الخلود في النَّار أو العذاب الأبدي هو من تعاليم الإسلام وكثير من الأديان، وقد أشارت آيات عديدة من القرآن وبتعابير مختلفة - مثل «خالدین فیها أبدًا» - إلى العذاب الأبدي، وقد وردت أحاديث متعددة في التراث الحديثي الشيعي حول الخلود في النار.

ويوجد خلاف بين العلماء حول الخلود في النَّار، فبعضهم يرى أنَّ الخلود منافٍ للعدل والحكمة الإلهية والرحمة الإلهيَّة، كما هو خلاف بعض الآيات القرآنية، ويعتقدون أنَّ أهل النَّار إما سوف يخرجون منها وإما إن بقوا فيها ففيما بعد سوف يزول عنهم الألم والمعاناة.

ويرى بعض العلماء ومنهم علماء الشيعة ثبوت الخلود والعذاب الأبدي، لكنَّه لن يقع على كل الأصناف بل يرون أنَّ العذاب الأبدي مختصٌّ بالكفار المعاندين الذين تمَّت الحجَّة عليهم، ويعتقدون أنَّ العصاةَ والمستضعفين فكريًّا لن يخلَّدوا للأبد في النار. طبعا، ورد في القرآن أنَّ بعض الأفراد لن يخرجوا من النار أبدًا.

ويعتقد بعض علماء الشيعة أنَّه يمكن تبيين مسألة الخلود في النار عبر نظرية تجسُّم الأعمال أي ظهور حقيقة العمل وتمثُّله يوم القيامة.

مكانة البحث

الخلود أو خلود النفس البشريَّة بعد الموت هو أحد التعاليم الإسلامية، وتعاليم كثير من الأديان، ومن جملتها اليهودية والمسيحية،[١] وبشكلٍ عام جاء في القرآن الوعيد بخلود بعض الجماعات والأفراد في النار ومن جملة هؤلاء الأفراد الذي توعدوا بالنار هم: الكفار،[٢] والمشركون،[٣] والمنافقون.[٤]

والاختلاف الذي حصل في مسألة الخلود النار وصل إلى حدِّ عدِّه عند بعضهم من الأمور المجمع عليها، بل من ضروريات الدين، وبعض آخر على العكس تمامًا يرون أنَّ المسألة بحدٍّ بعيدة العقل بحيث لا ينسبون الخلود في النار إلى كونه شيء من الدين.[٥] والذين يرون ثبوت العذاب الأبدي استندوا في ذلك إلى الأدلة الأدلة النقلية التي وصلتنا من القرآن والروايات[٦] وقيل أنَّ 85 آية وردت في القرآن حول الخلود، و34 آية حول الخلود في النار.[٧]، وجاء في الآية 169 من سورة النساء، والآية 65 من سورة الأحزاب، والآية 23 من سورة الجنّ أنَّ الكافرين والظالمين والعاصين لله ولرسوله «خالدين فيها»، وجاء بعدها كلمة «أبداً».[٨] وفي باب الخلود في جهنم جاءت روايات عديدة حول هذا المضمون إلى حدٍّ يذكر صاحب الميزان أنَّ الروايات الواصلة عن أهل بيت العترة   حول الخلود في النار تصل إلى حدّ الاستفاضة.[٩] وقد جاء في الروايات أنَّ الخلود ليس للجميع بل للكافرين والمشركين والجاحدين للحقّ.[١٠]

ثلاث نظريات حول العذاب الأبدي

العذاب الأبدي للكافرين ولأصحاب الكبائر

أكثر المتكلمين المسلمين من المذاهب المختلفة يعتقدون بخلود الكفار في جهنم [١١]، لكن وقع الاختلاف بينهم في أمر آخر وهو بخصوص الفاسقين أو بتعبيرٍ آخر: مرتكب الكبيرة بحيث مات ولم يتب، فمثل الخوارج تراهم يعتقدون أنَّ مرتكب الكبيرة كافر وسيبقى في النَّار للأبد، وفي مقابل الخوارج ترى المعتزلة الذين يرون أنَّ مرتكب الكبيرة مسلم لكنَّه من الفسَّاق، أي لا كافر ولا مؤمن، بل منزلةٌ بين المنزلتین، على الرغم من أنَّ أكثر المعتزلة يرى ما يراه الخوارج أنَّ مثل مرتكب الكبيرة يبقى في النار للأبد.[١٢]

اختصاص العذاب الأبدي بالكفار

يعتقد الجاحظ وعبدالله بن حسن العنبري أنَّ خلود الكفَّار في العذاب لخصوص الكافر المعاند أمر صحيح، لكن الكافر الذي حاول البحث عن الحق، ولم تتضح له دلائل الحق، وعلى إثر ذلك لم يصبح مسلم، فهو معذور وعذابه في النار سوف ينقطع.[١٣]

المخالفون للعذاب الأبدي

يوجد من بين علماء المذاهب المختلفة من يخالف مسألة العذاب الأبدي، لكن هؤلاء أنظارهم متعدِّدة، أي خلافهم لمسألة العذاب الأبدي لا ينصبّ على نقطة واحدة يتفقون عليها بل كلٌّ منهم لديه دليله الخاصّ، وبحسب البحوث التي ذكرت في المقام، فإنَّ المخالفين لمسألة العذاب الأبدي يمكن تقسيمهم ستة أقسام:[١٤]

  1. خروج أصحاب النار من جهنم ودخولهم إلى الجنة.[١٥]
  2. زوال النار وأهلها.[١٦]
  3. إعطاء قوة الصبر لأهل جهنم ونسيان العذاب.[١٧]
  4. اختلاط العذاب بالنِّعمة.[١٨]
  5. تنعُّم أهل النَّار بالنَّار.[١٩]
  6. الخلود النَّوعي.[٢٠]

وقيل أنَّ فقط جهم بن صفوان وبعض من تابعه من ذهب إلى القول بفناء النَّار والجنَّة، وبالتالي ليست عندهم عقيدة بخصوص مسألة الخلود.[٢١]

ومن أبرز من يذكر بكونه مخالف لمسألة الخلود في النَّار هو الشيخ ابن عربي[٢٢]، وكتب أنَّه بعد أن يذوق أهل النَّار العذاب بقدر أعمالهم ينزل عليهم فضل الله ورحمته - وهم باقون في النَّار- وبالتالي لا يشعرون بحرارة النَّار.[٢٣]

وبعد الشيخ ابن عربي جاء الملا صدرا الشيرازي المعروف بلقب ( صدر المتألهين) وقيل أنَّه وافق الشيخ ابن عربي في عقيدته؛ إذ في بعض آثاره خالف خروج الكفار من جهنّم واعتقد أنَّه بالنهاية سوف ينقطع العذاب عنهم ولن يستمرّ للأبد، وبالتالي في آخر المطاف لن يشعر أهل النار بإحساس الألم والعذاب[٢٤]، لكن الملا صدرا في كتابه المشاعر ذكر أنَّ شهوده ومكاشفته والأدلة العقلية أيضًا تقوده لأمر آخر بخلاف ما ذكره الشيخ ابن عربي بأنَّ العذاب مستمرّ وخالد.[٢٥]

وأيضًا ذكر بعض الباحثين أنَّ السيد الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) يصنَّف بكونه من العلماء القائلين بانقطاع خلود العذاب، ويرى فائدة الشفاعة بالنسبة لهم[٢٦]، وذكر أنَّ السيد الإمام تمسَّك من أجل إثبات مدَّعاه بالرحمة الإلهية الشاملة لكل شيء، وأنَّ الخلود الأبدي للعذاب منافٍ للفطرة الإنسانيَّة.[٢٧]

عقيدة علماء الشيعة

بحسب البحث الذي ذكره أحد المتخصصين في علم الكلام وهو (الشيخ قدردان قراملكي) أنَّ أصل الخلود في النَّار بنظر علماء الشيعة - عدا صدر المتألهين ومن تابعه- مسلَّم ومجمع عليه[٢٨]، وبعقيدة متكلمي الشيعة (علماء العقيدة) فإنَّ الخلود في النار مختصّ بالكفَّار.[٢٩]

اختصاص العذاب الأبدي بالكفار المعاندين

بحسب نظر الشيخ المفيد، فإنَّ الشيعة تعتقد باختصاص العذاب الأبدي بالكفَّار، وأمَّا العصاة فإنَّهم وإن دخلوا جهنَّم، لكن بقاءهم في النار لن يستمر للأبد[٣٠]، ومن ضمن الذين أكَّدوا هذه المسألة - اختصاص خلود العذاب بالكُفَّار- الملا صدرا الشيرازي، حيث ذكر أنَّ منشأ الخلود في جهنَّم هو الكفر فقط؛ وهذا الخلود ناتج عن فساد عقيدتهم لا أعمالهم؛ لأنَّ العذاب الناتج عن فساد العمل يحتمل فيه الرفع وعدم تأبيده، بخلاف العذاب الناتج عن فساد العقيدة، وبعبارة أخرى: نار العقيدة الواقعة في داخل النَّفس مستمرة خالدة بخلاف نار الأعمال، وعلى كلّ حال فرغم أنَّ الملا صدرا مخالف للمشهور في مسألة الخلود في النار - كما تمّ توضيح ذلك مسبقًا- يبقى أنَّ كلامه بخصوص عذاب الكفار مؤكِّد ومؤيد لما ذكره مشهور العلماء.[٣١]

بنظر العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان أنَّ القرآن كان صريحًا في مسألة الخلود في النار كما جاء في سورة البقرة الآية 76، فقد صرحت الآية أنَّ هؤلاء لن يخرجوا من النار، وكذلك هناك روايات متعدِّدة عن أهل البيت (عليهم السلام) واضحة في هذا المضمون، ومن هنا يتبيَّن أنَّ أي رواية من الروايات غير الشيعية الحاكية عن انقطاع العذاب، يجب أن نبعدها جانبًا؛ لمخالفتها لصريح القرآن.[٣٢]

استدلالات متكلمي الشيعة

علماء الدين الشيعة بخصوص العذاب الأبدي يرون أنَّه ليس عامًّا وشاملًا لكل من سيدخل النَّار، بل يرون أنَّ فقط الكافر المعاند هو من كانت تتحدث عنه الآيات القرآنية والروايات، وبالإضافة للاستدلالات العقلية في هذا المجال، فمثلًا من الأدلة في سورة الأنعام، الآية 128، جاءت هذه العبارة: {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}، وهذه العبارة تشير إلى المستثنى من حكم العذاب الأبدي، والمستثنى لا يمكن أن يكون هو الكافر؛ لأنَّ الإجماع قام على عدم خروجه من جهنَّم، وبالتالي يبقى أن يكون المستثنى من حكم العذاب الأبدي هو الفاسق المرتكب للكبيرة بحيث أنَّ انقطاع عذابه سيكون بحسب إرادة ومشيئة الله في ذاك العالم.[٣٣]

العلامة المجلسي عندما لاحظ الروايات في هذا المجال ذكر أنَّه من مجموع الروايات يصل إلى هذه النتيجة وهي أنَّ الذي لا يخلَّد هو المصاب في عقله بشيء بحيث لا يعقل بشكل صحيح الأمور أو الشخص الذي لم تتم عليه الحجَّة[٣٤]، وهذا الكلام منه (رضوان الله تعالى عليه) إن صحَّ فهمنا لكلامه فهو يرى أنَّ المسألة تدور مدار الحجة وعدم الحجة لا مدار الكفر وعدمه، والحجة أعم من الكفر؛ لأنَّها تشمل الفاسق.

عقيدة متكلمي الشيعة (علماء العقيدة) ترى أنَّ المؤمن المرتكب للكبيرة (الفاسق)، بسبب إيمانه يكون مستحق للثواب الدائم؛ لما جاء في آخر سورة الزلزلة أنَّ أقلّ خيرٍ يعمله الإنسان يراه أي يحصل على جزاءه، ولا يخفى أنَّ الإيمان هو أكبر أعمال الخير في حياة الإنسان، وبالتالي عندما ننظر للمسألة بهذا النحو نجد أنَّ مثل هذا الشخص له عذاب، وبسبب إيمانه مستحق للثواب المستمرّ، وبالتالي يكون التوجيه المناسب هو أنَّ مثل هذا المؤمن الفاسق يدخل النار أولًا ويعذَّب فيها، وبعد ذلك ينقطع عنه العذاب ويدخل الجنَّة، ويكون بسبب عقيدته مستحق للنَّعيم الأبدي.[٣٥]

العذاب الأبدي ورحمة الله

مجموعة من علماء المسلمين الذي يتميَّز أكثرهم بالأسلوب الفلسفي والعرفاني نلاحظ مخالفتهم لمسألة الخلود والعذاب الأبدي في النَّار[٣٦]؛ لأنَّهم يرون أنَّ العذاب الأبدي منافٍ للرحمة الإلهية[٣٧]، وفي الطرف المقابل ذكر العلامة الطباطبائي وهو أحد المفسرين وفلاسفة الشيعة أنَّ الرحمة الإلهية ليست بمعنى رقَّة القلب والإشفاق والتاثر الباطني؛ لأنَّ هذا المعنى من الرحمة من لوازم المادة والطينة البشرية والله سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن ذلك، بل الرحمة الإلهية بمعنى الإعطاء والإفاضة لما يناسب الاستعداد التام الحاصل في القابل، وبعبارة واضحة: الرحمة الإلهية على قسمين:

الأول: الرحمة الإلهية العامة وهي إعطاء الشيء ما يشتاقه في صراط الوجود والكينونة.

الثاني: الرحمة الإلهية الخاصة وهي إعطاء الشيء ما يشتاقه وينبغي له في صراط الهداية إلى التوحيد وسعادة القرب الإلهي.

وبالتالي الإنسان عندما يشقى في الدنيا، فهو في الواقع يقوم بعجن طينته من الداخل لأن تصبح شقيَّةً تمام الشقاء، والله سبحانه وتعالى يعطي كل من يشتاق لشيء ما يشتاقه، فكما أنَّ البيضة تشتاق إلى كونها دجاجة أي فيها قابلية ذلك، فكذلك الإنسان الشقي أوجد في داخله قابلية الشقاء حصرًا، والله سبحانه وتعالى بمقتضى رحمته العامة يفيض عليه ما هو قابل ومشتاق وجوده له، وبالتالي العذاب الدائم هو من الرحمة العامة، وأمَّا الرحمة الخاصة فليس لها علاقة بالموضوع ومحلّ البحث.[٣٨]

بحسب عقيدة ابن عربي أنَّ ذات بعض الأشخاص خلقت وعجنت بالرحمة والشفقة، ولو أجاز الله سبحانه وتعالى أن يدير هؤلاء أمور عبيده فسوف يزيل هؤلاء كل الآلام والصعاب من حياة الإنسان، والحال أنَّ الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين والرحمة فيه أشد وأولى، وبالتالي يستطيع أن يزيل العذاب بشكلٍ تامٍّ عن عبيده؛ لأنَّه هو قد وصف نفسه بكونه أرحم الراحمين.[٣٩]

العذاب الأبدي والعدل والحكمة الإلهية

بعض علماء المسلمين رأوا أنَّ مسألة خلود العذاب تتعارض مع العدل الإلهي؛ ومن هنا طرحوا هذا السؤال: لماذا الشخص يقوم بعمل غير صالح في هذه الدنيا في مدة محدودة، وجزاءه أنَّه يخلَّد محترقًا للأبد في جهنَّم؟![٤٠]

وهناك فئة أخرى من العلماء كذلك رأت أنَّ العذاب الأبدي متنافٍ مع حكمة الله سبحانه وتعالى[٤١] وادَّعوا أنَّ خلق موجودٍ يعذَّب إلى ما لا نهاية أمر مخالف للحكمة.[٤٢]

في الطرف المقابل قام الشيخ علي رباني الگلپایگاني وهو أحد المتخصصين في علم الكلام، وذكر أنَّ العذاب الأبدي لا يتنافى مع العدل الإلهي؛ لأنَّ مراعاة إعطاء المجرم ما يستحقه ليس الأمر ينظر له في جانب الزمان فقط، بل لابد من النظر إلى جانب عظم الجرم والمفاسد الكبيرة، فالعقلاء في قوانين العقوبات لديهم نلاحظ أنَّه عندما يقوم الشخص بالإخلال بالنظام الاجتماعي كالقتل وغيرها من الجرائم يحكم على الشخص بالحبس المؤبد، فالجريمة وقتها قليل لكن مفسدتها طويلة وعظيمة، فكذلك الأمر بخصوص العذاب الأبدي، ما يقوم به المجرمون بلحاظ المفاسد عظيم، فلا يتنافى مع خلود العذاب.[٤٣]

وذكر أيضًا أنَّ العذاب من آثار ما جعله الإنسان في نفسه من حقيقة الشَّقاء، وليس العذاب من آثار الأفعال المحدودة التي قام بها، والنتيجة هي عدم تنافي العذاب الأبدي مع حكمة الله؛ لأنَّ المسألة تكوينية.[٤٤]

تبيين العذاب الأبدي بحسب نظرية تجسم الأعمال

بعض علماء الدين رأوا أنَّ الطريقة الوحيدة لتصوير تناسب العذاب الأبدي مع العدل الإلهي هو نظرية تجسُّم الأعمال[٤٥]، وبنظرهم أنَّ عدم تناسب العذاب مع العدل الإلهي ناشئ من من العقيدة القائلة بعدم وجود علاقة حقيقية وتكوينية بين معاصي الإنسان والجزاء الإلهي؛ إذ بعض العلماء وإن اختلفوا في تصوير وتبرير كيفية العقاب الأخروي على عشر نظريات إلا أنَّ هذه النظريات كلها اشتركت في هذا الأمر وهو اعتباريَّة الجزاء وتوافقيته أي عدم وجود علاقة تكوينية بين العذاب والمعصية، وبعبارة واضحة: إذا كان العذاب على الإنسان بتوسط وخلق الله سبحانه وتعالى فهذا هو معنى القول باعتبارية الجزاء.[٤٦]

وهذه العقيدة التي ترى عدم العلاقة التكوينية بين العمل والجزاء -أي بمعنى خلق الله سبحانه وتعالى للعذاب- ولَّدت مجموعة من الأسئلة بحيث لم تتمكن من تصويرٍ معقولٍ لمسألة العذاب الأبدي في الآخرة، ومن هنا اتجه بعض العلماء من أجل تصوير معقول لمسألة خلود العذاب إلى القول بالعلاقة التكوينية بين العمل والجزاء -أي أنَّ العذاب من العمل نفسه، وليس من الصحيح تصوير النَّار بأنَّنا نلقى فيها يوم القيامة، بل النَّار تنشأ في باطن الإنسان تكوينًا لا بتوسط الله سبحانه وتعالى، فهي صورة العمل القبيح الذي خلقه الإنسان-، وبالتالي قادهم هذا الأمر إلى القول بنظرية تجسُّم الأعمال،[٤٧] وهذه النظرية تعرَّضت لعدة من الإشكالات وأجاب عن هذه الإشكالات بعض الباحثين في كتابه أجوبة الشبهات الكلامية[٤٨]، وفي الفترة المتأخرة تعرَّضت النظرية لانتقادات من بعض المتخصِّصين في علم الكلام وهو (السيد علي أبو الحسن) وأشار لعدة من الإشكالات عليها.[٤٩]

وفي الطرف المقابل في الفترة المتأخرة قام أحد المتخصصين الآخرين في هذا المجال، وهو الشيخ باسم الحلِّي وألّف كتاب (أصح الأقوال في تجسُّم الأعمال) وبيَّن في كتابه هذا أسس النظرية وبيانها وأجاب عن الإشكالات حولها، وخلص إلى القول بأنَّ نظرية تجسم الأعمال هي عبارة أخرى عن القول بالمعاد الجسماني، فلا يلزم على هذا البيان ما قيل في النظرية من لزوم انقلاب العرض إلى جوهر (بحث فلسفي)؛ لأنّ المتجسّم والمتمثِّل هو النفس عن طريقٍ بدن مثالي مناسب لذلك العالم وهذا البدن المثالي متناسب مع خيرية النفس أو شرّيتها.[٥٠]

وفي هذا المضمار نجد العلامة الطباطبائي حيث فسَّر الخلود على أساس المباني الفلسفية للحكمة المتعالية وبالخصوص القول بالحركة الجوهرية، واعتقد أنَّ الصور القبيحة إن لم تصبح هي ونفس الإنسان واحدة، أي أنَّ العمل القبيح لم يرسخ في داخل الإنسان، فإنَّ العذاب سوف يزول عنها بعد فترة، وأمَّا إذا صارت المعاصي أمر راسخ في داخل الإنسان بحيث صار جزءًا من حقيقته بحيث يصير هذا العمل القبيح مرضي عند الإنسان، ويصدر عنه بكلّ أريحيَّة، بدون تأنيب ضمير، أو ضغط نفسي، فهذا النوع مخلَّدٌ باقٍ متعذِّب في النَّار للأبد.[٥١]

الهوامش

  1. بلانیان و دهقانی محمودآبادی، «خلود در عذاب»، ص177.
  2. سورة آل عمران، آية 116؛ سورة البينة؛ آية 6؛ سورة الأحزاب، الآية 64-65.
  3. سورة البينة، آية 6؛ سورة الفرقان، الآية 68-69.
  4. سورة التوبة، آية 68؛ سورة المجادلة، الآية 14-17.
  5. قدردان قراملکی، «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۱»، ص130.
  6. بلانیان و دهقانی محمودآبادی، «خلود در عذاب»، ص178.
  7. رضایی هفتادر، «ارزیابی نظریه انقطاع عذاب جهنم»، ص34.
  8. عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الکریم.
  9. العلامة الطباطبائي، المیزان في تفسير القرآن، ج1، ص412.
  10. الشيخ الصدوق، التوحید، ص407-408؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج8، ص34، 351.
  11. من أجل المثال لاحظ: العلامة الحلي، کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص561؛ التفتازاني، شرح المقاصد، ج5، ص134؛ الشريف الجرجاني، شرح المواقف، ج8، ص307؛ الفاضل المقداد، اللوامع الإلهية، ص441.
  12. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص474؛ البغدادي، الفرق بین الفرق، ص115، 118-119؛ وكذلك لاحظ: القاضي عبدالجبار، شرح الأصول الخمسة، ص650.
  13. الفخر الرازي، المحصل، ص566؛ التفتازاني، شرح المقاصد، ج5، ص131؛ الشريف الجرجاني، شرح المواقف، ج8، ص308-309.
  14. قدردان قراملکی،‌ «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۲»، ص125.
  15. قدردان قراملکی،‌ «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۲»، ص125.
  16. قدردان قراملکی،‌ «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۲»، ص125.
  17. قدردان قراملکی،‌ «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۲»، ص126.
  18. قدردان قراملکی،‌ «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۲»، ص126.
  19. قدردان قراملکی،‌ «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۲»، ص127.
  20. جوادي آملي، تفسير تسنیم، ج39، ص436؛ قدردان قراملکی،‌ «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۲»، ص128.
  21. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص474.
  22. ساطع و رفیعا، «مقایسه دیدگاه امام خمینی در باب خلود با سایر آرا مخالف و موافق»، ص79.
  23. ابن عربي، الفتوحات المكية، ج1، ص114، 303.
  24. قدردان قراملکی، «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۲»، ص121.
  25. يزدان بناه 2 ( أسرار كتاب فصوص الحكم| العرفان الحضاري | المشروع الفلسفي)
  26. ساطع و رفیعا، «مقایسه دیدگاه امام خمینی در باب خلود با سایر آرا مخالف و موافق»، ص95.
  27. ساطع و رفیعا، «مقایسه دیدگاه امام خمینی در باب خلود با سایر آرا مخالف و موافق»، ص95.
  28. قدردان قراملکی، «تأملی در جاودانگی عذاب کفار (مخالفان نظريه خلود ٢)»، ص120.
  29. الشيخ المفيد، أوائل المقالات، ص14؛ الشيخ المفيد، رسالة شرح عقائد الصدوق، ص55؛ المحقق الطوسي، تجرید الاعتقاد، ص304، العلامة الحلي، کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص561؛ الفاضل المقداد، اللوامع الإلهية، ص441- 443.
  30. الشيخ المفيد، أوائل المقالات، ص46.
  31. الملا صدرا، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج4، ص307-310
  32. العلامة الطباطبائي، تفسير الميزان، ج1، ص412-413.
  33. من أجل المثال لاحظ: المحقق الطوسي، تجرید الاعتقاد، ص304؛ العلامة الحلي، کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص561-563؛ الفاضل المقداد، اللوامع الإلهية، ص443-445.
  34. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج8، ص363.
  35. من أجل المثال لاحظ: المحقق الطوسي، تجرید الاعتقاد، ص304؛ العلامة الحلي، کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص561-563؛ الفاضل المقداد، اللوامع الإلهية، ص443-445.
  36. ساطع و رفیعا، «مقایسه دیدگاه امام خمینی در باب خلود با سایر آرا مخالف و موافق»، ص79.
  37. جوادي آملي،‌ تفسير تسنیم، ج39، ص431 (فارسى)؛ بطحایی، «رحمت الهی و خلود دوزخیان»، ص35.
  38. العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص415.
  39. ابن عربي، الفتوحات المکیة، ج3، ص25.
  40. جوادي آملي، تفسير تسنيم (فارسى)، ج2، ص483.
  41. قدردان قراملکی، «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۳»، ص133.
  42. بلانیان و دهقانی محمودآبادی، «خلود در عذاب»، ص179.
  43. الگلپایگاني، القواعد الكلامية (يبحث عن أصول عامة يعتمد عليها في حلّ المسائل الكلامية)، ص206.
  44. الگلپایگاني، القواعد الكلامية (يبحث عن أصول عامة يعتمد عليها في حلّ المسائل الكلامية)، ص206.
  45. قدردان قراملکی، «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۱»، ص۱۳۸.
  46. قدردان قراملكي، أجوبة الشبهات الكلامية (المعاد)، ج5، ص338- 369.
  47. قدردان قراملکی، «تأملی در جاودانگی عذاب کفار ۱»، ص137.
  48. قدردان قراملكي، أجوبة الشبهات الكلامية (المعاد)، ج5، ص391.
  49. السيد علي أبو الحسن (تجسم الأعمال)
  50. الحلِّي، أصح الأقوال في تجسم الأعمال(قراءة في المعاد الجسماني)، ص8.
  51. العلامة الطباطبائي، المیزان في تفسير القرآن، ج1، ص412-413.

المصادر والمراجع

  • ابن عربي، محمد بن علي، الفتوحات المکیة، بیروت،‌ دار صادر، د. ت.
  • الأشعري، علي بن إسماعیل، کتاب مقالات الإسلاميين و اختلاف المصلین، تحقیق هلموت ریتر، ویسبادن، 1980م
  • بطحایی، سید حسن، «رحمت الهی و خلود دوزخیان»، در مجله کلام اسلامی، العدد: 76، شتاء 1389ش.
  • البغدادي، عبدالقاهر بن طاهر، الفرق بین الفرق، طبعة محمد محیی الدین عبدالحمید، القاهرة.
  • بلانیان، محمدرضا و محمدحسین دهقانی محمودآبادی، «خلود در عذاب: با تکیه بر تقریری متفاوت از آموزه تجسم اعمال»، در مجله قبسات، العدد 74، شتاء 1393ش.
  • التفتازاني، مسعود بن عمر، شرح المقاصد، تحقیق عبدالرحمان عمیره، القاهرة، 1989م؛ طبعة أوفيست، قم، 1370-1371ش.
  • ثقفی تهرانی، محمد، روان جاوید: در تفسیر قرآن مجید، طهران، 1376ش.
  • الجرجاني، علی بن محمد، شرح المواقف، تحقیق: محمد بدر الدین النعساني الحلبي، مصر، 1907م؛ طبعة الأوفيست، قم، 1370ش.
  • جوادي آملي، عبدالله، تفسیر تسنیم، قم، إسراء، سنين مختلفة.
  • ساطع، نفیسه و مریم رفیعا، «مقایسه دیدگاه امام خمینی(س) در باب خلود با سایر آرای مخالف و موافق»، در مجله پژوهشنامه متین، العدد 62، ربيع 1393ش.
  • الشهرستاني، محمد بن عبدالکریم، الملل و النحل، تحقيق: أحمد فهمي محمد، القاهرة، 1948-1949م؛ طبعة الأوفيست، بیروت، د. ت.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي، التوحید، تحقیق: هاشم حسيني طهراني، قم، 1357ش.
  • العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، نشر اسلامى، الطبعة: الخامسة، 1417ق.
  • المحقق الطوسي، نصیر الدین محمد بن محمد، تجرید الاعتقاد، تحقیق: السيد محمد جواد الحسيني الجلالي، قم، 1407ق.
  • عبد الباري، فرج الله، یوم القیامة بین الإسلام و المسیحیة و الیهودیة، القاهرة، 2004م.
  • عبد الباقي، محمد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الکریم.
  • العلامة الحلي، حسن بن یوسف، کشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد، تحقیق: حسن حسن‌ زاده آملي، قم، دفتر نشر اسلامی، 1427ق.
  • الفاضل المقداد، مقداد بن عبدالله، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية، تحقیق: محمد علي قاضي طباطبائي، قم، 1337ش.
  • الفخر الرازي، محمد بن عمر، کتاب المحصل، تحقیق: حسین أتاي، القاهرة، 1911م.
  • القاضي عبدالجبار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة، تحقیق: عبد الکریم عثمان، القاهرة، 1988م.
  • قدردان قراملکی، محمدحسن، «تأملی در جاودانگی عذاب کفار»، در مجله کیهان اندیشه، الأعداد 72، 73، 74، من شهر خرداد إلى شهر آبان، 1376ش.
  • قدردان قراملكي، محمد حسن، أجوبة الشبهات الكلامية، ترجمة: موسى أحمد قصير، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، د. م، 2016م.
  • العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، بیروت، 1403ق.
  • الشيخ المفيد، محمد بن محمد، أوائل المقالات في المذاهب و المختارات و يليها رسالة شرح عقائد الصدوق أو تصحیح الاعتقاد، تحقیق: عباسقلی وجدی (واعظ چرندابی)، تبریز، 1330ش.
  • الملا صدرا الشيرازي، محمد بن إبراهيم، الأسفار (الحکمة المتعالیة في الأسفار العقلیة الأربعة)، بیروت، 1981م.
  • رضایی هفتادر، حسن، و محمدعلی اسماعیلی و سیفعلی زاهدی‌فر، «ارزیابی نظریه انقطاع عذاب جهنم در اندیشه دکتر صادقی تهرانی»، في مجلة البحوث القرآنية، العدد 92، خريف 1398ش.

وصلات خارجية