القتل العمد

القتل العمد هو قتلٌ عمدي لإنسانٍ، وهو بالشريعة أمر محرَّم بل من كبائر الذنوب، ولم يختلف على حرمة هذه الجريمة دين من الأديان الإلهيَّة، ولا قانون من القوانين البشريَّة.

بحسب الآيات القرآنيَّة يجب احترام دماء النَّاس، ويعتبر قتل أيّ نفس من نفوس من دون مبرِّر شرعي أمر محرَّم، بل لهذه الجريمة في القرآن الكريم أشدُّ العقوبات في الآخرة بالتوعّد عليها بالعذاب الأبدي.

القرآن الكريم ينصّ على اعتبار القتل العمدي الذي يكون ظلمًا للآخرين جريمة عظمى إلى درجة تصريحه أنَّ قتل شخصٍ واحدٍ بمثابة من قتل النَّاس جميعًا.

وقد روي عن النبي الأعظم أنَّ أول ما من يحكم عليه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة هو من سفك دمًا بغير حقٍّ.

وقد حرَّم الفقه الإسلامي قتل الإنسان المحترم كالمسلم والكافر غير الحربي، وقد ذكر فقهاء الإمامية شرطان لتحقّق القتل العمدي:

الأول: قصد القتل.

الثاني: أن تكون الآلة المستعملة للقتل فتَّاكة.

وفي الفقه الإسلامي تكون عقوبة القتل هي القصاص، ويعتبر الانتحار وإسقاط الجنين من موارد القتل العمدي.

الموقعية

القتل العمدي ظلمٌ ومن كبائر المعاصي، وفي الإسلام يحكم بخلود القاتل بالقتل العمدي في النَّار، وكذلك بقيَّة الأديان الإلهية اعتبرت القتل العمدي من كبار المحرَّمات، وقد اتفقت جميع القوانين البشريَّة أيضًا على حرمة القتل العمدي.

يعتبر حقّ الحياة أحد أهم الحقوق الأساسيَّة للإنسان بحيث لولاها لا يكون هناك معنى لحقوق أخرى، وهذا الحقّ معترف فيه بشكلٍ رسميٍّ في جميع المصادر والوثائق لحماية حقوق الإنسان، ولمن أراد أن يتتبع أهميَّة هذه المسألة في المصادر الدينيَّة يستطيع أن يبحث عنها في مواضيع مثل حرمة قتل النفس والانتحار وإسقاط الجنين.

قد أولى الفقه الإسلامي أولويَّة خاصَّة جدًّا لمسألة لحرمة قتل أيّ أحدٍ من النَّاس، ويمكن ملاحظة المواطن المتعدِّدة في الفقه التي ورد فيها أحكام القتل، مثل الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرث، والحدود، والقصاص، والدِّيات.

احترام دم الإنسان ليس خاصًّا بالمسلمين بل يعم حتى غير المسلمين الذين ليس لديهم حرب مع المسلمين ولا يكنون عداوة للمسلمين بل بحيث تكون الحياة معهم مسالمة، فهؤلاء من الكفَّار تكون أرواحهم في حفظ وتحت رعاية الدولة الإسلامية.

الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر:
«إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شئ أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها ! والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله. ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن.»

التعريف، الشروط والأحكام

القتل ينقسم إلى ثلاثة أنواعٍ:

الأول: القتل الخطأ.

الثاني: قتل شبه العمد.

الثالث: القتل العمد: وهو قتلٌ لإنسانٍ دون أن يكون هذا الإنسان ممن أفسد في الأرض، وقد ذكر في الفقه الإسلامي أنَّ مناط القتل العمديّ أن يكون القاتل بالغ، وعاقل، وعنده قصد حقيقي للفعل المسبِّب للقتل، ولابد أيضًا من أن يقصد حصول القتل، ولا يكفي فقط مجرّد أن ينوي الفعل الذي نتيجته القتل دون أن يكون قاصدًا للقتل.

يوجد بعض الأحكام الأخرى للقتل، وهي كالتَّالي:

• القتل العمد إذا صدر من المجنون والصَّبي فحكمه شرعًا هو إلحاقه بالقتل الخطأ.

• يثبت القتل العمد بشاهدة رجلين عدلين بحسب فتوى مشهور الفقهاء.

• يُعَدُّ الانتحار وإسقاط الجنين من موارد القتل العمد.

• لا يحصل القاتل على الإرث في حالةِ كون المقتول من أحد أفراد العائلة.

• يعتبر قتل الإنسان المحترم مثل المسلم والكافر غير الحربي من الأمور المحرَّمة، لكن عندما يكون قتل هذا الشخص لا إشكال فيه من النَّاحية الشرعيَّة، كأن يكون القتل في حال الدفاع عن النَّفس عندما يهجم عليك شخص، أو في حالة الدفاع عن النَّفس في ظرف قيام حربٍ، أو يكون الشخص ممن يسعى في إفساد الأرض، أو ثبت عليه حكم القصاص، أو يكون مجرمًا ثبت عليه حدّ القتل.
• أفتى مشهور الفقهاء أنَّ الشخص عندما يكون في ظرف التَّقيَّة، أو الإكراه على قتلٍ شخصٍ ما، ففي هذه الصورة يحرم القتل حتى لو كانت حياته مهدَّدة بالخطر، وإذا فعل ذلك فلابد أن يقتصَّ منه.

القتل، معصية عظمى في القرآن

بحسب ما ذكره القرآن الكريم يكون احترام دم الإنسان من الواجبات، وقتل أيّ نفسٍ من المحرَّمات، بل هذا الفعل من أحد أكبر المعاصي الكبيرة بنظر القرآن الكريم،

وبحسب ما يراه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي وهو أحد مفسِّرين القرآن، أنَّ عقوبة القاتل في الآخرة التي بيَّنها القرآن هي من أشدّ العقوبات، فقد جاء في القرآن الكريم {وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً}

وقد ذكر في القرآن بخصوص القَتَلَة أربع عقوبات شديدة جدًّا:

• الخلود في جهنَّم.

• الغضب الإلهي.

• اللعن من الله سبحانه وتعالى.

• العذاب العظيم.

من يقتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا

القرآن الكريم اعتبر القتل بغير حقٍّ بمثابة الجريمة العظيمة جدًّا حتى أنَّه عدَّ أنَّ يقتل شخصًا واحدًا فهو بمنزلة قتل الناس جميعًا،، وقد جاء في الآية 32 من سورة المائدة {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً}.

ويذكر العلامة الطباطبائي في ذيل هذه الآية أنَّ القتل يؤول معناه إلى أبطال غرض الخلقة من بقاء نسل الإنسانيَّة نسلًا بعد نسل.

حول روايات القتل العمدي

صرَّحت الروايات وبكثرة إلى كبر معصية القتل، ففي الرواية عن النبي جاء أنَّ أول ما يحكم الله (عزّ وجلّ) يوم القيامة الدِّماء، وأيضًا في روايةٍ أخرى عن النبي جاء أنَّ لو تهلك الدنيا كلها أهون عند الله من سفك الدماء ظلمًا، وكذلك في رسالة الإمام علي إلى مالك الأشتر جاء التَّحذير من سفك الدِّماء؛ لعدم وجود ما هو أدعى لنقمة الله من القتل، ولا ما هو أدعى لتبعةٍ من القتل، ولا ما هو أدعى بزوال النِّعمة من القتل.

عقوبة القتل في قوانين الدول

لقد اتخذت الدول عقوبات شديدة جدًّا لمن يرتكب جريمة القتل، مثل عقوبة الإعدام أو الحبس المؤبَّد، أو الحبس الطويل جدًّا، علمًا بأنَّ الفقه الإسلامي يعاقب القاتل عمدًا بالقصاص، ولأولياء المقتول حق في اتخاذ واحدة من ثلاثة:

• القصاص.

• العفو عن القاتل بشرط أخذ الدِّية.

• العفو عن القاتل بدون أخذ الدِّية.

في بعض الدول مثل كندا وإِنجِلْترا يعاقبون القاتل عمدًا بالحبس المؤبَّد، وفي دولةٍ كالعراق يعاقبون القاتل عمدًا عادةً بالحبس المؤقت أو الدائم، وفي موارد خاصَّة يحكم عليه بالإعدام.

في إيران بحسب قانون العقوبات الإسلامية يعاقب القاتل عمدًا بالقصاص بحسب المادة 381 المصوّب بتاريخ (2013م)، وبحسب هذا القانون إذا رضي أولياء الدَّم بالدِّية فيمكن تبديل القصاص بالدِّية. وهناك أيضًا في قانون العقوبات الإسلامية في إيران موارد أخرى تحسب ضمن القتل العمدي مثل أن يحصل هجر أو ترك ويسبب هذا الهجر الموت، فهذا يحسب ضمن القتل العمدي، مثل أن يترك من يتولّى رضاعة الطفل -كالأم أو الخالة أو المرضعة- إرضاعه حتى يموت، فهذا من موارد القتل العمدي، وكذلك مثل أن يترك الطبيب أو الممرّض والممرّضة الرِّعاية حتى يموت المريض، فهذا من موارد القتل العمدي.