هن الكاذب.[٢٢]
الدليل الخامس: لو لم يكن الحسن والقبح عقليين لم يكن للأنبياء أي دليل لإثبات لزوم توجّه الناس إلى البحث والنظر، ووجوب تعرّف الخلق على الله تعالى، وضرورة اتباع الناس لهم، وعليه فإن وجوب التوجه إلى ابحث والنظر، ووجوب التعرف على الله تعالى ووجوب إتباع النبي أمور عقلية لا شرعية.[٢٣]
الدليل السادس: لو كان الحسن ما حسنه الله تعالى، والقبيح ما قبحه الله تعالى، لم يكن فرق بين (العدل والظلم) فيجوز - في هذه الحالة - أن يظلم الله تعالى العباد، لأن الظلم غير قبيح ذاتا، بل يكون الظلم حسنا فيما لو أمر الله تعالى به، ويكون الظلم قبيحا فيما لو نهى الله تعالى عنه، وهذا باطل بالضرورة.[٢٤]
الدليل السابع: لو كان الحسن والقبح مستندا إلى الشرع فقط، لم يكن فرق بين ما عُلم قبحه من الشرع، وما عُلم قبحه من العقل، ولكن نجد إنَّ الشخص الذي يشك بالشرع فهو بالطبع يشك في قبح ما علم قبحه من الشرع كقبح أكل لحم الميتة، ولا يشك في قبح ما علم قبحه من العقل كقبح الظلم والخيانة.[٢٥]
إثبات الحسن والقبح العقليين في القرآن الكريم
توجد آيات قرآنية تدل بظاهرها على أن العقل البشري قادر بذاته على إدراك حسن وقبح بعض الأفعال، ومن هذه الآيات:
1 - قوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾.[٢٦]
إنَّ الاستفهام الاستنكاري في الآية الشريفة يفيد (التأكيد)، وسياق النفي والاستثناء في الآية يفيد (الحصر)، وعليه فالآية تنص على أصل كلي ثابت في العقول وهو: حسن جزاء الإحسان بالإحسان، وقبح الإحسان بالإساءة.[٢٧]
2 - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.[٢٨]
إنَّ ظاهر قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ هو أن الله تعالى ينهى عن الفحشاء، لأن الفحشاء قبيحة في نفسها، لا أن الفحشاء تكون قبيحة بعد نهي الله تعالى عنها.[٢٩]
3 - قوله تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ • مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.[٣٠]
تفيد هذه الآية قاعدة عقلية ثابتة، وهي حسن التفريق بين المحسن والمسئ وقبح التساوي بينهما، وقد ترك الله تعالى في هاتين الآيتين القضاء والحكم إلى (العقل)، وهذا ما يدل على قدرة (العقل) على التمييز بين الحسن والقبح في هذه القضايا. [٣١]
4 - قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ﴾.[٣٢]
تبين الآية بأن الشريعة تُحرّم ما يكون قبيحا في نفسه، والفاحشة هي الفعلة أو الخصلت التي فحش قبحها في الفطر السليمة والعقول الراجحة التي تميّز بين الحسن والقبيح والضار والنافع.[٣٣]
5 - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.[٣٤]
إنَّ تعليل قبح الشرك بأنّه ظلم عظيم يدل على أن قبح هذا الفعل تابع لملاك عقلي وهو قبح الظلم، فالشرك قبيح لأنه ظلم، والظلم قبيح بذاته، وما هو قبيح بذاته لا يعلل قبحه بعنوان آخر.[٣٥]
6 - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾.[٣٦]
إنَّ (المعروف) هو ما تعرف العقول السليمة حسنه، وترتاح له القلوب الطاهرة لموافقته للفطرة الإنسانية، وإنَّ (المنكر) هو ما تعرف العقول السليمة قبحه، وتشمئز منه القلوب الطاهرة لمنافرته للفطرة الإنسانية، وأما تفسير (المعروف) بنا أمرت به الشريعة، وتفسير (المنكر) بما نهت عنه الشريعة، فهو من قبيل تفسير الماء بالماء.[٣٧]
7 - قوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾.[٣٨]
إنَّ هذه الآية تحتج على منكري القيامة، وتبين لهم بأن إنكار القيامة يلزم كونه تعالى عابثا في خلقه للإنسان، و لايتم هذا الاحتجاج إلا إذا كان العبث قبيحا عندهم، وكونه منزّها عن فعل القبيح، وبما ان هؤلاء المنكرين لم يكونوا من المؤمنين بالرسالة، فيكشف اعترافهم بقبح العبث أن هذا التقبيح نابع من عقولهم.[٣٩]
ثمرات التحسين والتقبيح العقليين
لقد ذكروا للتحسين والتقبيح العقليين مجموعة من الثمرات ذكر بعضها الشيخ السبحاني في (كتاب الإلهيات)، ومنها:
- وجوب المعرفة: إتفق المتكلمون- ما عدا الأشاعرة- على لزوم معرفة اللَّه سبحانه على كل إنسان لزوماً عقلياً، أي أنَّ العقل يحكم بحُسْن المعرفة وقُبح تركها، لِمَا في المعرفة من أداء شكر المنعِم، وهو حسن، وفي تركها من الوقوع في الضَّرر المحتمل، وهو قبيح.
- لزوم بعث الأنبياء: إِنَّ مسألة لزوم إرسال الرسل أيضاً، تبتني التحسين والتقبيح العقليين، فالعقل الذي يدرك بأنَّ الإِنسان لم يخلق سدى، بل خلق لغاية يدرك بأنه لا يصل إليها إلّا بالهداية التشريعية الإِلهية، فيستقل بلزوم بعث الدعاة من اللَّه تعالى لهداية البشر.
- اللَّه عادل لا يجور: يقبح التكليف منه بما لا يطاق، فمن نتائج حكم العقل بعدله تعالى، حكمه بلزوم وجود التمكّن والقدرة في العبد للإِتيان بما يُكَلَّفون به، وأنَّ تكليفهم وإلزامهم بما هو فوق طاقتهم ظلم وهو قبيح لا يصدر عن الحكيم.
- إختيار الإِنسان: من جملة المسائل المترتبة على عدله تعالى المترتب على القول بالتحسين والتقبيح العقليين، اختيار الإِنسان في أفعال نفسه، وذلك أنَّ كونه مجبوراً مُسَيِّراً فيما يقوم به، ظلم وجور.[٤٠]
انظر ايضاً
الهوامش
- ↑ الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، ص 37 و ص 44 - 48.
- ↑ المرتضى، الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 2، ص 563.
- ↑ البحراني، قواعد المرام، ص 104.
- ↑ الحلبي، تقريب المعارف، ص 98.
- ↑ السيوري، النافع يوم الحشر، ص64.
- ↑ السيوري، إرشاد الطالبين، ص254.
- ↑ المظفر، دلائل الصدق، ج 1، ص 363.
- ↑ الجيلاني، تكملة شوارق الإلهام، ص 25.
- ↑ الگلبايگاني، القواعد الكلامية، ص 164.
- ↑ الإيجي، المواقف، ج 3، ص 270.
- ↑ الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، ص 49 - 50.
- ↑ الإيجي، المواقف، ج 3، ص 268.
- ↑ البحراني، قواعد المرام، ص 104.
- ↑ التفتازاني، شرح المقاصد، ج 4، ص283.
- ↑ الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، ص 52.
- ↑ الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، ص 54 - 55.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 1، ص 29، ح 35.
- ↑ العلامة الحلي، نهج الحق، ص 82.
- ↑ المحقق الحلي، المسلك في أصول الدين، ص 86.
- ↑ العلامة الحلي، كشف المراد، ص 418.
- ↑ العلامة الحلي، مناهج اليقين، ص 231.
- ↑ الحلبي، غنية النزوع، ج 2، ص 71 - 72.
- ↑ العلامة الحلي، كشف الفوائد، ص 249.
- ↑ العلامة الحلي، نهج الحق، ص 84.
- ↑ العبيدلي، إشراق اللاهوت، ص 307.
- ↑ الرحمن: 60.
- ↑ الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، ص 67.
- ↑ الأعراف: 28.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 8، ص 59.
- ↑ القلم: 35 - 36.
- ↑ الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، ص 66 - 67.
- ↑ الأعراف: 33.
- ↑ رضا، تفسير المنار، ج 8، ص 349.
- ↑ لقمان: 13.
- ↑ الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، ص 66.
- ↑ الأعراف: 157.
- ↑ رضا، تفسير المنار، ج 9، ص 193.
- ↑ المؤمنون: 115.
- ↑ الحسون، العدل عند مذهب أهل البيت، ص 67.
- ↑ السبحاني، الإلهيات، ج 1، ص 257 - 261.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف، تحقيق: د. عبد الرحمن عمير، بيروت - لبنان، دار الجيل، ط 1، 1417 هـ.
- البحراني، ميثم، قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، قم - إيران، مكتبة السيد المرعشي النجفي، ط 2، 1406 هـ.
- التفتازاني، مسعود بن عمر، شرح المقاصد، تحقيق: د.عبد الرحمن عميرة، قم - إيران، منشورات الشريف الرضي، ط 1، 1409 هـ.
- الجيلاني، محمد، تكملة شوارق الإلهام، قم - إيران، مركز انتشارات مكتب الإعلام الإسلامي، ط 1، 1421 هـ.
- الحسون، علاء، العدل عند مذهب أهل البيت، د.م، الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت، ط 2، 1432 هـ - 2011 م.
- الحلبي، تقي بن نجم، تقريب المعارف، تحقيق: فارس تبريزيان الحسون، قم - إيران، الناشر: المحقق، 1417 هـ.
- الحلبي، حمزة بن علي، غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، قم - إيران، مؤسسة الإمام الصادق، ط 1، 1418 هـ.
- السبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، بقلم: الشيخ حسن مكي العاملي، قم- إيران، مؤسسة الإمام الصادق، ط 7، 1430 هـ.
- السيوري، المقداد، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، قم - إيران، منشورات مكتبة السيد المرعشي النجفي، ط 1، 1405 هـ.
- السيوري، المقداد، النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، بيروت - لبنان، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 2، 1417 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم - إيران، مؤسسة إسماعيليان، ط 5، 1412 هـ.
- العبيدلي، عبد المطلب بن مجد الدين، إشراق اللاهوت في نقد شرح الياقوت، تحقيق: علي أكبر رضائي، طهران - إيران، مركز نشر ميراث مكتوب، ط 1، 1423 هـ.
- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، تحقيق وتعليق: الشيخ حسن مكي العاملي، بيروت - لبنان، دار الصفوة، ط 1، 1413 هـ.
- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تصحيح: الشيخ حسن زاده الآملي، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط 9، 1422 هـ.
- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، مناهج اليقين في أصول الدين، تحقيق: محمد رضا الأنصاري القمي، قم - إيران، الناشر: المحقق مطبعة ماران، ط 1، 1416 هـ.
- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، نهج الحق وكشف الصدق، تعليق: الشيخ عين الله الحسني، قم - إيران، مؤسسة دار الهجرة، ط 1، 1407 هـ.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران - إيران، دار الكتب الإسلامية، ط 6، 1375 ش.
- الگلبايگاني، علي، القواعد الكلامية، قم - إيران، مؤسسة الإمام الصادق، ط 1، 1418 هـ.
- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن، المسلك في أصول الدين، تحقيق: رضا الأستادي، مشهد - إيران، مجمع البحوث الإسلامية، ط 1، 1414 هـ.
- المرتضى، علي بن الحسين، الذريعة إلى أصول الشريعة، تحقيق: أبو القاسم جرجي، طهران - إيران، انتشارات جامعة طهران، ط 1، 1376 ش.
- المظفر، محمد حسن، دلائل الصدق، القاهرة - مصر، دار العلم للطباعة، ط 2، 1396 هـ.
- رضا، محمد رشيد، تفسير المنار، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، بيروت - لبنان، منشورات دار الكتب العلمية، ط 1، 1420 هـ.