نص:الخطبة الغراء
هذا النص الكامل لـالخطبة الغراء. وللمزيد من المعلومات اقرأ: الخطبة الغراء. |
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ، وَدَنَا بِطَوْلِهِ، مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَة وَفَضْل، وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَة وَأَزْل. أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ، وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ، وَأُؤْمِنُ بِهِ أَوَّلا بَادِياً، وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيْباً هَادِياً، وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ لاِِنْفَاذِ أَمْرِهِ، وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ. |
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي ضَرَبَ الاَْمْثَالَ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الاْجَالَ، وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ، وَأَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ، وَأَحَاطَ (أحاطكم) بِكُمُ الاِْحْصَاءَ، وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ، وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ، وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ، وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ، فَأَحْصَاكُمْ عَدَدَاً، وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً، فِي قَرَارِ خِبْرَة، وَدَارِ عِبْرَة، أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا، وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا. |
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا، رَدِغٌ مَشْرَعُهَا، يُونِقُ مَنْظَرُهَا، وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا. غُرُورٌ حَائِلٌ، وَضَوْءٌ آفِلٌ، وَظِلٌّ زَائِلٌ، وَسِنَادٌ مَائِلٌ، حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا، وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا (أجبلها)، وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا، وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ، وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ، وَمُعَايَنَةِ الَْمحَلِّ وَثَوَابِ الْعَمَلِ. وَكَذلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ، لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً، وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً، يَحْتَذُونَ مِثَالا، وَيَمْضُونَ أَرْسَالا، إِلَى غَايَةِ الاِْنْتِهَاءِ، وَصَيُّورِ الْفَنَاءِ. |
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الاُْمُورُ، وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ، وَأَزِفَ النُّشُورُ، أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ، وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ، وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ، وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ، سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ، مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ، رَعِيلا صُمُوتاً،قِيَاماً صُفُوفاً، يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِكَانَةِ، وَضَرَعُ الاِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ. قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ، وَانْقَطَعَ الاَْمَلُ، وَهَوَتِ الاَْفْئِدَةُ كَاظِمَةً، وَخَشَعَتِ الاَْصْوَاتُ مُهَيْمِنَةً، وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ، وَعَظُمَ الشَّفَقُ، وَأُرْعِدَتِ الاَْسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ، وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ، وَنَكَالِ الْعِقَابِ، وَنَوَالِ الثَّوَابِ. |
عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً، وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً، وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَارَاً، وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً، وَكَائِنُونَ رُفَاتاً، وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً، وَمَدِينُونَ جَزَاءً، وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً. قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الَْمخْرَجِ، وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ; وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ، وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ، وَخُلُّو الِمِضْمَارِ الْجِيَادِ (الخيار)، وَرَوِيَّةِ الاِرْتِيَادِ، وَأَنَاةِ الْمُقْتَبَسِ (المقتبين) الْمُرْتَادِ (المتقين)، فِي مُدَّةِ الاَْجَلِ، وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ. |
فَيَالَهَا أَمْثَالا صَائِبَةً، وَمَواعِظَ شَافِيَةً، لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً، وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً، وَآرَاءً عَازِمَةً، وَأَلْبَاباً حَازِمَةً! فَاتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ، وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ، وَوَجِلَ فَعَمِلَ، وَحَاذَرَ فَبَادَرَ، وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ، وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ، وَحُذِّرَ فَحَذِرَ، وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ، وَأَجَابَ فَأَنَابَ، وَرَاجَعَ (رجع) فَتَابَ، وَاقْتَدَى فَاحْتَذَى، وَأُرِيَ فَرَأَى، فَأَسْرَعَ طَالِباً، وَنَجَاهَا رِباً، فَأَفَادَ ذَخِيرَةً، وَأَطَابَ سَرِيرَةً، وَعَمَّرَ مَعَاداً، وَاسْتَظْهَرَ زَاداً، لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ، وَحَالِ حَاجَتِهِ، وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَاللهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ، وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ، وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ. |
و منها: جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا، وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا، وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لاَِعْضَائِهَا، مُلاَئِمَةً لاَِحْنَائِهَا، فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا، وَمُدَدِ عُمُرِهَا، بِأَبْدَان قَائِمَة بِأَرْفَاقِهَا، وَقُلُوب رَائِدَة (بائدة) لاَِرْزَاقِهَا، فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ، وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ، وَحَوَاجِزِ (جوائز) عَافِيَتِهِ. وَقَدَّرَلَكُم أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ، وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ، مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهمْ، وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ. أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَادُونَ الاْمَالِ، وَشَذَّبِهمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الاْجَالِ لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الاَْبْدَانِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الاَْوَانِ. فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ؟ وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ؟ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ (اوبة) الْفَنَاءِ؟ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ (الزّوال)، وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ، وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ، وَغُصَصِ الْجَرَضِ وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالاَْقْرِبَاءِ، وَالاَْعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ! فَهَلْ دَفَعَتِ الاَْقَارِبُ ؟! أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ ؟ ! |
وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الاَْمْوَاتِ رَهِيناً، وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً، قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ، وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ، وَعَفَتِ الْعَواصِفُ آثَارَهُ، وَمَحَا الْحَدَثَانِ مَعَالِمَهُ، وَصَارَتِ الاَْجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا، وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا، وَالاَْرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا، مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا، لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا، وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّىءِ زَلَلِهَا! أَوَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالآبَاءَ، وَإِخْوَانَهُمْ وَ الاَْقْرِبَاءَ؟ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ، وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُم، وَ تَطَؤُونَ جَادَّتَهُمْ ؟ ! فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا، لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا، سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا! كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا، وَكَأَنَّ الرُّشْدَفِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ (السّراط) وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ، وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ، وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ. |
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ، وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ، وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ، وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ، وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ، وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ، وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لاَِمَانِهِ (أبانة)، وَتَنَكَّبَ الَْمخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ، وَسَلَكَ أَقْصَدَ المَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ. وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ، وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الاُْمُورِ، ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى، وَرَاحَةِ النُّعْمَى، فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ، وَ آمَنِ يَوْمِهِ. وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً، وَقَدَّمَ زَادَ (ذات) الاْجِلَةِ سَعِيداً، وَبَادَرَ مِنْ وَجَل، وَأَكْمَشَ فِي مَهَل، وَرَغِبَ فِي طَلَب، وَذَهَبَ عَنْ هَرَب، وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ، وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ. فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالا، وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالا! وَكَفَى بِاللهِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً! وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً! |
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ، وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً، وَنَفَثَ فِي الآذَانِ نَجِيّاً، فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى، وَوَعَدَ فَمَنَّى، وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ (النيّات) الْجَرَائِمِ، وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ، حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ، وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ، أَنْكَرَ مَازَيَّنَ، وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ، وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ. |
أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْحَامِ، وَشُغُفِ الاَْسْتَارِ، نُطْفَةً دِهَاقاً (دفاقاً ـ ذهاقاً)، وَعَلَقَةً مِحَاقاً، وَجَنِيناً وَرَاضِعاً، وَوَلِيداً وَيَافِعاً، ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَلِساناً لاَفِظاً، وَبَصَراً لاَحِظاً، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً. حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ، وَاسْتَوَى مِثَالُهُ، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً، وَخَبَطَ سَادِراً، مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ، كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ، فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ; ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً، وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً; فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً، وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً (اسيراً)، لَمْ يُفِدْ عِوَضاً (غرضاً)، وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً. دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ (غبرة) جِمَاحِهِ. |
فَظَلَّ سَادِراً، وَبَاتَ سَاهِراً، فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ، وَطَوَارِقِ الاَْوْجَاعِ وَالاَْسْقَامِ، بَيْنَ أَخ شَقِيق، وَوَالِد شَفِيق، وَدَاعِيَة بِالْوَيْلِ جَزَعاً، وَلاَدِمَة لِلصَّدْرِ قَلَقاً; وَالْمَرْءُ فِي سَكْرَة مُلْهِثَة، وَغَمْرَة كَارِثَة، وَأَنَّة مُوجِعَة، وَجَذْبَة مُكْرِبَة، وَسَوْقَة مُتْعِبَة. ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً (ملبساً)، وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الاَْعْوَادِ رَجِيعَ وَصَب، وَنِضْوَ سَقَم، تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ، وَحَشَدَةُ الاِْخْوَانِ، إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ، وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ، وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ. حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ، وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ (مفجّ)، أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ، وَعَثْرَةِ الاِمْتِحَانِ. وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ، وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ، وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ، وَسَوْرَاتُ الزَّفِيرِ (السّعير)، لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ، وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ، وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ، وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ، بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ، وَعَذَابِ السَّاعَاتِ! إِنَّا بِاللهِ عَائِذُونَ! |
عِبَادَ اللهِ، أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا، وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا، وَأُنْظِرُ وافَلَهَوْا، وَسُلِّمُوا فَنَسُوا! أُمْهِلُوا طَوِيلا، وَمُنِحُوا جَمِيلا، وَحُذِّرُوا أَلِيماً، وَوُعِدُوا جَسِيماً (جميلا)! احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ، وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ. أُولِي الاَْبْصَارِ وَالاَْسْمَاعِ، وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ، هَلْ مِنْ مَنَاص أَوْ خَلاَص؟، أَوْ مَعَاذ؟ أَوْ مَلاَذ؟، أَوْ فِرَار أَوْ مَحَار! أَمْ لاَ ؟ «فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ! » أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ! أَمْ بمَاذَا تَغْتَرُّونَ! وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الاَْرْضِ، ذَاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، قِيدُ قَدَّهِ، مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ! الاْنَ عِبَادَ اللهِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ، وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ، فِي فَيْنَةِ الاِْرْشَادِ، وَرَاحَةِ الاَْجْسَادِ، وَبَاحَةِ الاِحْتِشَادِ، وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ، وَ أُنُفِ الْمَشِيَّةِ، وَ إِنْظَارِ التَّوْبَةِ، وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ، قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ، وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ، وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ وَأَخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ. |
وفي الخبر: أنه لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود، وبكت العيون، ورجفت القلوب.[١] |
- ↑ الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص107 - 114.